أ. حكيم نجم الدين
أفادت تقارير بأن معدل التلقيح من وباء كورونا في إفريقيا يُعَدّ هو الأقل بين معدلات التلقيح في جميع القارات الأخرى؛ ففي جنوب إفريقيا تتعثر عمليات التلقيح؛ بالرغم من أن نسبة الوفيات من الوباء في جنوب إفريقيا تُعَدّ الأسوأ في القارة الإفريقية، ورغم أنها أول دولة إفريقية تمكَّنت في يناير الماضي من تأمين نسبة من اللقاحات.
وإذا كانت حملات التلقيح لا تزال جارية في مختلف الدول الإفريقية؛ حيث طرحت 49 دولة لقاحات الوباء والتلقيح بأكثر من 22 مليون جرعة؛ فقد قُدِّر في مايو الماضي أن جمهورية سيشل هي الدولة الإفريقية الوحيدة في جنوب صحراء القارة التي أنجزت أكثر من 60 في المئة من عمليات تلقيح مواطنيها, ثم غانا (2.71 في المئة), والسنغال (2.39 في المئة), وزيمبابوي (1.97 في المئة), وكينيا (1.53 في المئة), ونيجيريا (0.6 في المئة), وجنوب إفريقيا (0.5 في المئة).
فما أسباب بطء التلقيح في الدول الإفريقية؟
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى بطء عمليات التلقيح في الدول الإفريقية، نذكر أهمها فيما يلي:
جرعات قليلة وموارد شحيحة:
أدت قلة الوصول إلى لقاحات كورونا وتباطؤ البرلمان في الموافقة على مقترحات أو مشاريع القانون بشأن اللقاحات إلى بطء عمليات التلقيح، وخاصة في الدول الإفريقية الأربعين التي تعتمد على جرعات من COVAX ومعهد السيروم الهندي الذي أوقف تحويل اللقاحات إلى إفريقيا بسبب الارتفاع المفاجئ لنسبة الإصابات بكورونا في الهند.
وبحسب منظمة الصحة العالمية, لم تلقّح إفريقيا حتى منصف مايو الماضي إلّا 1 في المئة فقط من عدد 1.3 مليار لقاح موزع في جميع أنحاء العالم, وهو ما أدَّى إلى دعوة منظمة الصحة العالمية إلى أن الحل الأسرع والمناسب حاليًا يتمثل في أن تجعل البلدان الإفريقية أولويتها في الحصول على الجرعة الأولى (دون انتظار الثانية)، وتوصيلها لأكبر عدد ممكن من المواطنين الأكثر عرضة للمخاطر؛ نظرًا لقِصَر تاريخ انتهاء صلاحية بعض هذه اللقاحات.
ومما يساهم في تأخير عمليات التلقيح أن هناك نقصًا للموارد التي تتطلبها العملية، ولا يزال هناك حاجة لتدريب المهنيين. كما أن هناك ضعفًا في التخطيط، بما في ذلك استهداف الفئات ذات الأولوية والسكان في المناطق النائية. وقد أشار تقرير إلى أن ثماني دول إفريقية فقط هي التي تمكّنت من استخدام جميع جرعاتها من COVAX، بينما لقّحت تسع دول بأقلّ من ربع جرعاتها، واستخدمت 15 دولة فقط أقل من نصف جرعاتها.
وللتغلب على تحديات الموارد لتنفيذ عمليات التلقيح, خصَّصت عدة دول إفريقية أموالًا لتغطية تكلفة الدفعة الأولى من اللقاحات وتوظيف عاملين صحيين. ومع ذلك, يتطلب ارتفاع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى التلقيح، وصعوبة توصيل اللقاحات إلى المناطق النائية والمدن الكبرى مزيدًا من التمويل. إضافة إلى أن هناك ضعفًا التواصل بين الأطراف المعنية لتعزيز استيعاب اللقاحات وجمع البيانات المهمة والتحقق من بطاقات التحصين وطرق توزيع الجرعة.
وقد قدّر البنك الدولي مؤخرًا حاجة إفريقيا إلى حوالي 12 مليار دولار أمريكي للقيام بتلقيح عددٍ كافٍ من سكانها وحمايتهم من وباء كورونا. بل بالرغم من أن شركاء COVAX تعهدوا بتوفير حوالي 30 في المئة من جرعات اللقاح المحتاجة في إفريقيا بشكل مجاني؛ لا تزال هناك تحديات حول تمويل النسبة الباقية (70 في المئة) من اللقاحات وطريقة الاستثمار في الأنظمة الأساسية التي تحتاجها معظم الدول لطرح التلقيح.
وقد طبقت بعض الدول الإفريقية نماذج بديلة فعَّالة في التلقيح, حيث اعتمدت بوتسوانا ورواندا ودول أخرى أكثر من ثلاثة أنواع مختلفة من لقاحات كورونا لتلقيح مواطنيها. وهذه الطريقة ستعزّز كمية التلقيح وحماية الأشخاص المعرضين لخطر الوباء؛ حتى وإن كان وجود بيانات متناقضة وإشاعات مختلفة حول سلامة كل لقاح وفعاليته قد يصعّب عمليات الترويج لأهمية التلقيح من قبل حكومات الدول الأخرى.
مأمونية اللقاح ومعارضة التطعيم:
لا تزال المخاوف حول سلامة اللقاحات ومأمونيتها محل جدل ونقاش في العديد من الدول الإفريقية. وهذه حالة ليست خاصة بإفريقيا؛ حيث تُثار هذه المخاوف أيضًا في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد أوقفت عدة دول في القارة عملية التلقيح؛ سواء بشكل مؤقَّت، أو بسبب قلق حول آثار جانبية للقاح أو سلامة الملقَّحِين.
من جانب آخر, أبدى مواطنو الدول الإفريقية شكوكهم بشأن طريقة توزيع اللقاحات وإدارة حملات التلقيح في دولهم واستحواذ مسؤولين ونُخَب سياسية على كميّة معينة منها لاستفادتهم الخاصة. وقد انتشرت شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مفادها أن هناك أجندات خفية وراء لقاح كورونا؛ إذ يُعتَقد أنه يهدف إلى السيطرة على تعداد السكان من خلال التأثير في الخصوبة, وهو ما ساهم في تخويف المواطنين وترددهم حيال التسجيل للتلقيح.
جدير بالذكر أن نسبة كبيرة من سكان القارة لا يزالون يعتبرون وباء كورونا واقعًا حقيقيًّا, ولا يزالون يرون أن أخذ اللقاح أفضل مِن لا شيء. ومع ذلك, كانت سجلات التلقيح القديمة لأزمات أوبئة سابقة في القارة والمخاوف المثارة حول لقاح كورونا المستجد؛ كلها تجعل القارة في حاجة ماسة إلى تعزيز آلياتها لتتبّع الآثار الجانبية الضارة بعد التلقيح، والإبلاغ عنها لمسؤولي الصحة. كما أن هناك حاجة للتحقيق في الأحداث الضائرة بشأن كورونا وتبادل المعلومات القائمة على الحقائق حول فوائد اللقاح ومخاطره بين السكان.
اضطرابات في الخدمات الصحية:
ساهم في تباطؤ عمليات التلقيح أيضًا ما شهدته قرابة ثلث الدول الإفريقية من اضطرابات في خدماتها الصحية وخططها للتحصين؛ نتيجة تداعيات السياسات الهادفة للحدّ من وباء كورونا ومستلزمات تنفيذ التلقيح واستخدام اللقاح قبل انتهاء صلاحيته.
وقد أجبرت هذه الاضطرابات تلك الدول إلى إعادة توزيع موظفيها الصحيين لتقديم الإغاثة من كورونا كضرورة عاجلة، وهو ما أدَّى إلى نقص حادّ في أعداد مسؤولي الصحة القائمين بحملات صحية أخرى أو مسؤولين برعاية حالات مرضية أخرى.
ففي عام 2020م أخّرت 15 دولة إفريقية حملات التحصين ضد الحصبة؛ بسبب اهتمام للتعامل مع أزمة كورونا؛ لم تُنهِ حملاتها حتى الآن إلا سبع دول فقط، بينما علّقت باقي الدول الثمانية الباقية حملاتها, ممَّا يُشكِّل خطر تفشي مرض الحصبة من جديد. وهناك دعوات مِن قِبَل العلماء مفادها أن العاملين في مجال الصحة أولى بالتلقيح ضد كورونا.
وأخيرًا, أكّدت معظم الحكومات الإفريقية أن طرحها للقاح كورونا سيكون مجانيًّا، وأن إدارته ستكون على مراحل. ورغم الشكوك حول إمكانية التلقيح في كل الدول في المدى القصير, إلا أن العلماء الأفارقة يراهنون على خبرات القارة السابقة في مجال التحصين والتلقيح. وعلى حدّ تعبير “جون نكينجاسونج” – رئيس المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض (CDC):
“تعرف القارة بأكملها كيفية التلقيح وتقوم بالتلقيح ضد الأمراض الأخرى. ولكنَّ المفتاح هو كيفية زيادة ذلك و(تنفيذ عمليات التلقيح) بسرعة”.
رابط المصدر: