مؤشر الابتكار العالمي: المتسابقون في مباراة الابتكار

أمينة خفاجة

 

“الابتكار” كلمة باتت هي الأكثر تداولًا في المجامع العلمية والسياسية والاقتصادية، التي تحولت منذ أن ألقى عالم الاقتصاد الأمريكي النمساوي الأصل جوزيف شومبيتر عليها الضوء عام 1911 كإحدى نظرياته في تغير وتطور الاقتصادات العالمية () محل تركيز من قبل صانعي السياسات نظرًا لقدرتها على تغيير أنماط الاقتصاديات العالمية، التي اصبحت ترى في أن توفر القوة الشرائية الناشئة عن الابتكار له نتائج أكثر فعالية من المنافسة السعرية البحتة. وبفضل التطبيقات النشطة لهذه النظرية، التي تردد صداها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحولت اقتصادات ناشئة إلى ما يوصف بالاقتصاد الناضج في فترة زمنية قصيرة مثل اقتصاد كوريا الجنوبية وسنغافورة فضلًا عن النمو غير المسبوق في اقتصادات الدول الكبرى.

ولذلك، أصبح الابتكار مجالًا يتسع لكل أنواع البحث والقياس والمقارنة فيما يتعلق بأنظمته الأيكولوجية والسياسات العامة الداعمة له. ويأتي مؤشر الابتكار العالمي على قائمة تلك الدراسات التي تعمل على قياس القدرة على الابتكار والانتاج في 132 دولة تمثل 94.3% من سكان العالم و99% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في تعادل القوة الشرائية (). وبات يعتد به كمرجع ثمين للبلدان الراغبة في وضع استراتيجيات وسياسات ابتكارية واقتصادية جديدة. لذا، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤشر الابتكار العالمي بوصفه معيارًا لقياس الابتكار في قراراتها لعامي 2019 و2021 بشأن تسخير العلوم والتكنولوجيا والابتكار لأغراض التنمية المستدامة.

عن مؤشر الابتكار العالمي 

تم اطلاق مؤشر الابتكار العالمي للمرة الأولى عام 2007 من قبل المعهد الاوروبي لإدارة الأعمال (INSEAD) والذي يقع مقره الرئيسي ببلدية فونتينبلو بفرنسا بالتعاون مع مجلة world Business البريطانية، ويتم نشره من قبل المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، ويركز المؤشر على تتبع مدى استجابة 132 اقتصاد لتحديات الابتكار، والكشف عن الاقتصادات الأكثر ابتكارًا طبقًا لأدائها ونشاطها الابتكاري مع إبراز مواطن القوة والضعف، بهدف تكوين صورة واضحة عن النظام الأيكولوجي للابتكار على مستوى العالم().

ويتكون الإطار العام لمؤشر الابتكار العالمي من مؤشرين فرعيين: مدخلات الابتكار، ومخرجات الابتكار، يشتملان على 81 مكونًا وفقًا لأحدث اصدار لعام 2022. يتكون مؤشر مدخلات الابتكار الفرعي من خمس ركائز رئيسية تمثل العناصر التي يعتمد عليها الاقتصاد في تسهيل أنشطة الابتكار، هي: المؤسسات، رأس المال البشري والبحث، البنية التحتية، تطور السوق، وتطور الأعمال. بينما يتكون مؤشر مخرجات الابتكار الفرعي من ركيزتين رئيسيتين وهما: مخرجات المعرفة والتكنولوجيا والمخرجات الابداعية. وتشتمل كل ركيزة على مكونات فرعية يتم احتسابها من خلال اجمالي متوسط درجات مؤشراتها الفردية ما بين صفر إلى 100 درجة. ويقدم المؤشر من خلالها بطاقة أداء لكل اقتصاد على حدة يبرز فيها مواطن القوة والضعف وفقًا لتحليل البيانات التي يتم جمعها من مصادر دولية عامة وخاصة.

يتبنى مؤشر الابتكار العالمي تقسيم البنك الدولي للمستويات الاقتصادية وفقًا لفئة الدخل للدول محل الدراسة والذي يتكون من أربع مجموعات: دول ذات فئة الدخل المنخفض (أقل من 1085$)، دول متوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (1,086$-4,255$)، دول متوسطة الدخل من الشريحة العليا (4,256$-13,205$)، ودول ذات الدخل المرتفع (أكثر من 13,205$)). كما يقدم التقرير تتبعًا سنويا (Innovation tracker) لأحدث اتجاهات الابتكار العالمية في مجالات الاستثمارات في العلوم والتكنولوجيا، والتقدم التكنولوجي، واعتماد التكنولوجيا؛ كما يقدم تصنيفًا آخر هو الأهم لمراكز تكتل العلوم والتكنولوجيا.

عقد ونصف من النتائج

استطاع مؤشر الابتكار العالمي أن يبرز خلال 15 عامًا متتالية ما استطاعت الدول من تحقيقه من انجازات أو إخفاقات وفقًا لأوضاعها السياسية وتوجهاتها الاستراتيجية، ففي حين تراجعت دول مثل جنوب أفريقيا من المرتبة 38 عام 2007 إلى المرتبة 61 عام 2022، استطاعت دول مثل كوريا الجنوبية والسويد والصين أن تحقق طفرات في اتخاذ خطوات جادة نحو التوجه نحو الاقتصاد القائم على الابتكار لتتقدم من المراكز 19 و12، و29 عام 2007 إلى المراكز السادسة والثالثة والعاشرة على التوالي عام 2022. بينما حافظت بعض الدول على مكانتها في المراكز العشر الأولى منها سويسرا – التي ظلت في القائمة لاثني عشر عامًا متتالية – وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وسنغافورة.

ففي تقرير عام 2022، استطاعت الولايات المتحدة وسنغافورة الحفاظ على صدارتهما ضمن الدول الأفضل أداءً ويرجع الفضل لأدائهما المتميز في الشركات المستثمرة في البحث والتطوير، والكيانات المستثمرة في رأس المال الاستثماري، وجودة الجامعات، وجودة وتأثير المنشورات العلمية وفقًا لمؤشر H- Index) )، وعدد براءات الاختراع حسب المنشأ، والإنفاق على برمجيات الحاسوب، وقيمة كثافة الأصول غير الملموسة المؤسسية، وفعالية الحكومة، والنفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتصنيع عالي التقنية.

وتبين نتائج التقرير الأخير زيادة الشركات المتصدرة عالميًا إنفاقها على البحث والتطوير بنحو 10% تقريبًا لتصل إلى أكثر من 900 مليار دولار في 2021، حيث تم توجيه هذه الزيادة بالمقام الأول إلى أربع صناعات وهي: أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمعدات الكهربائية؛ والبرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ والمستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية؛ والبناء والمعادن الصناعية. كما نمت استثمارات البحث والتطوير لعام 2020 بنسبة 3.3 في المائة ).

مصر في مؤشر الابتكار العالمي 

تقع مصر في مؤشر الابتكار العالمي ضمن قائمة دول شمال افريقيا وغرب اسيا متوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، ووفقًا لإصدار عام 2022، فإن مصر قد سجلت المركز 14 بالنسبة لتصنيف فئة الدخل و15 لتصنيف الإقليم، كما أنها قفزت خمسة مراكز بالنسبة للمؤشر العام لتحتل المركز 89 مقارنة بالمركز 94 لعام 2021. وعند مقارنة بيانات الأداء في الفترة بين عامي 2007 و2022، فإنه يمكن القول أن الأداء المصري قد أخذ خطوات جادة نحو البدء في التعافي رغم جائحة كوفيد 19 والاضطرابات الاقتصادية العالمية. ففي عام 2007، كانت مصر قد سجلت المركز 74 لكنها سرعان ما تراجعت إلى المرتبة 104 عام 2012 قبل أن تقدم أسوأ أداء لها عام 2013 حيث تراجعت إلى المرتبة 108 متبعةً نهجًا مترنحًا لمدة خمسة أعوام متتالية، قبل أن تبدأ في التعافي مرة أخرى عام 2018 لتحتل المرتبة 95 من بين 132 اقتصاد عالمي).

ووفقًا للبيانات الصادرة عام 2022، فإن مصر قد قدمت أفضل أداء لها في مؤشر المخرجات الابداعية الذي سجل المرتبة 84 لتقفز 20 مركزًا مقارنة بعام 2021، كما أن هناك نشاطًا غير مسبوق في مؤشر تطور السوق الذي احتل المرتبة 86 مقارنة بالمرتبة 96 لعام 2021. وبشكل عام، فإن مؤشر الابتكار قد كشف عن أكثر نقاط القوة في أداء الابتكار المصري والذي يتمثل في زيادة نسبة نمو إنتاجية العمل، وتأثير المعرفة ونشاط جامعاتها ضمن تصنيف QS لأفضل 800 جامعة على مستوى العالم، وتحسن تصنيفها وفقًا لعدد المنشورات العلمية القابلة للاقتباس وفقًا لمؤشر (H-index)، وحجم التجارة والسوق، بالإضافة إلى زيادة عدد صفقات رأس المال الاستثماري (Venture capital) للشركات الناشئة، حيث استطاعت مع جنوب أفريقيا أن تحصل على ثلاث صفقات من أكبر 10 صفقات على مستوى العالم. لكن تظل هناك بعض النقاط الحيوية التي وضعها التقرير ضمن نقاط ضعف الاقتصاد المصري وحيلولته دون تحسن قدرته على الابتكار تتمثل في البيئة التنظيمية وجودتها، وقوة المؤسسات، وقلة الاستثمارات في مجال البحث والتطوير، وقلة عدد المؤسسات التي توفر تدريبًا فعالًا في مجال الابتكار بالإضافة إلى انخفاض نسبة خريجي كليات العلوم والهندسة التي تعد العامل الأساسي في توسع العمليات التصنيعية.

وأخيرًا، فإنه وفقًا للتقرير الذي جاء بعنوان “ما هو مستقبل النمو القائم على الابتكار؟” فإن مصر قد غابت من القائمة المائة الأولى لتكتلات العلوم والتكنولوجيا وهي المناطق الجغرافية ذات أعلى كثافة من حيث عدد المبتكرين والباحثين العلميين والتي جاءت مدينة طوكيو اليابانية في مقدمتها. لكن هناك أملًا بات يلوح بالأفق في قدرة مدينة القاهرة – التي بقيت ضمن أفضل التكتلات خارج قائمة المائة) – على التحسن بالمستقبل إذا استطاعت أن تزيد من عدد أنشطة العلوم والتكنولوجيا ومن تحسين جودتها اتباعًا لنهج مدينة كامبريدج البريطانية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31902/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M