لماذا تُفضَّل الترجمة على الكتب العراقية؟

كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة أو هذه المشكلة، القضية تتعلق بمنهج حياة، وأفكار، وتوجهات ثقافية، وأول شيء يجب القيام به هو زرع ثقة العراقي العالية بنفسه والعربي كذلك، يجب بناء الشخصية الواثقة قبل أي شيء آخر، ومن ثم وضع المبادرات العملية المدروسة للارتفاع والارتقاء بمستوى الأفكار وتقديم الدعم المعنوي والمادي للمبدعين…

في البدء وقبل الخوض في لبّ الموضوع، هل نحن بالفعل نفضِّل قراءة الكتب المترجمة على ما يكتبه الكتّاب العراقيون من كتب أدبية وفكرية وعلمية؟

بالطبع الإجابة الدقيقة تستدعي أن نجري استبيانا ونأخذ عينة من القراء ونقدم لهم هذا السؤال وننتظر إجاباتهم في طريقة استبيانية علمية دقيقة حتى نحصل على النتائج التقريبية الصحيحة، ولكن نحن هنا نستبق نتائج مثل هذا الاستبيان ونتوقع بأن النسبة الأعلى من القراء العراقيين، يميلون إلى قراءة الكتب المترجمة أكثر من المؤلَّفات العراقية أو حتى من المؤلَّفات العربية.

بدءا هل هذا الرأي أو هذه النتيجة صحيحة، أقول على مستوى فهمي واطلاعي وعلاقاتي مع الوسط العراقي الثقافي والأدبي، وتطلعات جمهور القراء بشكل عام، هناك نوع من الرغبة الواضحة للاطلاع على أفكار الأمم والشعوب الأخرى، ولهذا نحن مثلا أقبلنا منذ نعومة أظفارنا وتجاربنا القرائية، على قراءة الرواية العالمية المترجم أكثر العراقية.

وداعًا للسلاح

فمثلا أنا شخصيا لم أقرأ لروائي عراقي إلا بعد أن قرأت حزمة من عناوين الكتب الأدبية العالمية، الروسية، الأمريكية، والإيطالية، واليونانية، الفرنسية، الاسبانية وسواها، وأتذكر أننا حين دخلنا في مضمار الأدب والقراءة كنّا نتبارى فيما بيننا (أقصد الأدباء والكتاب الشباب)، على ذكر العناوين التي قمنا بقراءتها.

فمثلا كنا نذكر روايات ارنست همنغوي (الشيخ والبحر) و (وداعا للسلاح)، ونذكر أيضا قصص تشيخوف، ورواية (أنّا كارنينا) لتوستوي، وروايات الإيطالي البرتو مورافيا، واليوناني كازانتزاكي في رواياته الشهيرة (زوربا)، وكتاب (الغائبة الضائعة) للإسباني روفائيل البرتي.

في وقتها لم يثرنا الكتاب العراقي ولا حتى العربي، نعم نحن كنا نقرأ روايات نجيب محفوظ وحنه مينا وعبد الرحمن منيف، وللعراقيين فؤاد التكرلي وعبد الرحمن مجيد الربيعي وجليل القيسي وغيرهم، ولكن في الحقيقة كانت كفة القراءة تميل إلى الكتاب المترجَم، لاسيما أن معظم الروايات التي كنا نقرأ لها تعود إلى كتّاب فازوا بجائزة نوبل عن كتبهم ورواياتهم.

من أمريكا اللاتينية من دولة كولومبيا بزغت فجأة رواية ألهبت موجات القراءة في العالم كله، رواية (مائة عام من العزلة) للكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، وقد أخذت روايات هذا الكاتب حصة الأسد من القراءات، ولا ننسى الكتاب الأفارقة الذين أنجبوا روايات هائلة مثل (أشياء تتدعى) و (حبة قمح) لواثينغو نغوغي، وهي من الأعمال الفنية الإنسانية المتفردة.

حداثة الأفكار وأصالتها

لماذا فضّلنا الكتب المترجَمة على الكتب التي صدرت من كتّابنا؟، هذا الأمر كما أخمّن يعود إلى أسباب عديدة، منها طبيعة الأفكار والمضامين المطروحة في الكتب الأجنبية، من حيث كونها غير مطروقة سابقا ولم نسمع بمثلها، والإنسان عادة يرغب بالصادم والجديد والمفيد، أما ما يطرحه العراقي فربما يكون معروفا أو متوقَّعا مسبقا، وهذا يقتل عنصر المفاجأة والتشويق والتحديث في مجال الأفكار المطروحة على القراء.

وهناك نقطة في غاية الأهمية تتعلق بعملية تسويق الكتاب والترويج له، سواء في السابق قبل ظهور شبكة الإنترنيت، وإلى الآن، الأجانب لديهم شركات ومؤسسات مختصة بتسويق الكتب وبالترويج للكتاب والمؤلفين، وهم خبراء في هذا المجال، ولديهم خبرات متراكمة يمكنها أن تجعل من الكاتب في لية وضحاها من أشهر المؤلفين، كما أنها لها أساليبها في نشر الكتب لاسيما الروايات وجعلها عالمية المنحى لدرجة أن ملايين النسخ تباع منها في غضون أيام أو أسابيع، وهذا لا يزال يحدث عند الأجانب حتى هذه اللحظة.

لذلك تجد القارئ العراقي والعربي يميل إلى قراءة الكتاب المترجَم ويفضله على ما يظهر من كتب في المكتبة العراقية أو العربية.

هناك أسباب أخرى، أن الإقبال على القراءة بشكل عام بات ضعيفا، كما أن تفضيل القراءة للكاتب العراقي أو العربي بات ضعيفا أيضا.

هناك مشكلة أو سبب آخر، هو الشعور المسبق المترسخ في أذهان القراء العراقي والعربي بأن الكتاب الأجنبي أفضل من الكتاب العراقي والعربي من حيث المعلومات والثقافة والأفكار.

هذا الشيء يذكرنا بمشكلة أو عقدة (الشعور بالدونية) تجاه الأجنبي والغربي على وجه الخصوص، نحن لدينا شعور عميق بأن الآخرين أفضل منا ثقافيا وفكريا لكونهم يقودون الحضارة اليوم، ولكن هناك ما يدحض هذا الرأي، حيث يوجد لدينا اليوم عقول عراقية وعربية تدير مؤسسات مهمة وكبيرة في الغرب نفسه، مثلا إدارة القطاع الصحي في بريطانيا يعتمد بنسبة مهمة على الأطباء من أصول عراقية وعربية.

كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة أو هذه المشكلة، القضية تتعلق بمنهج حياة، وأفكار، وتوجهات ثقافية، وأول شيء يجب القيام به هو زرع ثقة العراقي العالية بنفسه والعربي كذلك، يجب بناء الشخصية الواثقة قبل أي شيء آخر، ومن ثم وضع المبادرات العملية المدروسة للارتفاع والارتقاء بمستوى الأفكار وتقديم الدعم المعنوي والمادي للمبدعين عموما وصناعة النجم الكاتب وحسن الترويج للكتب والأفكار العراقية الناجعة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M