ماذا يحقق انضمام الجزائر الى مصرف “بريكس”؟

أعلنت الجزائر أخيرا ورسميا انضمامها إلى “بنك التنمية الجديد” الذي يعتبر الذراع المالية لمجموعة “بريكس” الاقتصادية، وهذا حيوي جدا، نحتاج معه إلى تقدير موقف لهذه الخطوة في قراءة استراتيجية محضة.

وقالت وزارة المالية الجزائرية، إن “الموافقة الرسمية على انضمام البلاد إلى هذه المؤسسة المالية الدولية جاءت في ختام الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد، الذي عقد في وقت سابق في كيب تاون في جنوب أفريقيا”، ووصفت الوزارة هذه الخطوة بـ”الكبيرة في مسار الاندماج في النظام المالي العالمي، مما يجعل الجزائر الدولة التاسعة التي تنضم إلى عضوية بنك التنمية الجديد”. وأبرزت أن هذا الانضمام جاء نتيجة “تقييم صارم” ويعود إلى حد كبير إلى “قوة مؤشرات الاقتصاد الكلي، مما يعكس متانة الاقتصاد الجزائري”.

وتثير هذه الخطوة جملة من التساؤلات المرتبطة بخلفياتها وسياقاتها ودلالاتها والمكاسب التي يمكن أن تستفيد منها الجزائر.

 

تسعى الجزائر إلى إعادة التموضع من أجل تحقيق أهداف اقتصادية ومالية عدة، ومن بينها رفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الى 400 مليار دولارفي نهاية 2026

 

محمد حيمران، خبير اقتصادي

الحقيقة أن المكاسب من انضمام الجزائر إلى بنك “بريكس” كثيرة وكبيرة، أهمها محاولة التموضع في خريطة جديدة للعالم، والمكسب كل المكسب الذي تسعى من وراءه الجزائر هو البحث عن شراكات تكون مفيدة لها، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار علاقاتها مع الشركاء الآخرين لا سيما مع الأوروبيين، فهي في أزمة معهم منذ مدة طويلة وقد تفاقمت حدتها مع مطالبتها بمراجعة اتفاقية الشراكة، وحياد بعض الشركاء عن مناصرة القضايا العادلة على غرار إسبانيا التي أعلنت في مارس/ آذار 2022 تغييرا جذريا في موقفها المتعلق بقضية الصحراء الغربية من خلال دعمها موقف الرباط، وأيضا فرنسا التي أكدت اخيرا دعمها لمخطط الحكم الذاتي معتبرة أنه الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي للنزاع القائم حول المنطقة أيضا.

 

رويترز رويترز

وسط العاصمة الجزائرية الجزائر، 13 مارس 2019. 

تبدي الجزائر منذ مدة انفتاحا على “العالم الاقتصادي والمالي بعدما كانت منغلقة لعقود، وهذا بسبب ضعف الصادرات الى الخارج، والتي لم تكن تتجاوز 1 مليار دولار وأيضا نقص رؤوس الأموال من أجل الاندماج في النظام المالي العالمي”، كما قال لـ”المجلة” الخبير الاقتصادي محمد حيمران.

إقرأ أيضا: رسالة أميركية إلى المغرب عبر”الربط الجزائري”؟

لكن الجزائر تسعى إلى إعادة التموضع من أجل تحقيق أهداف اقتصادية ومالية عدة، يذكر من بينها حيمران “بلوغ 400 مليار دولار كقيمة في الناتج الداخلي الخام مع نهاية 2026 وبلوغ هدف 30 مليار دولار صادرات خارج المحروقات آفاق 2030، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف لا بد من تحقيق الانفتاح الاقتصادي الواسع”، والمرجح أيضا أن تمضي الجزائر قُدما نحو الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وهي الدولة التي عرفت مفاوضات “عسيرة” مع الهيئة بسبب بعض النقاط “المعرقلة” من الجهتين.

الخروج من سيطرة المصارف الغربية

ومن أهداف خيار الجزائر الاستراتيجي الانضمام الى بنك “بريكس”، يشير المتحدث إلى “التخلص من سيطرة الهيئات والمنظمات المالية الدولية الكبرى كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في مقابل تعزيز الشراكة مع هذا التكتل السياسي والاقتصادي العالمي الصاعد، لا سيما أن هذه المؤسسات المالية السالفة معروف عنها التدخل في سياسة البلدان عبر إصدار توصيات وشروط مجحفة في معظم الأحيان تخص تدبير القطاعات الحيوية”.

 

جاءت الجزائر في المرتبة الثالثة ضمن أهم اقتصادات أفريقيا عام 2024 مباشرة، بعد جنوب أفريقيا ومصر، متخطية بذلك نيجيريا التي احتلت المرتبة الرابعة

 

صندوق النقد الدولي

ضخت مليارات الدولارات على مدى عقود من طرف صندوق النقد الدولي، لكن وإلى غاية اليوم لم تستطع غالبية الدول المستفادة لا سيما العربية منها انتشال ذاتها من غياهب الفقر وتدني المستوى المعيشي والانحطاط أيضا.

إقرأ أيضا: توسّعت “بريكس”… لكنها ليست فائقة القوة حتى الآن

ولذلك يكمن الهدف المحوري بالنسبة الى الجزائر وفق حيمران “في البحث عن بدائل جديدة وكما هو معلوم يقدم بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة “بريكس” قروضا من دون شروط وقيود اقتصادية أو اجتماعية ودون التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستفيدة”. ويدل انضمام الجزائر إلى بنك مجموعة “بريكس”على “القوة الاقتصادية للبلاد، فالانضمام يخضع لعملية تقييم صارمة وهو ما جعل عدد المنخرطين فيه محدود جدا”، على حد قوله.

طموح التحرر من نظام “سويفت” 

وفي آخر تقرير له وضع صندوق النقد الدولي الجزائر في المرتبة الثالثة ضمن أهم اقتصادات أفريقيا عام 2024 مباشرة بعد جنوب أفريقيا ومصر متخطية بذلك نيجيريا التي احتلت المرتبة الرابعة هذه المرة، وقدّر الصندوق الدولي الناتج الداخلي الخام الجزائري هذا العام بنحو 266.78 مليار دولار، متوقعا نسبة نمو بنحو 3.8% خلال 2024.

ويأتي ذلك في وقت رجّح فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في آخر حوار مع الإعلام المحلي، أن يفوق الناتج الإجمالي 400 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2026، مع نسبة نموّ فوق 4 في المئة على الأقلّ، وهو ما يعتبره مختصون توقعا متفائلا جدا.

 

تهدف الجزائر للتحرر ولو جزئيا من نظام الدفع الدولي “سويفت”، وإتمام مدفوعاتها من خلال نظام جديد

 

 

ويتمثل الهدف المحوري الثاني في مسار الانضمام إلى بنك التنمية الجديد في التحرر ولو جزئيا من نظام الدفع الدولي “سويفت”، وإتمام مدفوعاتها من خلال نظام الدفع الرقمي الجديد الذي تسعى روسيا لاستحداثه، وهنا يشرح البروفسور لباز الأمين، أستاذ الاقتصاد والأسواق المالية الدولية والخبير الاقتصادي بمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية هذا التوجه قائلا إن “انضمامها لهذا البنك لا يعني إطلاقا قطع علاقاتها بالبقية، فالجزائر من الدول الذكية التي تسعى لتحقيق توازن في علاقاتها الدولية من خلال تنويع الموردين والعملاء في الوقت نفسه”.

إنفوغراف: هل تنجح “بريكس” في كسر هيمنة الدولار؟

ويسعى البنك جاهدا اليوم لتشكيل أنظمة دفع بديلة وإنشاء عملة رقمية مشتركة وأخرى احتياطية للتجارة العالمية، إذ يعمل على التكوير التدريجي لنظام مالي بعيدا من الدولار الأميركي وأيضا التوسع في استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري وهو ما سيحقق مكاسب مربحة لجميع المنخرطين فيه.

ومن الفوائد المرجوة الأخرى، يشير الخبير الاقتصادي إلى “استفادة الجزائر من الامتيازات الاقتصادية للمجموعة من خلال العلاقات الثنائية التي تربطها بالدول الأعضاء، فضلا عن المشاركة وإبداء الرأي في القرارات المتخذة من قبل هذه المؤسسة المالية العالمية لا سيما إن قررت رفع حصتها المالية مستقبلا”.

تعزيز دور الجزائر في الجنوب

ويوافقه في الرأي أستاذ الاقتصاد والتسيير المصرفي في كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير في جامعة ورقلة (إحدى أهم ولايات الجنوب الجزائري) الدكتور ناصر سليمان، ويقول في حديثه الى “المجلة” إن “الانضمام له صبغة سياسية أكثر منها اقتصادية، فالجزائر تحاول التقرب من دول مناوئة للغرب لتنشئ نوعا من التوازن، كما ستعزز هذه الخطوة حظوظ الجزائر أكثر إذا ما أرادت دول بريكس التوسع من جديد مستقبلا لضم الجزائر”.

 

سيؤدي انضمام الجزائر إلى تعزيز دورها المهم والمؤثر في أفريقيا

 

 

وهو ما أكده وزير المالية الجزائري لعزيز فايد، في تصريحات صحافية، قائلا إن “قبول انضمام الجزائر إلى بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس ومشاركتها في أنشطته دليل على رغبتها في الاندماج في شبكات متعددة الأطراف واسعة النطاق، مما قد يعزز احتمالات دعوتها للالتحاق بمجموعة”بريكس” مستقبلا.

إقرأ أيضا: العصر الذهبي للغاز الجزائري

وكما هو معلوم، غابت الجزائر عن قائمة المنضمين الجدد إلى مجموعة “بريكس” خلال صيف 2023، وقبل تلك القمة، ألقت الجزائر بكل ثقلها السياسي والديبلوماسي لضمان مقعد لها ضمن مجموعة “بريكس” لكنها لم تفلح.

وسيؤدي انضمام الجزائر إلى تعزيز دورها المهم والمؤثر في أفريقيا وهذا من خلال الاتفاقات التجارية في ما بينها، وقال في هذا المضمار الوزير فايد إن “هذا الانضمام سيفعل المشاركة في مشاريع إقليمية أو عابرة للحدود ومبادرات تعاون جديدة ترتكز على مبادئ الشراكة والتضامن، مما يعزز دورها كوسيط بين دول الجنوب ويعزز مكانة الجزائر على الساحة الدولية”.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M