أقدم حارس أحد فروع البنك الوطني الإيراني في محافظة مازندران شمال إيران يوم 26 أبريل الجاري على اغتيال أحد أعضاء الهيئة المعروفة باسم “مجلس خبراء القيادة” وهو آية الله عباس علي سليماني. وكان سليماني أحد أبرز رجال الدين في طهران، حيث تولى في السابق عدة مناصب أخرى من بينها نائب المرشد الأعلى، علي خامنئي، في محافظة “سيستان وبلوشستان” جنوب شرقي إيران، وهو ما جعله مقربًا من خامنئي لسنوات طوال.
وقد أسهمت شهرة عباس علي سليماني، 75 عامًا، ومكانته السياسية والدينية في إيران في تسليط الضوء من جانب وسائل الإعلام الإيرانية على هذه الحادثة بشكل مكثف، مقارنة بحوادث مشابهة سابقة. وهو أمر تناولته أيضًا وسائل الإعلام الخارجية، خاصة الإقليمية منها، سواء الناطقة بالفارسية أو العربية أو غيرهما.
من هو رجل الدين الإيراني عباس علي سليماني ؟
وُلد رجل الدين الإيراني الراحل “عباس علي سليماني اسبوكلاي” في 25 مايو 1947 لأسرة متدينة في منطقة “سوادكوه” بمحافظة مازندران شمالي إيران، وهي مدينة لا تبعد كثيرًا عن مدينة “بابلسر” التي قُتل بها عباس علي سليماني يوم 26 أبريل 2023. وتجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن هذه المنطقة هي ذاتها مسقط رأس الشاه الإيراني الأخير محمد رضا بهلوي (1919-1980).
وبدأ عباس علي سليماني الدراسة في الحوزة الشيعية العلمية في مدينة قم الإيرانية عام 1959 في سن الثانية عشرة من العمر، ثم انتقل بعدها بسنوات إلى مدينة مشهد التابعة لمحافظة خراسان رضوي شرقي إيران من أجل استكمال دراساته الدينية. وأثناء دراسته، كان “سليماني” يقوم بتدريس العلوم الدينية أيضًا في عدد من المدن والقرى المختلفة. وقد عُرف عن “سليماني” منذ ذلك الوقت وحتى مقتله دعوته وإصراره على فصل الجنسين في المدارس والجامعات.
وقد تولى “سليماني” عددًا من المناصب والأدوار الدينية في إيران، إلى جانب كونه عضوًا بارزًا في مجلس الخبراء المسؤول عن تقييم أداء المرشد الأعلى وتعيينه وعزله، كان أبرزها شغله منصب ممثل المرشد الأعلى، علي خامنئي، في محافظة سيستان وبلوشستان لمدة 17 عامًا (2001-2018). وأصبح لاحقًا ممثلًا عن آية الله خامنئي وإمام جمعة مدينة كاشان بمحافظة أصفهان خلال الفترة (15 أغسطس 2020- 29 مارس 2022).
وقبل كل هذا، تولّى عباس علي سليماني إمامة صلاة جمعة مدينة بابلسر بمازندران، وعمل أستاذًا في جامعة سيستان وبلوشستان وعضوًا في هيئة أمناء كلية علوم القرآن في مدينة زاهدان عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية. ويُشار إلى أن اسم “عباس علي” هو اسم مركب في إيران يُكتب في الفارسية على هذا النحو “عباسعلى”.
كيف تم استهداف عباس علي سليماني شمالي إيران؟
حسب وسائل الإعلام المحلية والمسؤولين في إيران، فإن علمية استهداف ومقتل رجل الدين الإيراني عباس علي سليماني قد جرت خلال انتظاره لإجراء معاملات مصرفية في إحدى فروع البنك الوطني الإيراني (بانک ملی) القائم في مدينة “بابلسر” بمحافظة مازندران الساحلية الواقعة على بحر قزوين في أقصى شمال إيران في الساعة 11 صباحًا بتوقيت إيران يوم 26 أبريل الجاري.
حيث أطلق في تلك الآونة أحد حراس فرع البنك النار من الخلف باستخدام سلاحه (مسدس) المستعمل في الخدمة صوب آية الله سليماني بينما كان الأخير جالسًا على كرسي. وقد أصيب سليماني بجروح شديدة أدت إلى وفاته لاحقًا في اليوم نفسه، وأصيب 3 أشخاص آخرون في الحادث.
وقد أعلنت السلطات الإيرانية أن الحادث لم يكن إرهابيًا، وأوضح محافظ مازندران، محمود حسيني بور، أن المهاجِم لم يكن يعرف شخصية آية الله عباس علي سليماني، أي أنه كان يعرف فقط من زيه وهيئته أنه رجل دين. وأضاف حسيني بور أن “التحقيقات الأولية جارية من أجل التعرف على سبب الاستهداف، وحتى الآن من غير المعلوم سبب إقدام ذلك الشخص على القيام بهذا الأمر، ولكن طبقًا للمعلومات، فإنه من غير الصحيح وصف الحادث بالأمني”.
وقد اعتقلت أجهزة الأمن الإيرانية المهاجم، الذي لم تُعلن هُويته حتى الآن، وأصدر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، والنائب العام في إيران، محمد جواد منتظري، أوامر بالتحقيق في الحادث. ومن الجدير الإشارة إلى أن عباس علي سليماني كان من بين رجال الدين الأصوليين، إلا أنه كان يتم تقديمه والترويج له في انتخابات مجلس الخبراء عام 2016 على أنه “مرشح الإصلاحيين” والداعمين لحكومة الرئيس السابق حسن روحاني.
تنامي ظاهرة معاداة واستهداف رجال الدين في إيران
تبدو حادثة مقتل رجل الدين الشيعي الإيراني عباس علي سليماني في مدينة بابلسر شمال إيران غامضة بعض الشيء؛ إذ إنها جاءت فجائية من دون مقدمات. فلم يحدث على سبيل المثال شجار آني أو سابق، أو ما شابه ذلك من أنواع الخلاف، ما بين حارس فرع البنك الوطني الإيراني و”سليماني”. بل إن السلطات الرسمية قالت، وحسب تصريحات محافظ مازندران التي شهدت الواقعة، إن حارس المصرف لم يكن يعرف عباس علي سليماني، وهو ما يضيف غموضًا أكبر إلى الحادث.
ومع ذلك، يمكننا تفسير دوافع هذه الحادثة عبر ربطها بحوادث قتل واستهداف مشابهة أخرى لرجال دين إيرانيين سنة وشيعة على حدٍ سواء قد وقعت خلال الأشهر الماضية، وسبقت وتزامنت مع الاحتجاجات التي اندلعت في إيران خلال شهر سبتمبر 2022. أي أن هذا الحادث قد يرتبط بتنامي ما يسميه بعض المعنيين والباحثين الإيرانيين في الداخل والخارج بـ “تنامي كراهية رجال الدين” في البلاد.
وقد تطرق إلى هذه التسمية وهذا التوصيف نصًا الصحفيُّ الإيراني المقيم في فرنسا محمد جواد أكبرين، وذهب إلى هذا المعنى أيضًا السياسيُ الإصلاحي والمقرب من التيار القومي الديني داخل إيران أحمد زيد آبادي حينما قال، تعليقًا على تصريحات المحافظ الإيراني المذكورة آنفًا، “يجب إذًا القول إن القتل كان نتيجة لغضب المهاجم وقراره المفاجئ. ولكن حينما نتطرق إلى تساؤل (لماذا اتخذ المهاجِم مثل هذا القرار المفاجيء بالقتل؟)، يمكن فقط تخمين أنه فقد السيطرة على نفسه بفعل ضغوط الحياة، ومع اعتقاد أن رجال الدين هم سبب مشكلات حياته، فإنه قد أفرغ غضبه على رأس أحد رجال الدين الذي وقع أمامه بالمصادفة”. ويحذّر “زيد آبادي” من استمرار هذه النظرة لدى بعض المواطنين تجاه رجال الدين، واصفًا إياها بأنها “مقلقة”.
وربطًا بما سبق، يمكن الإشارة إلى حوادث قتل مشابهة لرجال دين سنة وشيعة في إيران خلال الأشهر الماضية، كان من بين أبرزها مقتل أربعة من رجال الدين الإيرانيين خلال شهر واحد هو أبريل 2022 في مدينتي مشهد شرقًا و”قنبد قابوس” شمالًا بمحافظة جلستان.
وقعت هذه الأحداث في أيام متقاربة، اثنتان منها تم تنفيذهما باستخدام سلاح أبيض والأخريين جريتا باستخدام الرصاص. وكان من بين هؤلاء الضحايا اثنان من رجال الدين السنة ويُعتقد أن واحدًا أو اثنين من الشيعة. وقد وقعت حوادث اعتداء أخرى ضد رجال دين إيرانيين في الداخل خلال المظاهرات التي انطلقت في منتصف سبتمبر الماضي.
يعني هذا أن عملية “بابلسر” لم تكن الأولى من نوعها، ولكن يظل من المبكر القول إن هذه العمليات الأربع المشار إليها بالإضافة إلى عملية مقتل عباس علي سليماني تؤشر إلى وجود ظاهرة جديدة في إيران تتمثل في استهداف رجال الدين هناك. إلا أن هذه العمليات تجعل من الضروري مراقبة هذه العمليات في الفترة المقبلة لاستنباط ما إن كان تكرارها سيؤشر على وجود هذه الظاهرة أم لا.
.
رابط المصدر: