- مكرم رباح
- علي الأمين
- علياء منصور
تقوم قوّات «حزب الله» بأعمال القتل في لبنان لأنّها تعرف أنّ بإمكانها الإفلات من العقاب، بينما لا تتمكن الحكومة من محاسبتها. وتشكّل ثورة تشرين الأوّل/أكتوبر العدو الحقيقي للحزب وليس الطبقة السياسية اللبنانية أو إسرائيل. وفي هذا الصدد يبحث ثلاثة خبراء في شؤون لبنان سياسات بيروت المحفوفة بالمخاطر، وقدرة «حزب الله» المستمرة على التهرب من المساءلة، وخيارات إدارة بايدن.
“في 3 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع مكرم رباح وعلي الأمين وعلياء منصور. ورباح هو محاضر في التاريخ بـ “الجامعة الأمريكية في بيروت” ومؤلف كتاب “الصراع على جبل لبنان: الدروز والموارنة والذاكرة الجماعية”. وأمين هو كاتب عمود ورئيس تحرير موقع “الجنوبية” الإخباري اللبناني الذي يركز على المجتمع الشيعي و«حزب الله». ومنصور هي كاتبة عمود في مجلة “المجلة” الإخبارية الرائدة باللغة العربية، تُغطي فيها التطورات في لبنان. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
مكرم رباح
لا تشكّل الطبقة السياسية اللبنانية أو إسرائيل العدو الحقيقي لـ «حزب الله»، بل ثورة تشرين الأوّل/أكتوبر. وقد أيّد لقمان سليم هذه الثورة وكان فخوراً باتصالاته العلنية مع الولايات المتّحدة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً. والأهمّ من ذلك، أنّه كان أبرز منتقدي «حزب الله»، قائلاً إنّه لا ينبغي تطبيق [المعايير التي يستخدمها] الحزب لتدمير للبنان. أنا مثله مِن أشدّ المؤمنين بعبارة: “فلتستتب العدالة حتّى وإنْ أطبقت السماء على الأرض”.
إنّ الأشخاص الذين قَتلوا لقمان في 4 شباط/فبراير هم الأشخاص نفسهم الذين سيطروا علـى الدولة اللبنانية منذ سنوات. فقوّات «حزب الله» تقوم بأعمال القتل لأنّها تعرف أنّ بإمكانها الإفلات من العقاب، بينما لا تتمكن الحكومة من محاسبتها. بالإضافة إلى ذلك، يحاول الحزب إثارة الخوف في داخلنا وداخل عائلاتنا من خلال التنمّر والتهديدات عبر الإنترنت. وتقول الحكومة إنّها تحقّق في مقتله، لكنّنا نعرف بالفعل هويّة القَتَلة: هم الأشخاص نفسهم الذين قتلوا رفيق الحريري.
ويعتقد البعض أنّ الانتخابات يمكن أن تكون وسيلة للتغيير في لبنان. ومع ذلك، لا يمكننا الفوز في انتخابات جرى تزويرها بسبب التلاعب في توزيع الدوائر الانتخابية، فـ «حزب الله» يمنع الناس من التصويت ما لم يكونوا من المؤيّدين المُخلصين له.
وكانت إدارة بايدن واضحةً بأنّها لن تكرّر سياسات إدارة أوباما. وفي الواقع، لا يمكن للولايات المتّحدة أن تسمح باغتيال أشخاص مثل لقمان [سليم] من دون معاقبة القتلى. يجب على إدارة بايدن أن تحث صانعي السياسات على تبنّي عقوبات ضدّ لبنان تستهدف النخبة السياسية ككلّ لأنّ «حزب الله» جهة فاعلة غير حكومية، وبالتالي يصعب استهدافه بشكل فردي. وسيكون تطبيق “قانون ماغنيتسكي” نهجاً جيّداً. على الولايات المتّحدة أنْ تستمرّ أيضاً في استخدام القوّة الناعمة وتوفير شبكات الأمان لشعب لبنان.
علي الأمين
يقف لبنان على حافّة الانهيار في قطاعاته الاقتصادية والتعليمية والطبّية وغيرها من القطاعات الأساسية. ولكن على الرغم من هذه الظروف والتوتّرات المستمرّة بين الأحزاب الدينية والسياسية، ثمّة إجماع على تجنّب الوقوع مجدداً في حربٍ أهلية، التي يفهم معظم اللبنانيّين أنّها غير فعّالة في حلّ النزاع ومكلفة جداً لجميع المعنيّين.
وكان أحد الأهداف الرئيسة وراء اغتيال لقمان هو إيصال رسالة إلى المجتمع الشيعي مفادها أنّه حتّى الأفراد الذين يتمتعون بشهرة واتصالات دولية يمكن أن يُقتلوا دون أن تترتب أي عواقب وخيمة على «حزب الله». وتسبّبت هذه الرسالة ما يكفي من الخوف لقمع السخط الاجتماعي لفترة قصيرة، حيث أصبح الناس أكثر خوفاً حول التعبير عن آرائهم. ومع ذلك، فإنّ لجوء «حزب الله» إلى استخدام العنف يشير في النهاية إلى الضعف، لأنّه يُظهر أنّ أعضاء الحزب يشعرون بتراجع شعبيّتهم ونفوذهم.
ومن الناحية التاريخية، لم يكن الشيعة في لبنان مجموعةً متجانسة ولم يتوحّدوا يوماً تحت لواء قائد أوحد. وتقوم معتقداتهم على الاجتهاد الذي يشمل التنوّع والاختلافات الفردية. ومِن هذا المنظور، فإنّ الحقبة الحالية، التي انتزعت فيها الأيديولوجية الإيرانية السيطرة على المنابر الدينية الشيعية المتباينة، هي حالة شاذّة. واستخدمت طهران المال والقوّة العسكرية لتصبح الحاكم الوحيد للطائفة الشيعية في لبنان.
وتمثّلت نقطة التحوّل الرئيسة لـ «حزب الله» بتدخّله في الحرب السورية والصراعات الإقليمية الأخرى. وأقنع الحزب الكثير من المجتمع الشيعي بأنّ الحرب في سوريا كانت حرباً ضدّ السنة، كما غذّى لديهم فكرة أنّهم محاطون بالأعداء، ليس فقط السنة في سوريا، ولكن أيضاً الإسرائيليّين وحتّى بعض المواطنين داخل لبنان. ومِن خلال استخدام الدعاية لتعزيز حالة الخوف هذه، أقنع «حزب الله»، عدداً كبيراً مِن الشيعة بأنّهم سيكونون في خطر بدون حماية الحزب، خاصّةً في ظلّ غياب دولة قويّة في لبنان.
وحملة التضليل هذه لا هوادة فيها داخل المجتمع الشيعي، على المستويات الدينية والأيديولوجية والسياسية. ويراقب «حزب الله» جميع المؤسسات الرائدة في المجتمع أو يسيطر عليها (على سبيل المثال، “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” و “دار الإفتاء الجعفري”)، ويستغلّ وسائل الإعلام لتوصيل رسالته.
علياء منصور
يمكن وصف مشكلة لبنان بأنّها قضية إقليمية، حيث تعاني منها جميع الدول الخاضعة للنفوذ الايراني، كما أن انهيار لبنان يشبه ما حدث في العراق وسوريا. وتعتقد طهران أنّ سيطرتها تمتدّ إلى بغداد ودمشق وبيروت، لذلك لا يمكن العثور على إجابة لـ «حزب الله» أو لميليشيات مُماثلة من دون حلّ المشاكل المتداخلة في سوريا والعراق.
بالإضافة إلى ذلك، يشكّل السلاح والميليشيات جذورَ مشاكل لبنان، لذلك فإنّ أي حلّ مُقترَح لا يركّز على هاتَين المسألتَين سيكون حلاً جزئيّاً في أحسن الأحوال. وتتمثّل أجندة إيران بتدمير مبدأ الدولة لصالح سيطرة الميليشيات بالوكالة. ولا يمكن لدولة غائبة أو ضعيفة أنْ تحارب الفساد أو أنْ تحاسب الأفراد المُنتهِكين. ومع ذلك، فإنّ تعزيز سلطة الدولة ببساطة ليس حلّاً بحدّ ذاته في لبنان، حيث غالباً ما يؤدّي البُعد الطائفي إلى طريق مسدود بسبب خطابات اتهامية على غرار: “لماذا علينا محاربة الفساد السنّي إذا لم نتمكّن من محاربة الفساد الشيعي؟ لماذا علينا محاسبة مسؤولينا إذا لم نتمكّن من فعل الشيء نفسه مع المسؤولين المسيحيّين؟”
ويعتقد الكثيرون أنّ «حزب الله» يلتزم الصمت بشأن فساد المسؤولين الآخرين مقابل صمتهم على أسلحة الحزب غير المشروعة. لكن هذه السردية خاطئة وخطيرة لأنها تعني ضمناً أنّ تخزين السلاح هو الطريقة الوحيدة التي يفسد بها «حزب الله» النظام اللبناني. وفي الواقع، يُتَّهَم الحزب بجرائم التهرّب الضريبي وغسل الأموال والابتزاز، مِن بين جرائم أخرى. ولسوء الحظ، كان مِن الصعب إيجاد طريقة لمحاسبة «حزب الله» على هذه الجرائم، ولستُ متفائلاً أنّ هذا الواقع سيتغيّر في ظلّ إدارة بايدن. ولكنّني آمل أن أكون مخطئاً.
رابط المصدر: