لماذا تستهدف إسرائيل قوات حفظ السلام الأممية “اليونيفيل” الموجودة في جنوب لبنان؟

تُعد عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة واحدة من أذرع المنظمة الأممية لتعزيز السلم والأمن في المناطق التي تشهد صراعات وحروبًا، وتتكون عمليات حفظ السلام من مجموعة متنوعة من العناصر البشرية؛ كالقوات العسكرية والشرطة والموظفين المدنيين، بالإضافة إلى العناصر المادية كالمعدات والمباني التي تمتلكها بعثة حفظ السلام. وستقوم هذه الورقة البحثية بتسليط الضوء على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”، التي وجهت اتهامات للجيش الإسرائيلي بأنه تعمد إطلاق النار على المقرات التابعة لها وكذلك عناصرها الذين تعرضوا لإطلاق نار في بلدة الناقورة اللبنانية حيث مقر قيادتها، وفي مواقع أخرى. ويُشكل ما يحدث تطورًا خطيرًا على اعتبار أن أي هجوم متعمّد على جنود حفظ السلام، يُعد انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنساني الدولي. 

بعد أن قام الجيش الإسرائيلي بإنهاء عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عام 1978، قامت الأمم المتحدة بإنشاء قوة حفظ سلام مؤقتة تُعرف باسم قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”، وكان الهدف من نشر هذه القوات استعادة السلام والأمن الدوليين ومساعدة الحكومة والجيش اللبنانيين في استعادة السيطرة على الحدود مع إسرائيل، ويمكن استعراض هيكل وتنظيم اليونيفيل، ونطاق عملياتها ومهامها وتمويلها، بالاعتماد على الموقع الرسمي لليونيفيل، وذلك على النحو التالي:

  • عدد الدول المشاركة وحجم القوات: نجد أن عدد الدول التي تتألف منها اليونيفيل 50 دولة، أبرزها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية وبنغلاديش وغانا وإندونيسيا وتنزانيا وماليزيا. ويبلغ عدد قوات اليونيفيل نحو 10 آلاف جندي وتضم اليونيفيل قوات بحرية انتشرت في أكتوبر2006 بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية لمساعدة بحريتها في تأمين المياه الإقليمية، ومنع دخول السلاح غير المرخص أو المواد ذات الصلة إلى لبنان عن طريق البحر.
  • مناطق الانتشار: تنتشر اليونيفيل في جنوبي لبنان، ومنطقة عملياتها محدَّدة بين نهر الليطاني شمالًا والخط الأزرق جنوبًا. والخط الأزرق هو خط الانسحاب الذي وُضع عام 2000 من قِبل الأمم المتحدة، بالتعاون مع المسئولين اللبنانيين والإسرائيليين، لتأكيد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية بما يتفق مع قرار مجلس الأمن رقم 425 لسنة 1978، كما أن الخط الأزرق ليس خطًّا للحدود السياسية بين لبنان وإسرائيل، لكنه خط أمني تم الاتفاق عليه بين أطراف الصراع، ويمتد مسافة 120 كيلومترًا على طول حدود لبنان الجنوبية. ويقع المقر الرئيسي لقوة اليونيفيل في بلدة الناقورة. وإضافة إلى ذلك، تنتشر اليونيفيل بحرًا (القوة البحرية) على امتداد الساحل اللبناني بأكمله. https://unifil.unmissions.org/sites/default/files/brf125_2407_m2k5v1aou08x12l.jpg

Source: https://unifil.unmissions.org/unifil-maps

  • مهام اليونيفيل: تستند اليونيفيل لقراري مجلس الأمن ٤٢٥ (١٩٧٨) و٤٢٦ (١٩٧٨) الصادرين في ١٩ مارس ١٩٧٨، فقد أُنشئت اليونيفيل لقيام انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وإعادة السلام والأمن الدوليين ومساعدة حكومة لبنان على بسط سلطتها الفعلية في المنطقة. وقد تم إضافة مزيد من المهام لليونيفيل، وذلك وفقًا لقرار مجلس الأمن ١٧٠١ (٢٠٠٦) الصادر في ١١ أغسطس ٢٠٠٦، فإن اليونيفيل، وإضافة إلى تنفيذ مهامها بموجب القرارين ٤٢٥ و٤٢٦، سترصد وقف الأعمال العدائية، ومرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية خلال انتشارها في جميع أنحاء جنوب لبنان، بما في ذلك على طول الخط الأزرق، بينما تسحب اسرائيل قواتها المسلحة من لبنان، وتنسق الأنشطة المشار اليها مع حكومة لبنان وحكومة إسرائيل، وتقدم مجهوداتها للمساعدة على ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين والعودة الطوعية والآمنة للنازحين، ومساعدة القوات المسلحة اللبنانية في اتخاذ خطوات ترمي إلى إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي عناصر مسلّحة موجودة وأسلحة غير تابعة لحكومة لبنان وقوة اليونيفيل المنتشرة في هذه المنطقة، ومساعدة حكومة لبنان، بناء على طلبها، في تأمين حدودها وغيرها من نقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة أو الأعتدة ذات الصلة إلى لبنان دون موافقته.

اتصالًا بما سبق ذكره، نجد أن ولاية اليونيفيل تندرج تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني تقييد استخدامها للقوة للدفاع عن النفس، واقتصار مهامها على رصد الانتهاكات والابلاغ عنها، بينما إذا تم إدراج ولاية اليونيفيل تحت الفصل السابع، ستتمكن قوة حفظ السلام من استخدام القوة لمواجهة الانتهاكات، وإنفاذ أحكام القرار 1701 بفاعلية.

  • التمويل: تتلقى اليونيفيل” تمويلها من موازنة الأمم المتحدة المخصصة لعمليات حفظ السلام، التي تحدد بناء على إسهامات الدول الأعضاء، وتخصص لتغطية تكاليف العمليات والرواتب واللوجستيات والصيانة، مما يخولها القيام بالمهام المنوط بها في نطاق جنوب لبنان.

 يستهدف الجيش الإسرائيلي بعثة “اليونيفيل” التي تعمل في جنوب لبنان، وهو ما أدى إلى تعرضها لخطر شديد للغاية، ويمكن تناول مظاهر التصعيد الإسرائيلي حيال ” اليونيفيل”، وذلك استنادًا على البيانات الرسمية الصادرة عن “اليونيفيل“، الصادرة خلال الأسابيع الأولى من شهر أكتوبر 2024، وذلك على النحو التالي: 

  • الهجوم على المقرات التابعة لليونيفيل: عمل الجيش الإسرائيلي على استهداف المقرات التابعة لليونيفيل، ومحاولة تدميرها؛ إذ تعرض المقر العام لليونيفيل في الناقورة جنوب لبنان والمواقع المجاورة للقصف الإسرائيلي في العاشر من أكتوبر 2024، بالإضافة إلى ذلك، أطلق جنود الجيش الإسرائيلي النار على موقع الأمم المتحدة 1-31 بالقرب من الخط الازرق في منطقة اللبونة جنوب لبنان، وهو ما أسفر عن تدمير مدخل التحصينات التي كان يحتمى بها جنود حفظ السلام. كما تعرّض المقرّ العام لليونيفيل في الناقورة لانفجار للمرة الثانية في 11 أكتوبر 2024، وهو ما أسفر عن انهيار عدة جدران المقر التابع للأمم المتحدة رقم 1-31، بالقرب من الخط الأزرق في اللبونة، وقد حدث ذلك جرّاء اصطدام جرافة إسرائيلية بمحيط الموقع، وتحرك دبابات إسرائيلية بالقرب من موقع مقر الأمم المتحدة.
  • استهداف قوات اليونيفيل: عمل الجيش الإسرائيلي على استهداف القوات التابعة لليونيفيل، فقد أسفرت الهجمات الإسرائيلية في العاشر من أكتوبر عن إصابة جنديين من حفظة السلام بعد أن أطلقت دبابة ميركافا تابعة للجيش الإسرائيلي النار من سلاحها باتجاه برج مراقبة في مقر اليونيفيل في الناقورة، كما أصيب جنديان من قوات حفظ السلام في 11 أكتوبر 2024، وذلك بعد وقوع انفجارين بالقرب من برج مراقبة، كما قد أُصيب جندي كان يوجد في المقر العام لليونيفيل في الناقورة بإطلاق نار بسبب نشاط عسكري إسرائيلي وقد خضع الجندي لعملية جراحية في مستشفى البعثة في الناقورة لإزالة الرصاصة.
  • إلحاق الضرر بممتلكات اليونيفيل: عمل الجيش الإسرائيلي على استهداف ممتلكات اليونيفيل، ففي العاشر من أكتوبر ألحق الجيش الإسرائيلي أضرارًا بالمركبات التابعة لليونيفيل ونظم الاتصالات، وفي الثامن من أكتوبر 2024، قام جنود الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار بشكل متعمد على كاميرات مراقبة في محيط موقع البعثة وقاموا بتعطيلها.

واتصالًا بما سبق ذكره، نجد أن الهجمات الإسرائيلية ضد اليونيفيل قد أثارت انتقادات دولية، وهو ما اتضح جليًا في تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي طلب من إسرائيل عدم استهداف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة خلال الصراع مع حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى ذلك، قد أصدرت أكثر من أربعين دولة مشاركة في قوات اليونيفيل بيانًا في 12 أكتوبر 2024، لإدانة الهجمات التي تعرضت لها اليونيفيل، كما قدمت الدعم الكامل لقوة اليونيفيل، وحثّت على حماية عناصرها. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد دعت عدد من الدول الأوروبية؛ كإسبانيا وفرنسا إلى وقف بيع الأسلحة لإسرائيل، وذلك على اعتبار أن ذلك الوسيلة الوحيدة لإنهاء الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وهو ما يعني دخول الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في صدام مع القوى الأوروبية.

نجد أن السياق الذي تعمل فيه بعثة “اليونيفيل” يتسم بالتوتر؛ إذ يقوم الجيش الإسرائيلي بشن هجمات مقصودة ومباشرة لمواقع اليونيفيل وكذلك استهداف أفرادها الموجودين في جنوب لبنان، وهو ما يؤثر في معنوياتهم وقدرتهم على أداء مهامهم. وفي ضوء ذلك، فمن المُحتمل أن تتراجع قدرة اليونيفيل على تنفيذ مهامها المتعلقة بمراقبة الحدود بين إسرائيل ولبنان، بالإضافة إلى الحد من حرية حركة قوات اليونيفيل، وذلك تخوفًا من التعرض للقصف العسكري من الجانب الإسرائيلي، وهو ما سيؤدي إلى إضعاف فاعلية اليونيفيل، وهو ما تريده إسرائيل، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

  • الرغبة الإسرائيلية في إجلاء قوات “اليونيفيل” : نجد أن هناك اتجاه سائدًا في الداخل الإسرائيلي ينتقد “اليونيفيل” باعتبارها غير فاعلة، وأن حزب الله يقوم بتوظيف قواعد اليونيفيل في شن هجمات ضد إسرائيل، ويستند هذا الاتجاه على أن أحد الصواريخ التي أطلقها حزب الله على إسرائيل في ديسمبر 2023 انطلق بالقرب من مجمع تابع لليونيفيل، ولذا يحاول الجيش الإسرائيلي إبعاد اليونيفيل عن المناطق الحدودية، وهو ما سيمنحه حرية الحركة لمواجهة حزب الله وتدمير البنية التحتية له. وقد تبلور هذا الهدف بشكل واضح من خلال تصريح مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة داني دانون عن استغرابه بشأن إصرار منظمة الأمم المتحدة بشأن إبقاء قوات “اليونيفيل” بمواقعها في جنوب لبنان، وقد اعتبر أن هذه الخطوة “غير مفهومة” بالنسبة لتل أبيب، وذلك على اعتبار أن عناصر حزب الله يستخدمون مواقع اليونيفيل كمخابئ وكمائن لهم. علاوة على ذلك، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة إلى إخلاء قوات “اليونيفيل” مواقعها في جنوب لبنان بشكل فوري متذرعًا بأن عدم إجلائها يجعلها “رهينة لحزب الله”. 
  • إقامة منطقة عازلة: إذا تمكنت إسرائيل من إجلاء قوات “اليونيفيل”، فإن هذا سيمكنها من إقامة منطقة عازلة على حدودها الشمالية، لتجنب الهجمات التي يشنها حزب الله ضد إسرائيل، والتي ازدادت وتيرتها منذ أكتوبر 2023 لدعم عملية ” طوفان الأقصى”. لذا، نجد أن العملية العسكرية البرية التي تشنها إسرائيل ضد لبنان، تهدف إلى تدمير البنية العسكرية التابعة لحزب الله، وكذلك تفريغ هذه المنطقة من سكان الجنوب اللبناني بشكل كامل إلى منطقة شمال نهر الليطاني، وهو ما يعني انتقال المواجهات اللبنانية الإسرائيلية من الخط الأزرق إلى حدود نهر الليطاني.
  • عودة سكان شمال إسرائيل: هناك توجه من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي لإعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم، حيث اضطر حوالي 60 ألف إسرائيلي إلى إخلاء منازلهم، وذلك عندما بدأ حزب الله في أكتوبر 2023 بقصف المنطقة الحدودية في شمال إسرائيل، وهذا الهدف يمكن تحقيقه في حال تخلصت إسرائيل من الأسلحة التي يمتلكها حزب الله.

خلاصة القول، على الرغم من الانتهاكات الإسرائيلية حيال بعثة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان “اليونيفيل”، والدعوات لإخلاء مواقعها الموجودة في جنوب لبنان، فإن هناك إصرارًا من جانب الأمم المتحدة لإبقاء البعثة واستمراها في أداء عملها، وهو ما يبرهن على التزام المجتمع الدولي بحفظ السلام والأمن في المنطقة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M