دلال العكيلي
منذ اتفاقية بريتون وودز في عام 1944 بدأت الدول والبنوك المركزية والحكومات في الاعتماد على الدولار الأمريكي لدعم قيمة عملاتها، وذلك من خلال الاحتفاظ به كعملة، في عام 2016 اعتمد صندوق النقد الدولي خمسة من العملات تعتبر هي الأولى عالمياً من حيث أهميتها كاحتياطي أجنبي، وهى اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني واليوان، الصيني، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، فمن المهم أن يكون لدى العملة الأمريكية منافسين، كعملة احتياطية، وذلك بهدف خلق بديل لها إذا قاد صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
أطلق الخبير الاقتصادي ستيفن روتش وهو عضو في هيئة التدريس بجامعة ييل، تحذيرا بشأن انهيار الدولار، حيث قال إن العام القادم سيكون قاسياً على الدولار، ووفقا للخبير، فإن “فكرته التي قد تبدو مجنونة” بأن الدولار سينهار يجب ألا تبدو كذلك، مشيرا إلى وجود بيانات تدل على ذلك، وقال إن “عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة، وهو أوسع مقياس لاختلال التوازن الدولي مع بقية العالم، عانى من تدهور قياسي في الربع الثاني. كما سجل ما يسمى معدل المدخرات الوطنية الصافية، وهو مجموع مدخرات الأفراد والشركات والقطاع الحكوم، انخفاضا قياسيا في الربع الثاني عائدا إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية”.
وفي حزيران الماضي، توقع الخبير الاقتصادي حدوث انهيار للدولار الأميركي في العام أو العامين المقبلين، لكنه الآن يرى أن ذلك يحدث بحلول نهاية عام 2021، كما رجح روتش، احتمال حدوث ركود اقتصادي مزدوج في الولايات المتحدة فوق 50% هذا العام، وقال: “مع اقترابنا من موسم الإنفلونزا وارتفاع معدلات الإصابة الجديدة وصعود الوفيات، فإن خطر حدوث هزة اقتصادية في الولايات المتحدة ليس بالأمر الذي يمكنك تجاهله”، ويظهر من موقع “بلومبرغ” أن مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة العملة الأميركية أمام سلة من العملات الرئيسية، كان في بداية العالم الجاري عند مستوى 97 نقطة، أما الآن فيبلغ المؤشر 94 نقطة (بحسب قناة 23).
ماذا عن مستويات المعيشة الأمريكية؟
بسبب تأثير جائحة Covid-19، فإن مستويات المعيشة الأمريكية على وشك أن تتعرض للضغط بشكل لم يسبق له مثيل، حسبما يرى البروفيسور، وفي الوقت نفسه، تساور العالم شكوك جدية حول الافتراض الذي كان مقبولاً على نطاق واسع للاستثناء الذي سمح للدولار الأمريكي بأن يكون عملة الادخار والتعاملات الدولية، إذ تُحدد قوة العملات على أساس التوازن بين عاملين أساسيين.
الأول: الأساسيات الاقتصادية المحلية.
والثاني: التصورات الأجنبية لقوة الدولة صاحبة العملة أو ضعفها، وهذا الميزان يتغير، وقد ينهار الدولار، حسبما يرى الكاتب.
جذور المشكلة
زرعت بذور هذه المشكلة بسبب النقص الكبير في مدخرات الولايات المتحدة المحلية التي كانت واضحة بشكل واضح قبل الوباء، في الربع الأول من عام 2020، انخفض صافي المدخرات الوطنية، الذي يتضمن الادخار المعدل حسب الاستهلاك للأسر والشركات والقطاع الحكومي، إلى 1.4% من الدخل القومي.
وكانت هذه أقل قراءة منذ أواخر عام 2011، وخُمس المعدل 7% من عام 1960 إلى 2005، بسبب الافتقار إلى المدخرات المحلية، والرغبة في الاستثمار والنمو، فقد استفادت الولايات المتحدة بشكل كبير من دور الدولار كعملة احتياط أساسية في العالم، وتعتمد بشكل كبير على المدخرات الفائضة التي تأتيها من الخارج، ولكن ليس بدون ثمن، من أجل جذب رأس المال الأجنبي عانت الولايات المتحدة من عجز في حسابها الجاري -وهو أوسع مقياس للتجارة لأنه يشمل الاستثمار- كل عام منذ عام 1982.
هل اقتربت نقطة انهيار الدولار؟
وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية التي أحدثها، قد يصلان بالتوتر الموجود أصلاً بين الادخار والحساب الجاري إلى نقطة الانهيار، حسب الكاتب، وقد يؤدي ذلك إلى انفجار عجز الموازنة الحكومية، فوفقاً لمكتب الموازنة في الكونغرس الذي يضم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإنه من المرجح أن يرتفع عجز الموازنة الفيدرالية إلى رقم قياسي في زمن السلم، يبلغ 17.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، قبل أن يتراجع إلى 9.8% في عام 2021.
الخلافات مع الصين
هناك مشكلة أخرى يواجهها الدولار بالتزامن مع ما سبق، الدولار قوي، يستفيد من الطلب عليه باعتباره الملاذ الآمن النموذجي الذي ظهر منذ فترة طويلة خلال فترات الأزمات، ورغم أن الدولار ارتفع بنسبة بنسبة 7% تقريباً خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان، مقابل قطاع عريض من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
كما أنه يفوق بنسبة 33% فوق أدنى مستوى له في يوليو/تموز 2011، وفقاً لشروط معدلة حسب التضخم، فإن هناك أنباء سيئة أخرى بالنسبة للدولار، فمع بدء الأزمة الاقتصادية في الاستقرار، على أمل أن يتم ذلك في وقت لاحق من هذا العام أو في أوائل عام 2021، سيظهر الإدراك لمشكلة انخفاض الادخار المحلي، ويمكن أن يختبر الدولار بسهولة أدنى مستوياته في يوليو/تموز 2011، حيث يضعف بنسبة تصل إلى 35% بشروط تجارية واسعة معدلة حسب التضخم، حسب الكاتب.
ماذا يعني انهيار الدولار للأمريكيين؟
سيكون للانهيار المحتمل للدولار آثار رئيسية، أولها ستكون هناك آثار تضخمية، وقد تُقابَل بترحيب قصير المدى في ظل الانكماش الموجود (التضخم قد يدفع الناس للشراء وهو ما يقلل الانكماش)، ولكن؛ بالاقتران مع ما يُرجح أن يكون انتعاشاً اقتصادياً ضعيفاً بعد فترة التوفيق، هناك سبب آخر يدعو للقلق بشأن بداية الركود التضخمي، هو حدوث مزيج قوي من ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم الذي يعيث فساداً في الأسواق المالية، لكن هناك مفارقة أخرى ستحدث.
إن الضغوط الحمائية ضد السلع القادمة مع الصين والتي قد تعود بقوة في مواجهة تزايد العجز التجاري الأمريكي وهبوط الدولار المتوقع، ستؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة للمستهلكين الأمريكيين، إذ يتوقع أن تتحول التجارة الأمريكية وتحديداً الاستيراد إلى منتجين آخرين ذوي تكلفة أعلى، ما يفرض مزيداً من الأعباء على المستهلكين الأمريكيين.
ماذا يمكن أن يحدث إذا انهار الدولار الأمريكي؟
الدولار الأمريكي هو أهم عملة نقدية حول العالم في الوقت الحالي، فهو العملة الرسمية للولايات المتحدة والتي تعتبر أكبر اقتصاد في العالم، فالعملة الأمريكية:
– يتم تقييم بها أسعار السلع على مستوى العالم.
– هى الأولى عالمياً من حيث التداول والتبادل والانتشار.
– كما تعتبر العملة الأولى من حيث احتفاظ الدول بها كاحتياطي نقدي في البنوك المركزية.
– تعتمد عليها عمليات التصدير والاستيراد حيث تتعامل بها الدول في التجارة العالمية.
ما معنى أن تنهار عملة ما ؟
هو فقدان العملة لثقة الأفراد فيها كمخزن للقيمة أو كأداة توفر الاحتياجات للإنسان أو كوسيلة
للتبادل، كما تفقد قيمتها أمام العملات الأخرى وقوتها الشرائية، فيبدأ مستخدمو العملة في الاعتقاد بأنها غير مفيدة، وقد يحدث ذلك من خلال عمليات بيع مكثفة من المستثمرين للعملة أو للتضخم المرتفع أو بسبب انخفاض النمو المزمن.
يشير البعض إلى أن وجود أزمة للعملة في الولايات المتحدة في المستقبل أمر غير محتمل على الأقل قريباً، فلا يزال الاقتصاد الأمريكي هو أكبر وأهم اقتصاد في العالم، ولديه العديد من نقاط القوة، وعلى الرغم من تباطؤ النمو خلال بعض المراحل إلا أنه يتفوق على منافسيه كالاقتصاد الأوروبي والياباني.
نقاط الضعف في الدولار الأمريكي
تتمثل نقطة الضعف الأساسية للدولار الأمريكي في أنه لا قيمة له إلا من خلال الحكومة الأمريكية، فالقلق هنا يأتي من احتمال طبع الحكومة له بكميات كبيرة من أجل القيام بأغراض سياسية أو عند اندلاع الحروب، فإذا قررت الحكومات والبنوك المركزية يوماً التخلي عن الدولار الأمريكي كاحتياطي بشكل جماعي، فإنه قد يفقد قيمته وينهار.
عوامل قد تهدد الدولار الأمريكي
– ارتفاع التضخم أو الديون: وهذا العامل قد يساعد على إحداث أزمة مفاجئة للدولار، وقد يجبر ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة بشكل حاد.
– حدوث ركود حاد: عند دخول الولايات المتحدة في ركود حاد دون أن ينعكس على بقية العالم، فقد يعمل ذلك على ترك استخدام الدولار أو التداول عليه من قبل الأفراد والجهات التي تثق فيه، وفي هذه الحالة ستتجه الدول إلى وضع معيار جديد يقوم عليه قياس السلع الأساسية ونظام للاحتياطي النقدي في العالم.
استبعاد هذا الاحتمال
حتى إذا حدث بالفعل واحد أو مجموعة من هذه السيناريوهات الكارثية، فقد لا ينهار الدولار بالضرورة في ظلها، ويجب الأخذ في الاعتبار أن الدول الأخرى لن تستفيد من حدوث أي انهيار أو سقوط للعملة الأمريكية نظراً لأهميتها الكبيرة، فالعالم لا يريد أن يحدث ذلك من الأساس ولن تساعد الدول على حدوثه حتى لا تتأثر الأسواق المالية وأسواق السلع العالمية، (بحسب عربي بوست).
رابط المصدر: