لماذا خسرت كامالا هاريس الانتخابات الأميركية؟

سيظل تحليل خسارة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أمام دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 مثار نقاش لوقت طويل. من المتوقع أن يُؤلَّف حوله عدد لا يحصى من الكتب، وسيحظى بعض المحللين بشهرة، بينما قد يتراجع بريق آخرين، وستنشأ مسارات أكاديمية جديدة بينما يفكك الخبراء بيانات استطلاعات الرأي وراء هذه الانتخابات المحيرة والفريدة. ومع ذلك، في هذا المسودّة الأولية للتاريخ، تبرز بالفعل بعض الإشارات المقلقة.

بعد انطلاقة استثنائية لحملتها، فشلت هاريس في إقناع الناخبين بخطابها. وبشكل مؤسف، على غرار خسارة هيلاري كلينتون في عام 2016، أمضت هاريس وقتا طويلا في محاولة إقناع الناخبين بأن ترمب غير مؤهل للرئاسة، بينما قضت وقتا أقل في تقديم رسالة واضحة لتبين لماذا هي الخيار الأفضل. وعلى الرغم من تفوقها على ترمب في مناظرتهما الوحيدة التي جرت في 10 سبتمبر/أيلول، وجمعها أكثر من مليار دولار من التبرعات خلال ثلاثة أشهر فقط– في رقم قياسي جديد– فإنها كانت تتعثر كثيرا عند سؤالها عن تقديم ملخص مقنع لأجندتها في قضايا حيوية مثل الاقتصاد والهجرة.

كذلك، أخفقت هاريس بشكل واضح في تبرير تقلب مواقفها بشأن قضايا مثل التكسير الهيدروليكي (لإنتاج النفط الصخري والذي عارضته في السابق، ثم دعمته لاحقا، دون أن تبين كيف جعلت التكنولوجيا المتطورة هذه العملية أكثر أمانا بيئيا). وقد دفع هذا الغموض الكاتبة في “وول ستريت جورنال” بيغي نونان، إلى وصف هاريس بأنها “مراوغة ولكنها لا تتقن فن المراوغة”.

وأخيرا، فشلت هاريس في إيجاد طريقة سياسية فعالة للنأي بنفسها عن رئيسها جو بايدن، الذي يعاني من تدن في شعبيته.

وفي مقابلة مع موقع “بوليتيكو” خلال الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات، أشار مدير حملة ترمب، جيسون ميلر، إلى ما وصفه بنقطة التحول في السباق. وجاء ذلك بعد أسابيع من استطلاعات كانت تميل لصالح هاريس، ولا سيما بعد إعلانها المفاجئ– والذي نعته البعض بأنه غير ديمقراطي– كمرشحة للرئاسة في 21 يوليو/تموز. وذكر ميلر أن الانهيار الحقيقي بدأ بعد إجابة محرجة من هاريس على سؤال بسيط وجهته لها مقدمة برنامج “ذا فيو” (The View) صني هوستين المقربة منها، في 8 أكتوبر/تشرين الأول، عما إذا كانت ستقوم بأي شيء مختلف عما فعله بايدن خلال السنوات الأربع الماضية. وردت هاريس بارتباك: “لا يخطر ببالي شيء”، ما أثار ذعر مستشاريها وأطلق موجة من السخرية والتهليل من أنصار ترمب على مواقع التواصل الاجتماعي.

في الأسابيع التالية، حاولت هاريس استدراك الأمر، مؤكدة في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” بأن ” لن تكون استمرارا لإدارة بايدن”، إلا أن الضرر كان قد وقع بالفعل. قال ميلر ساخرا: “من كان يعتقد أن صني هوستين من برنامج (ذا فيو) ستكون من يوجه الضربة القاضية لحملة هاريس؟ يمكنك القول إن صني فعلت ذلك بالفعل”.

ربما كانت هاريس تواجه مهمة شبه مستحيلة في محاولتها تجاوز نسب عدم الرضا المستمرة تجاه بايدن، حيث يعتقد حوالي ثلثي الناخبين أو أكثر أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وعلى مدار عام 2024، أقنع بايدن وأعضاء بارزون من حزبه أنفسهم بأنه يستحق ولاية ثانية بفضل سجله التشريعي البارز، الذي تضمن مشروع قانون ضخم للإنفاق على البنية التحتية جرى التوصل إليه بتوافق بين الحزبين، واستثمارا تاريخيا في مجال المناخ، بالإضافة إلى قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم (CHIPS and Science Act)، الذي ضخ مليارات الدولارات في التصنيع والطاقة النظيفة. كان هذا السجل أحد أبرز الأسباب التي جعلت بايدن يتردد في التنحي حتى اللحظة الأخيرة، رغم المخاوف الواسعة بشأن عمره وقدراته الذهنية، حيث ظل مقتنعا بأن الناخبين سيتفهمون في نهاية المطاف فعالية رئاسته.

 

الانهيار الحقيقي بدأ بعد إجابة محرجة من هاريس على سؤال بسيط عما إذا كانت ستقوم بأي شيء مختلف عما فعله بايدن

 

 

في الواقع، بعد انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، التي حقق فيها الديمقراطيون أداء أفضل مما كان متوقعا، ونُسب ذلك إلى شعور مناهض لترمب، بدا بايدن مفرطا في الثقة. وعندما سأله الصحافيون بعد يوم من الانتخابات عما يمكن أن يفعله بشكل مختلف لمعالجة مخاوف الناخبين بشأن الاقتصاد والشعور السائد بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، أجاب ببساطة: “لا شيء”.

 

 أ ف ب أ ف ب

مروحة عليها صورة المرشحة الديمقراطية السابقة كامالا هاريس ملقاة على الارض في احد شوارع العاصمة واشنطن في 6 نوفمبر 

وبدا أن الأخبار الاقتصادية تتحسن. فبفضل الدعم القوي من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، تمكنت إدارة بايدن من تفادي الركود، ما أثار دهشة معظم الاقتصاديين. وبحلول ربيع وصيف 2023، تراجعت معدلات التضخم، وبدأت استطلاعات الرأي تشير إلى أن عمر بايدن وكفاءته، وليس أجندته، هما القضيتان الرئيستان.
ومع ذلك، لم تتجاوز نسب تأييد بايدن الشعبية 40 في المئة حتى بعد انسحابه من السباق في 21 يوليو/تموز تحت ضغط حزبي، وتسليمه الراية لهاريس. وظل التضخم – الذي ساهمت فيه جزئيا برامج إنفاق بايدن الضخمة– يمثل مشكلة مستمرة، كما استمرت مشاعر الناخبين السلبية تجاه أجندة بايدن في تسجيل أرقام حرجة، مما جعل حملة هاريس بمثابة صعود شاق من بدايتها.
وفي النهاية، فاز ترمب بمعركة التعريف الحاسمة، وإن كان ذلك لأسباب غير متوقعة. فبعد تأخير بايدن المطول في الانسحاب، وجدت هاريس نفسها تُدفع من خلف الكواليس إلى الواجهة، ولكنها لم تكن تملك سوى ثلاثة أشهر فقط للترويج لنفسها. وفي المقابل، أمضى ترمب ثماني سنوات في تعزيز صورته، شملت أربع سنوات من فترته الرئاسية الأولى، تلتها أربع سنوات أخرى من الدعاية المستمرة.
وقد بلغت هذه الديناميكية ذروتها خلال الانتخابات التمهيدية، حيث خاض ترمب معركة ضد حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، وسفيرة الأمم المتحدة السابقة في إدارته، نيكي هيلي، ما سمح له بإعادة صياغة رئاسته بتضخيم إنجازاتها، لدرجة وصفها كواحدة من الأفضل في تاريخ الولايات المتحدة. ومع استمرار التضخم واندلاع حربين في الخارج، استرجع الكثير من الناخبين بعاطفة فترة ما قبل الجائحة، التي شهدت استقرارا وازدهارا اقتصاديا نسبيا في عهد ترمب. وبعد فوزه الحاسم بترشيح الحزب الجمهوري، حتى شخصيات مثل هيلي التي عارضته سابقا انصاعت له وتبنّت رواياته، باستثناءات قليلة.
وفي الوقت نفسه، أصبح الجمهور وقاعدة ترمب معتادين إلى حد كبير على تدفق الأخبار السلبية عنه، ما جعل الكثير من المزاعم ضده تبدو أقل تأثيرا؛ فلم يكن ذا أهمية لدى كثيرين مثلا كونه متهما بـ91 جريمة، أدين بـ34 منها، أو أنه قد تعرض مرتين لقرار العزل وصدر حكم بتحميله المسؤولية في قضية اعتداء جنسي. على العكس، لاقت أوصافه المسيئة لهاريس– مثل “منخفضة الذكاء”، و”المجنونة كامالا”، و”الرفيقة كامالا”– صدى جديدا، وبدا أنها جذبت اهتمام شريحة كبيرة من الناخبين.

وكان تفوق ترمب غير المسبوق في تصعيد هيمنته الإعلامية حاسما، إذ كان دائما يجد عبارات أكثر استفزازا تجذب الانتباه وتثير الجدل.
ولم تبدُ حقيقة أن معظم تصريحات ترمب كانت كاذبة ذات أهمية تُذكر. وفي الواقع، تميزت حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024– أكثر من أي انتخابات سابقة في 2016 و2020– بكونها لحظة استقطاب قصوى في الحوار السياسي الأميركي، حيث بات العثور على مصدر موثوق للحقيقة أو الوقائع أمرا عسيرا. فقد أصبح الجدل السياسي مغمورا بالسرديات المضللة، والميمات الملفقة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والمحتويات المزيفة التي طورتها تقنيات حديثة، وكان معظم هذا المحتوى نتيجة للأكاذيب المتكررة التي لا حصر لها من ترمب.
ومع حلول الخريف، انزلقت الولايات المتحدة إلى واقع يشبه روايات جورج أورويل، حيث تمكن ترمب، أحد أبرز مروجي الكراهية في التاريخ السياسي الأميركي، من أن يدّعي بأن هاريس هي التي تدير حملة كراهية، كما وصف أحداث الشغب العنيفة في 6 يناير/كانون الثاني 2021، التي حرض عليها، بأنها يوم حب– وما زال يجد قبولا من ملايين من أتباعه المخلصين.
كذلك تأثرت انتخابات 2024 بحملات التضليل الأجنبية التي شنتها دول كروسيا والصين وإيران، والتي أصبحت عملياتها الدعائية أكثر تطورا وتعقيدا من أي وقت مضى، مستغلة الفراغ الذي خلفه تراجع شركات التكنولوجيا الأميركية عن جهود الرقابة، ما جعل منصاتها بيئة خصبة لهذا النوع من الاستغلال.
باختصار، أصبحت بيئة عام 2024 مثالية لعودة ترمب. فقد تغير المشهد السياسي بطرق لم يدركها فريق حملة هاريس بشكل كامل، حيث باتت القضايا الثقافية تحتل دورا أكبر بكثير مما كانت عليه منذ عقود، بل وربما فاقت القضايا الاقتصادية في تأثيرها.
بعبارة أخرى، كانت القضايا التقدمية التي استحوذت على الحزب الديمقراطي– والمعروفة بقضايا “الصحوة” (woke issues)– مدمرة لحملة هاريس، خاصة مع نجاح ترمب والجمهوريين في تصويرها على أنها أجندة يسارية متطرفة، بعيدة كل البعد عن اهتمامات المواطن العادي. وقد بدأت حملة هاريس بقوة، مدعومة من وسائل الإعلام التي كانت متعاطفة معها وتحرص على رؤيتها تنتصر، مما سمح لها بتجنب إجراء المقابلات لفترة تزيد على شهر. ولكن لاحقا، وجدت نائبة الرئيس نفسها أمام موجة من استياء الناخبين بسبب العناصر التقدمية في جدول أعمال بايدن.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M