ماذا وراء الغموض في الشخصية؟

عزيز ملا هذال

 

جميعنا نتعامل في يوم ما مع شخصية غامضة لا تفصح عن اهم الاشياء وابسطها في مجلات الحياة المختلفة، او ربما خالطنا زملاء اعتقدنا انهم غير مفهومين، وفي اغلب تصرفاتهم يتركون لنا تساؤلات يصعب حلها والوقوف على اسبابها او دوافعها، مما يجعلك تحلل حسب طريقة تفكيرك او تتبنى قناعات ومواقف وفق تلك التصرفات التي يصدرها هؤلاء الاشخاص (الغامضين).

يعرف الشخص الغامض بأنه:” هو الشخص الذي يضع في ذهنك الكثير من التساؤلات حول تصرفاته، أو الشخص الذي يتميز بالشخصية الهادئة والذي يلتزم بالصمت طيلة الوقت، أو الشخص الذي لا يمكن أن تفهمه أو تفهم ما يدور حوله”.

ويختلف مفهوم الناس لهذه الشخصية من شخص لآخر فمنهم من يراها انها شخصية كتومة غير فضفاضة تحاول ان تحفظ ما يخصها لذاتها وتعبر ذلك شيء من الخصوصية ولاتهم أي احد غير صاحبها، ويراها اخرون بأنها شخصية لا تأمن لاحد وما ذلك الغموض الا ترجمة لذلك الخوف من البوح بأي شيء وربما هذا الدافع الاكثر مقبولية من وراء الغموض.

وهنا نود تبيان الفرق الكبير بين من يحاول ان يخفي بعض اسراره عن الناس وحتى عن اقرب المقربين لديه بعفوية، وبين من يتصنع الغموض بقصد الشهرة او الجذب او تحقيق مكاسب نفسية تحقق عبر كف الاسئلة والاحراجات عن سلوكياته وافعاله ونواياه.

يمارس الكثير من زعماء العالم تقنية (الغموض البارد) أي تصنع الغموض، ويعدون ذلك جزء من تقنيات ادارة البلدان حسب زعمهم، للتغطية على الفشل في ادارة الكثير من الملفات او لتغطية الفساد المالي والاداري، فهم يمارسون هذه التقينه لتجنب الحرج عند الاستعلام عن انجازاتهم او عن خططهم، فهم يبررون عدم الافصاح لضرورة تتعلق بأمن او مصلحة الدولة او ما شبه ذلك.

البعض يرى ان الغموض وتظليل المشاعر الحقيقية او اكساءها شيء من الضبابية يضيف للإنسان نوع من الهيبة والاكبار عند المجتمع بغض البصر عن مدى قربهم منه او بعدهم عنه، كما يذهبون في احيانا كثيرة بالتلميح بما يخالف مشاعره ونواياه واتجاهاته في محاولة منهم لإغراق الناس بالحيرة لكي يصبحوا حديث الناس ومحور اهتمامهم، مما يجعلهم في حالة نشوة وارتياح.

حالة النشوة هذه التي تصيب الفرد هي حالة مرضية تنتج عن شعور اضطرابي يشير الى عدم اتزان وانتفاء الوعي بالنفس وبالآخرين حتى أنه يأتي في بعض الأحوال بسلوكيات غاية في العجب والدهشة لا يصدق ان مصدرها شخص واعي او عاقل، فمها حاولت ان يجيبك بوضوح على سؤال لا يحتاج الى لف ودوران او مناورة للتهرب من الاجابة وان كانت لا تحمل خطراً عليه في الجواب لا تحصل على اجابة.

الاشخاص الاصحاء نفسياً في المجتمع مهما بلغوا من السلطة والشهرة والنفوذ فأنهم لا يحتاجون الى الغموض ولا الهيبة المصطنعة لنيل مكانة زائفة ويحبذون البقاء كما هم وليس للأيام ولا الليالي سلطة في تغير مبادئهم ومواقفهم واقوالهم وحتى افعالهم وانفعالهم، وبالتالي هم يرفضون ان يكونوا غامضين.

هل نحتاج الى الغموض في حالات معينة؟

حين نحاول ان نحمي انفسنا وخصوصياتنا ومعلوماتنا امر ضروري سيما في عصر التقدم العلمي والهواتف الذكية التي جعلت من كل شيء مشاع، وهنا الحاجة الى الغموض ملحة للغاية، فليس مقبولاً ان ننشر غسيلنا في مواقع التواصل الاجتماعي مما يجعل حياتنا عرضة لتدخل الاخرين والافضل الانشغال بأنفسنا حتى ينشغل الناس عنا.

انا بالضد تماما من عرض كل تفصيلات الحياة في تلك المنابر لكسب تعليقات او اعجابات سيما مع وجود العوائل لان هذا العرض سيقتل العفوية في التصرف ويجعلنا نتصرف ليرى الناس لا من اجل متعة نحصل عليها نحن، فمن الاهمية بمكان ان نحافظ على ما يمكن المحافظة عليه احتراما وحماية لأنفسنا اولاً واحتراماً لفئات مجتمعية محرومة من فعل ما نستطيع فعله والاستمتاع به ثانياً.

وقد يكون الغموض في شخصية الانسان كمحاولة لتعويض الاضطهاد الذي يلاقيه الطفل في دائرة العنف الاسري، حيث يتحول الفرد من ضحية الى جلاد في النفس الدائرة التي مورس فيها الاعتداء عليه ان سنحت له فرصة، يمكن ان يتحول الى شخص مشهور عبر الهالة التي يصنعها لنفسه والتي يكون قوامها الابتزاز النفسي لعموم الناس أو لأفراد دائرته المقربة.

هل يعد اصحاب الشخصية الغامضة ناجحون؟

اغلب الناس يبحثون عمن يعطيهم فرصة للتحدث والتعبير ربما لإشباع حاجتهم في التعبير عن ذاتهم كلامياً، الا الغامضون فأنهم يفضلون الاستماع وبذا يمتلكون مفاتيح الجميع في جيوبهم، ويستمتعون في طريقة مراقبة ما يدور من ثرثرة ليستخدموا تلك الأحاديث كأسلحة ضد اصحابها وذلك هو النجاح والعبقرية التي يجهل اغلب الناس اهميتها.

ولأن الإنسان أسير فضوله منذ الأزل فهو يحوم دائماً لمعرفة مايجهلة ارضاء لذلك الفضول المتجذر في نفسه، والغموض ليس عيباً في المطلق ولا محبذ بالمطلق بل هو كمصمم الازياء الانتقائي الذواق الذي لا يضع توقيعه على الا تفاصيل الكبار.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/psychology/26428

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M