ما بعد رئيسي: هل يتأثر الدور الإيراني في العراق؟

بعد وفاة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” وبرفقته وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في 19 مايو في منطقة جبلية بمحافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران، في طريق عودتهم من حفل افتتاح سد على الحدود مع أذربيجان، بات التساؤل المطروح حول تأثير هذا الحادث على الدور الإيراني في العراق في ضوء تمدد النفوذ السياسي لطهران داخل المؤسسات العراقية، وكذلك النفوذ الاقتصادي، وامتلاكها لأذرع مختلفة في الداخل العراقي.

وفقًا للمادة 131 من الدستور الإيراني يتولى نائب الرئيس المنصب بالوكالة لمدة لا تتجاوز خمسين يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية من خلال المجلس الذي يضم النائب الأول لرئيس الجمهورية، بالتعاون مع رئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية، وقد كلف المرشد الأعلى “محمد مخبر” بمنصب الرئيس المؤقت لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في 28 يونيو القادم. ويتمتع الرئيس المكلف بعلاقات وثيقة مع المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني.

لكن من يصيغ محددات السياسة الخارجية الإيرانية هو المرشد الإيراني وتقوم أجهزة الدولة بتنفيذها، وفي لقاء سابق للمرشد الإيراني مع طاقم وزارة الخارجية في مايو 2023، تم التأكيد على بعض الثوابت الرئيسية منها؛ الحضور الفعال الإيراني في القضايا المختلفة، وتقوية الحكومات والمجموعات المتحالفة والمؤيدة لإيران بما يحقق توسيع العمق الاستراتيجي للدولة، بما دلل على استمرارية الدعم الإيراني لأذرعها بالرغم من محاولاتها لخفض توتراتها في الإقليم، وتقاربها مع السعودية بتوقيع الاتفاق الإيراني -السعودي برعاية صينية في مارس 2023.

تُمثل العراق رقمًا مهمًا في معادلة النفوذ الإيراني السياسي والاقتصادي في المنطقة، ولن تتغير سياسة إيران تجاه العراق بتغير رأس النظام أو وزير الخارجية، ربما يكون التغير الوحيد هو المرونة الإيرانية التي قد تبديها في تعامل المليشيات العراقية مع الملفات والقضايا الإقليمية، وذلك ارتباطًا بالمتغيرات الإقليمية والدولية.

من ناحية أخرى فإن التنسيق مع المليشيات التابعة لإيران في عدد من دول المنطقة ومنها العراق يتم بالتنسيق مع قادة الحرس الثوري الإيراني، ومن ثَمّ لن يتأثر الدور الإيراني في العراق كثيرًا بعد رحيل “رئيسي وعبد اللهيان” لأن شخص رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية الإيراني منفذ لهذه السياسات أكثر من قيامه بصياغتها أو تحديدها. فضلًا عن أن هناك اعتبارات حاكمة للسياسة الإيرانية تجاه العراق لن تتأثر بعملية تداول السلطة في إيران تتمثل في: 

أهمية جيوسياسية: للعراق مكانة جيوسياسية في الاستراتيجية الإيرانية لمواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، في ظل وجود قوات أمريكية داخل العراق، والقلق الإيراني من التعاون الإسرائيلي مع الأكراد في العراق. كما تشترك إيران والعراق في حدود بطول 1599 كيلومترًا. من ناحية ثانية يُمثل العراق أهمية دينية لإيران ومقرًا لعدد من المواقع الدينية الشيعية، حيث رحلات الحجاج الدينيين الإيرانيين إلى مدينتي النجف وكربلاء المقدستين. بالإضافة إلى الترابط الثقافي والديني؛ تتمتع طهران بنفوذ سياسي في العراق، لكون الائتلاف الذي يُشكل الحكومة في العراق “الإطار التنسيقي” يضم مجموعة من الأحزاب السياسية التي تدين بالولاء لإيران، وترسخت العلاقات بين طهران والتكتلات السياسية العراقية والجماعات المسلحة بها، كما تحظى إيران بعلاقات إيجابية مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

شريك تجاري: يُعد العراق شريكًا استراتيجيًا، وسوقًا مهمًا لصادرات السلع والكهرباء والغاز الإيراني، وإيران واحدة من أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للعراق إلى جانب تركيا والصين، إذ تستورد العراق الغاز الإيراني بنحو 9 مليارات دولار في العام 2021، ويعتمد العراق على هذه الصادرات من الغاز لتوليد نصف الكهرباء الذي يحتاجه. كما عملت طهران على ترسيخ نفوذها الاقتصادي بإنشاء مؤسسات مرتبطة بالجماعات المسلحة الموالية لها في الحشد الشعبي مثل عصائب أهل الحق وحركة حزب الله النجباء وغيرها.

دور الأذرع الموالية لإيران: تتسم علاقة إيران بالمليشيات العراقية بكونها مترابطة، ويلعب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني دورًا في التواصل مع المليشيات العراقية بالتدريب والتسليح. وخلال فترة حكم الرئيس “رئيسي” تم توظيف الأذرع العراقية، سواء على مستوى الانخراط في دعم حماس في غزة بتوجيه ضربات من المليشيات ضد قواعد الولايات المتحدة لدعمها لإسرائيل عبر توجيه ضربات إلى القاعدة العسكرية “البرج22” في شمال شرق الأردن. بالرغم من أن تأثير المليشيات الموالية لإيران ليس بالمستوى ذاته الذي كانت تقوم به قبل مقتل قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” بضربة أمريكية في العام 2020، في ظل توجه إيراني بخفض التصعيد وعدم الانجرار إلى الحرب المباشرة وإبداء المرونة في بعض الأحيان.

استنادًا إلى ذلك، لن تشهد السياسة الإيرانية تغيرًا في علاقتها مع العراق والمليشيات الموالية لها، ومن ثَمّ يتم استمرار توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية في قضايا إقليمية ودولية، بالإضافة إلى احتواء التصعيد في المنطقة. كذلك لم تتغير السياسة الإيرانية تجاه العراق مع تبدل الأنظمة أو الاتجاهات الإيرانية الإصلاحية في عهد الرئيس السابق “حسن روحاني” ووزير الخارجية ” محمد جواد ظريف” أو في عهد المحافظين المتشددين خلال فترة الرئيس “إبراهيم رئيسي” ووزير الخارجية “حسين أمير عبد اللهيان”.

لكن هناك اختلافات في رؤية التيار المعتدل والمحافظ الأصولي حول دعم سياسة الحرب بالوكالة، ويرى التيار المحافظ توظيف المليشيات الموالية باعتبارها الآلية التي تعزز مصالح إيران، عبر دعم المليشيات المسلحة في بعض دول المنطقة، بما يحقق ردع خصوم طهران الإقليميين والدوليين، ومنع الانخراط في حرب مباشرة ومحاربة الخصوم في أراضي الدول الأخرى، بما يساهم في تعزيز الدور الإقليمي لإيران في المنطقة، وتمدد النفوذ السياسي والعسكري.

بينما يرفض التيار المعتدل سياسة توظيف المليشيات والحرب بالوكالة بما لها من تأثير سلبي على علاقة إيران بدول المنطقة، واتجاه بعضها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مثل البحرين والمغرب. كما أن دعم هذه المليشيات مَثّل استنزافًا للموارد الإيرانية وتأثيرًا سلبيًا على الدولة حيث تفاقم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات التضخم بأكثر من 40%، وتدهور العملة الإيرانية، فضلًا عن التأثر بالعقوبات الدولية.

ومع تولي وزير الخارجية الإيراني خلال الفترة القادمة “علي باقري كني” والذي كان من المشاركين مع وزير الخارجية “عبد اللهيان” في المفاوضات النووية والمحادثات غير المباشرة في عمان، قد يكون أكثر تقاربًا مع المليشيات العراقية بما يمثل انحرافًا عن التوزان الذي حافظت عليه طهران خلال الفترة الماضية من حيث ضبط سلوك المليشيات العراقية في هجماتها على القوات الأمريكية أو في الرد على إسرائيل فيما يتعلق بالهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق في يناير الماضي.

ويحظى “كني” بثقة من المرشد الأعلى ومن الحرس الثوري الإيراني، لكن تظل تحركاته مرهونة بالمحددات التي يضعها المرشد الإيراني في التعامل مع هذه المليشيات وملف العراق. وبالرغم من أن وزير الخارجية الإيراني الراحل ” عبد اللهيان” كان من أكثر الوزراء المحنكين لعمله كمساعد وزير خارجية في الملف العراقي في الفترة من 2003-2006، لكن يظل العراق ذا أهمية محورية في السياسة الخارجية الإيرانية كما تمت الإشارة سابقًا بعيدًا عن الارتباط بشخص وزير الخارجية الإيراني، وذلك لاعتبارات عدة منها أهمية دور المقاومة الإسلامية العراقية، واعتبار الحشد الشعبي أداة إيران لاستكمال تمدد نفوذها في المنطقة، ومقاومة الوجود الأمريكي والأجنبي في العراق، بالإضافة إلى اعتبار المليشيات الموالية لها أداة ضغط في الملفات الإقليمية. وقد عبرت تصريحات رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي “أبوفدك المحمداوي” عن أن قوات الحشد الشعبي جزء أساسي من المعركة في غزة” وذلك في 5 أبريل 2024 في الوقت الذي دعت طهران إلى مسيرات يوم القدس.

كذلك مع مجيء الرئيس المكلف “محمد مخبر” يستمر العمل على ترسيخ الترابط الوثيق بين الدولتين لاعتبارات الأمن القومي الإيراني، والشراكة التجارية والاقتصادية مع العراق، كما أن تحركات الرئيس الإيراني في السياسة الخارجية تخضع كذلك لمراكز القوة، وسلطة اتخاذ القرار التي يتمتع بها المرشد والقائد الأعلى للثورة الإيرانية “علي خامنئي”. وهناك ارتباط وثيق الصلة أيدلوجي وعقائدي بين النظام السياسي في إيران والمليشيات الشيعية في العراق.

جدير بالإشارة إلى اجتماع قادة الحرس الثوري الإيراني الذي عقد في طهران في 23 مايو بعد وفاة “رئيسي” وضم ممثلين عن قوات الحشد الشعبي العراقي، وحزب الله، وحركة حماس، وجماعة الحوثيين، إذ اجتمع القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء “حسين سلامي” وقائد فيلق القدس “إسماعيل قاآني” خلال مشاركتهم في مراسم عزاء الرئيس الراحل “إبراهيم رئيسي”، وشارك على الطاولة “سلامي وقاآني” وممثل حركة حماس “إسماعيل هنية”، وممثل حزب الله اللبناني “نعيم قاسم نائب الأمين العام”، وممثل الحوثيين المتحدث الرسمي ” محمد عبد السلام”، وممثل حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين “محمد الهندي” نائب الأمين العام، وممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “جميل مزهر” نائب الأمين العام.

بما دلل على محورية هذه الأذرع الإيرانية والتأكيد على أهميتها في المشهد الإقليمي بالنسبة لإيران، ودورها كورقة للنفوذ والسيطرة الإيرانية، وما بعثه هذا الاجتماع من رسائل للخارج حول أهمية الأذرع الإيرانية وربما التشاور حول نشاط المليشيات الموالية لإيران في المنطقة خلال الفترة القادمة سواء على خلفية التوترات المستمرة بسبب الحرب في غزة، أو ترسيخ النفوذ الإيراني في دول المنطقة، بالرغم من الظرف الذي مرت به في حادث وفاة الرئيس ووزير الخارجية.

ختامًا؛ لن تختلف التوجهات الإيرانية إزاء العراق، بعد رحيل الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” ووزير الخارجية “حسين أمير عبد اللهيان”، وتظل العراق رقمًا مهمًا في معادلة النفوذ الإيراني الإقليمي، ويظل الترابط المذهبي والثقافي والعقائدي بين إيران والعراق فضلًا عن النفوذ السياسي والاقتصادي والتقارب الجغرافي حاكمًا لطبيعة العلاقات ولأهميتها، حيث نجحت طهران في استثمار حالة الفوضى التي شهدتها العراق فيما بعد الحروب والأزمات التي مرت بها والغزو الأمريكي في 2003، بدعم المليشيات الموالية في العراق وتوظيفها داخل العراق وخارجها بما عزز الدور الإيراني، وإن تباينت أدوار المليشيات الإيرانية في المنطقة وتأثيراتها المختلفة.

 

المصدر : https://ecss.com.eg/46177/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M