عبد الامير رويح
تراجعت أسعار النفط الخام الأمريكي في اسواق العقود الآجلة إلى أدنى مستوى لها في التاريخ، بسبب وباء كورونا الذي وجه وبحسب بعض المصادر، ضربة قاسية للنشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم وقلص الطلب على النفط. هذا التراجع الكبير في اسعار النفط ربما سيسهم في إفلاس المئات من شركات النفط الأمريكية، لا سيما الشركات الصغيرة التي تحملت الكثير من الديون. ومع امتلاء منشآت التخزين في الولايات المتحدة بشكل هائل خلال الأسابيع الأخيرة، أجبر المتعاملون على الدفع للعثور على مشترين ما تسبب ببلوغ سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط 37,63 دولارا تحت الصفر مع انتهاء التعاملات.
هذه الازمة الجديدة ربما ستدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يواجه الكثير من الانتقادات الى اتخاذ اجراءات وقرارات جديدة، من أجل استعادة التوازن ومنع موجة الإفلاس وعمليات التسريح الجماعي للعمال التي تلوح في أفق صناعة النفط الأمريكي، نشر ترامب تغريدة على حسابه في تويتر ذكر فيها أنه أصدر تعليماته لأمناء وزارتي الطاقة والخزانة لـ”صياغة خطة لتوفير الأموال” ومساعدة شركات النفط والغاز، مضيفاً: “لن نخذل صناعة النفط والغاز الأمريكية الكبرى أبداً”. ورغم أنه لم يعلن عن أي تفاصيل إضافية، إلّا أنه قال إن الهدف هو ضمان “تأمين هذه الشركات والوظائف المهمة للغاية لفترة طويلة في المستقبل”.
وقلل ترامب من هول انخفاض سعر النفط إلى السالب، مشيراً إلى أن العقود الآجلة المؤرخة للشهور المقبلة لا تزال بأمان وفي المنطقة الإيجابية. إلّا أن معايير النفط الأخرى تشير إلى ضيق شديد أيضاً، وكان السناتور الأمريكي كيفين كريمر من الحزب الجمهوري قد حث ترامب، على “منع” ناقلات النفط السعودية من التفريغ في الولايات المتحدة، ليشير ترامب إلى أنه “منفتح” على الفكرة، حيث قال “لدينا بالتأكيد الكثير من النفط. لذا سألقي نظرة على الأمر”. لكن محللي الطاقة ومسؤولي الصناعة حذروا من أن استبعاد النفط الأجنبي قد يتسبب بنتائج عكسية لأن المصافي الأمريكية لا يمكنها العمل فقط على النفط الصخري الأمريكي، وإنما تتطلب جرعة من النفط الثقيل، ومعظمه من الخارج، لإنتاج وقود الطائرات وبنزين المحركات والديزل بشكل مربح.
سيناريو مخيف
وفي هذا الشأن تواجه شركات صناعة النفط الأمريكي سيناريو مخيف، بعد انهيار الأسعار الكبير. وتسببت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في انخفاض الطلب على النفط بسرعة كبيرة لدرجة أن سعة تخزين البراميل في العالم بدأت تنفد. وفي الوقت نفسه، غمرت روسيا والمملكة العربية السعودية العالم بإمدادات زائدة. وأدت هذه الثنائية المزدوجة غير المسبوقة إلى انهيار أسعار النفط إلى مستويات تجعل من المستحيل على شركات النفط الصخري الأمريكية كسب المال.
وتحول سعر الخام الأمريكي لشهر مايو إلى سلبي وهو أمر لم يحدث قط منذ بدء تداول العقود الآجلة للنفط في بورصة نيويورك في 1983. كان بسهولة أسوأ يوم في سوق النفط على الإطلاق. وانهار سعر العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكي، ليصل سعر البرميل إلى أقل من سالب 37 دولار، وذلك لأول مرة في التاريخ. وقال أرتام أبراموف، رئيس أبحاث النفط الصخري في Rystad Energy: “إن 30 دولارًا سيئة بالفعل، ولكن بمجرد أن تصل إلى 20 دولارًا أو حتى 10 دولارات، يصبح كابوسًا كاملاً”.
وخلال الأوقات الجيدة، تتحمل شركات النفط الكثير من الديون. ما يعني أن بعضها لن يتمكن من النجاة من هذا الانكماش التاريخي. وفي بيئة نفطية بقيمة 20 دولارًا للبرميل، ستقدم 533 شركة للتنقيب عن النفط الصخري الأمريكي وإنتاجها ملفًا للإفلاس بحلول نهاية 2021، وفقًا لشركة Rystad Energy. وتقدر الشركة أنه عندما يكون سعر البرميل 10 دولارات، سيكون هناك أكثر من 1100 حالة إفلاس.
ويعد الجانب المذهل بالنسبة للانخفاض القياسي في أسعار النفط هو أنه يأتي بعد أن وافقت روسيا والمملكة العربية السعودية على إنهاء حرب الأسعار الملحمية بعد تدخل الرئيس دونالد ترامب. وأقرت مجموعة أوبك + على خفض إنتاج النفط بمقدار قياسي. وقال ترامب إن اتفاقية أوبك + ستوفر وظائف لا تعد ولا تحصى واستقرارًا في حاجة ماسة إلى التصحيح النفطي. وقال ترامب في وقت سابق: “سيوفر ذلك مئات الآلاف من وظائف الطاقة في الولايات المتحدة. أود أن أشكر وأهنئ الرئيس الروسي (فلاديمير) بوتين والملك السعودي سلمان (بن عبدالعزيز)”. بحسب CNN.
ومع ذلك، استمر خام النفط في الانهيار، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن تخفيضات الإنتاج لن تبدأ قبل حلول مايو أيار المقبل. في حين اختفى الطلب على النفط لأن الطائرات والسيارات والمصانع همشتها جائحة الفيروس التاجي. والأمل في صناعة النفط هو أن الأسعار السلبية هي إلى حد ما مجرد صدفة سببها تمديد العقود الآجلة. وقد يسمح انتعاش الأسعار السريع للعديد من شركات النفط بتجنب الإفلاس. وأدى انهيار النفط إلى ممارسة لعبة التخمين بشأن الشركات التي ستخضع للإفلاس أولا. لا شك هي تلك التي تكدست عليها الكثير من الديون، وتواجه استحقاقات الديون التي تلوح في الأفق ولا يمكنها تحقيق أي تدفق نقدي حتى لتسديد مدفوعات فوائدها.
75 مليون برميل
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ الولايات المتّحدة ستستغلّ الانهيار التاريخي الحاصل لأسعار الخام لشراء 75 مليون برميل لملء مخزونها الاستراتيجي من النفط. وقال ترامب خلال مؤتمره الصحافي اليومي في البيت الأبيض بشأن تطوّرات وباء كوفيد-19 “نحن نملأ احتياطاتنا النفطية الوطنية… كما تعلمون الاحتياطيات الاستراتيجية. ونحن نتطلّع إلى وضع ما يصل إلى 75 مليون برميل في الاحتياطيات نفسها”.
وانهارت أسعار الذهب الأسود ، لدرجة أنّ سعر بعض براميل الخام الأميركي انخفض إلى ما دون الصفر ما يعني أنّ المتعاملين دفعوا من جيوبهم للتخلّص من هذه السلعة. وكان ترامب أعلن في 13 آذار/مارس عزمه على ملء المخزون الاحتياطي الاستراتيجي إلى الحدّ الأقصى. وفي 17 نيسان/أبريل بلغ احتياطي الولايات المتّحدة من النفط 635 مليون برميل، علماً بأنّ السعة القصوى المسموح بها حالياً هي 713,5 مليون برميل. وهذه الكميّات الضخمة من النفط مخزّنة في أربعة مواقع تحت الأرض تمتدّ على طول سواحل خليج تكساس ولويزيانا، في جنوب البلاد، وتبلغ سعتها التخزينية القصوى 727 مليون برميل.
ويرمي هذا الاحتياطي الأميركي من الذهب الأسود إلى سدّ أي عجز قد ينجم عن حالات طارئة، كما حدث في 1991 أثناء عملية “عاصفة الصحراء” بعد غزو العراق للكويت، أو في 2005 بعد الإعصار كاترينا المدمّر، أو في 2011 عندما اندلعت انتفاضة شعبية في ليبيا. وانهارت أسعار النفط الأميركي المدرج في بورصة نيويورك لأول مرة في التاريخ إلى ما دون الصفر عند انتهاء جلسة التداولات بسبب تخمة في المخزون أجبرت المستثمرين على الدفع من جيوبهم من أجل التخلّص من هذه السلعة. بحسب فرانس برس.
ونظراً إلى أن مهلة عقود أيار/مايو تنقضي، تعيّن على المتعاملين العثور على مشترين في أقرب وقت ممكن. لكن مع امتلاء منشآت التخزين في الولايات المتحدة بشكل هائل خلال الأسابيع الأخيرة، أُجبر المتعاملون على الدفع لقاء الحصول على مشترين ما تسبّب بإغلاق سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط على 37,63 دولارا تحت الصفر. وأتى هذا التدهور غير المسبوق نتيجة لتداعيات فيروس كورونا المستجد الذي دمّر الاقتصاد العالمي عبر إجبار مليارات الأشخاص على ملازمة منازلهم لوقف التفشي، وجرّاء حرب أسعار بين روسيا والسعودية. وأدّت حرب الأسعار إلى تخمة في الاحتياطات الأميركية وهو ما أثّر سلباً على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
خسائر كبيرة
على صعيد متصل أعلنت شركة هاليبورتون الأمريكية، عملاق خدمات حقول النفط، عن خسارة قدرها مليار دور في الربع الأول ومخصصات لإنخفاض القيمة 1.1 مليار دولار بينما قدمت توقعات قاتمة بشأن حقول النفط الصخري في أمريكا الشمالية بعد تراجع الأسعار جراء فيروس كورونا. وقالت هاليبوتون، ومعظم انشطتها في أمريكا الشمالية، إنها جنبت مخصصات انخفاض القيمة ورسوم أخرى قبل الضرائب 1.1 مليار دولار. وأعلنت عن انخفاض الإيرادات من المنطقة بنسبة 25 بالمئة إلى 2.46 مليار بينما ارتفعت الإيرادات الدولية خمسة بالمئة إلى 2.59 مليار دولار.
وقال الرئيس التنفيذي لهاليبورتون جيف ميلر ”بالنسبة للفترة المتبقية من العام تتوقع الشركة مزيدا من التراجع للإيرادات والربحية لاسيما في أمريكا الشمالية“. وقالت الشركة إنها ستخفض الانفاق الرأسمالي هذا العام إلى 800مليون وستخفض التكاليف بنحو مليار دولار. واستغنت الشركة عن مئات العاملين ومنحت إجازات لبضعة آلاف، بينما أعلن فريقها التنفيذي عن خفض طوعي للأجر. وأعلنت الشركة عن خسائر صافية 1.02 مليار دولار، أو 1.16 دولار للسهم، في الربع الأول مقارنة مع أرباح 152 مليون دولار، أو 17 سنتا للسهم، قبل عام. بحسب فرانس برس.
من جانب اخر قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن إدارته تبحث إمكانية وقف شحنات النفط القادمة من السعودية كإجراء لدعم قطاع التنقيب المحلي المتضرر. ولدى سؤاله عن مطالبات من بعض النواب الجمهوريين بوقف الشحنات بموجب سلطته التنفيذية قال ترامب ”حسنا.. سأبحث الأمر“. ووصف ترامب الانهيار التاريخي الذي شهدته أسعار النفط بأنه قصير الأجل وناجم عن ”ضغوط مالية“ لكنه أضاف أن قطاع النفط يتضرر من تهاوي الطلب مع فرض الولايات قيود البقاء في المنزل لاحتواء انتشار الفيروس. وقال ”المشكلة هي أنه ليس هناك من يقودون سيارات تقريبا في أنحاء العالم… المصانع مغلقة والشركات مغلقة“.
وأضاف أن مجموعة المنتجين العالمية المعروفة باسم أوبك+ اتفقت على خفض الإنتاج بنحو 15 مليون برميل يوميا، وقال إن ضعف الأسعار ربما يجبر على مزيد من الانخفاضات لأسباب اقتصادية. وقال ”عليهم أن يفعلوا المزيد فيما يتعلق بالسوق.. الأمر مماثل هنا. إذا ظل السوق على حاله سيبطئ الناس أو يتوقفون. سيكون ذلك تلقائيا وهذا يحدث“.
رابط المصدر: