حيدر الحيدر الاجودي
شهدت جمهورية إيران الإسلامية في ساعات الصباح الأولى يوم 18 حزيران 2021 افتتاح مراكز اقتراع الانتخابات الرئاسية الثالثة عشر منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران تحت قيادة ولي الفقيه عام 1979، لانتخاب رئيس جديد خلفا للسيد حسن روحاني الذي أتم رئاسته لدورتين متتاليتين في رئاسة جمهورية إيران (2013- 2021)، وقد تميزت هذه الانتخابات عن سابقاتها بوجود تدخل مباشر من المرشد الأعلى للثورة يدعم فيها ترشيح شخصية معينة، حيث كان لسان الحال، يحق لك أن تنتخب ما تشاء من المرشحين للرئاسة الإيرانية بشرط أن يكون إبراهيم رئيسي!، وقد كان وأصبح الأخير رئيسا لإيران بتدخل مباشر وغير مسبوق من المرشد الأعلى للثورة، بعد أن تعددت أشكال التدخل لرئيسي وكان أبرزها: استبعاد أي منافس يمكن أن يمثل خطورة على فرص وصول رئيسي إلى السلطة، وتم استبعاد أشخاص لا يمكن التشكيك بأهليتهم مثل علي لاريجاني (رئيس مجلس الشورى الإيراني) واحمدي نجاد (الرئيس السادس للجمهورية 2005- 2013) وغيرهم لأسباب غير واضحة وتصريحاتهم أغلبنا قد علمها من الإعلام.
كان المعتاد في السنوات الماضية عندما تعترض المعارضة الإيرانية أو دول الغرب على النظام الإيراني كان الأخير يتباهى بشرعيته استنادا إلى النسب الكبيرة من الناخبين الإيرانيين في الانتخابات سواء برلمانية أو رئاسية، على العكس من الانتخابات الأخيرة التي شهدت نسب إقبال قليلة جدا قياسا بانتخابات السنوات الماضية منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 وكانت النسبة حوالي 48% حصل منها رئيسي على حوالي 62% بدعم مباشر من المرشد الأعلى للثورة الذي كان يعلم يقينا أن فرض رئيسي كمرشح للرئاسة له ثمن وهو ثمن ليس قليل لأنه يتمثل بالانتقاص من شرعية النظام الإيراني.
ولكن السؤال المفروض هنا لماذا أصر المرشد الأعلى الإيراني على أن يكون رئيسي رئيسا لإيران؟، وللإجابة عن هذا السؤال ربما يجعلنا أن نضع احتمالين:
الاحتمال الأول: ربما يظن المرشد أن السيد إبراهيم رئيسي هو رجل المرحلة الحالية سواء بولاية واحدة أو ولايتين لمدة ثماني سنوات (وفقا للدستور الإيراني) وستكون في السنوات المقبلة من المؤمل حسم ملفات كثيرة وكبيرة في الشأن الإيراني منها على مدى المنظور مرحلة الاتفاق النووي الذي يجري عليه التفاوض في الوقت الحاضر في فيينا، فهناك احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن تنجح المفاوضات وترفع العقوبات عن إيران، والثاني أن تتعثر وتظل المواجهة قائمة بين إيران وبين خصومها بقيادة الولايات المتحدة، مع استمرار العقوبات الخانقة على إيران، وفي كلتا الحالتين يحتاج المرشد إلى من يثق فيه في إدارة مرحلة ما بعد رفع العقوبات والأموال الكثيرة التي يمكن إن تتدفق على إيران وكيفية الاستفادة منها، أو إدارة المواجهة مع الغرب أن تعثر التفاوض في الملف النووي.
الاحتمال الثاني: ربما هناك مرحلة أخطر وأكبر من مرحلة الاتفاق النووي الإيراني، وهي مرحلة ما بعد المرشد الأعلى الحالي السيد علي الخامنئي (82 عاما)!، فالموت محتم على كل أبناء ادم ولابد منه ويجب أن يتهيأ المرء لذلك ويكتب وصيته، من جانب آخر قال هاشمي رفسنجاني (رجل دين وأحد رؤوساء إيران لدورتين متتاليتين 1989- 1997) قال في عام 2015 أن لجنة داخل مجلس الخبراء تبحث في مرشحين يمكن أن يخلفوا علي خامنئي، ومجلس الخبراء هو الجهة الوحيدة في إيران التي يمكن لها أن تعين أو تعزل المرشد الأعلى للثورة، وفي عام 2016 لم يستبعد السيد علي خامنئي أن يقوم مجلس الخبراء مرشحين لخلافته لإسباب صحية.
ما يجري الآن في عام 2021 ربما سيكون مشابها لما قرأته ذات يوم في كتاب يتحدث عن التاريخ السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد وفاة السيد الخميني عام 1989م، فما الذي حدث في ذلك العام؟.
كان السيد الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران وأول مرشد للثورة الإسلامية فيها يشعر بدنو الأجل وأراد أن يختار خليفته بنفسه، حيث كان عدد كبير من المرشحين لخلافته وأبرزهم السيد حسين منتظري لكن الخلافات كانت متصاعدة بين الطرفين، فالخميني كان يبحث عن خليفة بمواصفات معينة أبرزها أن يكون قادرا على تسيير الأمور السياسية في إيران والحفاظ على أهداف الثورة وأن يأخذ إيران إلى حيث يتمنى الخميني بعد وفاته، وهذه المواصفات ليس بالضرورة أن تستند إلى المؤهل العلمي الديني، فبعد وفاة السيد الخميني عام 1989 أجتمع مجلس الخبراء في اليوم التالي لاختيار مرشد أعلى للثورة، فجاء دور هاشمي رفسنجاني بوقوفه أمام المجلس (وكان رئيسا للجمهورية الإيرانية في وقتها) وقال لهم: “إن وصية السيد الخميني الأخيرة أن يكون خامنئي هو خليفته”، فأستجاب المجلس لكلامه وصوت 60 في مقابل اعتراض 14 شخص فقط على أن يتولى علي خامنئي المنصب لعدم امتلاكه المؤهل العلمي (حسب رأيهم).
فالتاريخ ربما يسعى لإعادة نفسه، ويريد السيد علي خامنئي أن يفعل الآن ما فعله السيد الخميني منذ 32 سنة ماضية ويختار خليفته بنفسه، ويبدو أنه استقر ووجد ضالته عند السيد إبراهيم رئيسي، والأخير ربما يلعب أحد دورين:
الدور الأول: هو أن يجري إعداده ليكون خليفة للمرشد الأعلى الحالي السيد علي الخامنئي وفي هذه الحالة تكون فترة رئاسته هي فترة الاستعداد لمنصب المرشد الأعلى الأكثر صلاحية وأهمية.
أما الدور الثاني: أن لا يتولى منصب المرشد هو بنفسه ويقوم بما قام به السيد هاشمي رفسنجاني ويكون صانعا للملوك بالتصويت لاختيار المرشد المقبل.
فالشخص الذي تقع عليه مثل هذه المهمة الخطيرة والكبيرة لابد من أن يكون مخلصا ومطيعا بالولاء للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية وهو ما يتمتع به إبراهيم رئيسي.
مما تقدم يستوضح أمامنا، إن المستقبل الذي ينتظر إيران من وصول السيد إبراهيم رئيسي إلى السلطة هو أن تظل إيران تحت حكم خميني أو خامنئي جديد، وتبقى كما هي الآن في حالة مستمرة بين الشد والجذب مع جيرانها ومع العالم الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبالتالي استمرار الحصار والعقوبات المفروضة على إيران، مما يؤثر سلبا على معاناة المواطنين لسنوات قادمة بسبب تزايد التوتر مع الولايات المتحدة وسط محاولات حذرة للتقارب مع الصين أو روسيا.
.
رابط المصدر: