مؤتمر المناخ COP29 في باكو: التحديات والمخرجات المنتظرة

تنعقد الدورة التاسعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)، هذا العام في باكو- أذربيجان، في الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر 2024، وتعد هذه الدورة فرصة محورية لتسريع العمل من أجل معالجة قضايا تغير المناخ. عاما بعد عام يزداد ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، وقد زادت تأثيرات الظواهر الجوية المتطرفة على الناس في جميع أنحاء العالم، وعلي الرغم من ذلك فمازالت وتيرة العمل المناخي العالمي بطيئة للغاية وربما لم تحرز تقدم ملحوظ منذ الدورات الماضية، رغم النتائج المبهرة التي خرجت في COP27  في شرم الشيخ بمصر ، و COP28 في دبي بالإمارات العربية .

من المتوقع أن تركز قمة المناخ COP29 بالأساس على قضية التمويل، حيث أن هناك حاجة إلى تريليونات الدولارات لكي تتمكن البلدان من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير والحد من الآثار المتفاقمة لتغير المناخ.

وسيكون المؤتمر أيضًا فرصة للدول لتقديم خطط عملها الوطنية المحدثة بشأن المناخ بموجب اتفاق باريس، والتي من المقرر أن تكون بحلول أوائل عام 2025. إذا نُفذت هذه الخطط بشكل صحيح، فإنها ستمنع درجة الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة وستتضاعف كخطط استثمارية لتعزيز أهداف التنمية المستدامة.

وتزامنًا مع استضافة كولومبيا لمؤتمر التنوع البيولوجي (CBD COP16)، يُتوقع من مؤتمر المناخ COP29 أن يعزز التكامل بين قضايا المناخ والتنوع البيولوجي، إذ إن تدهور البيئات الطبيعية يعزز ظاهرة تغير المناخ.

وسيناقش المؤتمر كيفية دعم مشاريع حماية الغابات، والمحميات الطبيعية، والأراضي الرطبة، باعتبارها جزءاً من الحل الشامل لمواجهة تغير المناخ.

حشد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 بدبي ، أكثر من 85 مليار دولار خلال فترة انعقاده لدعم أولويات العمل المناخي العالمي، وتحديد وتيرة حقبة جديدة في المناخ، منها: 30 مليار دولار رأس مال تحفيزي لصندوق جديد للاستثمار المناخي (ألتيرا) يركز على الحلول وسد الفجوات المتعلقة بتغير المناخ، و9 مليارات دولار يعلن عنها البنك الدولي سنويًّا للعمل المناخي، و3.5 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر، و134 مليون دولار لصندوق التكيف، و1.2 مليار دولار للإغاثة والتعافي والسلام، 2.5 مليار دولار للطاقة المتجددة، كما تم تخصيص 7 مليارات دولار لتحقيق أهداف المناخ والتنوع البيولوجي.

وتم إنشاء الصندوق الأخضر للمناخ أكبر صندوق للمناخ في العالم، تم إنشاؤه بموجب اتفاق باريس لتوجيه التمويل إلى البلدان النامية لمكافحة تغير المناخ. يذهب نصف موارده إلى التخفيف من آثار تغير المناخ والنصف الآخر إلى التكيف معه. ويدعم الصندوق العدالة المناخية من خلال التكلفة المنخفضة لتمويل التكيف، وذلك بتوفير المنح أو ما يعادلها. وعلاوة على ذلك، يجب أن يذهب نصف موارد التكيف إلى البلدان الأكثر تعرضاً لتغير المناخ، بما في ذلك الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نمواً والدول الأفريقية. وفي جولته الأولى من تعبئة الموارد، في الفترة من 2020 إلى 2023، جمع الصندوق 12.8 مليار دولار لتحسين قدرة مليار شخص في 128 دولة على الصمود. وتجري الآن جولة ثانية لتمويل الصندوق الأخضر للمناخ في الفترة من 2024 إلى 2027، وهي فترة للعمل العاجل بشأن تغير المناخ وأهداف التنمية المستدامة.

كما خرجت النتائج بتفعيل صندوق الخسائر والأضرار لمساعدة الدول النامية في التكيف من الأثار السلبية لتغير المناخ، وضرورة تحقيق هدف ال100 مليار دولار ، ولكن الوضع حاليا مخيب للآمال ، حيث لم يتم جمع سوي  800 مليون دولار فقط  . ومازالت هناك حاجة ملحة لتقديم التزامات مالية جديدة لتحقيق الأهداف المناخية. يساعد التمويل المخصص للخسائر والأضرار في دفع تكاليف التأثيرات المرتبطة بالمناخ التي تحدث حتى لو تكيفت البلدان واستعدت مسبقًا.

والجدير بالذكر أن 8% فقط من إجمالي المبلغ الذي تم جمعه، تم تخصيصه إلى البلدان المنخفضة الدخل وتتلقى القارة الإفريقية، التي تضم 54 دولة، 1% فقط من التمويل العالمي السنوي المخصص للمناخ، على الرغم من أنها تتحمل العبء الأكبر من تداعيات تغير المناخ، فضلاً عن أنها تطلق انبعاثات ملوثة أقل بكثير من الدول الصناعية. و تشكل القروض أكبر فئة تمويلية، وتذهب بشكل رئيسي إلى البلدان المتوسطة الدخل. وهذا يزيد من تكاليف الاستثمار خاصة وأن العديد من البلدان النامية تعاني من أعباء الدين العام الثقيلة وتواجه خيارات مستحيلة، بين تمويل التكيف مع المناخ وتحسين الخدمات العامة الأساسية.

يُعد التمويل من أكبر التحديات التي مازالت تواجه العمل المناخي، خاصة للدول النامية التي تعاني من آثار التغير المناخي وتحتاج إلى دعم للتكيف معه. ومن المتوقع أن يتناول المؤتمر هذا العام كيفية الالتزام بهدف التمويل المتفق عليه وهو 100 مليار دولار. بل محاولات للاتفاق علي هدف تمويلي جديد بعد عام 2025. فقد دعت الهند إلى تخصيص تريليون دولار سنويا، واقترحت دول أخرى مبلغا أعلى، لكن الدول المعنية تريد من الاقتصادات الكبرى الأخرى المساهمة بحجة أن الأمور تغيرت وأن الدول الصناعية الكبرى في أوائل التسعينيات تمثل 30% فقط من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي التاريخية اليوم.

حيث يقدر الخبراء المكلفون من الأمم المتحدة أن الدول النامية، باستثناء الصين، ستحتاج إلى 2.4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030. وقد دعت العديد من المنظمات البيئية استعدادا لقمة المناخ في باكو 2024 ، بضرورة تخصيص نحو 300 مليار دولار من الأموال الحكومية للحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، و300 مليار دولار لتدابير التكيَّف و400 مليار دولار للإغاثة من الكوارث المعروفة باسم “الخسائر والأضرار”.

ومع وجود نصف سكان العالم الآن في “منطقة خطر” مناخية، حيث يكون الناس أكثر عرضة للوفاة بسبب تأثيرات المناخ بمقدار 15 مرة، فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى مضاعفة التمويل المخصص للتكيف. ويجب توزيعه بشكل عادل وبطرق لا تفرض قيودًا إضافية. وحيث يشتمل أكثر من 60% من تمويل التكيف على قروض بدلاً من المنح، وهي حصة آخذة في الارتفاع مما يدعو إلى القلق. ويأتي كل هذا التمويل تقريبا من القطاع العام، مع الاعتماد بشكل كبير على المؤسسات الدولية في العديد من المناطق النامية.

أصبح التكيف مع المناخ أكثر تكلفة مع ارتفاع وتيرة وحدة التغيرات المناخية. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، قد تحتاج البلدان إلى إنفاق ما يصل إلى 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 و500 مليار دولار بحلول عام 2050. ومع ذلك، فإن هذه التكاليف المقدرة تزيد بمقدار 5 إلى 10 أضعاف عن تدفقات التمويل الحالية. كما وجدت مبادرة سياسات المناخ أن العالم ينفق اليوم أقل من 50 مليار دولار على التكيف سنويًا، أي أقل من 10 %من الاستثمارات المناخية بشكل عام. ويعد هذا التفاوت أقل حدة ولكنه لا يزال واضحا في الالتزام بمبلغ 100 مليار دولار.

بناءا علي مفاوضات واجتماعات تمهيدية بين عدد كبير من الدول المعنية، تطمح رئاسة المؤتمر هذا العام في الحصول على دعم لتعهد بزيادة سعة تخزين الطاقة العالمية بستة أمثال مستويات عام 2022، ومن المقرر تقديم مسودة الاقتراح تحت اسم “التعهد العالمي لتخزين الطاقة الخضراء”، حيث يعكس الاقتراح اتفاقاً وقعته مجموعة السبع في أبريل الماضي، ويهدف للوصول إلى سعة التخزين العالمية للطاقة قدرها 1500 جيجاوات بحلول عام 2030، مقارنة بـ230 جيجاوات فقط في عام 2022.

ويعتبر هذا الهدف مكملا للأهداف العالمية التي حددتها الوكالة الدولية للطاقة في مؤتمر المناخ في العام الماضي بشأن زيادة سعة الطاقة المتجددة إلي ثلاثة أضعاف، سوف يحتاج العالم إلى إضافة أكثر من 158 جيجاوات من سعة تخزين الطاقة في المتوسط ​​سنويا حتى عام 2030، وبالتالي زيادة الحاجة إلي البطاريات وتكنولوجيا التخزين الأخرى، حتي تستطيع الدول الاستفادة من إمكانات توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والاستفادة منها وقت الحاجة.

وبحسب الوكالة الدولية للطاقة، فإن البطاريات أصبحت الآن أرخص بنسبة 90% مقارنة بما كانت عليه قبل 15 عاماً. وعند دمجها مع الألواح الشمسية، يمكن أن تكون خياراً اقتصادياً بديلاً لبناء محطات الطاقة التقليدية، كما من المتوقع أن تتحدى قريباً من حيث التكلفة المحطات العاملة بالغاز في الولايات المتحدة. وقد بلغ متوسط تكلفة بطاريات “الليثيوم أيون” حوالي 139 دولارا لكل كيلووات / ساعة خلال عام 2023، مقارنةً بحوالي 800 دولار قبل عشرة أعوام.  وربما يشجع المؤتمر استكشاف أنواع جديدة من البطاريات التي قد تكون أرخص في التصنيع ودعم نقل التكنولوجيا في المجال، وتوحيد نماذج إعادة التدوير لتسهيل إعادة استخدام البطاريات منتهية الصلاحية.

وأخيرا: يأتي مؤتمر المناخ COP29 في وقت مهم بعد أن أثرت الكوارث الطبيعية وأثار التغيرات المناخية المتزايدة في العديد من الدول حول العالم. ومن المرجح أن يعكس هذا أهمية المؤتمر كمنصة لوضع التزامات أكثر تحديدا وخطوات ملموسة تتماشى مع تحديات المناخ المتزايدة، كما من المتوقع أن يأخذ مسار العمل المناخي منحي أكثر جدية وتتحول المبادرات والالتزامات إلي خطط تنفيذية ومشروعات قابلة للتحقق والتنفيذ.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M