- نشر موقع ريسبونسبل ستيت كرافت الأمريكي في 13 يوليو 2023 مقالاً لإميلي ميليكن، وهي محللة في شؤون الشرق الأوسط ومتخصصة في شؤون اليمن والخليج، حيث قالت إن بكين تلعب دوراً “لطيفاً” مع جميع أطراف الصراع هناك، ويبدو أنها تراهن على فترة ما بعد انتهاء الحرب، في نهاية المطاف؛ وتتساءل: لماذا تُقدّم الصين نفسها كوسيط دبلوماسي محتمل في اليمن؟
وقد جاء المقال على النحو التالي:
في شهر مايو، وقّع المتمردون الحوثيون في اليمن مذكرة تفاهم مع مجموعة “أنطون لخدمات حقول النفط” الصينية، والحكومة الصينية، للاستثمار في التنقيب عن النفط في البلاد. وذكرت وسائل إعلام تابعة للحوثيين أن الصفقة جاءت بعد مفاوضات متعددة وبالتنسيق مع عدة شركات أجنبية لإقناعها بالاستثمار في قطاع النفط غير المتطور في البلاد.
وعبر الدخول في صفقة للتنقيب عن النفط مع الحوثيين، فإن بكين بقيامها بذلك تعترف ضمنياً بالمتمردين – الذين لا يقيمون علاقات دبلوماسية رسمية حتى الآن إلا مع إيران وسوريا – كهيئة حاكمة في اليمن، بينما لا تزال تؤكد علناً أن الحكومة اليمنية هي الجهة الشرعية الحاكمة في البلاد.
وفي معرض تأكيده لعلاقة بكين المتنامية مع الحوثيين، أشاد أحد أعضاء المكتب السياسي للجماعة (الحوثية)، علي القحوم، بالصين، قائلاً إنه قد “برز الدور المحوري الذي تلعبه (الصين) والاتفاقيات التي تعيد الهدوء والسلام والعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة…” وأشار القحوم إلى الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير الذي توسطت فيه الصين، والذي قد يُعزى إليه الفضل في الحراك الدبلوماسي الأخير في اليمن بين السعودية والحوثيين.
ومن المثير للدهشة أن صفقة التنقيب عن النفط تلك والحديث عن العلاقات المتنامية بين الحوثيين والسعودية لم تُقابَل بردود أفعال علنية من أكبر أعداء الحوثيين – المملكة العربية السعودية. ويشير عدم إدانة الرياض للصفقة إلى أن المملكة على الأقل تتسامح مع الاتفاق ومع علاقات بكين مع الحوثيين، خاصة إذا كان بإمكان الحكومة الصينية أن تلعب دوراً محورياً في إنهاء حرب كلفت الرياض مليارات الدولارات.
لكن الصين لا تتدخل في الشأن اليمني من جهة الحوثيين فقط. فقد التقى القائم بالأعمال الصيني تشاو تشنج مع سفير السعودية في اليمن محمد بن سعيد الجابر، لمناقشة آخر التطورات في اليمن وكيفية الوصول إلى حل سياسي للأزمة. ويأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة اجتماعات بين تشنج وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي (اليمني)، بمن فيهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وقائد المقاومة الوطنية طارق صالح، ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
وتضيف (ميليكن) على الرغم من أن المجلس الانتقالي الجنوبي يُعدّ جزءاً من مجلس القيادة الرئاسي، ولو شكلياً، فإن بكين تعمل أيضاً على تطوير علاقاتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي على مدى سنوات. وبالإضافة إلى الاجتماع مع عيدروس الزبيدي، فقد حافظت الصين منذ فترة طويلة على بقاء خطوط اتصال مفتوحة مع تلك المجموعة الانفصالية. وبينما تعارض الصين علناً قضية استقلال الجنوب، فقد تمكنت من الاستفادة من علاقتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي لتشجيعه على التمسك باتفاقيات تقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية. وبعد الاتفاق الإيراني-السعودي، فقد أثنى مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي على الدور البنّاء الذي تلعبه الصين في الشرق الأوسط.
لكن السؤال هو: لماذا تحاول الصين إقامة علاقات مع أطراف متعددة في حربٍ لم تحظ باهتمام دولي يذكر في السنوات الأخيرة؟
وتجيب (ميليكن) الحقيقة أن التدخل الصيني في اليمن أبعد ما يكون عن كونه شيئاً جديداً. فالعلاقات الدبلوماسية بين اليمن والصين تعود إلى عام 1956 عندما كانت اليمن في واقع الأمر أول دولة في شبه الجزيرة العربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية. ومنذ توحيد اليمن في عام 1990، وقّعت الصين اتفاقيات لبناء محطات لتوليد الطاقة بالغاز الطبيعي في اليمن، ومشاريع توسيع موانئ الحاويات في عدن والمخا، ونشطت في قطاع إنتاج النفط في اليمن. ثم بدأت الصين أيضاً في تطوير اتصالات مع الحوثيين في وقت مبكر من عام 2011.
ويأتي انخراط بكين في اليمن على خلفية الزيادة الكبيرة في نشاطها الدبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ويبدو أنها تعمل على موضعة نفسها كبديل للولايات المتحدة، لكن لا يتدخل في شؤون تلك الدول. من أجل توسيع نطاق نفوذها في المنطقة، قامت الصين بحملات دبلوماسية متعددة، بما في ذلك التوسط في التوقيع على اتفاقية للتطبيع بين السعودية وإيران مؤخراً، وكذلك استضافة قمم بين الصين والدول العربية، وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي. ومع محافظة الصين على علاقات إيجابية مع جميع الأطراف في اليمن وكذلك مع داعمي الحرب – الرياض وأبو ظبي وطهران – فإنه من الممكن أن تكون عملية السلام في اليمن أحدث خطوة في نشاط بكين الدبلوماسي بالمنطقة.
ولكن، بينما تتطلع بكين بكل تأكيد إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة بهدف التنافس مع الولايات المتحدة، فقد يكون هناك المزيد على المحك في هذه المسألة عندما يتعلق الأمر بتدخلها المحتمل في اليمن. وبالتحديد، فإن الصين ترى في تأمين الوصول إلى الموارد والأسواق الحيوية بمثابة مكاسب مالية استثنائية.
وتدرك بكين أنه بعد انتهاء الحرب في اليمن، ستحتاج لبلاد إلى ملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودفع عجلة التنمية الاقتصادية. ومن خلال الانخراط في الحرب من جميع جوانبها، فإن ذلك من شأنه أن يضمن، وبغض النظر عن النتيجة التي ستؤول إليها الحرب، أن تكون الشركات الصينية – مثل شركة شركة تشاينا هاربور الهندسية – في وضع مناسب يسمح لها بالفوز بهذه العقود المربحة.
ولعل الأهم من ذلك أن موقع اليمن الاستراتيجي في الخليج يجعلها جاذبة لبكين. حيث يمر جزء كبير من تجارة الصين مع أوروبا عبر خليج عدن والبحر الأحمر بينما يمر النفط الصيني المستورد من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا عبر باب المندب ومضيق هرمز. وبينما تتمتع الصين بالفعل بإمكانية الوصول إلى هذه الممرات المائية الاستراتيجية، فإن تأمين الوصول إلى الموانئ اليمنية بإمكانه أن يساعد في تعزيز مبادرة “الحزام والطريق” الصينية الطموحة ويضمن الدخول إلى طرق التجارة العالمية.
.
رابط المصدر: