تعيش تونس منذ ما يزيد على عام أزمة سياسية حادة بعد أن فرض الرئيس التونسي قيس سعيد، في 25 يوليو/تموز 2021، عدداً من الإجراءات الاستثنائية التي أفضت إلى حل البرلمان وإقالة الحكومة وتعيينات جديدة تدعم توجهاته، فضلاً عن تعطيل عمل القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وفرض دستور جديد للبلاد بعد استفتاء أجراه في 25 يوليو/تموز الماضي يفضي إلى تغيير النظام الانتخابي وتقديم الانتخابات البرلمانية إلى تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2022.
يحاول تقدير الموقف البحث في المشهد السياسي الأخير في تونس، والمواقف المحلية والدولية بشأنه، والأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية، بالإضافة إلى وضع السيناريوهات المحتملة لمآلات الأوضاع السياسية في تونس.
المواقف السياسية من الأحداث في تونس
أصدر الرئيس التونسي في 16 سبتمبر/أيلول الماضي مرسوماً رئاسياً رقم 55 لعام 2022 يتعلق بتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء، وقد أجرى فيها تغييرات جذرية على تقسيم الدوائر الانتخابية وطريقة الاقتراع، وخفض عدد أعضاء مجلس النواب من 217 إلى 161 عضواً، وقد جاء المرسوم في إطار الدستور الجديد الذي تم الاستفتاء عليه أواخر يوليو/تموز الماضي، وبدأ العمل به رسمياً من قبل السلطات التونسية.
ومع استمرار الإجراءات الرئاسية توسعت دائرة الجدل وتباينت مواقف القوى السياسية بين مؤيد ومعارض، وقد جاء موقف الأحزاب المعارضة رافضاً كلياً للإجراءات المؤدية إلى إصدار مرسوم القانون؛ إذ ترى القوى المعارضة في التعديل الرئاسي على قانون الانتخابات مزيداً من النزعة الانفرادية لرئيس الدولة، فقد كان يُفترض على الرئيس أن يستشير الأحزاب السياسية والجمعيات الناشطة في مجال الانتخابات حسب القانون القديم، لكن القانون الجديد يهدف إلى الحد من تأثير الأحزاب السياسية، وتركيز السلطة في البلاد في شخص رئيس الدولة.
ومن المواقف المحلية والإقليمية والدولية بشأن المشهد السياسي التونسي:
موقف الأطراف المحلية
على الرغم من أن القرارات الاستثنائية أفضت إلى نتائج سلبية على العملية الديمقراطية في تونس لم تشهد الساحة التونسية احتجاجات شعبية رافضة لهذه القرارات، ويبدو أن ثقة الشعب التونسي بأطراف المعادلة السياسية في تراجع مستمر، فعلى سبيل المثال لم يتجاوز عدد المشاركين في المظاهرات الشعبية التي نظمتها تنسيقية “مواطنون ضد الانقلاب” سوى بضعة آلاف، ولم تتمكن الأحزاب المعارضة من استقطاب الشارع، وأضحت تواجه القرارات الرئاسية وحيدة دون دعم شعبي واسع النطاق تعتمد عليه.
وبالنسبة لموقف النقابات العمالية الممثَّلة بشكل أساسي بالاتحاد العام التونسي للشغل فقد كان ضعيفاً جداً إذ ما قورن بدوره في فترات سابقة. لكن الاتحاد اختار موقفاً ضبابياً، وترك حرية الاختيار لأعضائه بالتصويت على مشروع الاستفتاء على الدستور على الرغم من تصريحات المركزية النقابية للاتحاد بأن الدستور الجديد يتضمن نصوصاً توسع من سلطات الرئيس على حساب مؤسسات الدولة الأخرى، وقد يرجع قرار الاتحاد إلى المقايضة مع السلطات الحاكمة في تونس بشأن عدد من الإصلاحات التي يطالب بها.
أما بالنسبة للأحزاب السياسية، فقد توسع رفضها لقرارات قيس سعيد بعد أن تأكدت أن سعيّد ماضٍ في مشروعه التهميشي لدور الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني. وقد شكلت تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تضم الحزب الجمهوري، وحزب التكتل الديمقراطي، وحزب العمّال، والتيار الديمقراطي، وحزب القطب الحداثي، ائتلافاً جديداً لمعارضة قرارات سعيد في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، حيث اتفقت قيادات التنسيقية على تأسيس ائتلاف منفتح على قبول عضوية أحزاب أخرى للانضمام إليه، ويسعى الائتلاف، الذي حمل اسم (الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء)، إلى تشكيل ضغط سياسي ومجتمعي لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري. وعلى الرغم من المؤشرات على ضعف موقف هذا الائتلاف، وإصرار قيس سعيد على المضي في قرار إجراء الانتخابات البرلمانية، فإن الائتلاف ربما يمثل حالة استمرار للمحاولات المعارضة حتى لا يخلو المشهد السياسي من أي مقاومة ولو كانت ضعيفة.
كذلك أعلنت التنسيقية مقاطعتها للانتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى إعلان جبهة الخلاص الوطني، المتكونة من حركة النهضة وحزب قلب تونس وحراك تونس الإرادة وائتلاف الكرامة وحزب حركة أمل، عدم مشاركتها في الانتخابات؛ انسجاماً مع مبدئها من قرارات الرئيس التونسي الانفرادية، ورافضة لنتائج الاستفتاء. في المقابل، أكد عدد من الأحزاب الداعمة لمسار الرئيس سعيد، مثل التيار الشعبي وحركة تونس إلى الأمام وحركة الشعب والائتلاف من أجل تونس، وغيرها، مشاركتها في الانتخابات التشريعية المقبلة.
ومع تصريحات المتحدث باسم هيئة الانتخابات محمد المنصري، في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، عن منع الأحزاب التي ستقدم مرشحين لها من المشاركة في الحملة الانتخابية، أبدى عدد من المكونات المؤيدة لتوجهات سعيد تخوفها بشأن هذه التصريحات؛ لكونها من الممكن أن تكون تمهيداً لإخراج كل الأحزاب السياسية من المشهد السياسي، وطالب رئيس حركة تونس إلى الأمام على سبيل المثال الرئيس التونسي بتوضيح موقفه بشأن منع الأحزاب المشاركة في الانتخابات القادمة.
المواقف الإقليمية والدولية
تباينت المواقف الرسمية لدول جوار تونس من أحداث المشهد السياسي الأخير في تونس؛ فالسلطات الجزائرية لم تظهر اعتراضاً رسمياً نوعاً ما ضد القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي، وربما يعود ذلك إلى العلاقات الجيدة التي تجمع رئيسي البلدين، وقد اعتُبرت زيارة قيس سعيد إلى الجزائر أثناء مشاركته في الذكرى الستين للاستقلال في 5 يوليو/تموز الماضي بمنزلة تأكيد لمستوى العلاقات الجيد بين البلدين، وهو ما يرشح لزيادة وتطور العلاقات بينهما بغض النظر عن المسار السياسي الذي تعيشه تونس.
أما ليبيا؛ فالمواقف السياسية تجاه تونس منقسمة بسبب الوضع الداخلي الليبي، ومع ذلك لم تشهد العلاقات الثنائية بين البلدين تغيراً ملحوظاً، وذلك نتيجة موقف تونس المحايد في الصراع الليبي الداخلي. وبالنسبة للمغرب لم تصدر تصريحات رسمية داعمة أو رافضة للإجراءات الرئاسية، إلا أن الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين تونس والمغرب على خلفية مشاركة وفد من جبهة البوليساريو في المنتدى الدولي لـ”مخيم العدالة المناخية”، الذي عقد بين 25-29 سبتمبر/أيلول الماضي، تُظهر مؤشرات لعلاقات دبلوماسية غير مستقرة بين البلدين، وربما قد تَصدر تصريحات رسمية مغربية غير متفقة مع النهج السياسي المعتمد في تونس.
ومنذ أن باشر الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية كانت مواقف القوى الدولية باهتة، ولم تظهر سوى امتعاض سطحي لاستحواذ سعيّد على معظم السلطات. حيث اكتفت المواقف الأوروبية بالدعوة إلى دعم الديمقراطية والحفاظ على الحريات الأساسية، وقد دعا الاتحاد الأوروبي عقب الإعلان عن نتائج الاستفتاء على الدستور إلى ضرورة التوصل إلى اجتماع بين كل القوى السياسية.
إلا أن الموقف الفرنسي كان أكثر صراحة في تأييده للإجراءات الرسمية، فقد أشاد الرئيس الفرنسي بنتائج الاستفتاء، وصرح أنه يمثل “خطوة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية”، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه مع قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي. ويبدو أن فرنسا فضلت رعاية مصالحها الأمنية ولو بتأييدها لنظام غير ديمقراطي، لخشيتها من انهيار الوضع الأمني في تونس وزيادة موجات الهجرة غير الشرعية إلى حدودها.
في المقابل عبرت واشنطن عن أن المشاركة في الاستفتاء كانت بنسب متدنية، وهو ما قد يؤثر سلباً على العملية الديمقراطية في البلاد. وقد صرح عدة مسؤولين أمريكيين عن مخاوفهم بشأن انهيار العملية الديمقراطية في تونس، ومنهم وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الذي صرح عقب نتائج الاستفتاء بأن تونس شهدت “تأكلاً مقلقلاً للمعايير الديمقراطية”، وتصريحات السفير الأمريكي الجديد لتونس، جوي هود، أمام الكونجرس الأمريكي بشأن الأوضاع في تونس، التي أكد فيها أنه “سيستخدم جميع أدوات النفوذ الأمريكي للدعوة إلى العودة إلى الحكم الديمقراطي“. وهو ما دفع الخارجية التونسية الى استدعاء القائمة بأعمال السفارة الأمريكية، ناتاشا فرانشيسكي، للتنديد بما أسمته “التدخل”، وبالتصريحات “غير المقبولة” للمسؤولين الأمريكيين الذين انتقدوا الاستفتاء على الدستور.
أبعاد الأحداث في تونس
تظهر التطورات الأخيرة في المشهد السياسي التونسي جملة من الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية تتمثل في التالي:
الأبعاد السياسية
تعيش منظومة الحكم في تونس حالة تراجع سياسي كبير؛ نتيجة عدم قدرتها على تأسيس سياسة توافقية ثابتة ومستقرة في البلاد مع رؤى اقتصادية تنهض باقتصاد البلد وتعالج مشاكله المالية. ومع مقاطعة أحزاب عديدة للانتخابات البرلمانية المعلن عنها، فمن المحتمل أن يدخل المشهد السياسي مرحلة مجهولة تُدار فيها مؤسسات الدولة بمنهجية منفردة. إذ تشير تقارير صحفية إلى أن البرلمان التونسي المقبل سيكون مختلفاً جذرياً عن البرلمانات التونسية السابقة، وذلك نتيجة اعتماده على تصويت الأفراد لا القوائم.
وهو ما يعني أن الأحزاب لن تتمكن من تقديم قوائم أشخاص بعينهم للمشاركة في الحملة الانتخابية، ولن يكون هناك برنامج حزبي للمرشحين، بل سيكون هناك مرشحون أفراد يتنافسون على مقاعد البرلمان. ومن المحتمل أن يؤدي نظام الاقتراع عبر الأفراد إلى تقليص دور الأحزاب في المشهد السياسي والبرلماني، وتمكن الناخبين ذوي النفوذ المالي والاجتماعي من الوصول إلى البرلمان دون غيرهم، وغياب التوجهات السياسية المشتركة في مقابل زيادة النزعة الجهوية والمحلية لأعضاء البرلمان.
كذلك، ربما يصبح دور الأحزاب والمؤسسات المدنية في الحياة السياسية القادمة أقل فعالية، فالنظام السياسي الذي يسعى إليه سعيد قد يقلص أداءها أكثر، ولكن لا يصل الأمر إلى اجتثاث الأحزاب أو المنظمات المدنية من على أرض الواقع، بل يسعى إلى إضعاف دورها باستمرار إلى أن تصبح أدوات هامشية.
الأبعاد الأمنية
شهدت تونس في الفترة الأخيرة زيادة الملاحقات الأمنية لعدد من المعارضين السياسيين واشتملت التهم الموجهة على قضايا تتعلق بالفساد والإرهاب واستغلال المال العام، وذلك بعد أن أصدر الرئيس قيس سعيد قراراً بإعفاء 57 قاضياً بشبهة فساد في 1 يونيو/حزيران الماضي.
آخر محطات هذه التحقيقات كانت مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الأمنية والبرلمانية والحزبية، في قضية ما عرف بـ”ملف التسفير”. وذلك على الرغم من أن ملف القضية فُتح في الفترة البرلمانية 2014-2019، وأنشئت لجنة تحقيق مختصة بشأن القضية التي انتهت إلى تثبيت تهم التسفير على عناصر قيادية من حزب النداء وليس حزب النهضة، وصدرت أحكام باتة عن القطب القضائي المكلف بملفات الإرهاب وأغلق الملف تماماً.
ولم تقتصر الملاحقات الأمنية على الشخصيات البارزة في أحزاب المعارضة، بل اتسعت لتشمل مراقبة أمنية على المؤسسات الإعلامية والمنظمات المدنية وغيرها. وأضحت تونس-بحسب معارضين- بلداً تُقمع فيها الحريات، ويُلاحق فيها الصحفيون، وتزداد فيها حملات الاعتقال غير المقننة، ويُمنع فيها الأشخاص من السفر تحت بند التدبير الوقائي “إس 17″، وهو ما قد ينعكس مستقبلاً على حالة الاستقرار في تونس ويفضي إلى انفلات أمني يؤثر في الإقليم بأسره.
من جهة أخرى، عادت سلوكيات الخوف والحذر مجدداً إلى الشارع التونسي، فالخوف من تلقي تهمة ما أو الاعتقال من قبل الشرطة السياسية بدون سابق إنذار أصبح أمراً حاضراً في المشهد العام التونسي، وهو ما دفع المواطنين والنخب السياسية والاجتماعية إلى أخذ الحيطة والحذر بعد أن كانت ممارساتهم السياسية أكثر حرية وأقل تكتماً وتقيداً.
الأبعاد الاقتصادية
بدت ملامح الانهيار الاقتصادي في تونس خلال الفترة الأخيرة تتجلى شيئاً فشيئاً، وذلك نتيجة تراجع قيمة العملة التونسية والارتفاع المستمر لأسعار الوقود والغذاء، بالإضافة إلى انخفاض تصنيف السندات، وتردي الخدمات العامة في البلاد، وغياب سلع أساسية من الأسواق، وهو أمر لم يحدث منذ عقود.
ومع ذلك لم يتخذ الرئيس التونسي أي قرار لإصلاحات هيكلية جذرية تساهم في معالجة المشاكل الاقتصادية، بل تحول إلى زيادة الإنفاق على القطاع العام، وزيادة الاستعانة بالقروض الخارجية، وإرهاق ميزانية تونس بدين خارجي بلغ 34 مليار دولار نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما سيشكل عبئاً ثقيلاً على استعادة النمو الاقتصادي والعودة إلى عجلة التنمية.
وقد أشار صندوق النقد الدولي على حكومة تونس باتخاذ خطة تقشفية صارمة لإنقاذ تونس وتصحيح وضعها الاقتصادي، “تتمثل في مراجعة سياسة دعم السلع الأساسية، وخفض حجم قطاع الوظيفة العامة، وتخفيض أجور موظفي القطاع العام“. وهي إجراءات صارمة قد تجعل الاتحاد العام للشغل يتخلى عن موقفه السياسي، وذلك في حال عدم تمكنه من اكتساب نقاط لمصلحته، ومن ثم قد يتجه إلى تعبئة الشارع ضد السلطات الحاكمة، كما فعل في يونيو/حزيران الماضي، عندما نظم إضراباً وطنياً ليوم واحد ضد الحكومة.
سيناريوهات الأحداث في تونس
أحدثت قرارات قيس سعيد الاستثنائية تغيرات كبيرة في المشهد السياسي التونسي، لعل أهمها غياب أغلب الأحزاب السياسية عن المنافسة على مقاعد البرلمان في الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول القادم، وهو ما يفتح باب التساؤل عن مصير المشهد السياسي القادم في تونس.
ومن أبرز السيناريوهات المحتملة لمآل الأوضاع في تونس:
السيناريو الأول: انهيار الحالة الديمقراطية في تونس واستمرار الرئيس التونسي في الإدارة الانفرادية
يرجح هذا السيناريو مضي الرئيس قيس سعيد في تنفيذ مسار “25 يوليو”، متجاوزاً لعدد كبير من القواعد الدستورية التي كانت سائدة في تونس لمدة طويلة.
ويدعم هذا السيناريو:
– الدستور الجديد في تونس يدعم حالة السلطة الانفرادية للرئيس؛ إذ ينص المشروع الدستوري الذي تم التصويت عليه على سحب معظم السلطات من البرلمان وعدم قدرة المجالس النيابية على محاسبة رئيس الدولة أو إصدار لائحة لوم ضده. يعني ذلك أنه حتى لو تمكنت الأحزاب المعارضة من الفوز في الانتخابات التشريعية فإنها لن تتمكن من إحداث تغيير يذكر في مساءلة قرارات الرئيس ومسار يوليو 2021.
– الخطاب الرئاسي اليومي الذي يصف حال الدولة أنها في حرب شاملة على “أعداء تونس” و”المباعين في الخارج”، وما إلى ذلك، يظهر أن الرئيس التونسي ماضٍ في قراراته الفردية، ومستمر في فصل تونس عن الممارسات الديمقراطية التي كانت سائدة في مرحلة ما بعد ثورة 2011.
– الحملة الأمنية والإعلامية التي يوجهها نظام قيس سعيد ضد الأحزاب، لا سيما ضد حزب النهضة.
ويضعف العمل بهذا المسار:
– الموقف الأمريكي الرافض للإجراءات الرئاسية، ومن ثم قد تفعل العقوبات ضد تونس، التي ستشكل ضغطاً إضافياً على الحكومة التي تعاني فشل الإصلاح السياسي والاقتصادي.
– قد تفرض الأزمات الاقتصادية الحادة والتوتر الدبلوماسي مع دول الجوار إلى انتهاج النهج الديمقراطي لتأمين الحصول على القروض والاستثمار الخارجي وضمان استقرار الحكم لقيس سعيد.
السيناريو الثاني: الإصلاحات المحدودة واستيعاب جزء من المعارضة
يفترض هذا السيناريو أن تتجه الرئاسة التونسية إلى بذل الجهود لاستيعاب المعارضة واتخاذ الإجراءات اللازمة للحوار الشامل معها بغرض الحفاظ على استقرار المشهد الداخلي في تونس.
يدعم هذا السيناريو:
– الضغط الخارجي، لا سيما من قبل الولايات المتحدة للعودة إلى آليات العمل الديمقراطي، ودعم إجراء حوار وطني شامل بين مؤسسات الدولة والأحزاب والمكونات السياسية والمدنية الأخرى.
ويضعف هذا السيناريو:
– تراجع صورة المكونات السياسية لدى الشعب التونسي، وذلك لعجز العملية السياسية ومكوناتها عن تحقيق إنجازات مهمة للمواطن التونسي، ومن ثم قد لا يشكل المجتمع التونسي ضغطاً كبيراً على الحكومة التونسية للاستجابة لمطالب الأحزاب المعارضة، بل سيكتفي بالمشاهدة من بعيد لما سيؤول إليه المشهد السياسي.
السيناريو الثالث: الانفجار الشعبي
يرجح هذا السيناريو أن تدفع الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية المجتمع التونسي بمكوناته المدنية والسياسية نحو حالة التمرد والعصيان للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والمشهد السياسي في تونس.
ويدعم هذا السيناريو:
– حالة الانهيار الاقتصادي الشديدة، والقبضة الأمنية التي خيمت على المشهد العام في تونس.
ويضعف الأخذ بهذا السيناريو:
– تمكن مسار يوليو 2021 من الحياة العامة في تونس دون ظهور موقف شعبي قوي يرفض تلك الإجراءات، وهو ما يدل على تراجع الزخم الشعبي التونسي مقارنة بفترة ما قبل القرارات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد.
الخاتمة
يستمر الرئيس التونسي في الاتجاه نحو تغيير قواعد العملية السياسية على اعتبار أن ذلك يصب في مصلحة الشعب، وأنه يؤدي إلى مشاركة فئات المجتمع المختلفة في الحياة العامة. إلا أنه من المتوقع أن تشهد الأزمة التونسية تطوراً في نواح مختلفة؛ نظراً لكون الدستور الجديد يحتوي على نصوص غامضة وغير محددة تؤسس وتشرعن للحكم المنفرد، وتجعل المشهد التونسي مقبلاً على تغيرات جذرية تبعده ربما عن المسار الديمقراطي الذي عهدته تونس خلال السنوات الماضية.
.
رابط المصدر: