تعتبر حادثة استشهاد الزهراء عليها السلام من الحوادث المثيرة للجدل لأنها تثير الأزمة الطائفية من أعماقها ، فكتب التأريخ تتحدث عن أن أبرز صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد منعوا ابنته الزهراء من إرثٍ لها بل واقتحموا دارها وأحرقوا بابها وغيرها من الانتهاكات ، وهذا ما نُقِل في مصادر الطرفين ، لذا فإن التحدث بها يستلزم مس رموز الطرف الآخر وبالتالي فإما أن لا تُذكر مصيبة الزهراء عليها السلام أو أن يتعرض الصحابة ( رموز السنة ) الى المس بشكل مباشر أو غير مباشر ، فلماذا يرّكز الشيخ اليعقوبي على قضية الزهراء عليها السلام في هذه الأيام المشحونة بالمناوشات الطائفية المكهربة بالتصريحات المحرّضة ؟!
حتى نجيب على هذا الإشكال بشكل توضيحي سنورد الإجابة على شكل نقاط :-
1) إن المعروف عن الشيخ اليعقوبي شخص يتمتع بحنكة وحكمة كبيرتين وإطلاع وثقافة تمكنه من اختيار المواضيع من دون المساس بالطرف الآخر من جانب والمحافظة على معتقدات الشيعة من جانب آخر ، ومواقفه تشهد باعتداله ، ففي ظل الأزمة الطائفية التي تفجّرت بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين عليهما السلام كانت له فتوى شهيرة وهي ( حرمة قتل الوهابي لوهابيته ) وبالتالي فإن أهل السنة في مأمن منه ومن أتباعه ، كما أن دعمه لمؤتمر مكة الذي عُقّد في شهر رمضان لإيجاد حل بين الأطراف المذهبية المتنازعة يؤكد اعتداله وعدم رغبته في تأجيج الأزمة الطائفية ، ومؤخراً كانت دعوته لتأسيس مجلس الأعيان والحكماء الذي يضم كل العشائر والقبائل العراقية كي يساهم في بناء اللحمة الوطنية .
2) إن أتباع المرجع اليعقوبي على قدر عالٍ من الانضباط والوعي بحيث يفهموا ما يريده مرجعهم من الزيارة الفاطمية ومن الخطابات التي يلقيها شيخهم اليعقوبي قبيل التشييع الرمزي الذي بدأ منذ عشر سنوات ، فلم يشهد تاريخ العراق أن تعرّض أتباع المرجع اليعقوبي لأبناء السنة سواء كان ذلك قبل انطلاق الزيارة الفاطمية أو بعده .
3) إن الشيخ اليعقوبي يرى أن هناك أزمة قيادة وبالتالي فإن مسير الأمة خلف قيادة غير مؤهلة يؤدي بها الى مصير شبيه بمصير الأمة عندما ولّت غير الكفوء لقيادة الأمة ، لذا فإن تشخيص القيادة الحقيقية من قبل الزهراء عليها السلام يدفعنا الى تشخيص تلك القيادة في وقتنا الحاضر ، وأن جل مشاكلنا هي بسبب انعدام القيادة المؤهلة وهي السبب الرئيسي إن تم تحقيقه ستُحل كل باقي المشاكل .
4) إن المرجع اليعقوبي يرى هناك ثلاث منعطفات تأريخية عند المسلمين ، كل منعطف جاء نتيجة عدم التزام الأمة بقواعد المنعطف الذي يسبقه وهذه المنعطفات الثلاثة هي (الغدير ، القيام الفاطمي ، واقعة الطف) ، فيوم عاشوراء الذي أودى بحياة سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي يعترف كل المسلمين بقدسية دمه – إلا ما شذ – وبانحراف أعدائه أمثال يزيد وعمر بن سعد وشمر وغيرهم – إلا ما شذ – جاء هذا الحدث بسبب عدم الالتزام بحيثيات الحدث الذي سبقه وهو القيام الفاطمي ، أما القيام الفاطمي فجاء نتيجة تخاذل الأمة عن نصرة خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن بايعوه في غدير خم ، وبالتالي فلو التزم المسلمون بيوم الغدير ومستلزماته لما اضطرت الزهراء عليها السلام من الانتفاض ضد المنقلبين وبيان حق الإمام علي عليه السلام في الخلافة مما أدى الى مقتلها واستشهادها سلام الله عليها ، ولو انتبهت الأمة من غفلتها ونصرت الزهراء عليها السلام لما وصلنا الى أن نفقد عزيزها الحسين عليه السلام .
في النتيجة فإن إحياءنا لمصيبة الزهراء عليها السلام أولى من إحيائنا لمصيبة الحسين عليه السلام لأن الأولى مقدمة للثانية ، ولو انتبهنا لما تريده الزهراء عليها السلام من قيامها لعرفنا ما يريده الحسين عليه السلام من نهضته ، ولو أحيا المؤمنون ذكرى الزهراء عليها السلام بالشكل المناسب بحيث يصل الى المستوى الذي يحيي به المؤمنون مصيبة الطف لتمكنّا من أن نعود بالأمة الى المنعطف الأول وهو يوم الغدير ، وهو المطلوب ، لأن يوم الغدير هو يوم عودة الحق الى نصابه وعزل الغاصب الظالم وهو ما يصدح به الشيعة ويحتفل به المؤمنون باعتباره عيد الله الأكبر .
ألا يستدعي هذا تركيز الشيخ اليعقوبي على مصيبة الزهراء عليها السلام ؟!