فيما تسارع إدارة ترمب في الإعلان عن التعيينات الوزارية للفترة المقبلة، يبقى الغائب البارز حتى الآن هو الجنرال المفضل لدى ترمب، مايك فلين. وعلى الرغم من أن الرئيس المنتخب أعرب مرارا عن رغبته في إشراك فلين، فإنه لا توجد ضمانات بحصوله على دور رسمي.
لقد انتشر اسم فلين كثيراً في الآونة الأخيرة، ولكنّ تأثيره يتجاوز العناوين الإعلامية، ولا سيما على مستوى القواعد الشعبية، حيث ساعد الجنرال المتقاعد ترمب في كسب دعم مجموعات أساسية مثل المحاربين القدامى والمجموعات المسيحية الإنجيلية. أما دوره الكبير فكان عندما سافر إلى ميشيغان قبل أكثر من عام من الانتخابات ولعب دورا محوريا في حصد ترمب لأصوات العرب والمسلمين في تلك الولاية المتأرجحة. لقد أثّر فلين كثيرا في سياسات ترمب الأوسع في الأمن والدفاع والشرق الأوسط لسنوات، والأرجح أنه سيبقى مستشارا مقربا، سواء حاز لقبا رسميا أم لا. ولفهم أهمية فلين بين الناخبين العرب ودوره في الشرق الأوسط، يجب النظر أولا إلى مسيرته المهنية.
ما أهمية فلين؟
كان ترمب واضحا في أنه لن يسمح، هذه المرة “للدولة العميقة” بما في ذلك المجمع الصناعي العسكري أن تعرقل خططه. ويجسد فلين، بشكل أساسي، رمز العرقلة التي واجهتها إدارة ترمب الأولى، إذ يُعتقد عل نطاق واسع أن فلين تحمّل المسؤولية بدلا من ترمب عندما أُجبر على الاستقالة من منصب مستشار الأمن القومي، وكان خياره الأول والمفضل، بعد أسابيع فقط من توليه المنصب في 2017. في الواقع، اعترف مكتب التحقيقات الفيدرالي ومديره السابق بأن استهداف فلين كان خطوة غير اعتيادية. وهكذا تحول الرجل إلى رمز للتضحية في معسكر ترمب نفسه، ولا سيما مع تبرئته لاحقا والكشف عن كيفية ابتزازه للإقرار بالذنب لحماية ابنه.
وها هو ذا ترمب يستعد بقوة الآن لبدء ولاية ثانية بدعم وتشجيع من فلين، وآخرين مثل إيلون ماسك وروبرت كينيدي وكاش باتيل وفيفيك راماسوامي. ومعروف عن الثلاثة الأخيرين دعوتهم إلى محاربة الدولة العميقة والتغول المتعدد للوكالات الحكومية من الأعمال إلى الأمن إلى الصحة. ولذلك، لن نجد من هو أكثر أهمية من فلين نفسه في منصب استشاري نظرا لخبرته بالدولة العميقة، ولا سيما أن معظم المعينين الجدد في إدارة ترمب لا يملكون السجل الذي يملكه فلين بالنظر إلى أدواره في أكثر الأذرع حساسية واستراتيجية وتكتيكية في الأجهزة العسكرية والأمنية.
لن نجد من هو أكثر أهمية من فلين نفسه في منصب استشاري، نظرا لخبرته بالدولة العميقة، ولا سيما أن معظم المعينين الجدد في إدارة ترمب لا يملكون السجل الذي يملكه فلين بالنظر إلى أدواره في أكثر الأذرع حساسية واستراتيجية وتكتيكية في الأجهزة العسكرية والأمنية
وعلى الرغم من إطاحته المتعمدة، حظي فلين باعتراف جميع كبار الشخصيات الأمنية مثل جيم كلابر، ومايكل هايدن، كواحد من أكثر الضباط العسكريين موهبة وأوسمة في جيله. وبالفعل، حتى يومنا هذا، كتاب فلين “إصلاح الاستخبارات” (Fixing Intel) يُدرّس على نطاق واسع حول العالم، بما في ذلك في الكليات العسكرية في الشرق الأوسط، كمثال على ما يجب تجنبه في الحروب لتجنب الهزيمة. كانت صراحته في تبيان كيف كانت الولايات المتحدة تخسر في حربي أفغانستان والعراق، وهي التي جعلت أوباما يعينه مديرا لوكالة الاستخبارات الدفاعية، ولكن أوباما نفسه هو من أجبره على الخروج عندما بدأ في التحدث عن الحقائق الصارمة بشأن حروب أميركا الأبدية. ومن المفارقات الآن أن هذه الحروب الأبدية هي التي يريد ترمب وحكومته إنهاءها. إن ما رآه فلين وما اختبره في الخارج يجد صداه أيضا لدى الجالية العربية الأميركية في الولايات المتحدة.
الجنرال المتقاعد مايك فلين
كان فلين أول مسؤول أميركي يُبرز دعم إيران لجماعات إرهابية سنية بشكل أساسي، مثل “القاعدة”. ففي كتابه “ميدان الصراع” (Field of Fight)، تحدى فلين الاعتقاد السائد بأن إيران تدعم فقط الجماعات المتطرفة الشيعية، وبين خطلها في حقائق من العراق وأفغانستان. وكشف فلين كيف غيّرت إيران تكتيكاتها لدعم جماعات سنية عنيفة تستهدف القوات الأميركية والسنة المعتدلين. وقد تأكدت رؤيته لاحقًا عندما بدأت إيران في دعم طالبان، وهي جماعة كانت قد عارضتها في التسعينات. ومع ذلك، لم يلقَ كشفه هذا ترحيبا من قِبل المؤسسة الدفاعية والديمقراطيين في عهد أوباما وبايدن، الذين كانوا يدفعون نحو اتفاق نووي مع إيران، بل أدى كشف فلين لدور إيران في دعم التمرد الشيعي والسني لزعزعة استقرار الشرق الأوسط إلى اعتباره شخصية غير مرغوب فيها ضمن الإدارة.
كيف قلب فلين الأوضاع في ميشيغان
نشر الكثير من التحليلات حول نجاح ترمب في ميشيغان والدعم الذي تلقاه من قادة عرب ومسلمين في الولاية، ما أسهم في فوزه. وقد لعب فلين دورا رئيسا في ذلك، حيث سافر إلى ميشيغان قبل أكثر من عام للتصدي لصورة ترمب المعادية للمسلمين.
وقد رأيت بنفسي كيف أمضى فلين أكثر من ساعة يتحدث مع العمدة، الذي أيد ترمب بعد عام من ذلك، ولقيت زيارته صدى في وسائل الإعلام الإسلامية الأميركية، ولا سيما آراؤه حول الحروب الخارجية المكلفة والقيم الأسرية الإبراهيمية المشتركة التي قال إنها مهددة من قبل الديمقراطيين. وأوضح فلين أن المسلمين الأميركيين يتماشون مع المسيحيين الأميركيين، مع تمييزهم عن الإرهابيين الذين كان يقاتلهم في الخارج.
وحث هذه المجتمعات على الاتحاد لحماية أميركا وقيمها، كما دعا إلى جهد مشترك بين العرب والمسيحيين والمسلمين لحماية المبادئ الأميركية. وقد غطت وسائل الإعلام المحلية كيف تمكن فلين من كسب قادة العرب والمسلمين في ميشيغان، بمن فيهم رئيس البلدية. وبذلك، يمكن القول إن فلين قد ضمن إلى حد كبير أصوات العرب حتى قبل أن يزور ترمب الولاية أو أن تتناولها وسائل الإعلام الوطنية.
لعب فلين دورا بارزا في تحسين صورة ترمب بين الجالية العربية
ويبين براد هوف، وهو جندي سابق في البحرية الأميركية ومؤلف مشارك في كتاب “سوريا المصلوبة”، والذي عمل وعاش في سوريا، أسباب جاذبية الجنرال مايكل فلين. عارض فلين، أثناء توليه إدارة وكالة استخبارات الدفاع، سياسة أوباما تجاه سوريا، محذراً من أنها ستقوي الإرهابيين الإقليميين. وقد لقي هذا الموقف صدى لدى المسيحيين العرب في الولايات المتحدة، الذين شاركوا فلين مخاوفه بشأن عواقب السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. كما أن آراء فلين حول التراث الإبراهيمي المشترك والسياسة الخارجية الأميركية جمعت العرب الأميركيين من المجتمعات المسيحية والإسلامية.
أما الجنرال جوناثان شو، الرئيس السابق للقوات الخاصة في الجيش البريطاني ومدير القوات الخاصة في الجيش البريطاني، فكتب: “أتذكر أن فلين كان شديد النقد للعمليات في سوريا، مسلطاً الضوء على تناقض أهدافها. وقد رأى أن استراتيجيات الجنرال بترايوس وميكريستال كانت مضللة، مشددا على أن الإخفاقات في أفغانستان والعراق نتجت عن خلل في التخطيط وليس عن ضعف في التنفيذ. وبحسب فلين، من المستحيل تغيير ثقافة أمة بأكملها، وأن مساعي تغيير الأنظمة مصيرها الفشل دائما”.
وبالمثل، استحضر الرائد روب غاليمور، المحارب القديم في أربع جولات في أفغانستان، رؤية فلين حول ارتباط الإخفاقات التكتيكية بقصور استراتيجي أشمل، وعدم التوافق بين الحروب المستمرة والسياسات المحلية الأميركية”.
ويبقى أخيرا، أن فلين لم يتمكن فقط من تحقيق انتصار ترمب في ميشيغان، ولكنه أيضا غير الثقافة الاستراتيجية لفريق ترمب برمته وكيفية إشرافه على السياسة الخارجية والدفاعية. ويتألف الكثير من فريق ترمب الوزاري القادم من عسكريين مخضرمين كانوا يعتبرون فلين مثلا أعلى لهم في ساحة المعركة. ولقد شاهدتُ بنفسي، أفغانستان ودمشق إلى ميشيغان، كيف بدأ تأثير فلين يتردد صداه، ولذلك مهما فعل ترمب، فسيكون صوت فلين مسموعا.