مايكل ماهر
محتوى مترجم
|
||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
لقد تحدثنا آنفًا عن «ماذا كان يعتقد أينشتاين بخصوص الإله» حيث إنه كان رجلًا فذًّا فكر بعمق في العديد من الأمور، وأنه سيكون من الهام التعرُّف على فكر ذلك الرجل وعن رؤيته الخاصة التي نظر من خلالها للأمور والموضوعات المختلفة.
إن أينشتاين، كعالم في المقام الأول تظل آراؤه في الموضوعات التي تقع خارج تخصصه المهني الأكاديمي تحمل قيمة كبيرة، خاصة أنه كان يعلم جيدًا حدود معرفته بتلك الموضوعات، وكان يتجنب الحديث عن المشكلات التقنية المعقدة، حيث إنه كان يفضل النقاش حول الموضوعات بشكلٍ عام.
رأي أينشتاين في الاشتراكية
عام 1949 كتب أينشتاين مقالًا لمجلة «Monthly review» الأمريكية يعبر فيه عن أفكاره بخصوص الاشتراكية. في ذلك المقال، يشرح أينشتاين مواقفه السياسية، ولماذا يشعر أنه بحاجة إلى الاهتمام بموضوعات تقع خارج دائرة اختصاصاته.
وكما كان يرغب أينشتاين في عدم الحديث بشكل علميٍّ بناءً على اختصاصه، وأيضًا عدم الخوض في مشاكل تقنية بشكلٍ مبالغ فيه، فإنه يبدأ في المحاججة بأن شخصًا غير مختص يمكنه أن يقدم بعض الأطروحات بخصوص تلك الإشكالية، ويشرع بالفعل في تقديمها.
في بداية المقال يعترف أينشتاين بأنه رجل علم، وأنه ليس مختصًّا في علم الاقتصاد. ولكنه وبشكلٍ ما يراوده شعور بأنه لديه القدرة على تقديم بعض الملاحظات على أن «الاشتراكية تهدف إلى غاية اجتماعية/أخلاقية، بينما العلم على أية حال من الأحوال لا يستطيع خلق غايات، أو حتى على الأقل أن يتبلور في شكل غاية بشرية، إن العلم في أقصى تقدير يستطيع أن يوجد الأدوات والوسائل اللازمة لصنع غاية معينة».
ثلاثة اعتراضات رئيسية على الرأسمالية
كان لأينشتاين ثلاثة أسباب رئيسية لرفض الرأسمالية.
الأول، كان بسبب ذهابه إلى أن الإنسان هو كائن فرداني مستقل، وأنه في نفس الوقت يعتمد على المجتمع في العديد من الأمور الهامة، وبالرغم من أننا في حاجة إلى مجتمع ذي أداءٍ مرتفع وفعال من أجل توفير الرفاهية المطلوبة، فإنه يرى أن الرأسمالية تدفعنا بشكلٍ جنونيٍّ من أجل تحقيق نجاحات على المستوى الشخصي دون الأخذ في الاعتبار متطلبات المجتمع واحتياجاته، وتجبرنا على تنشئة أطفالنا بطريقة تعزز هذا النمط من السلوك.
ذلك النمط يضر بالفرد، فبحسب أينشتاين، ذلك النمط من السلوك يدفعنا فقط إلى تهيئة أنفسنا من أجل العثور على عمل، وليس من أجل أية غايات أبعد من ذلك. وعلاوة على ذلك، فإنه يترك الفرد فريسة للخوف والقلق الدائمين من فقدان مصدر رزقه، وذلك ما يقود أينشتاين إلى ثاني اعتراضاته.
تأتي ثاني اعتراضات أينشتاين متمركزة على قاعدتين أساسيتين، هما الإهدار وعدم الكفاءة. فبالرغم من أن الرأسمالية تسعى جاهدة في سبيل تحقيق شرط الكفاءة، فهي لا تستطيع دائمًا الاستفادة بشكل كامل من طاقات العمل التي توفرها. ويرى أينشتاين أن تلك الطريقة هي طريقة فاشلة لإدارة أي اقتصاد.
فهو يفترض أنه:
وعلى الرغم من أنه سيكون من الأفضل للمجتمع ككل لو تم ضمان توفير وظائف للجميع، فإن أينشتاين يرى أن الرأسمالية لا تستطيع تحقيق ذلك لأنها تهتم بتعاظم الأرباح لأصحاب رءوس الأموال، الذين هم في الغالب ما يكونون الشريحة الأصغر في أي مجتمع.
وأخيرًا، يرى أينشتاين أن الدافع وراء الربح الدائم هو السبب في الكثير من المعاناة. فهو يصل به الأمر إلى حد القول بأن «الفوضى الاقتصادية للمجتمع الرأسمالي كما هي حاضرة الآن، في رأيي الشخصي، هي المصدر الحقيقي للشر».
ويشرح ذلك بقوله:
ما الحل الذي يقترحه أينشتاين؟
يأتي دعم أينشتاين للاشتراكية من اعتقاده بأن الاقتصاد الاشتراكي سيقوم بمعالجة المشكلات التي وجدها في النظام الرأسمالي من خلال أن الاقتصاد الاشتراكي لن يقوم على أساس تعظيم الربح وسيكون موجهًا أكثر في اتجاه تلبية احتياجات المجتمع بدلًا من النمط الذي يتبعه نظام الاقتصاد الرأسمالي.
وقد كان أينشتاين شديد الحرص على الإشارة إلى أن التخطيط بشكل مركزي وحده لن يكون أمرًا كافيًا. وقد حذر من مخاطر الطراز السوفيتي من الديكتاتورية ويصر على أن أي شكل من الاشتراكية الجديرة بأن تحمل ذلك الاسم يجب أن تكون مبنية على أساس ديمقراطي يضمن المحافظة على الحريات الشخصية التي يتمتع بها أفراد المجتمع. إن نموذج الاشتراكية الذي كان يدور في خلد أينشتاين كان أقرب إلى النموذج الأوروبي أكثر من نماذج الدول الشيوعية.
فبعد الذي عانى منه أينشتاين جرّاَء فراره من النازيين إبان الحرب العالمية الثانية، لربما يكون من البديهي أنه أدرك الحاجة الطبيعية إلى ضمان الحريات الفردية في المجتمع، حيث إنه كان معارضًا للمكارثية(1) ورفض الشهادة ضد دو بويز(2) عندما عُرض عليه أن يشهد ضده بأنه عميل شيوعي. وكان أينشتاين أيضًا ناشطًا في مجال الحقوق المدنية بالولايات المتحدة الأمريكية، وارتبط اسمه بفرع برينستون لمنظمة حقوق الملونين الأمريكية (NAACP)، وله سابقة مع المغنية الأمريكية ماريان أندرسون(3) حيث إنه سمح لها بالبقاء في منزله عندما حُرمت من الحصول على غرفة في فندق بمدينة برينستون.
إذن هل يعد أينشتاين الآن خبيرًا اقتصاديًّا بارعًا كحاله في الفيزياء؟
إن اعتراضات أينشتاين تعد اعتراضات أقرب إلى الفلسفة منها إلى الاقتصاد. إن أطروحاته المتعلقة بأن السعي الدائم وراء زيادة الربح يقود إلى الاكتئاب، وأن أسلوب التخطيط المركزي بإمكانه أن يعالج أزمة دورة (الازدهار/الكساد) هي أطروحات ستبدو منطقية بشكل أكبر عام 1949، حيث إن أزمة السوق كانت أكثر وضوحًا من أزمة آليات التخطيط. على أية حال، إن الأفكار التي طرحها أينشتاين تحتوي على نقاط هامة صالحة للأخذ في الاعتبار عند الخوض في أي نقاش.
وختامًا، فإن أينشتاين لم يكن خبيرًا اقتصاديًّا، لكنه لا يزال رجلًا عبقريًّا ويمتلك نظرة ثاقبة حول الطريقة التي يدور بها العالم من حوله، وكيفية الارتقاء بها. إن تأييد أينشتاين للاشتراكية الديمقراطية يعد تأييدًا مبررًا بشكلٍ متماسك، ومن العسير أن تجد تحفظات بشأنه. وإنه يجب على أي إنسان يسعى إلى إيجاد أسباب تدفع الناس لتأييد الاشتراكية أن يفكر في الأسباب التي دفعت شخص غني، وذكي، وناجح نجاحًا مبهرًا مثل ألبيرت أينشتاين إلى تأييد تلك الأيديولوجيا.
هوامش:-
1. المكارثية هو أسلوب ينسب لعضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي مفاده توجيه الاتهامات بالخيانة والتآمر ضد الاشتراكيين دون الالتفات إلى أدلة. (المترجم)
2. دو بويز عالم اجتماع وناشط سياسي أمريكي من أصول أفريقية. (المترجم)
3. ماريان أندرسون مغنية أمريكية من أصول أفريقية. (المترجم)
رابط المصدر: