تبدأ اليوم 22 أغسطس وحتى 24 أغسطس اجتماعات قمة مجموعة “بريكس” التي تستضيفها جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، والتي يكمن محورها في تصويت أعضائها الخمسة بخصوص توسيع عضوية التكتل. وتترقب الأسواق ما ستؤول إليه من قرارات اقتصادية وتطورات جوهرية لهذا التحالف الذي يضم خمسًا من الدول الناشئة الأسرع نموًا عالميًا وهي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، والتي تسعى إلى تطوير قوة اقتصادية موحدة.
بشكل عام، تشبه مجموعة “البريكس” أندية مثل “مجموعة العشرين G-20” في تمثيل التحرك نحو عالم أكثر تعددًا للأقطاب وبعيدًا عن عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة. ونتيجة لرغبتها القوية في إبراز صورتها على الساحة العالمية والصعود على حساب النفوذ الغربي، خاصة الولايات المتحدة؛ فقد بدأت الصين النقاش حول توسيع عضوية التحالف عندما ترأست القمة العام الماضي، مما أثار مخاوف بين الأعضاء الآخرين من احتمالية تضاؤل نفوذهم. وعليه، سيكون هذا الاقتراح محور التركيز الرئيس في قمة هذا العام.
خصوصية هذه القمة
بعد إجراء القمة الرابعة عشر العام الماضي، تأتي هذه القمة بأهداف وتحركات متفردة بنوعها عن تلك التي أجريت آنذاك، حيث جاءت القمة السابقة في إطار العقوبات المشددة على روسيا، مع استمرار التوترات بين الصين والولايات المتحدة وحلفائها نتيجة لدعمها الضمني لروسيا في حربها في أوكرانيا. هذا وكانت القمة التي أجريت في يونيو 2022 تسير في اتجاه عرض ردود واعتراضات على الساحة العالمية، بينما تسير هذه القمة في اتجاه التنفيذ.
وعليه، استخدمت بكين القمة السابقة لتسليط الضوء وانتقاد الطبيعة المنتشرة للعقوبات الأمريكية المفروضة على آلاف الأفراد والكيانات حول العالم، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دورها في الاقتصاد العالمي. وكانت هذه القمة هي فرصة لبكين لتعزيز نموذج الحوكمة والتنمية الخاص بها في وقت يتسم بعدم الاستقرار العالمي على مستوى ملفات شتى، والتي كانت تتورط فيها الصين بشكل أو بآخر.
أما عن القمة الخامسة عشر التي تعقد هذا العام، فتأتي في إطار تنفيذي، حيث لم يعد توسيع “بريكس” مجرد اقتراح قدمته الصين ولكنه اتخذ نهجًا تنفيذيًا، هذا ومن المتوقع أن يكون الاجتماع الأكثر أهمية للكتلة منذ تسع سنوات. وما يميز هذه القمة أيضًا هو كونها الأولى التي تعقد بشكل شخصي للدول الأعضاء منذ أن بدأت جائحة كورونا في عام 2020. وعليه، هناك موضوعان رئيسان للقمة، وهما: توسيع عضوية “البريكس”، وزيادة استخدام العملات غير الدولار في التجارة. علاوة على ذلك، فإن الموضوع الرسمي للقمة هو “بريكس وأفريقيا”، وعليه، تقوم الشراكة من أجل النمو المتسارع بشكل متبادل، والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة، بتوضيح كيف تدفع جنوب إفريقيا والصين وروسيا “بريكس” للانخراط مع الجنوب العالمي، مع التركيز على موازنة النفوذ الغربي، الهدف الذي يشكك فيه أعضاء “البريكس” الآخرون.
الانقسامات الداخلية والتوترات الخارجية
يعد هذا الاجتماع مرتقبًا للغاية، هذا ولأنه يأتي في خضم الاستقطاب المتزايد وعدم اليقين على المسرح الدولي. في هذا النظام العالمي سريع التغير، يرى البعض أن مجموعة “بريكس” أصبحت ثقلًا موازنًا سياسيًا للغرب، لكن الانقسامات الداخلية والأهداف المتباينة بين المجموعة حول مواضيع تشير إلى أنها بعيدة نوعًا ما عن الاتحاد. وعلى الرغم من الاختلافات القائمة في وجهات النظر على مستوى الدول الخمس، فإن هناك اتفاقًا واسعًا على قبول المزيد من الأعضاء بالإجماع، وعلى القواعد والمعايير التي ينبغي تطبيقها، وعلى الرغم من بقاء بعض النقاط الشائكة.
الانقسامات الداخلية: توجد مجموعة من الخلافات التي تثير انقسامًا بين دول بركس الخمس، وهو ما يعد نقطة جوهرية في الخلاف بين بريكس ومجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى على سبيل المثال؛ إذ إن مجموعة السبع (كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) تضم دولًا متوافقة إلى حد كبير على مستوى الأيديولوجيا والمبادئ والقيم السياسية بما يسمح لها بصياغة خطاب سياسي موحد إلى حد كبير، أما بريكس فإنها المعيار الأساسي لتجمع دولها هو النمو الاقتصادي بعيدًا عن القيم والمبادئ السياسية، الأمر الذي يفرض اختلافات كبيرة في اتخاذ المواقف وصياغة السياسات.
وفي هذا السياق، تختلف الدول الخمس في وجهات النظر فيما يخص استراتيجية التوسع التي قامت الصين باقتراحها العام الماضي لتنمية نفوذها السياسي العالمي. هذا ومن خلال محادثات تحضيرية لهذه القمة أجريت بين الأعضاء الخمس، كانت الصين تمارس ضغوطًا مرارًا وتكرارًا من أجل التوسع خلال تلك الاجتماعات. ولكن، في إطار هذه المحاولات، تقاوم البرازيل والهند هذه الاستراتيجية التي تشكل مخاوف جدية لكلا البلدين، خاصة فيما يتعلق بنفوذهما، بحيث تحاول البرازيل تجنبها جزئيًا، ومن ناحية الهند، تحاول المطالبة بوضع قواعد صارمة بشأن كيف ومتى يمكن للدول الأخرى الاقتراب من “البريكس” دون توسيعها رسميًا؛ وهذا لكونها قلقة للغاية بشأن الدور الذي ستلعبه الصين وربما في الاستيلاء على التحالف لتأكيد نفوذها كما أنها كانت قد اتخذت بعض خطوات لمحاولة تخفيف النفوذ الصيني عبر مختلف القطاعات.
إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تقوم كل من نيودلهي وبرازيليا بمحاولة ضم دول إضافية ولكن على أن يكون لها صفة المراقب. وتأتي جنوب أفريقيا بموقف محايدًا نوعًا ما؛ إذ إنها تدعم مناقشة خيارات العضوية المختلفة لكنها لا تعارض بالضرورة التوسع. هذا وتأتي روسيا بدون موقف حازم بشأن التوسيع، فهي تميل بشكل عام لصالح التوسع ولكنها تتبع خطوات الآخرين من حيث أنها لن تمنع أي قرار.
التوترات الخارجية: تنعقد القمة في إطار توترات عالمية بين الجبهة الشرقية والغربية جراء العديد من الملفات، وتضم، على وجه الخصوص، الصين وروسيا وحلفائهما في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. وتضم هذه التوترات الحرب الروسية الأوكرانية من ناحية، والتوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من جانب آخر. يضاف إلى ذلك التوترات الاقتصادية في الأسواق العالمية، جراء العقوبات الغربية على روسيا، والحرب التجارية والتكنولوجية بين واشنطن وبكين، ومساعي عدد من الدول إلى استبدال الدولار في المعاملات التجارية الثنائية والجماعية، وهذا ما تحاول الصين وروسيا توسيعه بشتى الطرق والتي تتضمن دور “البريكس” الذي يشكل، حاليًا، أكثر من 42٪ من سكان العالم و31.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و18٪ من التجارة العالمية.
حدود التوقع
من المتوقع أن تقوم الصين بالضغط من أجل توسيع أعضاء بريكس من الدول النامية، والذي من شأنه وأن يعطي الصين المزيد من الفرص لإبراز قوتها ونفوذها. ومن المتوقع أن تقوم الصين بمحاولة عرض حجتها ضد الولايات المتحدة وحلفائها بشأن القضايا الرئيسة خلال القمة، مثل معارضتها للتدابير الاقتصادية الأحادية الجانب، كالعقوبات، ما أبدى أفراد الكتلة تعاطفهم معه، خاصةً ومع تكاتف روسيا والصين في منافسة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من غير المرجح أن تدعم الهند أي اقتراح سيكون غير مريح للولايات المتحدة؛ نظرًا للمسار المتزايد نحو التكامل مع شمال الكرة الأرضية الذي تتبعه في سياستها. وعليه، من المتوقع أن تظل الهند فاترة حول فكرة العملة الموحدة.
من المحتمل أن يكون هناك بعض التقدم في المفاوضات بشأن توسيع العضوية، خاصة وأن الهند تتجه نحو بعض وجهات نظر بكين، بعد أن نجحت الأخيرة، في يوليو لهذا العام، أن تجري اجتماعات ثنائية، نظرًا لكون الخلاف الأكبر في وجهات النظر يقع بين هاتين الدولتين، والتي بموجبها اتفق الجانبان وتوصلا إلى توافق مبدئي بشأن إطلاق تقدم توسيع عضوية “البريكس”. ولكن من غير المتوقع أن يتم حسم هذا الملف بهذه السرعة خاصةً وأن الهند عازمة على عملية تدقيق جادة لهذا الأمر والتي من شأنها الحفاظ على نوع من التوازن في دول “البريكس” بحيث لا تميل كثيرًا إلى نفوذ الصين.
ومن جانب البرازيل، تحاول مواجهة التوسع ولكنها لا تظهر موقفًا حاسمًا بشأن الأمر، فهي تتبع سياسة أخذ كل قضية على أساس مزاياها الخاصة. ويرجع ذلك إلى الانقسامات الداخلية بشأن سياستها الخارجية حيث أنه، من ناحية، يدعم الرئيس لولا دا سيلفا هذا التوسع كونه يتناسب بشكل مباشر مع رسالته بشأن عودة البرازيل، وأن مجموعة “البريكس” هي مؤسسة بالغة الأهمية تبشر بصعود البرازيل إلى المسرح العالمي. ومن ناحية أخرى، ترفضه وزارة الخارجية البرازيلية حيث أنها تخشى التقليل من فوائد العضوية من خلال مثل هذا التوسع. وعليه، فمن الممكن أن يتغير موقف البرازيل حسب الدول التي يتم التفاوض على عضويتها.
بشكل عام، تستطيع هذه الكتلة في التصدي لمجموعة الدول السبع خاصةً وإن استمرت في إحراز هذا التقدم عليها. ولكن، كون الصين، الاقتصاد المهيمن في هذه المجموعة، تواجه رياحًا اقتصادية معاكسة تجعل أي خطط مستقبلية لتحدي موقع مجموعة الدول السبع، والتي تقودها الولايات المتحدة، على قمة الاقتصاد العالمي حلمًا بعيد المنال. من الممكن أن يسند هذا الخلل اقتصاد الهند الذي ينمو بشكل ولديها شراكات بديلة لا يملكها أعضاء “البريكس”، وعلى رأسهم الصين وروسيا، مع الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الإقليميين الآخرين.
ختامًا، تشكل هذه القمة اختبارًا جديدًا لمعرفة ما إذا كان كبار خصوم الولايات المتحدة قادرين على التأثير على دورها كقوة عظمى عالمية رائدة في شكل هذا الاجتماع الدبلوماسي الكبير في جنوب إفريقيا. لهذا، تحرص كل من روسيا والصين على بث حياة جديدة في كتلة “بريكس”، وذلك حتى يظهرون للعالم أن هناك بدائل للتحالفات والمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة والتي هيمنت على الشؤون العالمية لعقود. ولكن، بينما قد يكون البيان الختامي، في نهاية القمة، طموحًا للغاية، ليس من المتوقع أن تكون هذه القمة مليئة بالاتفاقيات أو الإنجازات الملموسة حقًا.
.
رابط المصدر: