عبد الامير رويح
ما تزال عقوبة الإعدام احدى أبرز العقوبات التي تثير جدلا واسعا على الصعيد العالمي، محط اهتمام المنظمات الحقوقية، التي تدعو إلى الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام السارية في العديد من دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند ودول الشرق الاوسط. أما في الاتحاد الأوروبي فتمنع القوانين تطبيق هذه العقوبة بموجب ميثاق الحقوق الأساسية لدول الاتحاد. وفي نهاية عام 2020، كانت 108 بلدان (أكثر من نصف دول العالم) قد ألغت عقوبة الإعدام في القانون بالنسبة لجميع الجرائم، كما ألغت 144 دولة عقوبة الإعدام في القانون أو في الواقع الفعلي. سجلت منظمة العفو الدولية حالات تخفيف حكم الإعدام أو حالات عفو من الإعدام في 33 بلداً.
وسجلت منظمة العفو الدولية 483 عملية إعدام في 18 بلداً في عام 2020، وهو انخفاض بنسبة 26 في المئة من 657 عملية مسجلة في عام 2019. وهذا هو أقل عدد لعمليات الإعدام المسجلة لدى منظمة العفو الدولية منذ عقد من الزمن على الأقل. ونُفّذت معظم عمليات الإعدام المعروفة في الصين، وإيران، ومصر، والعراق، والسعودية – على هذا الترتيب. وظلت الصين تحتل المرتبة الأولى بين الدول التي نفذت عمليات إعدام في العالم- بيد أن الرقم الحقيقي لاستخدام عقوبة الإعدام في الصين لا يزال غير معروف لأن هذه المعلومات محظورة هناك باعتبارها من أسرار الدولة. واستُخدمت أساليب الإعدام التالية في شتى بلدان العالم في عام 2020: قطع الرأس، والصعق الكهربائي، والشنق، والحقنة المميتة، والرمي بالرصاص.
أكثر الدول
قالت منظمة العفو الدولية إن أربع دول في الشرق الأوسط من بين أكبر خمس منفذة لأحكام لإعدام في العالم في عام 2020. وتصدرت إيران، ومصر، والعراق، والسعودية القائمة بنسبة 88 في المئة من بين 483 حالة إعدام في جميع أنحاء العالم، وفقا لتقرير صادر عن المنظمة المعنية بحقوق الإنسان. واتهمت المنظمة تلك الدول بأن لديها “إصرارا قاسيا ومخيفا” على قتل الناس، على الرغم من تحديات وباء كوفيد-19.
وكان عدد حالات الإعدام في العالم أدنى من أي أعداد سابقة منذ عقد، لكن هذا لا يشمل الصين. وقالت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي حول استخدام عقوبة الإعدام إن العدد الإجمالي لتنفيذ أحكام الإعدام المسجلة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفض من 579 في 2019 إلى 437 في 2020. ويرجع سبب هذا الانخفاض إلى حد كبير إلى انخفاض نسبة الإعدامات المسجلة في السعودية بنسبة 85 في المئة، إذ نفذت هناك 27 حالة، وكانت نسبة الانخفاض في العراق 50 في المئة، حيث نفذت 45 حالة.
ويقول التقرير إن تلك الانخفاضات طغت عليها زيادة بنسبة بلغت 300 في المئة في مصر، حيث أُعدم 107 أشخاص، وأصبحت مصر بذلك ثالث أكثر الدول التي تنفذ أحكام الإعدام في العالم. وأدين من بين هؤلاء 23 شخصا في قضايا تتعلق بالعنف السياسي، بعد محاكمات وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها بالغة الظلم، وشابتها “اعترافات” قسرية وانتهاكات أخرى. كما سُجلت زيادة في تنفيذ أحكام الإعدام في 57 شخص في شهري أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني، بعد محاولة هروب فاشلة من سجن العقرب قُتل فيها عدد من ضباط الشرطة وسجناء محكوم عليهم بالإعدام.
وظلت إيران، التي نفذت 246 حكم إعدام على الأقل، في المرتبة الثانية عالميا بعد الصين. وقالت منظمة العفو إن السلطات الإيرانية تستخدم بشكل متزايد عقوبة الإعدام “سلاحا للقمع السياسي” لمواجهة المعارضين والمتظاهرين وأفراد الأقليات العرقية. كما نفذت إيران أحكام إعدام في ثلاثة أشخاص على جرائم وقعت عندما كانوا دون سن الـ18، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي.
واتهمت منظمة العفو قطر باتخاذ “خطوة تراجع مقلقة” بعد تنفيذ أول حكم إعدام منذ 20 عاما، فقد نفذت حكما بالإعدام رميا بالرصاص في رجل نيبالي أدين بجريمة قتل بالرصاص. وعزت هيئة حكومية في السعودية التراجع الحاد في تنفيذ أحكام الإعدام بالمملكة إلى “تعليق عقوبة الإعدام في الجرائم المتعلقة بالمخدرات”. لكن منظمة العفو قالت إن ذلك ربما كان راجعا أيضا إلى رغبة المملكة في تجنب الانتقادات بشأن القضية التي تلقي بظلالها على رئاستها لمجموعة العشرين.
وقالت هبة مورايف، مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، إن دول المنطقة “أظهرت إصرارا قاسيا ومخيفا على تنفيذ خطط لقتل الناس حتى خلال عام كان معظم العالم فيه يركز على حماية أرواح الناس من فيروس قاتل”. وأضافت: “على الرغم من وجود اتجاه عالمي واضح يُظهر أن معظم البلدان تبتعد عن استخدام عقوبة الإعدام، فإن تلك الدول تشكل أغلبية مجموعة معزولة بشكل متزايد من الجلادين الراسخين، على خلاف بقية العالم، وأدى هذا إلى تأجيج الغالبية العظمى من عمليات الإعدام حول العالم”.
امريكا
في السياق ذاته دعا عدد من خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بذل كل ما في وسعه لإنهاء عمليات الإعدام في الولايات المتحدة، على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات. وقال الخبراء إن “عقوبة الإعدام ممارسة بغيضة. ليس لها أي قيمة رادعة ولا يمكن التوفيق بينها وبين الحق في الحياة”. وأكد الخبراء أنه “على الرغم من ادعاء الدول المُبقية على عقوبة الإعدام بإمكانية تنفيذ عقوبة الإعدام بطريقة ’إنسانية‘، فقد أدت عمليات الإعدام مرارا وتكرارا إلى مشاهد مهينة. فعقوبة الإعدام هي شكل معيب بطبيعته من أشكال العقوبة التي تؤثر بشكل غير متناسب على الأمريكيين الأفارقة والأشخاص الذين يعيشون في فقر”.
كما يستمر فرض عقوبة الإعدام بعد انتهاكات ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، مثل عدم حصول المتهم على دفاع قانوني فعال، وتجاهل الحقائق الأساسية، وفق ما ذكره الخبراء. وفي عام 2020، استأنفت الحكومة الفيدرالية الأمريكية عمليات الإعدام الفيدرالية، مما أسفر عن مصرع 13 شخصا على مدار ستة أشهر. وكان الخبراء قد أثاروا في السابق قضية ليزا مونتغمري التي تم إعدامها على الرغم من كونها ضحية لمستوى شديد من الإيذاء الجسدي والجنسي طوال حياتها ومعاناتها من حالة صحية عقلية، وهما حقيقتان أساسيتان أخفقت الإجراءات القانونية في النظر فيهما بشكل هادف كما قال الخبراء.
“ندعو الرئيس بايدن على وجه السرعة إلى تخفيف عقوبات 48 فردا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام عليهم حاليا بسبب جرائم فيدرالية، معظمهم ينتظرون تنفيذ الحكم منذ عقد أو أكثر. يجب أن تكون هذه مجرد خطوة أولى. كما نحث الرئيس وأعضاء الكونغرس على دعم الجهود التشريعية بقوة لإلغاء عقوبة الإعدام رسميا على المستوى الفيدرالي”. “في غضون ذلك، يجب على الرئيس بايدن النظر في جميع الإجراءات الأخرى المحتملة على المستوى الفيدرالي بما في ذلك توجيه وزارة العدل للتوقف عن السعي إلى عقوبة الإعدام وسحب الإشعارات بالنية التي تسعى إلى عقوبة الإعدام في القضايا الجارية”.
وقال الخبراء: “يجب أيضا اتخاذ إجراءات للتصدي لعقوبات الإعدام الصادرة على مستوى الولاية”، مشيرين إلى أن الرئيس بايدن التزم خلال حملته الانتخابية بالعمل على تحفيز الدول على إلغاء عقوبة الإعدام. وشدد الخبراء على ضرورة استكشاف إمكانية ربط بعض أشكال التمويل الفيدرالي بأحكام بديلة وفرض حظر على بيع ونقل المواد الكيميائية المستخدمة في الحقن المميتة.
ونفذت السلطات الفدرالية الأميركية حكم إعدام هو الثالث عشر والأخير خلال ستة أشهر، وفق ما أفادت وسائل إعلام، ضمن سلسلة إعدامات غير مسبوقة ستصم عهد الرئيس دونالد ترامب. وتلقى داستن هيغز وهو رجل أسود يبلغ 48 عاما، حقنة قاتلة في سجن تير هوت الفدرالي في إنديانا، وفق ما أوردت صحيفة نيويورك تايمز.
عام 2000، حُكم عليه بالإعدام بتهمة الخطف والقتل. أما الشخص الذي أطلق النار فحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بدون احتمال الحصول على إفراج مشروط. وقال محامي هيغز، شاون نولان، في طلب استرحام وُجّه إلى ترامب “إن معاقبة هيغز أكثر من القاتل هو أمر تعسفي وغير عادل”. وكما فعل في ملفات أخرى، تجاهل الرئيس الجمهوري القضية، علماً أنه مدافع شرس عن الإعدام. ولجأت إدارته إلى المحاكم للتمكن من تنفيذ أحكام الإعدام قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير.
وأرجأت محكمة تنفيذ حكم الإعدام بحق هيغز لأنه أُصيب بفيروس كورونا المستجدّ إذ إنه قد يعاني أكثر لحظة إعطائه الحقنة القاتلة. واستأنفت وزارة العدل فوراً الحكم وربحت القضية. ورفضت المحكمة العليا التماساً أخيراً كان يتناول مسائل متعلقة بالاختصاص. وكان ترامب أحدث تغييرات عميقة في أعلى سلطة قضائية في البلاد التي باتت تضمّ ستة قضاة محافظين من أصل تسعة، وقد أعطوا تلقائياً الضوء الأخضر لتنفيذ أحكام الإعدام الفدرالية منذ الصيف. ورغم رفض عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة وحول العالم، استأنفت إدارة ترامب عمليات الإعدام الفدرالية في تموز/يوليو بعد توقف استمر 17 عاما، في وقت علّقت الولايات تنفيذ أحكام الإعدام لتقليل خطر تفشي كوفيد-19.
ومذاك، تلقى 12 أميركياً حقناً قاتلة في تير هوت، من بينهم وللمرة الاولى منذ قرابة 70 عاما، امرأة أُعدمت رغم الشكوك حول صحتها العقلية. ويقول مدير مركز المعلومات حول عقوبة الإعدام ريتشارد دانهام “لم يحصل أبداً هذا العدد من الإعدامات الفدرالية في فترة زمنية قصيرة إلى هذا الحدّ”. ويضيف “عدد المدنيين الأقصى الذين أعدمتهم السلطات الفدرالية كان 16 في العام 1896″، مقابل 13 شخصاً أُعدموا حاليا خلال ستة أشهر.
ومع هيغز يُصبح عدد الأشخاص الذين أُعدموا منذ فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، ستة وهذا أيضاً أمر غير مسبوق، وفق دانهام. ويذكّر دانهام بأن “تاريخياً، يركّز الرؤساء في نهاية ولاياتهم على العفو وتخفيف الأحكام” مؤكداً أن قبل ترامب لم يستخدم أي رئيس منتهية ولايته “صلاحيته لقتل أشخاص بدلاً من تجنيبهم” القتل. بحسب فرانس برس.
وإضافة إلى الوتيرة غير المسبوقة، تعكس مواصفات المُدانين بحسب الخبير، مشاكل متكررة في تنفيذ أحكام الإعدام في الولايات المتحدة. إذ إن من بين الذين أُعدموا، هناك عدد كبير من الأشخاص ذات البشرة الملونة (سبعة من أصل 13) وشخصان يعانيان من إعاقات ذهنية شديدة وآخران يعنيان من اضطرابات عقلية وأيضاً شخصان كانا بالكاد بالغين عندما ارتكبا جرائمهما. وأكد الديموقراطي جو بايدن، خلال حملته الانتخابية معارضته عقوبة الإعدام ووعد بأن يعمل مع الكونغرس لمحاولة إلغائها على المستوى الفدرالي.
أحكام عن بعد
من جانب اخر أصدر قاض في سنغافورة حكما بالإعدام على رجل عبر منصة زوم للاتصال عن طريق الفيديو عقابا له على دوره في صفقة مخدرات، وذلك في واحدة من بين قضيتين اثنتين فقط صدرت فيهما أحكام الإعدام عن بعد. واستمع رجل ماليزي يُدعى بونيتان جيناسان ويبلغ من العمر 37 عاما إلى الحكم الصادر بإعدامه شنقا لتدبيره صفقة للهيروين عام 2011 حسبما أظهرت وثائق المحكمة فيما تفرض سنغافورة حالة العزل العام لاحتواء تفشي فيروس كورونا.
وقال متحدث باسم المحكمة العليا في سنغافورة ”من أجل سلامة كل المشاركين في المداولات، انعقدت الجلسة عبر الفيديو“. وأشار إلى القيود المفروضة للحد من انتشار الفيروس. وأضاف أن هذه هي أول قضية جنائية يصدر فيها حكم بالإعدام عن بعد في سنغافورة. ووجهت جماعات حقوقية انتقادات لاستخدام اتصالات الفيديو لإصدار أحكام الإعدام بما في ذلك قضية في نيجيريا قالت جماعة (فير ترايلز) لمراقبة العدالة الجنائية إنها كانت أول قضية يصدر فيها حكم الإعدام عن بعد. بحسب رويترز.
وقال بيتر فرناندو محامي جيناسان إنه لا يعترض على صدور الحكم على موكله عبر منصة زوم. وأضاف أن صوت القاضي كان واضحا لكن موكله يفكر في الاستئناف ضد الحكم. وتأجلت جلسات قضائية كثيرة في سنغافورة أثناء فترة العزل العام لكن القضايا التي اعتُبرت ضرورية عُقدت جلساتها عن بعد. وقال فيل روبرتسون نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في آسيا ”استخدام سنغافورة لعقوبة الإعدام أمر قاس وغير إنساني بطبيعته واستخدام تكنولوجيا الاتصال عن بعد مثل زوم للحكم على إنسان بالإعدام يزيد الأمر سوءا“. وقالت كيارا سانجيورجيو الخبيرة في عقوبة الإعدام لدى منظمة العفو الدولية ”سواء كانت عبر زوم أو حضوريا، تظل عقوبة الإعدام دائما قاسية وغير إنسانية“.
رابط المصدر: