كل قارة تقريبا لها أنقاضها التي تحكي فيها الصخور قصة سقوط الحضارات. هي ربما مدفونة تحت الارض او في ظلال الغابات او وسط صناعة زاخرة لمدينة حديثة. مع ذلك كلها تطرح نفس الاسئلة: كيف يمكن لشيء عظيم ورائع ان يتلاشى؟ لماذا ينهار؟
قبل ان نتأمل الكيفية التي تسقط بها الحضارات، لننظر بكيفية ازدهارها. النار، مثلا، تتطلب اوكسجين ووقود. إزالة اي طرف من المعادلة يجعل اللهب يضعف شيئا فشيئا حتى يختفي. تعريف الحضارات ليس بتلك السهولة، ولكن لابد من توفّر عدة شروط كي تزدهر. المؤرخون يعرضون مختلف المعايير للحضارة، معظم تلك المعايير تتضمن العوامل الهامة التالية:
1- حجم سكاني مركزي كبير
2- فائض في الطعام
3- حكومة مركزية
4- دين موحد
5- تقسيم معقد للعمل
6- نقود تُجمع من الضرائب
هذه القائمة لا تغطي كل شيء لكنها يجب ان تعطي فكرة عن مختلف العوامل التي تشد الحضارة الى بعضها ككل متماسك، بالاضافة الى توضيح مكامن الخلل.
بالطبع، اي ضرر بحجم السكان المركزي الكبير يمكن ان يقود الى انهيار الحضارة. هذا الضرر قد يأتي على شكل حرب عرقية او وباء واسع او كارثة جيولوجية. حضارة المايا مثلا، تلاشت بعد ان جلب الغزو الأسباني معه في القرن السادس عشر الحروب والأمراض وانتشار الثقافة الاجنبية الهادفة الى نشر انظمتها في الايمان والحكم. سكان مايا تقلصوا بشكل حاد، ومن تبقّى منهم تغيّر تحت حكم المحتلين. هذا النموذج ساد طوال التاريخ المدون رجوعا الى اولى الحضارات المعروفة مثل حضارة السومريين في بلاد الرافدين التي انهارت تحت ضغط الغزوات المتكررة في الألف الثاني قبل الميلاد.
التغيرات البيئية يمكنها ايضا ان تحطم الحضارة خاصة عندما تؤثر على توفير الطعام. الاركولوجيون يعتقدون ان 300 سنة من الجفاف أهلكت الامبراطورية الأكدية في بلاد النهرين بين عام 2200 و2500 قبل الميلاد. العلماء ايضا يعتبرون الجفاف سبب سقوط حضارة الخمير الكمبودية بين القرن التاسع والرابع عشر الميلادي. هناك انهيارات اخرى يصعب تصنيفها وتتضمن مختلف العوامل التي تلعب دورها على مر القرون. من المستحيل الاشارة الى سبب واحد لسقوط الامبراطورية الرومانية لكن النقاش عادة يقود الباحثين الى مناقشة الاستنزاف الخارجي الناجم عن غزو القبائل البربرية والتآكل الداخلي.
المحرك الاقتصادي الروماني اعتمد على الغزو والعبودية التي ثبت عدم امكانية استمرارها على المدى البعيد. قلة الغزو بالنهاية كان يعني القليل من العبيد الرخيصي الثمن والذي يعني بدوره القليل من الموارد البشرية لتحريك عجلة الصناعة والزراعة والبنية التحتية. في تلك الاثناء، قام الرومان بإعادة سك العملة فتصاعد التضخم بشكل كبير.
حضارة أنسازيا القديمة او شعب بويبلو في امريكا الشمالية هما نموذجا آخرا هاما عن انهيار الحضارات. هم مارسوا الزراعة وعلم الفلك، قاموا ببناء مساكن صخرية متقنة. المؤرخون يشيرون الى عدد هائل من العوامل في انحطاط تلك الحضارة منها الحرب وانخفاض درجات الحرارة في عام 900 وهو ما أعاق الزراعة. وهناك دراسات اخرى تعزو سقوطهم الى أزمات دينية تسببت في صراعات داخلية وهجرة العديد من البوبيلون الى الجنوب واعتناقهم دين إنجيلي جديد.
لو نظرنا في اسباب انهيار الامبراطورية العثمانية نجد من بينها ضعف الاقتصاد الذي كان معتمدا كليا على الزراعة حيث لم تتوفر فيها مصانع ومناجم لمسايرة روسيا وفرنسا وبريطانيا، وما يتوفر فيها من فائض زراعي كان يذهب لسداد الديون الاوربية. كذلك شعوب الامبراطورية لم تكن منسجمة والتنوع الاثني واللغوي والجغرافي كان شديدا جدا مما شجع على تمرد العديد من اجزاء الامبراطورية واستقلالها مثل بلغاريا. ومن العوامل الاخرى نقص التعليم حيث كانت نسبة السكان الذين يقرأون عام 1914 فقط 5 الى 10% هذا يعني نقص الخبرة البشرية والعسكرية من مهندسين وفنيين.
اما بالنسبة للامبراطورية البريطانية فان الحربين العالميتين الاولى والثانية تركتا بريطانيا ضعيفة وأقل اهتماما بالامبراطورية. بعد عام 1945 اتخذت معظم اجزاء الامبراطورية التي ساهمت بالجيوش والموارد نهجا استقلاليا قاد الى اضمحلال تدريجي في الامبراطورية. الحركات الوطنية في المستوطنات البريطانية في آسيا وافريقيا استخدمت عدة طرق لإنهاء الحكم البريطاني وفي نهاية الستينات اصبحت معظم تلك الاقاليم دولا مستقلة.
من السكان الى الدين، العديد من العوامل تلعب دورها في بقاء الحضارة، اذا لم يتوفر منها ما يكفي فان الأوضاع ستنهار حتما.
رابط المصدر: