عبد الامير رويح
التنافس الجديد على الغاز والثروات الطبيعية المكتشفة في شرق البحر المتوسط، اثار قلق ومخاوف الكثير من الدول، خصوصا بعد اتساع رقعة الخلافات والتوترات بين القوى الرئيسية في المنطقة ومنها تركيا، التي تسعى اليوم الى توسيع عمليات التنقيب من اجل السيطرة على ثروات البحر المتوسط. وقد أثارت ممارسات وتهديدات أردوغان المستمرة وكما نقلت بعض المصادر، قلق الكثير من الدول وخصوصا حلفاء تركيا التي هددت وعلى لسان وزير خارجيتها مولود جاويش بشن حرب على اليونان ودول المتوسط.
تلك التحركات دفعت الاتحاد الأوروبي إلى التهديد بفرض عقوبات على تركيا اذا استمرت بمثل هكذا ممارسات واعمال عدوانية. وقد وقعت مناوشات بين قوافل البحرية التركية واليونانية في المياه المتنازع عليها، بعد أن أعلنت تركيا في 21 يوليو أنها ستبحث عن النفط والغاز قبالة جزيرة رودس اليونانية، إلا أن الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها ألمانيا أقنعتها بوقف الخطة مؤقتًا.
وخلال العقد الماضي، حولت اكتشافات كبيرة من الغاز الطبيعي البحري في المناطق الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية والقبرصية والمصرية المنطقة إلى مصدر عالمي للطاقة، وفي وقت سابق قالت شركة شيفرون كورب إنها ستدفع 5 مليارات دولار لشركة نوبل إنرجي، وهي شركة أميركية تشتمل أصولها الرئيسية على حصص في حقلي غاز ليفياثان وتمار الإسرائيليين وفي حقل أفروديت قبالة قبرص. وإجمالاً، فإن حقول شرق البحر المتوسط المكتشفة منذ عام 2009 تحتوي على 70 تريليون قدم مكعب من الغاز، أي ما يعادل حوالي 50 عامًا من استهلاك فرنسا، مع كمية مماثلة من المحتمل العثور عليها في المستقبل القريب، وفقًا لشركة Wood Mackenzie الاستشارية.
وتخطط إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا لنقل هذا الغاز إلى أوروبا من خلال خط أنابيب إيست ميد ” EastMed”، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أكد أن هذا الخط لن يمضي دون موافقته. كما أنه في عام 2018، ادعت سلطات شمال قبرص التركية أن لها الحق التنقيب في جزء كبير من المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية، بما في ذلك قبالة الجزء الجنوبي من الجزيرة، وطردت البحرية التركية سفينة حفر إيطالية سمحت بها الحكومة القبرصية، ثم في نوفمبر الماضي، أذهلت تركيا جيرانها من خلال التوقيع على صفقة ترسيم بحرية مع ليبيا، وأعطى هذا الاتفاق، الذي وقعته أنقره مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها، الكثير من المناطق البحرية التي تقع تحت سيطرة اليونان.
ويرفض المسؤولون الأتراك أن يكون لجزيرة كاستيلوريزو اليونانية الصغيرة التي تبعد ميلا واحدا فقط عن الشواطئ تركيا أي حق في المياه الاقتصادية. وقال الأدميرال غوردنيز، مدير مركز أبحاث بحري في جامعة كوك في اسطنبول: “هل من يتوقع أن تتخلى تركيا عن 50000 كيلومتر مربع بسبب هذه الجزيرة الصغيرة؟ إنها حصة أجيالنا المستقبلية، هذا مستحيل. إنها لعبة محصلتها صفر”، مضيفا: “الأمر يستحق أن نواجه العالم كله، وليس فقط دولة واحدة أو دولتين أو ثلاث، لأننا نتحدث عن الوطن الأزرق، امتداد وطننا.”
ولم تعترف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمطالب تركيا، حيث وصفت أوروبا اتفاقية ترسيم الحدود بليبيا بأنها “غير مفيدة واستفزازية”، وفي علامة على الإحباط المتزايد من تركيا، أعلنت الولايات المتحدة أيضًا في يوليو أنها ستبدأ تدريبًا عسكريًا مشتركًا مع قبرص لأول مرة لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وذكر ثانوس دوكوس، مستشار الامن القومي اليوناني، أن تعريف تركيا لمنطقتها البحرية الخاصة يتعارض مع الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وكذلك الجغرافيا والحس السليم، وينتهك حقوق السيادة اليونانية ويتحدى المصالح اليونانية بطريقة لا يمكن لأي حكومة قبولها، مؤكدا أنه توجد احتمالية كبيرة لنشوب صراع عسكري وأن بلاده مستعدة له.
وقد أنشأت مصر وإسرائيل وقبرص واليونان والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا أول منظمة إقليمية تتعاون في مجال تطوير الطاقة منتدى شرق المتوسط للغاز، كما تقدمت فرنسا بطلب للانضمام للمنظمة. وتعليقا على هذه المنظمة، أكد مسؤول تركي رفيع المستوى أن هذه المبادرات تحاول استبعاد تركيا من معادلة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وأنه لا يمكن لأحد أن يتوقع من تركيا ألا تفعل شيئًا، وقال: “لهذا السبب أطلقت تركيا البرنامج البحري ونحن عازمون على الاستمرار”
مناورات عسكرية
وفي هذا الشأن قالت تركيا إنها ستجري مناورة عسكرية قبالة شمال غرب قبرص، وسط تصاعد التوتر مع اليونان بشأن خلافات حول حقوق التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط. وتفجر النزاع طويل الأمد بين تركيا واليونان العضوين في حلف شمال الأطلسي بعد أن أبرم الجانبان اتفاقيتين متعارضتين بشأن حدودهما البحرية مع كل من ليبيا ومصر، كما أرسلت تركيا سفينة مسح إلى المياه محل النزاع هذا الشهر.
وأجرى الجانبان مناورات عسكرية في شرق البحر المتوسط ، مما يسلط الضوء على احتمال تصعيد الخلاف حول امتداد الجرف القاري إلى مواجهة مسلحة. ووقع اصطدام بين فرقاطتين يونانية وتركية أثناء متابعة سفينة المسح التركية أوروتش رئيس التي أرسلتها أنقرة للتنقيب عن النفط والغاز. وقالت وزارة الدفاع التركية إن طائرات إف-16 التركية منعت ست طائرات يونانية من طراز إف-16 أيضا من دخول منطقة تعمل فيها تركيا.
وأصدرت تركيا إخطارا قالت فيه إنها ستجري تدريبات على الرماية بالمدفعية في شرق البحر المتوسط قبالة شمال غرب قبرص حتى 11 سبتمبر أيلول. وقال أكبر دبلوماسي بالاتحاد الأوروبي إن الاتحاد يجهز عقوبات على تركيا ردا على المواجهة بين أنقرة واليونان العضو في الاتحاد الأوروبي.
وانتقد نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي الإجراءات المحتملة التي يمكن أن تستهدف الأفراد أو السفن أو استخدام الموانئ الأوروبية بهدف الحد من قدرات أنقرة على التنقيب. وقال على تويتر ”من الخداع أن يدعو الاتحاد الأوروبي للحوار من جهة ويضع خططا أخرى من الجهة الثانية فيما يتعلق بالأنشطة التي نقوم بها في جرفنا القاري في شرق البحر المتوسط“. بحسب رويترز.
كما أعلنت وزارة الدفاع اليونانية في وقت سابق أن “قبرص واليونان وفرنسا وإيطاليا اتفقت على نشر وجود مشترك في شرق المتوسط في إطار مبادرة التعاون الرباعية (اس كيو ايه دي). وحذّرت فرنسا تركيا من أن شرق المتوسط لا يمكن أن يشكل “ملعباً” لـ”طموحات” وطنية. وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في تغريدة أكدت فيها بدء التدريبات العسكرية المشتركة إن “المتوسط يجب ألا يكون ملعباً لطموحات البعض: إنه ملكية مشتركة”، حيث “احترام القانون الدولي يجب أن يكون القاعدة وليس الاستثناء”.
وحذّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده لن تقدم “أي تنازل” في الدفاع عن مصالحها المرتبطة بالغاز في شرق المتوسط داعياً اليونان إلى تجنّب أي “خطأ” يمكن أن يؤدي إلى “خرابها”. وأوضحت وزارة الدفاع اليونانية في بيان نشر في وقت سابق أن القوات البحرية والجوية القبرصية واليونانية والفرنسية والإيطالية ستجري مناورات في شرق المتوسط.
وأشار البيان إلى أن “التوتر وعدم الاستقرار في شرق المتوسط زادا الخلافات حول القضايا بشأن المجال البحري (رسم الحدود والهجرات وتدفق اللاجئين…)”. من جهتها، اعتبرت وزارة الدفاع القبرصية في بيان أن “التوتر ومحاولات زعزعة الاستقرار في شرق المتوسط (…) بلغت الذروة”.
تركيا وفرنسا
على صعيد متصل قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه اتخذ موقفا صارما فيما يتعلق بأفعال تركيا في شرق البحر المتوسط بغرض وضع خطوط حمراء لأن أنقرة تحترم الأفعال وليس الأقوال. وشهدت العلاقات بين فرنسا وتركيا توترا خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب دور أنقرة في حلف شمال الأطلسي وليبيا ومنطقة شرق البحر المتوسط.
ودعا ماكرون الاتحاد الأوروبي لإبداء التضامن مع اليونان وقبرص في الخلاف حول احتياطيات الغاز الطبيعي قبالة قبرص وامتداد الجرف القاري لكل منهما، كما ضغط من أجل فرض مزيد من العقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من وجود انقسامات داخل التكتل بشأن تلك القضية. وقال ماكرون للصحفيين في مؤتمر صحفي ”عندما يتعلق الأمر بالسيادة في منطقة شرق المتوسط، يجب أن تكون أقوالي متسقة مع الأفعال“.
وأضاف ”يمكنني أن أبلغكم أن الأتراك لا يدركون ولا يحترمون سوى ذلك… ما فعلته فرنسا هذا الصيف كان مهما: إنها سياسة تتعلق بوضع خط أحمر. لقد طبقتها في سوريا“، في إشارة إلى الغارات الجوية الفرنسية على ما يشتبه بأنها مواقع أسلحة كيماوية في سوريا. وانضمت فرنسا إلى مناورات عسكرية مع إيطاليا واليونان وقبرص في شرق البحر المتوسط مع تصاعد حدة الخلاف بين تركيا واليونان بعد أن أرسلت أنقرة سفينة المسح والتنقيب ”أوروتش رئيس“ إلى المياه المتنازع عليها في خطوة وصفتها أثينا بأنها غير قانونية.
وقال ماكرون إنه كان صارما ولكنه التزم ضبط النفس. وأضاف الرئيس الفرنسي ”لا أرى أن استراتيجية تركيا في السنوات القليلة الماضية تتسق مع استراتيجية دولة حليفة في حلف شمال الأطلسي… (وذلك) عندما تجد دولة تتعدى على المناطق الاقتصادية الخالصة أو تنتهك سيادة دولتين عضوين في الاتحاد الأوروبي“، واصفا إجراءات تركيا بأنها استفزازية. وتابع قائلا ”كيف ستبدو مصداقيتنا في التعامل مع أزمة روسيا البيضاء إذا لم نتخذ خطوة إزاء الهجمات على سيادة الدول الأعضاء“. بحسب رويترز.
واتخذت ألمانيا نهجا بعيدا عن المواجهة، وسعت للتوسط بين أنقرة وأثينا. وقال ماكرون ”بدأت ألمانيا وشركاء آخرون يتفقون معنا على أن أجندة تركيا تثير المشاكل الآن“. ومضى يقول ”منذ ستة أشهر كان الناس يقولون إن فرنسا وحدها هي التي تنحي باللائمة على تركيا في الأحداث. الآن يرى الجميع أن هناك مشكلة“. كما اعتبر الرئيس الفرنسي في وقت سابق أنّ نظيره التركي رجب طيّب أردوغان ينتهج “سياسة توسّعية تمزج بين المبادئ القومية والإسلامية ولا تتّفق والمصالح الأوروبية” وتشكّل “عاملاً مزعزعاً لاستقرار” أوروبا.
وقال ماكرون في مقابلة أجرتها معه مجلة “باري ماتش” إنّه “يجب على أوروبا أن تتصدّى لهذه الأمور وجهاً لوجه وأن تتحمّل مسؤوليتها. أنا لست مع التصعيد. لكن، بالتوازي، أنا لا أؤمن بالدبلوماسية الضعيفة. لقد أرسلنا إشارة مفادها أنّ التضامن الأوروبي ذو معنى”. واثار التدخل الفرنسي بشكل خاص استياء تركيا. وفي مقابلة تلفزيونية خاطب أكار فرنسا قائلا “انتهى وقت الترهيب. لا مجال لكم لإجبارنا على القيام ببعض الخطوات من خلال الترهيب”.
وعن الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة قال إن “التفكير في منع أو تغيير أنشطة تركيا أو القوات المسلحة التركية حلم بعيد المنال”. وحض أكار أيضا اليونان على الكف عن الاختباء وراء فرنسا أو الاتحاد الأوروبي وقال “كتركيا واليونان، علينا أن نحل مشكلاتنا من خلال المحادثات … نقول علينا أن نتحدث، نقول حوار ونريد حلا”. كما تعهّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدم الرضوخ لـ”قراصنة” ومواصلة التنقيب عن مصادر الطاقة في مياه متنازع عليها في شرق المتوسّط.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه ما من تهديدات يمكن أن تردع تركيا عن السعي وراء الموارد الطبيعية في شرق البحر المتوسط، مضيفا أن أنقرة تتوقع أن تتخذ الأطراف الفاعلة في المنطقة خطوات لنزع فتيل التوتر. وقال أردوغان ”تركيا عازمة على المطالبة بحقوقها في شرق البحر المتوسط حتى النهاية…ما من قوة أو تهديد استعماري يمكن أن يردع بلدنا عن موارد النفط والغاز الطبيعي التي يُعتقد بوجودها في المنطقة“ مضيفا أن أنقرة ترغب في حل النزاع عبر الحوار والدبلوماسية بدلا من تصعيد التوتر. وكانت تركيا اتّهمت فرنسا بالتصرف مثل “بلطجي” في شرق المتوسط.
محادثات مشروطة
في السياق ذاته أعلنت اليونان أنّ لا محادثات مقرّرة بينها وبين تركيا لتخفيف التوترات المتزايدة بين البلدين في شرق المتوسط، نافية بذلك ما أعلنه حلف شمال الأطلسي من أنّه سيستضيف “محادثات تقنية” بين أثينا وأنقرة لحلّ هذه الأزمة. وقالت وزارة الخارجية اليونانية في بيان إنّ “المعلومات التي جرى الكشف عنها بشأن مفاوضات تقنية مفترضة في حلف شمال الأطلسي لا تتّفق والواقع”.
وأتى النفي اليوناني بعيد ساعات من إعلان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ في تغريدة على تويتر أنّ اليونان وتركيا ستعقدان محادثات في مقرّ الحلف بهدف تفادي أي مواجهات غير محسوبة في شرق المتوسط، حيث يختلف البلدان على الحدود البحرية وحقوق استكشاف الغاز. بحسب فرانس برس.
وفي تغريدته قال ستولتنبرغ إنّه “بعد المحادثات التي أجريتها مع قادة اليونان وتركيا، اتفق البلدان الحليفان (المنضويان في حلف الأطلسي) على الدخول في محادثات تقنية في مقر حلف شمال الأطلسي لوضع آلية من أجل منع وقوع أي نزاع عسكري وخفض احتمال وقوع حوادث في شرق المتوسط”. وأضاف أن “تركيا واليونان حليفان قيّمان وحلف شمال الأطلسي منصة مهمّة للتشاور بشأن جميع القضايا التي تؤثر على أمننا المشترك”.
ولفتت الخارجية اليونانية في بيانها إلى أنّها أخذت علماً “بنيّة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي العمل على إنشاء آليات لخفض التصعيد (…) لكنّ وقف التصعيد لن يتمّ إلا بالانسحاب الفوري لجميع السفن التركية من الجرف القارّي اليوناني”. وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو حضّ الطرفين على خفض منسوب التوتر وفتح القنوات الدبلوماسية للتخفيف من حدة الأزمة.
من جانبها أعلنت تركيا أنها مستعدة للحوار مع اليونان لحل أزمة شرق البحر المتوسط، فيما مددت في الوقت ذاته عمليات التنقيب المثيرة للجدل عن موارد الطاقة في المنطقة. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده مستعدة للحوار مع اليونان لحل الخلافات حول الحقوق والموارد في البحر المتوسط, طالما كانت أثينا مستعدة لذلك. وقال جاويش أوغلو أيضا في مؤتمر صحفي، إن اليونان “تحاول استفزاز تركيا عبر اتخاذ موقف يتسم بالعداء”. كما أعلنت تركيا تمديد عمليات التنقيب عن الغاز في المنطقة الغنية بالمحروقات شرق المتوسط، متجاهلة الدعوات الدولية لتخفيف التوتر مع أثينا.