علي عاطف
أطلقت إيران يوم 9 أغسطس 2022 قمرًا صناعيًا جديدًا إلى الفضاء يحمل اسم “خيّام”، وذلك بالتعاون مع روسيا. وتم إطلاق “خيّام” عن طريق الصاروخ الروسي “سويوز” من محطة “بايكونور” الفضائية التي تديرها روسيا في المدينة التي تحمل الاسم نفسه جنوبي دولة كازاخستان. وكان إلى جانب ذلك القمر الصناعي الإيراني عدةُ أقمار صناعية روسية أخرى بلغ عددها 16.
وقالت طهران في البداية إن القمر الصناعي تم تصميمه بأيادٍ إيرانية، إلا أن السفارة الروسية في طهران نفت ذلك لاحقًا قائلة إنه “من صنع شركات روسية حسب طلبٍ قدّمته إيران”، وهو ما أثار حفيظة الأخيرة، حيث علّقت وسائل إعلام إيرانية على هذا الإيضاح الروسي واصفة إياه بأنه “ادّعاء”، حسب تعبير بعضها.
ولكن على الرغم من التساؤل العابر الذي أثارته مسألة ماهية الدولة المصنّعة للقمر الصناعي، فقد صاحبت إطلاق “خيّام” ذاته إلى الفضاء شكوك تتعلق بالأهداف التي ترمي إيران إلى تحقيقها من وراء إطلاقه، والتي تفاقمت هذه المرة –مقارنة بعمليات إطلاق مماثلة في السابق- في ظل التحولات الأخيرة على الساحة الدولية، خاصة ما يتصل بتطورات العلاقات بين إيران وروسيا من جانب وإيران والدول الغربية من جانب آخر.
الأقمار الصناعية الإيرانية والصواريخ الباليستية
على مدار 17 عامًا، حاولت إيران إطلاق عدد من الأقمار الصناعية إلى الفضاء قالت إنها لأغراض علمية بحثية. وقد نجحت بعض هذه التجارب وفشل البعض الآخر، وأُجري أغلبها بمشاركة رئيسة من جانب روسيا، إما في تصنيع القمر الصناعي أو إطلاقه أو المرحلتين معًا.
وعلى الرغم من تأكيد طهران مراتٍ تلو الأخرى أن الهدف من وراء إطلاق هذه الأقمار الصناعية بحثي بامتياز، إلا أن عدة بلدان ومنظمات في المجتمع الدولي قد عبّرت عن مخاوفها إزاء إمكانية أن يكون المرمى الإيراني من هذه العمليات عسكريًا، أو على وجه الدقة فيما يخص توظيف قدراتها لاستخدامها في توجيه الصواريخ الباليستية أو توظيفها لاحقًا في مجال الأسلحة النووية.
- “سينا”، أول الأقمار الصناعية “التابعة” لإيران
حتى يوم 27 أكتوبر 2005، لم يكن لإيران أية أقمار صناعية في مدار الأرض. ولكن في اليوم التالي لذلك التاريخ (28 أكتوبر) أطلق المكوكُ الفضائي الروسي “كوزموس 3م” أوّلَ قمر صناعي لطهران من محطة تقع داخل الأراضي الروسية.
وكان ذلك القمر يحمل اسم “سينا-1″، على اسم العالم الشهير المولود في أوزبكستان عام 980 ميلاديًا “ابن سينا”، وصنّعته روسيا في مدينة اومسك التي لا تبعد كثيرًا عن حدود كازاخستان التي أطلق منها أیضًا القمر الصناعي “خيّام” مؤخرًا، وبمشاركة من هيئة “الصناعات الإلكترونية الإيرانية (صاايران)” المتخصصة في الصناعات الطبية والتابعة لوزارة الدفاع في طهران.
- إيران: “اميد” أول الأقمار الصناعية التي “صممناها كليًا في الداخل”
على الرغم من أن “سينا” كان أول الأقمار الصناعية التابعة لإيران والذي صنّعته وأطلقته موسكو، إلا أن طهران أعلنت في 3 فبراير 2009 عن أنها تمكنت من إطلاق أول قمر صناعي لها إلى الفضاء “كانت قد صنّعته محليًا”. وكان ذلك القمر يحمل اسم “اُمّيد-الأمل”.
ووصفت إيران آنذاك هذا الإطلاق بأنه “خطوة رئيسة في تكنولوجيا الفضاء” وأن عملية إطلاق “اميد” جاءت لأغراض بحثية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل قد عبّرتا بالتزامن مع ذلك عن مخاوفهما بشأن استغلال إيران لإطلاق القمر الصناعي من أجل أغراض عسكرية، وهو ما ذهب إليه المتحدث باسم البيت الأبيض في ذلك الوقت “روبرت جيبس”.
وقد بدأت إيران في بناء هذا القمر الصناعي منذ يوم 6 مارس 2006، حتى انتهاءه بعد عامين من ذلك التاريخ. وظل “اميد” في مداره يمد إيران بالمعلومات ويقوم بإجراء قياسات مدارية حتى انتهت مهمته يوم 20 مارس 2009 بعد أن قام بحوالي 700 دورة حول كوكب الأرض.
وبلغ وزن “اميد” 27 كيلوجرامًا، بينما ظل على ارتفاع يتراوح ما بين 246 إلى 377 كيلومترًا من سطح البحر. وقد دفع ذلك الوزن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إلى أن تقول آنذاك “إن إطلاق القمر اُمّيد ما هو إلا تقدم رمزي؛ لأن القمر صغير للغاية، ومع ذلك فإن هذا العمل يحمل إشارات عسكرية محتملة”.
ولعل “اميد” قد ووُجِه باتهامات مماثلة للقمر الأخير “خيّام”، تتعلق بقول إيران إنه أُطلق عن طريق “صاروخ إيراني” في ظل نفي مراقبين في الخارج أن يكون الأمر كذلك. وقد أكدت طهران بعد ساعات من إطلاق “اميد” أنه لم يتم إطلاقه إلى الفضاء بصاروخ من صنعها، بل إنها أجرت تجربة صاروخية آنذاك متزامنة مع إطلاق القمر الصناعي.
- أقمار صناعية تالية بقدرات “مراقبة تصويرية”
بعد انتهاء مهمة “اميد”، قامت إيران بإطلاق أقمار صناعية أخرى إلى الفضاء كان أبرزها:
- “طلوع”: الذي كان بمثابة أول قمر صناعي استقصائي إيراني وأطلق في فبراير 2010.
- “رَصَدْ”: ثاني قمر صناعي إيراني تطلقه “صواريخ إيرانية”، حسب إعلان طهران، وأول قمر صناعي إيراني مزوّد بإمكانية التصوير. أطلق في يونيو 2010.
- “فجر”: تم إطلاقه في فبراير 2015، وكان من المقرر أن يبقى عامًا ونصف، إلا أن تقارير مستقلة أفادت أنه سقط بعد 24 يومًا من إطلاقه، أي في 26 فبراير 2015.
- “پیام- الرسالة”: قالت إيران إن جامعة “امير كبير” الصناعية في طهران قد قامت بإنشائه وقد أطلق في يناير 2019، وكان من المقرر أن يظل على ارتفاع 500 كيلومتر، إلا أنه سقط بعد 5 دقائق من استقراره في مداره، وأكد القائمون عليه أن سبب تحطمه تمثل في “فقدانه السرعة الأولية اللازمة وهي ما يقارب 8 كيلومتر لكل ثانية”.
- “خيّام”.. أحدث الأقمار الصناعية الإيرانية
مع أن “خيّام” يُعد أحدث قمر صناعي تطلقه إيران إلى الفضاء بعد محاولات فاشلة خلال الأعوام الماضية، إلا أنه من ناحية أخرى يُمثل ذروة التعاون الإيراني الروسي في هذا المجال. ويبلغ وزن هذا القمر الصناعي 600 كيلوجرام. وقد استقر في مدار على ارتفاع 500 كيلومتر، ومن المقرر أن يباشر مهامه لمدة 5 أعوام متتالية. وبسبب الوزن الثقيل لهذا القمر الصناعي، قالت وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا) إن إيران أوكلت مهمة إطلاقه إلى روسيا.
وقد جرى تزويد هذا القمر الصناعي بمجسات وأجهزة استشعار عن بُعد توفر له إمكانية الاستفادة من المعلومات التي سيحصل عليها من الفضاء، فضلًا عن أن له القدرة على التصوير بدقة متر واحد وفي أطياف مختلفة. ومن المقرر أن يمضي هذا القمر أول 4 أشهر له في عمله تحت الاختبار.
وعلى أي حال، بصرف النظر عما إذا كان هدف إيران الرئيس من إطلاق هذه الأقمار الصناعية بحثيًا أو عسكريًا، إلا أنه لا يمكن إخفاء أهمية هذه الأقمار بوجه عام فيما يخص بعض الجوانب العسكرية والبحثية معًا؛ فهي على الأقل تستطيع تجميع معلومات حساسة تفيد صانع القرار السياسي والعسكري.
ما بين الأغراض البحثية والعسكرية…”خيّام” يعيد التساؤلات من جديد
أعاد إطلاق القمر الصناعي الإيراني “خيّام” في 9 أغسطس الجاري التساؤلات من جديد داخل وسائل الإعلام الخارجية ومن جانب المراقبين والمعنيين، وذلك فيما يتعلق بأهداف طهران من إطلاقه. بل إن هذه التساؤلات قد توسعت لتشمل هذه المرة روسيا وإمكانية توظيفها هي الأخرى له من عدمه؛ خاصة في ظل حربها الجارية مع أوكرانيا منذ فبراير 2022.
وحسبما نشرت وسائل إعلام إيرانية، فإن طهران تسعى من وراء إطلاق القمر إلى “تطوير وتحسين الإدارة والتخطيط المحلي في مجالات من بينها الزراعة، والموارد الطبيعية، والبيئة، والمصادر المائية، والمعادن، علاوة على إدارة الحوادث غير المتوقعة”.
ولكن وعلى الجانب الآخر، شككت وسائل إعلام دولية في الأهداف الإيرانية من وراء إطلاق هذا القمر الصناعي “خيّام”. وتتلخص هذه الشكوك في إمكانية استخدامه في مهام المراقبة والتجسس العسكري في منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل، علاوة على ما تشير إليه تقارير أجنبية حول احتمالية مده لموسكو بمعلومات حربية لتوظيفها في الحرب الجارية مع كييف.
فقد قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية منذ أيام إن “المسؤولين الأمريكيين قلقون بشأن التعاون الروسي الإيراني في مجال الفضاء؛ إذ إنه ليس من الممكن فقط أن تساعد هذه الأنشطة روسيا في أوكرانيا، بل إنها تمنح إيران قدراتٍ غير مسبوقة تمكنها من مراقبة أهداف عسكرية محتملة في إسرائيل والمنطقة أيضًا”.
وحسب التقرير، أشار مسؤولون أمريكيون إلى احتمالية أن “تتحكم روسيا في القمر الجديد لعدة أشهر أو أكثر للمساعدة في عملياتها العسكرية”. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين غربيين قولهم إن “روسيا تنوي استخدام القمر الصناعي خيام من أجل أهداف عسكرية في أوكرانيا”.
إن ما يمكن الإشارة إليه هنا هو أن المخاوف الخارجية قد ازدادت هذه المرة بشأن إطلاق إيران لقمر صناعي جديد، وهو ما نرجعه إلى العوامل التالية:
- توجه موسكو وطهران لتعميق التعاون الثنائي الاستراتيجي مؤخرًا:
أبدت إيران بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022 اهتمامًا بتطوير العلاقات مع روسيا، على النقيض من تدهور علاقاتها المستمر مع الدول الغربية. وقد اتضح هذا الأمر خلال الأسابيع الأولى للأزمة الأوكرانية حينما رفضت إيران انتقاد روسيا، بل أبرزت عمق صداقتها مع موسكو حينما تسبب مطلبٌ للأخيرة في مارس الماضي بتوقف المفاوضات النووية بين طهران والقوى الكبرى، في ظل احتياج إيراني للتوصل إلى اتفاق نووي بالأساس؛ إذ لم تتجه إيران لقطع علاقاتها معها أو حتى انتقادها علنًا، على الرغم من أن بعض الأصوات غير الرسمية في الداخل الإيراني قد أبدت بعض الانزعاج من ذلك.
وبشكل عام، بدا بعد أشهر من هذه الحرب أن تحالف موسكو وبكين وطهران قد تعزز أكثر من ذي قبل في مواجهة تحالف واشنطن والدول الأوروبية. وبشكل خاص، لا يقتصر التعاون الثنائي بين موسكو وطهران على المجال التجاري والاقتصادي فحسب، بل إنه يتضمن مجالات أخرى مثل التعاون العسكري والأمني والعلمي.
ولعل تصريحات وزير الاتصالات الإيراني، عيسى زارع بور، الأخيرة التي أدلى بها تزامنًا مع إطلاق “خيّام”، وقال خلالها إن إطلاق القمر الصناعي الجديد يمثل “نقطة تحول لبدء تفاعل جديد في مجال الفضاء بين بلدينا”، قد تُقرأ على هذا النحو؛ أي تعزيز علاقات البلدين بشكل أكثر عمقًا. وعليه، فإن تعاون موسكو بالأساس في هذا التوقيت الحرج في إطلاق قمر صناعي إيراني أثار شكوكًا في الغرب بشأن ماهية الأهداف التي يسعى الطرفان إلى تحقيقها من ورائه، وهل هي أهداف أحادية أم ثنائية.
- “الدرونز” وزيارة الرئيس الروسي إلى طهران في يوليو الماضي:
لقد ذهبت آراء إلى أن زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى طهران يوم 19 يوليو الماضي لم تقتصر فقط على مناقشة الملف السوري، أو حتى التطرق إلى العلاقات التجارية الثنائية؛ إذ رجّح بعض المراقبين الغربيين أنه من المحتمل أنها تطرقت إلى مسألة تزويد طهران المحتمل لروسيا بمئات الطائرات المسيّرة من دون طيّار “الدرونز”. وهو ما قد أعلن عنه مسبقًا مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، قبل أسبوع واحد من الزيارة الروسية.
لذا، قد يربط البعض ما بين إطلاق “خيّام” وحاجة الدرونز بالأساس إلى معلومات عن طريق الأقمار الصناعية. وهنا، نجد بعض وسائل الإعلام قد ذهبت إلى أن من بين أهداف “خيّام” ما هو “عسكري”، وذلك مثل صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تقريرها المنشور يوم 4 أغسطس الجاري والتي ذكرت فيه أن “القمر الصناعي الجديد الذي تستعد روسيا لإطلاقه بالنيابة عن إيران الأسبوع المقبل، سوف يعزز كثيرًا من قدرة طهران على التجسس على أهداف عسكرية في الشرق الأوسط، ولكن تعتزم موسكو أولًا استخدام هذه المركبة الفضائية لمساعدة جهودها الحربية في أوكرانيا، وفقًا لمسؤولين أمنيين غربيين مطلعين على الأمر”.
وختامًا، يجدر القول إن توقيت إطلاق القمر الصناعي “خيّام” هو ما فاقم الشكوك بشأن أهدافه؛ إذ إننا لا نجد تساؤلاتٍ مطردة وكثيرة للغاية قد صاحبت عمليات الإطلاق السابقة بهذا القدر وعلى هذا النحو. وهنا، ندرك كيف أن “تجاذبات التحالفات” الجارية داخل النظام الدولي في الوقت الراهن كان لها أثر في إثارة هذه التساؤلات.
.
رابط المصدر: