د. أحمد سلطان
هيمنت الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية الخطيرة، وبالأخص زيادة التضخم في أسعار الطاقة والغذاء، على القمة الأخيرة لمجموعة الدول السبع والتي خصص غالبيتها للحرب في أوكرانيا، والتي عُقدت في منتجع بجبال الألب البافارية لمجموعة الديمقراطيات الغنية، حيث أعلن قادة دول مجموعة السبع توسيع نطاق العقوبات المفروضة على موسكو مطلقين دعوة لتوحيد الصفوف، حيث انتهت قمة مجموعة الدول الصناعية السبع بالموافقة على النظر في وضع سقف لسعر النفط الروسي ضمن سعيها إلى الضغط على موسكو وإجبارها على وقف الحرب في أوكرانيا، والتي أجبرت موسكو للبحث عن أسواق بديلة في دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وذلك من خلال تقديم خصومات كبيرة تصل إلى أقل من ٤٠ دولارًا للبرميل، وكان الاتحاد الأوروبي قد خفض من وارداته بشكل بسيط من النفط الخام الروسي، كما يعتزم الاتحاد الأوروبي تطبيق حظر كامل على النفط الروسي بنهاية العام الحالي، مع استثناء المجر. ومن جهة أخرى، سعت موسكو إلى زيادة مستويات إمدادات البنزين والنافثا إلى القارة الأفريقية، وتستحوذ آسيا على الكميات الأكبر من الخام الروسي، وتهيمن الهند والصين على شحنات النفط الخام الروسية، حيث بلغ متوسط الشحنات المنقولة بحرًا إلى الهند حوالي أكثر من ٦٠٠ ألف برميل يوميًا، في حين تستقبل الصين نحو مليون برميل يوميًا من النفط الروسي.
وللإجابة على إمكانية مجموعة الدول الصناعية الكبرى G7 إصدار قرار بوضع سقف سعري للنفط الروسي، علينا في البداية ضرورة إلقاء الضوء على عائدات موسكو من النفط وحجم صادراتها منذ بداية الحظر الأوروبي على النفط الروسي ومقارنتها مع أسعار النفط العالمية خلال الفترة السابقة.
عائدات روسيا من النفط
ارتفعت تدفقات النفط الروسي إلى القارة الأوروبية وتركيا إلى أعلى مستوى لها خلال شهرين تقريبًا مع استثناء معدلات شهر يناير الماضي، مما يعكس تراجعًا واضحًا في الموقف الأوروبي المتشدد تجاه الخام الروسي، بالإضافة إلى تراجع العديد من الدول والشركات عن قرار التوقف عن شراء النفط الروسي، والذي يُباع بأسعار مغرية ورخيصة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية موسكو، حيث بلغ متوسط حجم شحنات النفط الخام الروسي إلى دول شرق أوروبا حوالي ٤٥٠ ألف برميل يوميًا في منتصف الشهر الحالي، انخفاضًا من حوالي ١٬٢ مليون برميل يوميًا عن معدلات شهر يناير وقبل بداية الحرب الروسية الأوكرانية. وبصفة عامة نرى زيادة عائدات تصدير النفط الروسي بمقدار حوالي ١٬٧ مليار دولار وذلك في مايو الماضي إلى نحو حوالي أكثر من ٢٠ مليار دولار، وإلى أعلى بكثير من المتوسط البالغ حوالي ١٥ مليار دولار تقريبًا. ومن جهة أخرى، حققت موسكو إيرادات بقيمة حوالي ٢٤ مليار دولار من مبيعات الطاقة فقط إلى كل من الهند والصين وذلك خلال ثلاثة أشهر، وهو ما يشير إلى أن ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي قلص تأثيرات العقوبات الأوروبية والأمريكية التي تم فرضها على روسيا أواخر فبراير ويونيو من العام الحالي، حيث بلغت قيمة كميات النفط والغاز الطبيعي والفحم التي اشترتها بكين من موسكو خلال الأشهر الثلاثة حتى نهاية مايو الماضي حوالي ١٩ مليار دولار، وهو ما يعادل ضعف قيمة هذه المشتريات في الفترة نفسها من العام الماضي، ومن هنا تستطيع للولايات المتحدة الأمريكية أن تعاقب الدول التي تواصل التعامل مع موسكو، ولكن هذا من شأنه أن يتسبب في إحداث المزيد من حالات الإرباك والفوضى في أسواق النفط العالمية وزيادة حالة عدم الاستقرار والتذبذب، وهو أمر يسعى قادة مجموعة الدول السبع جاهدين إلى تجنبه، حيث لا تزال أسعار البنزين ومشتقاته المختلفة قريبة من مستويات قياسية لم يشهدها العالم من قبل.
وبتحليل المؤشرات السابقة وحجم صادرات النفط الروسي خلال الشهر الحالي، يتضح أن العقوبات الأوروبية على موسكو لن تُجدي نفعًا، في ظل تحقيقها عائدات ضخمة من صادرات النفط الخام والتي تخطت أكثر من ٢٠ مليار دولار، والتي تحققت بدعم بيعها الخام بأسعار رخيصة وبتخفيض يصل إلى أكثر من حوالي ٤٠٪، في ظل استغلال دول شرق آسيا لهذا الوضع.
فكرة أمريكية بتنفيذ أوروبي
وفقًا لجميع المؤشرات السابقة وبلغة الأرقام، فإنه بالرغم من تراجع حجم صادرات النفط الخام الروسي في ظل العقوبات الأخيرة والحزمة السادسة، إلا أن عائدات روسيا من مبيعات النفط الخام لا تزال تحقق مستويات مرتفعة، مما انعكس على ارتفاع أسعار الوقود ومشتقاته إلى مستويات قياسية. وتواجه الدول المستهلكة أزمة متصاعدة نتيجة لارتفاع أسعار النفط الخام، وتلك المؤشرات هي التي دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الدعوة إلى إيجاد آليات قوية لتقييد الأسعار والتي تدفعها دول أخرى مقابل الحصول على النفط الروسي، مما زاد من دوافع قادة السبع للبحث عن حلول للحد من عائدات موسكو وتخفيف الضغط على أسعار الطاقة العالمية، والتي أدت إلى زيادة معدلات حجم التضخم. وفي هذا السياق، أخبرت جانيت يالين وزيرة الخزانة الأمريكية قادة دول المجموعة بأن أفضل طريقة لتحقيق كلا الهدفين هو ضرورة فرض الحد الأقصى للسعر على مبيعات النفط إلى أوروبا، مما يسمح لموسكو ببيع المزيد من النفط في السوق العالمية ولكن مع حصد عائدات أقل. وبالإضافة إلى ذلك، تبحث مجموعة الدول الصناعية الكبرى أيضًا دراسة إمكانية وضع سقف لسعر الغاز الطبيعي، وهي خطوة تبنتها روما، أما باريس فقد دعت إلى تحديد أسعار جميع مبيعات الطاقة.
ماذا يعني وضع سقف لسعر النفط الروسي؟
يعني وضع سقف لسعر النفط الروسي ربط الخدمات المالية والتأمين وشحنات النفط الخام بحد أقصى لسعر النفط الخام الروسي. وكمثال توضيحي، إذا أرادت شركة تصدير أو شحن أو الحصول على الخدمات السابقة، عليها أولًا ضرورة الالتزام بأن يُباع النفط الخام الروسي بما لا يتجاوز الحد الأقصى للسعر، ولكن ترى مجموعة الدول الصناعية الكبرى G7 أن فرض حظر على نقل الخام الروسي وبيعه بسعر محدد سيعمل على تعزيز الاقتصاد العالمي الذي يعاني ارتفاع معدلات التضخم في أسعار الغذاء والطاقة.
رؤية المجموعة لتنفيذ ذلك القرار
ترى مجموعة الدول الصناعية الكبرى أن وضع سقف لسعر النفط الخام الروسي سيؤدي إلى بعض النتائج الإيجابية، ومنها:
- سيعمل على منع روسيا من الاستفادة من حربها في أوكرانيا، والتي بالتبعية أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية مما انعكس على أسعار الطاقة بشكل عام.
- كبح جماح بوتين وشل قطاع النفط الروسي بشكل كبير ومؤثر.
- الحد من تدفق الأموال إلى موسكو، وإعاقة تمويل الحرب في أوكرانيا.
- استعادة السيطرة على أسعار الطاقة العالمية.
- تهدئة ردود فعل الدول المستهلكة للنفط والمتعلقة بمعدلات بالتضخم.
تبعات وصعوبة تنفيذ ذلك القرار
بالرغم من سهولة تطبيق القرار على الورق لكن يصعب تطبيقه عمليًا بسبب العديد من الأسباب، ومن ضمنها:
- لم يشر الاتحاد الأوروبي وقادة الدول المجموعة إلى أين أو كيف سيتم تحديد سعر النفط الروسي.
- صعوبة التوافق بين سعر نفط يقلص من عائدات موسكو، وفي الوقت نفسه يُبقي هذا السعر مغريًا لها لكي يحفزها من أجل التصدير.
- أن قرار وضع حد سعري للنفط الروسي على أرض الواقع لن يكون له التأثير البالغ في حجم الصادرات النفطية الروسية، لأن العقوبات الأوروبية السابقة استهدفت حظر النفط الروسي بالفعل، وبالرغم من ذلك تمكنت روسيا من فتح أسواق جديدة مثل الصين والهند من خلال تقديم خصومات وصلت إلى أكثر من ٤٠٪ على برميل النفط الروسي.
- صعوبة إقناع عدد كافٍ من الدول وشركات التأمين الكبرى بالاشتراك في تلك الخطة.
- يتطلب تنفيذ الخطة التي يسعى بايدن إلى تنفيذها، قيام الاتحاد الأوروبي أولًا بنقض العقوبات التي وافقت عليها مؤخرًا في بداية شهر يونيو، وليس هناك حل آخر بديل بعد المفاوضات الصعبة التي خاضتها دول الاتحاد الأوروبي لإقناع جميع الدول الأعضاء بقبولها.
- لا ترغب العديد من الدول الأوروبية بالاتفاق على حزمة عقوبات جديدة من شأنها أن تسمح للشركات الهندية والصينية بشراء المزيد من النفط الخام المقدم لهم بأسعار مخفضة، بينما تبقى شركات تلك الدول الأوروبية محظورة من الشراء بأي سعر.
- أن بوتين قد يقرر خفض صادرات النفط الروسي ردًا على ذلك القرار، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأسعار إلى مستويات قياسية.
- يبقى التحدي الأكبر الذي يقف في طريق تحديد أسعار النفط الروسي، رفض الرئيس الروسي بوتين، فكيف لك أن تجبر موسكو على بيع الخام الخاص بها بسعر مفروض خارجيًا؟
مجمل القول، ساهمت المخاوف العالمية من فقدان الإمدادات من موسكو بأسواق النفط العالمية في ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، إلى جانب تعافي الطلب من جائحة كورونا، ولأجل خفض الأسعار سعى تحالف أوبك بلس للدول المنتجة للنفط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وروسيا، لزيادة معدلات الإنتاج ولكن ببطء شديد، وهذا لم يُحدث فارقًا كبيرًا، على الرغم من انخفاض سعر النفط في الأيام الأخيرة بسبب مخاوف من ركود عالمي، كما أن الولايات المتحدة في عجلة من أمرها لتحديد سقف لأسعار الخام والمنتجات النفطية الروسية، حيث يخشى بايدن من أن ترتفع أسعار النفط إلى أكثر من ١٤٠ دولارًا للبرميل مع أن السعر الحالي يدور حول ١٠٠ دولار، في وقت تمر فيه معظم اقتصادات العالم بأوقات عصيبة، وتسعى الدول الكبرى في العالم إلى وضع حد للزيادة المستمرة في أسعار النفط والطاقة، وذلك من خلال تحديد سقف لسعر النفط الروسي، وهو الأمر الذي سيمهد الطريق لحل جزء كبير من أزمة الطاقة الحالية، وبصفة خاصة من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو الحد فعليًا من عائدات موسكو من صادراتها النفطية، بتحديد سقف ثابت عند أقل من ٧٠ دولارًا لنفط الأورال الروسي.
.
رابط المصدر: