انعقد مؤتمر COP28 وسط تدهور عالمي في جهود مكافحة تغير المناخ والتكيف معه. يعود هذا التدهور جزئيًا إلى التحديات التي تواجه أمن الطاقة للدول نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية؛ مما دفع العديد من الدول إلى الاعتماد على الفحم كمصدر للطاقة، ويجب أن نذكر أن الوقود الأحفوري -الفحم والنفط والغاز- هو المسبب الرئيسي لتغير المناخ العالمي، حيث يمثل أكثر من 75٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا، وتقريبًا 90٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وبحسب تقرير أصدرته منظمة “أوكسفام” هناك 189 مليون شخص يتأثرون بالطقس القاسي في البلدان النامية سنويًّا، وذلك مع توقف الدول المتقدمة عن دفع تكاليف التأثير في المناخ، بالإضافة إلى أن 55 دولة من أكثر البلدان عرضة للتأثر بالمناخ قد عانت من خسائر اقتصادية ناجمة عن تغير المناخ بلغ مجموعها أكثر من نصف تريليون دولار خلال العقدين الأولين من هذا القرن.
أهم المكتسبات التي تحققت على خلفية مؤتمر COP28
تم حشد أكثر من 85 مليار دولار خلال فترة انعقاد المؤتمر لدعم الأولويات، و30 مليار دولار رأس مال حافز لصندوق جديد للاستثمار المناخي يركز بنسبة 100٪ على الحلول وسد الفجوات المتعلقة بتغير المناخ، 725 مليون دولار للخسائر والأضرار، 9 مليارات دولار يعلن عنها البنك الدولي سنويًّا، وأكثر من 3 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر، 2.7 مليار للصحة، 2.6 مليار للطبيعة، 1.2 مليار للإغاثة والتعافي والسلام، 2.5 مليار للطاقة المتجددة، و1.2 مليار لخفض غاز الميثان بالإضافة إلى صدور ثمانية تصريحات تهدف إلى المساعدة على سرعة تحويل كل قطاع رئيسي في الاقتصاد العالمي للانتقال العالمي لإزالة الكربون، مما يجمع المزيد من البلدان والمزيد من الشركات حول هدف الوصول إلى صفر صافي من انبعاثات الكربون وإصدار أول إعلان على الإطلاق بشأن النظم الصحية والغذائية. كما أصدرت مجموعات مختلفة من البلدان، عدة إعلانات مهمة، بما في ذلك مضاعفة إنتاج الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050 (من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة وغيرها)، وزيادة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة، وتعزيز الاستدامة. وفي ختام مؤتمر الأطراف أقر المؤتمر (COP28) “اتفاق الإمارات” التاريخي للعمل المناخي، وهو الاتفاق الذي أقره ممثلو 197 دولة مشاركة في المؤتمر بهدف وضع العالم على المسار الصحيح للحفاظ على كوكب الأرض. وعلى الرغم من الجهود والإنجازات المتحققة، فلا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن تمويل الأهداف السابق ذكرها، وكما أن هناك أيضًا حالة من عدم اليقين بشأن التأثير المادي لصندوق الخسائر والأضرار، نظرًا لصغر حجمه. ويعكس هذا نقص الأموال العامة المتاحة للتحول إلى الطاقة منخفضة الكربون في العديد من الأسواق الناشئة؛ حيث إن العديد من الأسواق الناشئة ستواجه صعوبات في تسريع عملية إزالة الكربون.
مصر في COP28
شاركت مصر بمؤتمر كوب-28 بوفد رسمي مكون من عدة وزارات، وتنوعت المشاركة المصرية ما بين الاشتراك في أنشطة وفاعليات متعددة وجلسات، والتوقيع على اتفاقات ومذكرات تفاهم وبروتوكولات تعاون، والاشتراك في مبادرات جديدة تم الإعلان عنها خلال الكوب، وكذلك تقديم عدد من المطالب والمقترحات، خلال جلسات المؤتمر المتنوعة تم توقيع عدد من الشراكات بين الجهات الحكومية ممثلة في وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، والهيئة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، وشركة سكاتك النرويجية، وبمشاركة مؤسسات التمويل الدولية، كما تم التوقيع على اتفاقية إنشاء واستضافة مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، ويهدف المركز إلى المساهمة في تزويد أفريقيا بالقدرة اللازمة على المرونة والتكيف لتطوير قطاعاتها الإنمائية بطريقة هادفة ومستدامة. وتم إعلان نوايا انضمام جمهورية مصر العربية، لاتفاقية الشراكة الزرقاء التي تعزز الاستفادة من الفرص التمويلية لمشروعات الاقتصاد الأزرق، وعلاوة على ذلك تم تدشين شراكة جديدة مع مجموعة البنك الدولي لحفز الابتكار في مجال الزراعة الذكية مناخيًا، وتعمل تلك الشراكة على الاستفادة من مشروع EgCITE الممول من الصندوق الائتماني الكوري للنمو الأخضر، وتم توقيع عقد الشراكة والخدمات بين شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، وشركة “بيئة” للحلول المتكاملة لتدوير المخلفات.
كما طالبت مصر بـمضاعفة تمويل التكيف أربع مرات وتفادي أي إجراءات أحادية تضر بمصالح الدول، موضحةً أن التمويل المطلوب لدعم الدول النامية في مجال التكيف هو تحدٍ حقيقي، وتطبيق مبدأ “البصمة المائية” عند استخدام المياه للإنتاج الزراعي بالشكل الذي يحقق أعلى إنتاجية محصولية من وحدة المياه، بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام بتمويل مشروعات للحد من آثار تغير المناخ من خلال المنح، التي تخدم بالأساس التكيف، أو من خلال القروض والضمانات الميسرة، كما وجهت مصر بضرورة الإسراع في إنتاج وتنمية موارد الغاز الطبيعي بشرق المتوسط لتلبية الطلب المحلي على الطاقة بالاستفادة من الدور الذى يلعبه الغاز كخيار ملائم لخفض الانبعاثات.
ماذا بعد COP28
على الرغم من الجهود الحثيثة التي قامت بها الدول إلا أن هناك حاجة ماسة لجهود أكبر وأعمق على جميع المستويات والتحرك في عدة مسارات لمواجهة أزمة المناخ التي تهدد الإنسان والحيوان والنبات في كل بقاع العالم؛ بل تهدد أيضًا الكائنات البحرية في البحار والمحيطات ومن هذه الاتجاهات:
- تعزيز التحول الأخضر في المعاملات المالية والسياسات النقدية:
من الضروري أن يتم التحول إلى الاقتصاد الأخضر في السياسات المالية والنقدية حول العالم؛ نظرًا للتأثير الكبير المتوقع للتغيرات المناخية على التضخم والنمو الاقتصادي واستقرار النظام المالي العالمي. يبرز البنك المركزي الأوروبي كواحد من أكثر البنوك المركزية التزامًا بالاستدامة في العالم، حيث يشمل جدول أعماله الشامل القضايا المناخية، بما في ذلك نمذجة الاقتصاد الكلي وأدوات السياسة النقدية المفصلة وتقييم المخاطر المالية، بالإضافة إلى تعزيز التمويل الأخضر لتعزيز مرونة الاقتصادات الوطنية في مواجهة الكوارث الطبيعية المتزايدة بسبب التغيرات المناخية.
- تعزيز الاستثمارات في مجال التحول نحو الطاقة النظيفة:
هناك حاجة ملحة إلى وجود أطر سياسية أكثر توازنًا -وخاصة في الدول النامية- لحفز الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها في التحول العالمي من الوقود الأحفوري إلى مصادر طاقة أكثر استدامة. عند اختيار أدوات تشجيع الاستثمار يجب أن نأخذ في الاعتبار معايير البلد والموقع، بالإضافة إلى المعايير التكنولوجية. وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لمكافحة أزمة المناخ العالمية، فإن دعم الوقود الأحفوري وصل إلى مستويات قياسية في عام 2022، حيث وصلت قيمته إلى تريليون دولار وفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، وهذا الدعم يتجاوز بكثير دعم الطاقة المتجددة. كما أن هذا الدعم يعرقل جهود التخفيف من تأثيرات تغير المناخ ويعوق الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة في بعض البلدان، كما يؤثر بشكل كبير على حوافز الشركات للاستثمار في الطاقة النظيفة، ويعني أيضًا تقليل الموارد الحكومية المخصصة لدعم تحول الطاقة. وفي ضوء ذلك، فإنه يجب اعتماد التكنولوجيات التي تقلل بشكل كبير من انبعاثات الوقود الأحفوري، مثل الوقود منخفض الكربون بتقنية احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. هذه التكنولوجيات تساهم في الحد من الانبعاثات الضارة بالبيئة.
- جعل قطاع الزراعة والأغذية أكثر مرونة واستدامة:
يواجه قطاع الأغذية الزراعية تهديدات متزايدة من تغير المناخ، حيث يتسبب في خسائر كبيرة في المحاصيل والإنتاج الحيواني. حيث يفقد العالم كل عام مئات المليارات من الدولارات من المحاصيل والإنتاج الحيواني بسبب أحداث الكوارث، تعتبر أنظمة الأغذية الزراعية جزءًا أساسيًا في مواجهة تغير المناخ وتقديم حلول له، بما في ذلك التكيف والتخفيف من آثاره وتلبية الاحتياجات الغذائية الحالية والمستقبلية. وتتطلب مكافحة الخسائر والأضرار في أنظمة الأغذية الزراعية جهودًا مستهدفة، بما في ذلك تحسين تقييم المخاطر المناخية، وتنفيذ تدابير التكيف وتعزيز الاستجابة لحالات الطوارئ. والتركيز على تعزيز الأمن الغذائي وتوفير الخدمات الزراعية للمجتمعات التي تعتمد على الزراعة.
- تخضير الشركات الرقمية:
تمتلك شركات التكنولوجيا الرقمية محافظ واسعة ومتنوعة، بعضها ينتج ويبيع المعدات والبعض الآخر يشغل شبكات الاتصالات ويقدم خدمات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات. ففي عام 2021 ارتفعت إجمالي الانبعاثات الناتجة عن 200 شركة رائدة في مجال التكنولوجيا إلى أكثر من 260 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، مما يشكل 0.8% من إجمالي انبعاثات الطاقة العالمية. ومن بين هذه الشركات، هناك 24 شركة تستخدم فقط مصادر الكهرباء المتجددة بالإضافة إلى أن قائمة أكبر 20 شركة مستهلكة للكهرباء على مستوى العالم لا تزال تهيمن عليها الصناعات التقليدية ذات الانبعاثات المرتفعة. هذا؛ وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الشركات تعتزم تجاوز حياد الكربون لتحقيق صفر صافي انبعاثات بحلول عام 2040، حيث وقعت هذه الشركات الرقمية اتفاقيات شراء طويلة الأجل لإزالة الكربون وتخزينه. وهذا يساعد على توسيع نطاق الحلول البيولوجية والتكنولوجية لإزالة الكربون من الغلاف الجوي.
وفي الختام،تعتبر مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ فرصًا لتقييم الوضع الحالي للمناخ في العالم. ومع ذلك، لم تتمكن هذه المؤتمرات من وقف تدهور المناخ، ويتسبب الانبعاث المستمر لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري. وبالتالي، يجب على البلدان أن تتبنى خططًا صريحة لخفض الانبعاثات في المساهمات المحددة وطنيًا في المرحلة التالية، بما يتضمن القواعد والتدابير التي يجب اتخاذها للحد من الانبعاثات.
المصدر : https://ecss.com.eg/39453/