منذ عام1981واكبتُ مسيرة الانتخابات الإيرانية من خلال عملي الصحفي،حيث كانت الحرب الإيرانية _ العراقية في ذروتها.
ورغم التهديدات الكبيرة والضغوط الخطيرة التي كانت تعاني منها إيران في ضوء التفوق الجوي و الصاروخي للقوة الجوية و الصاروخية العراقية آنذاك،لكن أجريت الانتخابات البرلمانية و الرئاسية دون تأجيل ، و كانت نسبة المشاركين من بين الذين يحق لهم المشاركة و التصويت عالية نسبيا وتتراوح بين ال٥٥% و٧٠%.
كنت آنذاك في العشرينات و الثلاثينات من العمر،وأشارك بنشاط في المؤتمرات الصحفية لوزير الداخلية وفي التغطيات الصحفية و في مراكز التصويت وحتى في ادارةمحطة التصويت و الاقتراع.
وأتذكر أن أعلى نسبة تصويت في الانتخابات البرلمانية كانت في عام1995 [الدورة الخامسة لمجلس الشورى الاسلامي]بحيث بلغت71%ممن يحق لهم التصويت آنذاك،وتم اختيار الشيخ علي أكبر ناطق نوري رئيساً للمجلس المنتخَب.
ورغم تلك الظروف العسيرة والاوضاع الحرجة التي كانت تمر بها الدولة الإيرانية والصراع الشديد بين الثورة و اعدائها في الداخل و الاغتيالات والتفجيرات، و العقوبات الاقتصادية المشددة؛ كانت الانتخابات تحقق تألقاً وزحاما شديدا ونسبة مرموقة ممن يحق لهم التصويت.
وكانت المنافسة تحتدم بين أنصار التيار الاصلاحي والتيار المحافظ. ولاحظنا أن اللجنةالمكلفة بدراسة أهلية المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور تتعامل بسعة صدر و مرونة وتفسح المجال لمنافسة حرة بين شتى الاتجاهات لذلك يجد الناخب مختلف المرشحين بمختلف الاتجاهات متواجدين ضمن قوائم الترشيح،على عكس ما حصل في الدورة الأخيرة للانتخابات الرئاسية و البرلمانية،التي افسح المجال فيها واسعاً امام مرشحي التيار الأصولي و تم شطب أومضايقة مرشحي التيار الاصلاحي و المدني[المستقلين].
وثمة قضية أخرى:يبدو أن عددا كبيرا من المشاركين في التصويت لهذه الانتخابات الحالية لم يختاروا لهم مرشحين! .ففي طهران كانت نسبة الأوراق البيضاء والملغاة تتراوح بين 40% و50% ونسبة الأصوات البيضاء والملغاة في المحافظات أقل من ذلك لكنها هي الغالبة.اذن حتى الناخبين المشاركين لم يصوتوا في الغالب لمرشح،بل كانوا هم الحاضرين الغائبين، و ارادوا تلبية الدعوة ولكن لم يعجبهم الاكل المتوفر!.
ويبدو أن امتناع التيار الاصلاحي عن خوض الانتخابات الحالية بسبب شطب مرشحيهم من قبل مجلس الصيانة،جعل المنافسة تحتدم بين مكونات التيار الاصولي الذي تبلورت فيه ٤ قوائم متنافسة فيما بينها،مما جعل غالبية أعضاء القوائم الاصولية تفتّت أصوات بعضها بعضا و لا تنجح في احراز غالبية أصوات المقترعين من انصارهم حتى.وهناك اسماء لامعة لأصوليين مخضرمين لم ينجحوا في كسب الاصوات الكافية لدخول البرلمان على رأسهم محمد رضا باهنر[شقيق رئيس الوزراء الأسبق المغدور الشيخ باهنر].وحتى رئيس البرلمان حاليا [قاليباف]، جاء تسلسله خامسا من بين مقترعي طهران.
ومن نافلة القول أنه كلما ضاقت دائرة تنوع المرشحين انخفضت نسبة الناخبين وامتنع المواطنون عن الذهاب إلى محطات الاقتراع بحيث وصلت النسبة في انخفاضها إلى مستوى قياسي [42%]في الدورة المنقضية الحادية عشرة من البرلمان،لكن في الدورة الحالية انخفضت نسبة المشاركة الى41% و انخفاض نسبة المقترعين في طهران إلى حوالي20% مما جعل المرشحين يفشلون في تحقيق نصاب العضوية،واضطرت الدولة إلى اجراء انتخابات الإعادة لكي يفوز المرشحون بالعضوية بأي نسبة كانت من خلال التنافس بين المرشحين الحاصلين على أكثر الأصوات.مما يعني ان الفائز لايشترط فيه أن يحصل على 20%من المقترعين .
وفي هذه الحالة،يمكن القول إن ما أفرزته الانتخابات البرلمانية الحالية ومشاركة 25 مليون ناخبا فقط في التصويت في الدورة الحالية تعتبر منخفضة قياسا بكل الانتخابات البرلمانية الإيرانية السابقة وهي الاقل في تاريخ الجمهورية الإسلامية ، والعارفون بالشؤون السياسية يدركون معنى هذا الحضور الشعبي المنخفض من المشاركين قياساً بعدد الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددهم61مليونا و170 ألف ناخب.
هذا يعني أن الوضع الحالي للدولة ،الناتج عن طبيعة السياسات المتبعة حاليا،لم يعد مقبولا من الاغلبية الساحقة من المواطنين [عدد نفوس إيران حوالي 85مليونا] و هذا هو سبب انخفاض نسبة التصويت الى 41% .مما يعني ان غالبيةالناخبين احجموا عن المشاركة و يبحثون عن تغيير في السياسات والوجوه الحالية في ايران.