ليز تراس رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة.. بين تحديات إرث جونسون ووعود صعبة التحقق

 مي صلاح

 

أعلن حزب المحافظين البريطاني اسم رئيس الوزراء الذي يخلف “بوريس جونسون” الذي أنهى حياته المهنية كسياسي في الخطوط الأمامية بعد منافسة مطولة استعرض خلالها المرشحان لقيادة المنصب تحدياتهما وخططهما المستقبلية للقيادة، وانتهى الأمر بفوز “ليز تراس” على خصمها “ريشي سوناك” بعد توقعات العديد من استطلاعات الرأي بفوزها، والدعم الكبير الذي حظيت به من قبل نواب حزب المحافظين ودفعها لتصدر المشهد، لتجد نفسها الآن أمام تحديات وتهديدات متعددة، في ظل الاضطراب الاقتصادي للبلاد، والتضخم المتفشي، والركود العميق، والاضطرابات العمالية، وارتفاع فواتير الطاقة، فضلًا عن الخلافات مع الاتحاد الأوروبي، واستمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.

“تراس” تقود بريطانيا في وقت صعب بفوز متوقع

في وقت يتسم بخطر اقتصادي واضطراب سياسي في المملكة المتحدة، ومن خلال خمس جولات من التصويت من قبل أعضاء حزب المحافظين في البرلمان، خرجت “تراس” من ساحة مزدحمة من المرشحين إلى نطاق أضيق لا يتسع لسواها هي و”سوناك” الذي أدت استقالته في يوليو الماضي إلى الإطاحة بـ “جونسون”. ليتم حسم الأمر واختيار زعيم بريطانيا الجديد بناء على التصويت من قبل جزء صغير –وليس تمثيلي- من سكان البلاد البالغ عددهم 67 مليون نسمة، وكان لنحو 160 ألف شخص القول الفصل في اختيار رئيس حزب المحافظين، وبالتالي رئيس الوزراء.

وفازت تراس على وزير الخزانة السابق بنسبة 57.4% (81326 صوتًا) مقابل 42.6% (60399 صوتًا)، وكان الأمر متوقعًا بعد اكتساحها استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة وتقدمها على خصمها بقوة. وبذلك تصبح هي رابع رئيس وزراء لبريطانيا خلال ست سنوات، بعد جونسون وتيريزا ماي وديفيد كاميرون، وثالث سيدة ترأس الوزراء بعد مارجريت تاتشر وماي.

https://cdn.jwplayer.com/previews/x1EWokDC

وأكد حزب المحافظين قبيل الإعلان عن النتيجة أنه حزب قوي وصوته واحد، وغرّدت تراس بعد فوزها قائلة: “يشرفني أن أُنتخب زعيمة لحزب المحافظين”، ووجهت شكرها للثقة فيها مؤكدة أنها ستتخذ “إجراءات جريئة لإخراج البلاد من هذه الأوقات الصعبة بتنمية الاقتصاد وإطلاق العنان لإمكانات المملكة المتحدة”.

وعن رد فعل جونسون بفوزها، أكد رئيس الوزراء السابق استحقاقها للفوز، ويرى أن لديها الخطط الصحيحة لمعالجة غلاء المعيشة وتوحيد المحافظين، مشددًا على أن هذا هو الوقت المناسب لوقوف أعضاء الحزب ورائها مئة بالمئة، ولم ينس أن يذكّر الجميع بإنجازاته خلال فترة قيادته للحزب ونجاحه في ملف “بريكست” وأزمة جائحة كورونا، والدعم غير المسبوق لأوكرانيا.

من هي ليز تراس؟

نشأت تراس البالغة من العمر 47 عامًا في عائلة يسارية، وكانت عضوًا نشطًا في حزب الوسط البريطاني، الديمقراطيين الليبراليين، كطالبة في جامعة أكسفورد، ودعت ذات مرة في شبابها عام 1994 إلى التصويت لإلغاء الملكية، لتتراجع بعد ذلك وتبرر مواقفها السياسية قبل ذلك بأنها “شبابية طائشة”.

وفي عام 2016، قامت بحملة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي خلال استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد “البريكست”، لكنها سرعان ما غيرت رأيها، وأعادت صياغة نفسها كمدافعة عن قضايا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ونُسب إليها الفضل في المفاوضات التي أجرتها مع الاتحاد الأوروبي بشأن التجارة في أيرلندا الشمالية.

وشغلت تراس ستة مناصب وزارية في ظل ثلاثة رؤساء وزراء، وتولت منصب وزيرة الخارجية في حقبة “جونسون”، ولم تكن جزءًا من تمرد حزب المحافظين عليه، ولم تقدم استقالتها ضمن سلسلة الاستقالات التي طالت حكومة رئيس الوزراء السابق، وبررت ذلك بأنها تخشى أن تغرق البلاد في الفوضى إن فعلت.

وبهذا عززت ليز تراس مكانتها كأفضل مرشحة لحزب المحافظين، خاصة بعد خططها الجادة خلال حملتها الانتخابية، التي تعهدت خلالها بخفض الضرائب، والتخلي عن لوائح الاتحاد الأوروبي المتبقية وتقليص حجم الحكومة البريطانية؛ وهي تدابير لإرضاء الجماهير مصممة خصيصًا لأعضاء حزب المحافظين، الذين يميلون إلى أن يكونوا أكثر يمينية.

تحديات داخلية وخارجية

يقتضي البروتوكول أن تجتمع رئيسة الوزراء الجديدة مع الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكنغهام في لندن، ولكن لظروف إجازة الملكة، فسيتم الاجتماع بالمنتجع الصيفي بقلعة “بالمورال” في اسكتلندا، وستتحدث تراس من داخل “داونينج ستريت” يوم الثلاثاء، ومن ثم ستعلن عن الحكومة الجديدة وسيبدأ العمل.

وبانتقال “تراس” إلى 10 داونينج ستريت، تنتقل معها التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية التي خلفها جونسون قبل مغادرته. وبتقسيم التحديات نجد أنها أمام عدة مشاكل صعبة تتعلق بدياتها بما يزعزع استقرار حزب المحافظين وتراجع شعبيته، مرورًا بالعقبات الاقتصادية من التضخم، والركود، والاضطرابات العمالية وتصاعد مطالبهم، وارتفاع فواتير الطاقة المنزلية مع اقتراب فصل الشتاء، وسط احتمالات بنقص الوقود، وكل هذا بجانب السياسات الخارجية غير المستقرة مع بروكسل وروسيا.

  • تحديات داخلية:

انقسامات حزب المحافظين: سيتعين على تراس أن تعالج الانقسامات داخل حزب المحافظين بعد سنوات مضطربة من رئاسة “جونسون” الذي تم إقصاؤه من منصبه عقب سلسلة من الفضائح والانتقادات أدت إلى تراجع القاعدة الشعبية للحزب، وتصدر حزب “العمال” المعارض المشهد بقوة في سابقة لم تحدث منذ عقد من الزمان.

ارتفاع تكلفة الطاقة: كانت تراس قد تعهدت أنه إذا عُيّنت في المنصب، ستطرح خطة للتعاطي مع أسعار الكهرباء خلال الأسبوع الأول، وستتعامل مع فواتير الطاقة قصيرة الأجل، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، فضلًا عن خطط أخرى طويلة الأجل بشأن إمدادات الطاقة. ولكنها في الوقت نفسه استبعدت إجراءات مثل ترشيد استهلاك الوقود أو فرض ضريبة أرباح غير متوقعة على شركات الطاقة.

خفض الضرائب ومساعدة الأسر الأكثر فقرًا: وعدت تراس حال فوزها بتقديم خطة جريئة لخفض الضرائب وتنمية الاقتصاد، فضلًا عن دعم فوري للأسر التي تعاني من تداعيات الأوضاع الاقتصادية المتردية، ولكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن تدابير ملموسة. وعن الضرائب، أكدت تراس أنها تحمل برنامجًا جريئًا بإجراءات تقتضي تخفيض الضرائب والحد من البيروقراطية، ولكن من المتوقع أن يصب هذا الأمر في مصلحة الأثرياء، وهو الأمر الذي ترى فيه تراس أنه عادل ويعزز النمو.

الاضطرابات العمالية: أضرب عشرات الآلاف من العمال في بريطانيا للمطالبة بتحسين الأجور لمواكبة التكاليف المتزايدة بلا هوادة، ومن بين الذين يغادرون أو يهددون هم عمال الموانئ والممرضات والمدرسون وسائقو القطارات وموظفو خدمة البريد.

التضخم: يلوح في أفق الحكومة الجديدة شبح التضخم الذي تجاوز 10% للمرة الأولى منذ الثمانينات، وتوقع بنك إنجلترا أن يصل إلى أعلى مستوى له في 42 عامًا عند 13.3٪ في أكتوبر، وما يتبعه بعد ذلك من ركود طويل يؤدي إلى استمرار تأخر الأجور وتقليص ميزانيات الأسر وارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة.

  • تحديات خارجية: 

العلاقة مع بروكسل “برتوكول إيرلندا الشمالية”: تواجه حكومة تراس الجديدة عقبة إنجاح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد تعهدت تراس خلال حملتها الانتخابية بتشريع من شأنه أن يقلب قواعد التجارة في أيرلندا الشمالية رأسًا على عقب. وقد انتقد الاتحاد الأوروبي مشروع القانون بسبب انتهاكه معاهدة بين بروكسل ولندن.

وإذا لم تتوصل تراس إلى تسوية، فمن شأن النزاع أن يتحول إلى حرب تجارية، خاصة وأن تراس لا تحظى بشعبية كبيرة في بروكسل، وينظر إليها على أنها محرضة وانتهازية، وستزيد الأمر سوءًا بين بريطانيا والكتلة الأوروبية. فالتحدي الآن هو أن تستطيع الحكومة الجديدة سد فجوة عدم المساواة بين لندن وبقية البلاد وسط أزمة الطاقة، وتغيرات المناخ التي تقتضي الوصول إلى صفر انبعاثات الكربون في أقرب وقت.

الدعم البريطاني لأوكرانيا ضد روسيا: من المتوقع أن تواصل بريطانيا بقيادة “تراس” سياسة جونسون القائمة على الدعم القوي لأوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي. ولعل ما سيجعل الأمر سهلًا، هو أن تراس من أشد المنتقدين للعدوان الروسي، وستعمل على فرض المزيد من العقوبات عليها، وربما تكون أول زياراتها الخارجية الرسمية إلى كييف.

العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة: تخشى الولايات المتحدة أنه بعد أن تخلصت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن تكون حرة وتسعى إلى إقامة علاقات خاصة بها مع قوى عظمى مثل الصين، ولكنها حتى الآن تنحاز إلى الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي. ولكن تبقى التوقعات موجودة بقرب تدمير العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما سينعكس على المصداقية التي قد تتمته بها تراس في واشنطن.

ووفقًا لما سبق، من المرجح أن يتم الحكم على تراس خلال الفترة المقبلة من خلال طريقة تعاملها مع العاصفة الاقتصادية المهيمنة على بريطانيا، خاصة وأن الحلول العملية لتنفيذ وعودها ليست مطروحة حتى الآن. هذا بجانب المجهود الذي ينبغي عليها بذله لقيادة المملكة المتحدة على المسرح الدولي في مواجهة روسيا والصين وتمردهما، مع الأخذ في الحسبان سجلها السابق كوزيرة للخارجية، والذي يُنبئ بعلاقات صعبة مع الولايات المتحدة، بجانب التوترات المستمرة مع بروكسل ومحاولة قطع الشِباك والتخلص للأبد من خيوط الاتحاد الأوروبي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72721/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M