عندما منعت الولايات المتحدة الأمريكيين من التعامل مع البنوك الروسية ومطوري النفط والغاز وشركات أخرى في عام 2014 بعد غزو موسكو لشبه جزيرة القرم، كانت الضربة التي لحقت بالاقتصاد الروسي سريعة وهائلة. قدر الاقتصاديون أن العقوبات التي فرضتها الدول الغربية تكلف روسيا 50 مليار دولار سنويًا.
يدور الحديث حاليا حول حرمان روسيا من عضويتها في نظام “سويفت” للمدفوعات العالمية بين المصارف، إلا أنهم دائما ما يشيرون إلى أن ذلك الإجراء يعد الخيار الأخير وفقًا لتصريح العديد من المسؤولين، خاصة وأن ذلك الإجراء يحمل نيرانًا معاكسة؛ إذ إنه لن يضر فقط الاقتصاد الروسي لكنه سيضر اقتصادات أوروبا الأخرى، وسيحدث شرخًا كبيرًا في النظام التجاري العالمي، ويضع تحديات أمام تبادل الأموال بين المدينين والدائنين، خاصة وأن هناك العديد من البنوك الأوروبية المدينة لعدد من المؤسسات الروسية.
ما هو سويفت SWIFT؟
سويفت SWIFT هو اختصار الأحرف الأولى لكلمة The Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication، جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهي جمعية تعاونية بلجيكية وفقًا للقانون البلجيكي، ومن ثم فهي مملوكة للمؤسسات المالية الأعضاء بها، ويقع مقرها الرئيس في بلدية لا هولب البلجيكية بالقرب من العاصمة بروكسل.
تأسست المنظمة في بروكسل في 3 مايو 1973 وانضم إليها عدد 239 بنكًا في 15 دولة. قبل إنشاء ذلك النظام كان يتم الإبلاغ عن المعاملات المالية الدولية عبر Telex وهو نظام يدوي يتضمن كتابة وقراءة الرسائل يدويًا. تم إنشاء النظام بالأساس لمجابهه السيطرة الأمريكية على كامل التدفقات المالية العالمية والتي كانت تتم عبر بنك First National City Bank (FNCB) في نيويورك ولاحقًا Citibank. ومن ثم دفع منافسو FNCB إلى إنشاء نظام مراسلة بديل يحل محل مقدمي الخدمات المالية العامة ويسرع عملية الدفع.
يختص النظام بالمراسلة حول المعاملات المالية والمدفوعات بين البنوك والمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، وتتمثل وظيفته الأساسية في العمل كشبكة للرسائل الرئيسة التي يتم من خلالها تبادل الرسائل حول المدفوعات الدولية، وكذلك يبيع مجموعه من الأنظمة والبرامج التي تتيح للبنوك استخدامها مثل SWIFT Net.
وتمتلك جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك رموزًا معروفة من الأعمال تسمى BICs والتي تعرف باسم رموز سويفت والتي تتخذ من اسم البنك مجموعة من الأحرف ثم تنتهي بحروف XXX. ومن ثم فإن شبكة سويفت التي تعد أحد مكونات نظام المدفوعات العالمي هي فقط حامل للرسائل التي تحتوي على تعليمات الدفع بين المؤسسات المالية المشاركة في المعاملة، لكنها لا تحتفظ بحسابات، ولا تدير المنظمة الحسابات نيابة عن الأفراد أو المؤسسات المالية، ولا تحتفظ بأموال من أطراف ثالثة.
ومن ثم فهي لا تؤدي وظيفة المقاصة او التسوية، فوفقًا لنظام سويفت بعد البدء في الدفع وإرسال تعليمات الدفع من خلاله، تتم تسوية تلك العمليات من خلال نظام الدفع في المنطقة، فمثلًا في أوروبا Target2 هي الجهة المسؤولة عن تسوية المعاملات من خلال الحسابات المصرفية المراسلة التي تمتلكها المؤسسات المالية مع بعضها البعض.
وعلى سبيل المثال، تمتلك البنوك الروسية حسابات داخل عدد من البنوك بدول العالم، وفي حال الرغبة في إرسال دولار أمريكي من Sberbank إلى بنك Intesa Sanpaolo في إيطاليا، فإن البنكين يمتلكان حسابات في deutsche bank في ألمانيا، وسيستخدم البنك الروسي نظام سويفت لإرسال رسالة إلى البنك الألماني بخصم المبلغ المطلوب من حساب البنك الروسي طرف البنك الألماني، وإضافته في حساب البنك الإيطالي طرف البنك الألماني. ومن ثم فإن الوسيط هو البنك الألماني، ونظام الاتصال المؤمن هو نظام سويفت، لكن تلك الرسائل تعد أمرًا بالتحويل غير قابل للإلغاء، وهو مؤمن بشكل كامل، فأي اختراق لذلك النظام يعني أنه قد يتم إرسال رسائل خاطئة بتحويل أموال من بعض الحسابات وتحويلها إلى حسابات أخرى.
في عام 2018، استخدم ما يقرب من نصف المدفوعات عالية القيمة عبر الحدود في جميع أنحاء العالم شبكة سويفت، إذ يربط النظام أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة وإقليم حول العالم، وتم تبادل ما يقرب من 32 مليون رسالة يوميًا في المتوسط، وهو رقم أكبر بكثير من حجم الرسائل التي تم تبادلها عبر سويفت في عام 1995.
هل يوجد بدائل لنظام سويفت؟
إن التلويح بسلاح النظام المالي أمر ليس بجديد؛ فقد سبق استخدامه مع إيران، لكن منظمة سويفت أرجعت أن التعرض لرسائل إيران أو حتى حجب تلك الخدمة عنها كان بسبب مشاكل غسل الأموال، ذلك هو السبب المعلن، لكن ردًا على ذلك ربطت طهران نظام المقاصة المحلي الخاص بها SEPAM بنظام التحويل الخاص بالرسائل في روسيا SPFS، وهو ما يمكّن البلدين من الناحية النظرية من إجراء معاملات عبر الحدود.
في صيف عام 2021، نشر مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني تقريرًا عن استراتيجية اقتصادية حول كيفية تخفيف تأثير العقوبات الغربية. كانت أهم توصياته هي التوسط في اتفاقيات لمقايضة الثنائية والانضمام إلى نظام عالمي لتبادل الرسائل المالية والمقاصة بين الصين وروسيا. تلك الخطوة لن تسمح لإيران فقط بالتجارة مع موسكو وبكين، وإنما ستسهم في استخدام الوسطاء الروس والصينيين لنقل الأموال إلى دول أخرى.
في 15 من شهر ديسمبر الماضي، وعقب محادثات بين الرئيسين فلاديمير بوتين وشي جين بينج، أعلن الكرملين خططًا لتطوير نظام مشترك للرسائل المالية والمقاصة مع الصين. والهدف من هذا النظام هو تجنيد العديد من البنوك الدولية -ما يكفي من المشاركين لردع التهديد بالعقوبات الاقتصادية الغربية- خاصة وأن البلدين أصبح لديهما مصالح مشتركو؛ إذ تسعى روسيا إلى طرق لتخفيف تأثير العقوبات الغربية، ومن جانب آخر تسعى الصين إلى تأكيد نفوذها العالمي مع الحد من تأثير أمريكا.
سبق للصين وروسيا العمل معًا في البرنامج الروسي للأمن الغذائي، والذي بدأ تطبيقه في عام 2014 بهدف عزل البلاد عن الضغوط الأجنبية، تضمنت هذه الاستراتيجية الاقتراب من الاكتفاء الذاتي والاقتصادي، وتكديس كميات كبيرة من العملات الأجنبية، وقد انضم بنك الصين إلى ذلك النظام.
على الناحية الأخرى، فإن الصين تهدف إلى حماية نفسها في الداخل وتأكيد نفوذها في الخارج، فقد تم تصميم نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك CIPS بهدف تعزيز سيطرة الحكومة المركزية على الاقتصاد المحلي وتسوية المطالبات الدولية باليوان. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من المعاملات العالمية للصين تتم بعملات أخرى، لذلك تستمر الدولة في الاعتماد بشكل كبير على نظام SWIFT الذي يسمح بتسوية المعاملات في مجموعة متنوعة من العملات.
ونتيجة لذلك، فإن بضع عشرات من البنوك الدولية فقط هي أعضاء في CIPS. طالما أن معظم المعاملات الصينية في الخارج تتم بالدولار الأمريكي، فلن يكون من مصلحة بكين تقويض نظام SWIFT. وبالمثل، طالما أنه يتم إجراء عدد قليل من المعاملات العالمية باليوان، فلن يجذب النظام القائم على تلك العملة العديد من المتبنين الأجانب.
عواقب حظر روسيا من SWIFT
كما سبق الإشارة، وبافتراض أن روسيا والصين قادرتان على استخدام أنظمتهما المحلية والأنظمة المرتبطة مع بعضهما البعض ومع إيران لتخفيف وطأة العقوبات الغربية على روسيا، فإن الحقيقة أنه لا يمكن إنشاء نظام يماثل نظام سويفت في الوقت القريب. وهو أمر مؤكد، لكن هناك احتمال يمكننا أن نتأكد منه بشكل أكبر وهو أن اليوان يمكنه أن يحقق القوة والاستقرار الكافيين في السنوات المقبلة ومنافسة الدولار الأمريكي على المعاملات المالية العالمية، وهو الشرط المسبق لأي دولة ترغب في استخدام النظام البديل مع الصين.
ومن ثم منع روسيا من استخدام نظام رسائل سويفت قد يكون ممكنًا، وبذلك تفقد روسيا مصدرًا رئيسًا من مصادر التمويل الخاصة بها (استلام أو سداد الأموال)، ولكن لا يمكن منعها من استخدام أدوات ما قبل SWIFT مثل الهاتف أو الفاكس أو التلكس أو رسائل البريد الإلكتروني للمشاركة والمعاملات بين البنوك.
تلك الوسائل التقليدية هي غير فعالة لكنها لازالت تعمل، إيران استخدمت الأنظمة التقليدية من قبل وبالفعل وفت بالغرض على الرغم من تسببها في خسارة 30% من التجارة الخارجية، ومن ثم فإن العقوبات الغربية بحرمان عدد من البنوك الروسية النفاذ واستخدام نظام سويفت سيكون لها آثار اقتصادية كبيرة.
لكن الخسائر لن تكون من الطرف الروسي فقط؛ إذ سيخسر الغرب أيضًا -المقرضون لروسيا- لأن روسيا ومؤسساتها ستعجز عن الوفاء بتلك الأموال التي يقدر إجماليها بحوالي 60 مليار دولار على الأقل. من جانب آخر ستطال الخسائر دولة مثل ألمانيا التي تربطها بروسيا روابط تجارية كبيرة، وتعتمد بشكل كبير على استيراد الغاز من روسيا، ومن ثم فإن عدم وجود سويفت يعني عدم القدرة على نقل أموال بين البلدين، ومن ثم وقف تصدير واستيراد الغاز. وتعد إيطاليا هي الخاسر رقم 2 بعد ألمانيا، أما فرنسا وإنجلترا للديهما علاقات أقل مع روسيا ومن ثم فإن الضرر عليهما أقل.
وهناك عواقب اقتصادية أخرى لا نعلم حجم تأثيرها؛ إذ إن حرمان بلد كبير مثل روسيا من استخدام نظام سويفت خطوة غير مسبوقة، تم فعل ذلك مع إيران من قبل على الأقل جزئيًا، لكن اختلاف حجم الدولة هو أمر مهم عند الحديث عن العواقب. ومن ثم فقد تكون هناك عواقب غير مقصودة مثل نمو الاقتصاد العالمي بشكل أبطأ، والتأثير على البنوك الأمريكية والأوروبية الناجم عن التخلف عن سداد الديون الروسية لدى تلك البنوك؛ فعلى سبيل المثال لدى البنوك الإيطالية والفرنسية استحقاقات بحوالي 25 مليار دولار على روسيا، ولدي النمسا استحقاقات بحوالي 17.5 مليار دولار، وللولايات المتحدة الامريكية 14.7 مليار دولار أمريكي.
العملات المشفرة: لاعب جديد
يمكن للعملات المشفرة الجديدة التي تم تطويرها في روسيا إيجاد حلول للشركات والسماح لها بالتجارة مع الكيانات الروسية دون الكشف عن تلك العمليات التجارية، وهو أمر له سوابق؛ فعلى سبيل المثال استخدمته إيران وكوريا الشمالية لتخفيف أثر العقوبات الغربية، وقد لوحظ ذلك من جانب مسؤولين في الولايات المتحدة والأمم المتحدة لاحقًا، فقد استخدمت كوريا الشمالية برامج الفدية لسرقه عملات مشفرة وتمويل برنامجها النووي وفقًا لقرير صادر عن الأمم المتحدة.
وفي أكتوبر 2020، قال ممثلو البنك المركزي الروسي لصحيفة موسكو إن “الروبل الرقمي” الجديد سيجعل البلاد أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة وأكثر قدرة على مقاومة العقوبات. وسيسمح ذلك للكيانات الروسية بإجراء معاملات خارج النظام المصرفي الدولي مع أي دولة ترغب في التجارة في العملة الرقمية. وستكون إيران والصين أيضًا لاعبين مهمين في ذلك المجال؛ إذ إن كل منهما يطور عملته الرقمية التي سيتم استخدامها في تسويه معاملات الدفع في وقت لاحق، وستكون تلك الدول قادرة على إجراء معاملات مالية دون المرور عبر النظام العالمي، وهو أمر سيقلب موازين الأمور.
.
رابط المصدر: