- أظهرت المؤشرات أن الصين تتخلى عن موقعها كأكبر محرك للطلب العالمي على النفط تدريجياً، لكن بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً سابقاً.
- لا يبدو تراجع الطلب الصيني على النفط مؤقتاً، إذ تدفعه محددات هيكلية تتصل اتصالاً مباشراً بإعادة ترتيب محركات النمو الاقتصادي الصيني والتنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة على المدى الطويل.
- يظل قطاع البتروكيماويات نقطة ارتكاز في العلاقة بين الصين ودول الخليج، فضلاً عن أن العلاقة بين الطرفين في المستقبل ستتعزز في مجالات غير نفطية مثل الطاقة النظيفة والتكنولوجيا والبنية التحتية.
- مع تراجُع الطلب النفطي الصيني، قد يتحول تركيز دول الخليج نحو سوق الهند، الذي من المتوقع أن يصبح المحرك الأكبر للطلب العالمي بحلول 2033.
عدَّلت شركة النفط الصينية (سينوبيك)، في 19 ديسمبر 2024، توقعاتها لمستقبل الطلب الصيني على النفط، وقالت إن الاستهلاك الصيني من المقرر أن يصل إلى ذروته بحلول عام 2027، مؤكدةً أن مستوى الطلب قد يصل حينها إلى 800 مليون طن متري، أو ما يعادل 16 مليون برميل يومياً. وقبل ذلك، قالت “سينوبيك” إن الذروة قد تحدث بين عامي 2023 و202، بينما يتوقَّع معهد أبحاث الاقتصاد والتكنولوجيا التابع لشركة النفط الوطنية الصينية أن الطلب الصيني على النفط سيصل مرحلة الذروة في هذا العام (2025). ويتسق ذلك مع التراجع في واردات النفط الصينية العام الماضي، فقد أظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك، في 13 يناير، أن واردات الصين من النفط انخفضت بنسبة 1.9% في عام 2024، وهو أول انخفاض سنوي في خلال عقدين (إذا اُستُثني التراجع الناجم عن جائحة “كوفيد-19”). ويعادل ذلك حوالي 553.4 مليون طن متري، أي 11.04 مليون برميل يومياً، في انخفاض عن المستوى القياسي في الواردات لعام 2023 البالغ 11.28 مليون برميل يومياً بحوالي 2%.
في المدى القصير، ثمة عوامل محفزة لهذا التراجع أهمها ضعف النمو الاقتصادي الصيني، وتزايد الضغوط الانكماشية ومن ثم تراجع الطلب. لكن هناك محددات هيكلية أيضاً قد تؤدي إلى الاستمرار في تراجع الطلب، وهو ما سيتم تحليله في هذه الورقة إلى جانب التداعيات على اقتصادات الخليج.
التحديات أمام زيادة الطلب
بات واضحاً أن الطلب الصيني على النفط قد يكون على وشك الوصول إلى الذروة والتراجع التدريجي بعد ذلك، في ظل سعي الحكومة الصينية للوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030، وهدف الحياد الكربوني بحلول عام 2060. لا يعني ذلك أن الصين ستتوقف عن استيراد النفط، إذ يتوقع أن تستمر شحنات النفط في الوصول إلى الموانئ الصينية حتى عام 2050. لكن قد تتراجع مساهمة الصين في النمو العالمي للطلب على النفط، ومن ثمّ إعادة هيكلة خريطة الطاقة بأكملها.
ساهمت الصين، بين عامي 2013 و2023، بنصف معدل النمو في الطلب العالمي على النفط بنحو 600 ألف برميل يومياً كل عام، وهو ما يعادل 60% من إجمالي الارتفاع في الطلب العالمي على النفط. لكن في 2024، تراجعت هذه النسبة إلى 20% فقط. وتتسق التوقعات المتعددة بقرب انتهاء الزيادة في الطلب مع توقعات منظمة الطاقة العالمية بأن الطلب العالمي سيصل ذروته بحلول عام 2030.
وثمة تحديات هيكلية في الصين تسهم في هذا التراجع، أبرزها:
أولاً، ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية بكل أنواعها (التي تعمل بالبطاريات، والهجينة القابلة للشحن، والتي تعمل بخلايا الوقود)، إلى جانب التوسُّع في شبكة السكك الحديد عالية السرعة التي تعمل بالطاقة الكهربائية أيضاً (انظر الشكل 1). ففي عام 2024، بلغت مبيعات السيارات الكهربائية في الصين 40.9% من إجمالي مبيعات السيارات، بزيادة من مستوى 31.6% في 2023. ويعني ذلك قفزة في السيارات الكهربائية المباعة بمقدار 41.6% في 2024 مقارنةً بعام 2023. وتتوقع الجمعية الصينية لتصنيع السيارات الاستمرار على نفس المستوى خلال العام الحالي، وأن تصل مبيعات السيارات الكهربائية إلى 48.6% من إجمالي مبيعات السيارات. ويستند هذا التوقع إلى قرار الحكومة الصينية تمديد العمل خلال 2025، بمنظومة استبدال السيارات القديمة بسيارات كهربائية جديدة، وهي مبادرة ساهمت بشكل كبير بتعزيز الطلب على السيارات الكهربائية منذ أبريل من العام الماضي.
الشكل 1: ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية في الصين على أساس شهري
وتخطط الصين أيضاً لتوسيع شبكتها من القطارات السريعة إلى 60 ألف كيلومتر بحلول عام 2030، ارتفاعاً من 48 ألف كيلومتر اليوم، وهو ما سيُسهم أيضاً في تراجع الطلب على البنزين والسولار. وتضاعفت مبيعات الشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال ثلاث مرات بين عامي 2019 و2024. وبلغت مبيعات هذه الشاحنات أكثر من 30% من إجمالي المبيعات في 2024. وبلغ استهلاك الصين من وقود المواصلات نحو 8.1 مليون برميل يومياً في 2024، أي أقل بنسبة 2.5% عن مستويات عام 2021 وأعلى بقليل فقط من مستويات عام 2019. وتعتقد شركة البترول الوطنية الصينية أن مبيعات البنزين والسولار المستخدمَين وقود للسيارات قد وصلت ذروتها في عام 2023، ويتوقع أن تنخفض بنسبة 25-40% على مدى العقد المقبل (انظر الشكل 2).
الشكل 2: تراجُع الطلب في الصين على وقود المواصلات مقارنة بأنواع الوقود الأخرى
ثانياً، زيادة الطلب على البتروكيماويات في المقابل؛ فقد زادت مشتريات النفط المخصص للبتروكيماويات في الصين العام الماضي بمعدل 5%. يعني ذلك أن الطلب الصيني لا يزال آخذاً في الارتفاع، لكنه مُعزز بالتحول المتسارع في القطاع نحو التوسع في قطاع البتروكيماويات.
ثالثاً، إعادة هيكلة محركات النمو في الاقتصاد الصيني؛ فقد حقق الاقتصاد نسبة نمو بلغت 5% خلال 2024 (النمو الحقيقي بلغ 4.2%)، مدفوعاً بقطاعَي التكنولوجيا الفائقة والتصنيع، خصوصاً منتجات الطاقة الخضراء الذي حقق نمواً قدره 9%، وتتوقع الصين تحقيق نفس معدل النمو الاقتصادي في 2025. لكن لا يزال الركود في قطاع العقارات ونسبة الدَّين المرتفعة وتراجع الاستهلاك المحلي، ومن ثم تراجع الطلب على الوقود، مستمراً. وعلى سبيل المثال، انخفضت مساحة الأرضية للمنازل الجديدة بنسبة 60% تقريباً بين عامي 2019 و2023.
التوقعات المستقبلية
يتوقف مستقبل الطلب على النفط في الصين على الأولويات الاقتصادية الحكومية طويلة المدى. ويواجه تحديد مستقبل الطلب معضلة التباين الكبير في تقديرات المنظمات المعنية. فقبل أغسطس 2024، كانت الهوة بين توقعات منظمة “أوبك” ومنظمة الطاقة العالمية حول مستقبل الطلب تصل إلى 1.3 مليون برميل يومياً، إلى أن قلَّصت “أوبك” توقعاتها في أغسطس بحوالي 600 ألف برميل يومياً، وهو ما قارب في النظرة المستقبلية بين الجانبين. وتقلَّصت الفجوة أيضاً في توقعات الجانبين لعام 2025، بـ1.4 مليون برميل يومياً لأوبك، ومليون برميل يومياً فقط لمنظمة الطاقة العالمية.
لكن التحدي الأساسي في الاتجاهين معاً يكمن في الاستمرار في التعويل على الطلب الصيني بوصفه محركاً أساسياً للنمو في المستقبل، وهو ما يعكس التحديات التي قد تواجه الطلب العالمي. فالتحديات التي تواجه الطلب الصيني، سابقة الذكر، توضح تأثره بعوامل قصيرة المدى وأخرى هيكلية، مع الوضع في الاعتبار التأثير الكبير للمحددات الهيكلية بوصفها مؤشراً على الاتجاه الاستراتيجي المقبل.
يمكن الاستنتاج من المحددات الهيكلية، وأهمها الأولويات الاقتصادية للقيادة الصينية مدفوعةً بتنافس القوى العظمى كمحدد أساسي، أن النمو الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل سيكون أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري بكامل فروعه. يتضح ذلك من الأولويات المذكورة في سياسات التحفيز الاقتصادي الصيني منذ العام الماضي. وعلى سبيل المثال، منذ أول إجراءات تحفيزية في سبتمبر 2024، جاء التركيز على فرض الاستقرار في القطاع المصرفي، وخفض معدلات الفائدة الكلية، ومعاجلة أزمة ديون الحكومات المحلية عبر إصدار سندات سيادية حكومية بقيمة 10 تريليونات يوان، وفرض الاستقرار في قطاع العقارات عبر برنامج إنهاء المباني غير المكتملة المعروفة بـ”القائمة البيضاء“، وتعزيز الاستهلاك المحلي.
وقد جاء هدف تعزيز الاستهلاك المحلي متقدماً عن هدف تشجيع الابتكار و”النمو عالي الجودة” في قائمة أهم الأولويات خلال اجتماع “الدورتين” للمجلس الوطني لنواب الشعب والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني الذي عقد في مارس الجاري، وتقدمت فيه حكومة لي تشيانغ بتقرير عملها الذي يحدد أولويات عام 2025. وفيما يتعلق بالمناخ والطاقة، جاء التقرير هذا العام أكثر شمولاً من تقرير 2024، حيث حدد عدة أولويات أهمها توسيع نطاق البرامج التجريبية للحكومات المحلية للحد من انبعاثات الكربون، وبناء “مناطق صناعية خالية من الكربون”، وتسريع التحول من “السيطرة المزدوجة” على الطاقة إلى السيطرة المزدوجة على انبعاثات الكربون، والتسريع من بناء محطات الطاقة المتجددة، وتحديث شبكة الكهرباء لتكون أكثر قدرة على استيعاب التوسع في مصادر الطاقة المتجددة. وجاء في التقرير أيضاً التعهد بخفض كثافة الطاقة (مقياس استهلاك الطاقة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي) بنسبة 3% في 2025.
يعكس ذلك نية بيجين في الاستمرار في تقليص الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية بوصفها محركاً للنمو. لكن التقرير أيضاً يركز على أولويات أخرى يُرجح أن تجبر الحكومة على الاستمرار في الاعتماد على النفط والغاز والفحم لسنوات مقبلة، أهمها تعزيز الاستهلاك المحلي، ومن ثمّ الطلب على الوقود في قطاعات مختلفة، والحفاظ على أمن الطاقة. وعلى سبيل المثال، يعني هدف خفض كثافة الطاقة إلى 3% أن استهلاك الوقود الأحفوري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون يرجح أن تنمو بنحو 2% هذا العام.
أي أن التغير في اتجاهات السياسات طويلة المدى في الصين، مقارنة بالعقود الأربعة الماضية، يحدد النفط والغاز والفحم باعتبارها عوامل مساعدة على الحفاظ على نسب نمو مرتفعة (في حدود 5%) وليس بصفتها محفزات لقفزات في النمو مستقبلاً مقارنة بقطاعات أخرى مثل التكنولوجيا الفائقة والطاقة النظيفة والتصنيع والاستهلاك المحلي.
إلى جانب ذلك، يوضح النمو في معدلات الطلب على النفط المخصص لصناعة البتروكيماويات أن الشركات والمصافي الصينية ستركز على هذا القطاع باعتباره أكبر محرك للنمو على المديين المتوسط والطويل (انظر الشكل 3). ويعزز ذلك حركة إعادة هيكلة المصافي السريعة الجارية حالياً للتأقلم مع الواقع الجديد، والتوسع في بناء محطات الطاقة المتجددة القائمة على منتجات البلاستيك والفايبر. لكن من غير المرجح حدوث قفزة كبيرة في هذا القطاع على المدى المتوسط نظراً للتحديات الاقتصادية التي ستبقي الضغوط على الطلب بشكل عام خلال دورة الركود الحالية. وثمة تقديرات محلية أن الطلب في قطاع البتروكيماويات قد يشهد قفزة بداية من عام 2027 مع تحسُّن المشهد الاقتصادي الصيني وقطاع العقارات.
يرجح ذلك استمرار الطلب الصيني المرتفع على الخام المتوسط على المستوى المتوسط بسبب تكوين المصافي الصينية وتركيب معادلات التكرير الاقتصادية والأرباح.
الشكل 3: صعود موقع قطاع البتروكيماويات بوصفه محركاً رئيساً للطلب المستقبلي على النفط مقارنة بالقطاعات الأخرى
فضلاً عن ذلك، فإن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الداعمة لزيادة الإنتاج من النفط قد تزيد الفائض في المعروض وتخلق ضغوطاً على الأسعار، كما أن قرار مجموعة “أوبك+” في مارس الجاري بالمضي قدماً بخطط زيادة الإنتاج المقررة في أبريل المقبل سيُشكل عامل ضغط إضافياً على الأسعار. وأكد وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت أن صناعة النفط الصخري قد تستمر في ضخ المزيد من النفط حتى لو انخفض سعر الخام إلى 50 دولاراً للبرميل. يتزامن ذلك مع الزيادة في إنتاج الدول الأخرى غير الأعضاء في “أوبك+”، مثل البرازيل وغوايانا والنرويج والأرجنتين. ويرجح أن تفوق هذه الزيادات التراجع في صادرات إيران نتيجة حملة “الضغوط القصوى”، والتي وعد مسؤولون أمريكيون أن تهبط إلى مستوى 10% من المستوى الحالي. ويتزامن أيضاً مع الحروب الجمركية عبر فرض رسوم جمركية على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، والتي يتوقع أن تزيد من الضغوط على الأسعار وعلى الطلب، خصوصاً في السوق الصيني.
التداعيات على دول الخليج
وفقاً لتقديرات منظمة الطاقة العالمية ومحللين صينيين، فإن طلب الصين على النفط المخصَّص لوقود المواصلات قد وصل بالفعل إلى الذروة، بينما يتوقع استمرار الطلب على وقود الطائرات في الصعود مثلما يُبيّن الشكل 3. لكن هذا النوع من الوقود يمثل نسبة ضئيلة، ولا يرجح أن تكون داعماً لدعم الطلب الكلي.
يتضح من ذلك أن ثمة اتساقاً في الرؤية والأولويات بين الصين ودول الخليج من حيث تركيز الاستراتيجية الاستثمارية في قطاع الطاقة في المستقبل على قطاع البتروكيماويات. وأظهرت تقارير أن حوالي 25% من صادرات دول الخليج ووارداتها من البتروكيماويات والبوليمارات يتم مع الصين بالفعل. ويخلق ذلك اعتماداً متبادلاً في المستقبل باتجاه تجنب الجانبين لتداعيات تراجع الطلب على النفط الخام في السوق الصيني أو التقليل من آثاره.
ومن ثمَّ، يتوقع استمرار طلب السوق الصيني على الخام المتوسط رغم ارتفاع كلفة التكرير مقارنة بالخام الخفيف. ويشكل ذلك فرصةً للمصدّرين الخليجيين تتمثل في استقرار التوقعات والعقود طويلة الأجل نظراً لعدم ترجيح أي تغيير جذري على المديين القصير والمتوسط. لكن، على المدى الطويل، مع تراجع الطلب الصيني على النفط الخام، وخروج مصافي التكرير القديمة من الخدمة، يرجح أن يتحول تركيز الطلب في السوق الصيني على سوائل الغاز الطبيعي وغاز البترول المسال والخام الخفيف ليتم تحويله مباشرة إلى إيثيلين، بدلاً من الطريقة التقليدية لتكرير النفط الخام الخفيف والمتوسط إلى إيثيلين، نظراً لارتفاع الكلفة وتراجع العائد.
إلى جانب ذلك، فإن مستقبل الطلب على النفط سيكون على الأرجح معزَّزاً بزيادة الطلب في السوق الهندي (انظر الشكل 4). قد يؤدي ذلك إلى تعزيز العلاقات في مجال الطاقة والاستثمارات وتعميق الروابط الجيوسياسية أيضاً بين الهند ودول الخليج. يأتي هذا التوقع مدفوعاً بالنمو السكاني السريع، وزيادة القدرة الشرائية، والنمو الاقتصادي وزيادة الطلب على نقل الركاب والبضائع والنقل الجوي، وتسارع وتيرة مشروعات البنية التحتية في الهند. وثمة توقعات بارتفاع الطلب الهندي على النفط في عام 2033 إلى 372 مليون طن مقارنة بحوالي 260 مليون طن في 2023، وهو ما يجعل الهند أكبر محرك لنمو الطلب العالمي خلال العقد المقبل. ولا يزال قطاع السيارات الكهربائية غير متطور في الهند مقارن بالسوق الصيني، وهو ما يدعم توقعات بوصول مبيعات السيارات الكهربائية في الهند إلى 7% فقط من إجمالي المبيعات عام 2028. يعني ذلك أن شركات النفط الخليجية قد تجد فرصاً كبيرة على المدى الطويل في السوق الهندي، وهو ما يزيد من مستوى الاعتماد المتبادل بين هذه الدول والهند.
الشكل 4: مقارنة بين مستقبل الطلب النفطي المتوقع في كلٍّ من الصين والهند
لكن، في وقت تتصاعد فيه الحمائية التجارية بين الصين وشركائها التجاريين في الولايات المتحدة وأوروبا، وتتبنى فيه دول أخرى إجراءات احترازية لتجنب إغراق أسواقها بالبضائع الصينية الرخيصة، إلى جانب سياسات أمريكية داعمة لزيادة الإنتاج من النفط الصخري، أعلنت “أوبك+” عن زيادة الإنتاج النفطي بمقدار 180 ألف برميل يومياً في أبريل المقبل، مشيرة إلى أن “أساسيات السوق السليمة” وراء القرار. ويتوقع أن يخلق ذلك ضغوطاً إضافية على الأسعار التي هبطت بالفعل لتقترب من حاجز 70 دولاراً. وقد تستمر الأسعار في التراجع خلال عام 2025 مع عدم ترجيح تعافي الطلب الصيني إلى جانب العوامل الضاغطة الأخرى التي أشير إليها سابقاً. وقد يجعل ذلك “أوبك+” تراجع قرارها وتحاول العودة إلى تقليص الإنتاج مرة أخرى مع نهاية العام أو مطلع العام المقبل.
وقد تؤدي الرسوم الجمركية المتبادلة إلى زيادة قوة الدولار على المدى القصير، وهو ما يجعل النفط مرتفع الكلفة نظراً لتسعيره بالدولار. لكن لا يرجح أن تستمر قوة الدولار على المديين المتوسط والطويل، خصوصاً مع وجود خطط معلنة من قبل إدارة ترمب لخفض قيمة الدولار بمستويات كبيرة.
ويتوقع أن يكون هناك تداعيات طويلة الأجل أيضاً على اقتصادات دول الخليج، أهمها العوامل الضاغطة على الميزانيات الخليجية، خصوصاً الدول التي لا تزال تعتمد بشكل أكبر على العائدات النفطية، الأمر الذي قد يؤثر في مستويات الإنفاق على مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومصادر التمويل اللازمة لاستراتيجيات التحول الاقتصادي والتحول الأخضر وغيرها.