الطاقة الإيجابية بمفهومها الواضح، هي ميل الإنسان إلى التفاعل الجيد، والنظر إلى الحياة بمنظار تفاؤلي، وحين تتراكم هذه الطاقة على مستوى الأفراد صعودا إلى الجماعة، ثم المجتمع، فإن الانطلاق في الحاضر، سوف يقودنا إلى مستقبل أفضل، وتتضاعف الحاجة إلى الطاقة الإيجابية في الأزمات الخطيرة، كما هو الحال الآن مع جائحة كورونا التي تهدد العالم.
صناعة الطاقة الإيجابية ممكنة والانطلاق من الحاضر إلى المستقبل تغدو هدفا ممكنا، وأهم ما يميز هذا النوع من الطاقة أنها سريعة الانتقال من شخص إلى آخر، أي أن الإيجابي يؤثر في الآخرين والعكس صحيح أيضا، في الأزمات يكون الفرد والمجتمع بأمس الحاجة للروح والمهنية التفاعلية المتفائلة.
ويبقى الهدف الأهم هو تنظيم الحياة وصناعة المستقبل الذي يعد أحد أبعاد الزمن الثلاثة، وهناك تشابك بين أبعاد الزمن الثلاثة، بعضها يؤثر في بعض، بعض المختصين يرى أن الحاضر هو من يصنع المستقبل، وبعضهم يرى العكس، وهناك من يؤكّد أن الماضي هو مجموع التجارب التي تؤسس للحاضر والمستقبل، لكن في ظل الأزمات الخطيرة لا مجال للتراجع أو الخوف أو الذعر، لأن هذه الصفات أو الحالات تضاعف من صعوبة الأزمة وخطورتها.
الأمر يستدعي نوعا من الإدارة الناجحة للأزمات، ولأشخاص قادة اجتماعيين قادرين على التنظيم والتأثير والتوجيه، وهو ما يحتاجه العراقيون اليوم لمواجهة الأزمة الصحية العالمية التي ألقت بظلالها على العراقيين وعلى العالم أجمع، لهذا تغدو الحاجة للروح المتفائلة والذهنية التفاعلية في غاية الأهمية، فيما يخص التفاؤل فهو عبارة عن ميل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج، أو هو وجهة نظر في الحياة والتي تبقي الشخص ينظر إلى العالم كم كان إيجابياً، أو تبقي حالته الشخصية إيجابية، والتفاؤل هو النظير الفلسفي للتشاؤم.
يعتقد المتفائلون أن الآخرين متعاونون والأحداث جيدة أصلاً، وأكثر الحالات تسير في النهاية نحو الأفضل، ويعتقد بعض المتفائلين بأنه بغض النظر عن العالم أو الحالة الخارجية، يجب على الشخص أن يختار شعور الارتياح ويستفيد منه إلى أبعد الحدود، ليس هذا فحسب بل المطلوب أيضا التأثير في الآخرين ونقل الشعور الواثق إلى الآخرين عبر الأفعال والتوجيهات ذات الطابع المقنع.
هل تشجع البيئة العراقية على الشعور الإيجابي؟
الأمر المفروغ منه، أنّ كلا المفهومين، المستقبل والتفاؤل، يرتبطان بالإنسان فردا كان أو جماعة، والشعوب أو المجتمعات هي التي تصنع حاضرها ومستقبلها، ولا يُستثنى من ذلك أحد، بيد أن مستوى صنع المستقبل من حيث الجودة والارتقاء يختلف من شعب إلى آخر، ويمكن أن نجزم في هذا الجانب، بأن الطاقة الإيجابية لها قصب السبق في مواجهة الأزمات حارا، والانطلاق نحو مستقبل يمكن الوثوق به.
البيئة العراقية لا تشجع على إنتاج الطاقة الإيجابية، هذا ما أشار إليه بعض علماء الاجتماع، وأكدوه لأسباب تراكمية، نفسية وعملية، حيث يعاني الإنسان العراقي من الإحباط وعف التفاعل، إلا في استثناءات قد تكون نادرة، فمما رصدهُ علماء الاجتماع وبعض المؤرخين، أن التشاؤم نسبتهُ أعلى في تأثيث الطبيعة الفكرية والسلوكية للعراقيين، هذا أحد الآراء التي قيلت عنهم، لكن ذلك لا يلغي ما أنجزه العراقيون من قفزات ثقافية وإبداعية وفكرية لا يمكن التنكّر لها أو إلغاءَها بشكل تام، وكان الداعم الأساس لها هو حيوية العقل العراقي عبر أحقاب متلاحقة.
الأزمة الصحية التي نمر بها حاليا تحتاج إلى مواجهة نفسية بالدرجة الأولى، فالخوف والذعر وعدم الاطمئنان يساعد على تعقيد الأزمة، بالطبع يجب اتخاذ الإجراءات الاحترازية الصحية، ها أمر لا نقا فيه، ولكن إنتاج الطاقة الإيجابية وبثها بين الناس سوف يساعد كثيرا على مواجهة أزمة كورونا بنجاح.
التردد والتخوف والذعر المبالغ به، أمر ليس صحيحا بل هو غير مقبول أساسا، وظاهرة التردد أو الإحباط لا يمكن التنصل منها، فهي موجودة بين العراقيين وعلينا أن لا نتهرَّب منها، فمعالجة المرض يبدأ بتشخيصه الدقيق وعدم التخوّف أو التهرّب منه، نحن نريد أن نصنع إنسانا عراقيا يتحلى بالتفاؤل ويؤمن بالمستقبل الراسخ المتميز الناجح، وهذا لا يمكن أن يتحقق ما لم نكافح اليأس وأسبابه، فكيف يمكن أن يتم ذلك على نحو موثوق به لاسيما أننا نمر في أزمة تتطلب التفاعل وتنمية وتطوير ذهنية تفاؤلية متفاعلة؟
علينا كعراقيين أن نقر بصعوبة تاريخنا، وبفداحة الأحداث والأزمات الكبرى التي عصفت بنا، ولابد أننا نعي تماما بأن تداعيات تلك الهزّات الكبرى عبر تاريخنا، زرعت في نفوس العراقيين بذور الألم واليأس، على الرغم من موجات الكفاح المتواصلة التي أبداها العراقيون في مواجهة الأزمات، لكن هذا وحده لا يكفي، نحن نحتاج إلى تنظيم مواجهة الأزمة والتدريب المتواصل على مواجهة هذا النوع من الأزمات، كيف يمكن ذلك ومن أين نبدأ؟.
تطوير الذهنية التفاعلية، وتقوية الجانب النفسي وزرع الثقة لدى الناس، هذه أمور مهمة ومطلوب، وعلينا أن نقهم بأن الفرد العراقي هو لبنة التصدي والتغيير، منه يبدأ بناء الحاضر والمستقبل، تشبثه بالتفاؤل سوف يقوده إلى حاضر جيد خال من الأزمات ومستقبل وضّاء، لا يوجد حل آخر في مكافحة التردّي والتراجع سوى العمل بتفاؤل على إعداد الخطط الصحيحة لصنع وتأسيس ركائز مستقبلية ثابتة في حواضن الحاضر الذي يعج بأزمات متتالية وآخرها ما نعيشه اليوم، وهو ما يتطلب استيعاب الصدمة وإدارة الأزمة بنجاح، من ثم الاستفادة القصوى من دروسها من أجل التعاطي الصحيح مستقبلا.
إجراءات لتنمية الطاقة الإيجابية
لوحظَ على العراقيين خوفهم من حاضرهم، وقلقهم بشأن المستقبل، الفرد العراقي خائف من شيء لا يعرفه بالضبط، حتى أولئك الذين يمتلكون ضمانات العيش تجدهم قلقين خائفين، هذا بالطبع يزيد الوضع النفسي تعقيدا، ويدفع بالإنسان العراقي إلى التفكير بنفسه فقط، وعدم شعوره بالآخرين، المهم لديه كيف يؤمّن حياته ولا دخل له بما يحتاجه الآخرون، ولكن أنت لم تعش فردا وحيدا في بلدك وعالمك، إنك تشارك الملايين، وعليك أن تشترك في مسؤولية صناعة حياة حاضرة مستقرة، مع تحمل الإعداد لركائز مستقبلية لا يمكن تجاهلها أو التنصل منها تحت حجج بناء النفس والنأي بها عمّا يواجهه الآخرون من أزمات ومشكلات.
ما هو التفكير السليم الذي يمكن أن يجعل المجتمع العراقي قادرا على التصدي لأزمة كورونا وبناء حاضر متين يمكن الانطلاق منه إلى مستقبل مشرق؟
– الطاقة الإيجابية والتفاؤل يجب أن يكون رفيقك في الدرب الذي يتم إعداده لصناعة المستقبل.
– لا تتخلَّ مطلقا عن التفكير بالآخرين، بل هم من ضمن مسؤوليتك المباشرة وغير المباشرة.
– يمكنك تأمين احتياجاتك المعنوية والمادية، ولكن هذا لا يلغي مسؤوليتك بالمشاركة مع الآخرين لتأمين حاضر ناضج ومستقبل جمعي مضمون.
– التفاصيل البسيطة في الحياة اليومية مهمة حتى وإن بدت غير ذات أهمية، كأن تركن سيارتك في مكان وقوف خاطئ يؤذي الآخرين.
– كأن يحتاجك أحدهم وتغض الطرف عنه، تهرّبا من مد يد العون له!
– حياتنا في هذا البلد كأننا نعيش في مركب واحد، إذا غرق المركب لأي سبب لن تكون أنت من الناجين وأنا من الغارقين، سنغرق جميعا أو ننجو جميعا.
– صناعة المستقبل مهمة جماعية، مرفقة بالتفاؤل.
– التشاؤم أو التفاؤل قد يكون حالة جمعية، يعيشها المجتمع، مسؤولية الفرد أن يتخلص من التشاؤم ويساعد الآخرين على تحقيق ذلك.
الأزمات التي مررنا بها هي عبارة عن دروس يمكن الاستفادة منها، فيما لو أحسنا التعامل معها، فما يعيشه العالم اليوم من أزمة معقدة وخطيرة، ألقت بظلالها وتداعياتها على الجميع، ومنهم العراقيين، لهذا نحن نقف إزاء مفصل مهم يمكن أن نتعلم فيه على مواجهة الأزمات وإدارتها بشكل جيد، ويمكن أن يحدث العكس، النجاح مرهون بتحويل الأزمات والمصاعب إلى تجارب ودروس تنمّي الطاقة الإيجابية لدينا وتجعلنا أكثر ثقة بأنفسنا وبالحاضر والمستقبل معا.
رابط المصدر: