- تهدف العملية الإسرائيلية الأخيرة في شمال الضفة الغربية إلى القضاء على الكتائب المسلحة الفلسطينية، ومنع تطوير قدراتها العسكرية وعودة التفجيرات الانتحارية في المدن الإسرائيلية، وتمهيد الأرضية لتطبيق مخططات الاستيطان وضم الأراضي التي تسعى لها حكومة نتنياهو المتطرفة.
- مَثَّل عنف المستوطنين عاملاً دافعاً لتصعيد العمليات المسلحة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما يدركه أغلب قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ومع ذلك فإنهم لا يقومون بشيء عملي لوقف هذه الظاهرة الآخذة في التوسع.
- مع أن الأوضاع في الضفة الغربية قد تتجه إلى مزيد من التصعيد، إلا أن تحول المواجهة هناك إلى انتفاضة عارمة يبدو أمراً مُستبعَداً في ظل الظروف الحالية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، وغياب ضغط كاف على إسرائيل إقليمياً ودولياً يُتيح لانتفاضة كهذه أن تحقق أهدافاً سياسية في هذا الوقت.
بدأ الجيش الإسرائيلي في 29 أغسطس 2024 أكبر عملية عسكرية (باسم “معسكرات صيفيّة”) في الضفة الغربية منذ عملية “السور الواقي” عام 2002 إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية. تركزت العملية في شمال الضفة الغربية، وتحديداً في محافظات جنين وطولكرم ونابلس، لكنها قد تمتد إلى جنوب الضفة الغربية، لاسيّما في الخليل. تأتي هذه العملية في أعقاب تصاعد العمليات المسلحة في الضفة الغربية، وبخاصة في مخيميّ طولكرم ونور شمس في مدينة طولكرم ومخيم جنين، والخوف من عودة العمليات التفجيرية داخل المدن الإسرائيلية والتي ظهرت بوادرها في محاولة تفجيرية في تل أبيب، في 18 أغسطس.
تتناول هذه الورقة تطور المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وسيناريوهات تحول المقاومة المسلحة إلى انتفاضة عارمة في الضفة الغربية، والعوامل التي قد تدفع إلى اندلاع هذه الانتفاضة أو تحول دون ذلك.
أهداف العملية الإسرائيلية
بدأت عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية قبل اندلاع الحرب في قطاع غزة، وتحديداً مع صعود ظاهرة الكتائب المحلية في المخيمات الفلسطينية عام 2021. وقد تحولت المداهمات الليلية للمدن الفلسطينية، واعتقال مطلوبين فلسطينيين واغتيالهم، إلى نمط عمل دائم للجيش. ووصلت ذروة هذه العمليات، قبل الحرب على غزة، في عملية جنين في يوليو 2023، حيث نفّذ الجيش الإسرائيلي أكبر عملية عسكرية في الضفة حينذاك بعد الانتفاضة الثانية (عملية “بيت وحديقة”)، واستعمل في خلالها سلاح الجو والمسيرات لاستهداف كتيبة جنين وأعضائها.
في أعقاب اندلاع الحرب في غزة، كثّف الجيش عملياته في الضفة الغربية، حيث اعتقل نحو 5000 فلسطيني، وقتل في خلال العمليات العسكرية أكثر من 600 فلسطيني، وتركزت عمليات الجيش في شمال الضفة، لاسيّما في مخيمي نور شمس وطولكرم بمحافظة طولكرم ومخيم جنين (انسحب الجيش الإسرائيلي من جنين ومخيمها في 6 سبتمبر الجاري).
جاءت عملية الجيش التي بدأت في نهاية أغسطس، في أعقاب محاولة فلسطيني من نابلس تنفيذ عملية تفجيرية في تل أبيب في 18 أغسطس، إلا أن العملية فشلت وأدت إلى مقتل منفذ العملية وإصابة شخص واحد بجروح. وبحسب المصادر الإسرائيلية، لو نجحت العملية لَكانت أوقعت عشرات القتلى، وقد تبنّت حماس والجهاد الإسلامي المسؤولية عن هذه العملية المشتركة، وهددتا بعودة العمليات الاستشهادية في داخل إسرائيل إلى الواجهة.
وتبع هذه المحاولة في 30 أغسطس تفجير سيارتين مفخختين بالوقت نفسه في منطقة غوش عتصيون الاستيطانية قرب القدس، وجاء المسلحان الفلسطينيان اللذان قادا هذه العملية من مدينة الخليل، الأمر الذي يدل على توسُّع العمل الفلسطيني المسلح إلى جنوب الضفة الغربية أيضاً. كما نفّذ مسلح فلسطيني عمليةً قرب حاجز ترقوميا قرب الخليل في 1 سبتمبر أدت إلى مقتل ثلاثة رجال أمن إسرائيليين، مما يعزز دخول مدينة الخليل إلى خط المواجهة مع القوات الأمنية الإسرائيلية.
تشير هذه العمليات وما سبقتها إلى تصعيد في العمليات المسلحة المنطلقة من الضفة الغربية، وقد أضاءت عملية التفجير في تل أبيب الضوء الأحمر للأجهزة الأمنية عن إمكانية بدء عودة العمليات التفجيرية في قلب المدن الإسرائيلية، مما يعيد إلى الأذهان الإسرائيلية العمليات التي حدثت خلال الانتفاضة الثانية.
ركزت عملية “معسكرات صيفية” على ثلاثة مخيمات فلسطينية، نور شمس في طولكرم، ومخيم جنين، ومخيم الفارعة في طوباس قرب نابلس، حيث استعمل الجيش سلاح الجو والمسيرات لاستهداف قيادات وأعضاء الكتائب الثلاث في المخيم، وتمكّنت من اغتيال قائد كتيبة طولكرم محمد جابر الملقب بأبو شجاع، ونحو 14 مقاتلاً فلسطينياً من إجمالي 24 قتيلاً. ورافق العملية العسكرية هدم البنية التحية المدنية والعسكرية في المخيمات والمناطق المجاورة لها. وفي المجمل، هدفت العملية إلى تحقيق الأهداف الآتية:
- ضرب البنية التحتية العسكرية للكتائب الفلسطينية المسلحة في المخيمات، واغتيال قياداتها وأكبر عدد من أعضائها، ومنعها من تطوير أدواتها القتالية.
- توجيه ضربة استباقية لمحاولات توسيع العمل المسلح نحو استهداف المدن الإسرائيلية، وعودة العمليات التفجيرية في الداخل الإسرائيلي.
- تدمير البنية التحتية في المخيمات كعامل ردع جماعي لأهالي المخيم، وضرب الحاضنة الشعبية لكتائب المقاومة في الضفة الغربية.
- تعزيز أمن المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية، وتمهيد الأرضية لتطبيق مخططات الاستيطان وضم الأراضي التي تسعى لها حكومة نتيناهو بدفع من أحزاب الصهيونية الدينية.
تطور المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية
تصاعدت عمليات الجيش الإسرائيلي ضد البنية التحتية المسلحة في الضفة الغربية منذ عام 2021، وشملت العمليات العسكرية شن مداهمات ليلية مكثفة على المدن الفلسطينية، وتنظيم عمليات عسكرية متعددة في مخيم جنين وفي مدينة نابلس تحديداً. وفي خلال الحرب في قطاع غزة، ظهرت التنظيمات المسلحة في المخيمات الفلسطينية في الضفة بوصفها جبهة مواجهة ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، حيث برز مخيما نور شمس وطولكرم في مدينة طولكرم، ومخيم جنين، ومخيم الفارعة في طوباس ومخيم بلاطة في نابلس وغيرها من المخيمات.
في مراجعة لتاريخ نشأة الكتاب المسلحة في الضفة الغربية، نجد أنها نشأت جميعها بعد العام 2021، وتحديداً داخل المخيمات، وبدعم من الفصائل الفلسطينية. حيث ظهرت كتائب شهداء الأقصى ولكنها لم تكن مرتبطة رسمياً بحركة فتح، فمع أن أفرادها شبان ينتمون للحركة إلا أنهم قرروا تنفيذ عمليات مسلحة بشكل مستقل عن الحركة الأم، ويَظهر أيضاً دور الجهاد الإسلامي ممثلاً بسرايا القدس في تنظيم وتسليح الكتائب في المخيمات، مثل مجموعات مخيم الفارعة وجنين وطولكرم وغيرها.
اقرأ المزيد من تحليلات «مهند مصطفى»: |
غلب على التنظيمات الفلسطينية بدايةً العمل المحلي في المخيمات والمدن الفلسطينية، ثم تشابكت هذه التنظيمات مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ما أدى إلى تطوير التنظيمات قدرات عسكرية في مواجهة الجيش الإسرائيلي، حيث أدخلت إلى وسائل المواجهة العبوات المتفجرة المزروعة على الأرض، ومحاولات أولية لتطوير قدرات صاروخية، والذي أطلق لأول مرة من مخيم جنين نحو بلدة إسرائيلية (غلبوع)، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة في المخيم في يونيو الماضي أدت إلى قتل جنود إسرائيليين جراء انفجار عبوة ناسفة مزروعة في الأرض في مركبة جنود. وهذا الاستخدام للعبوات الناسفة دفع الجيش إلى استعمال الطائرات المسيّرة بشكل مكثف وغير مسبوق في الضفة الغربية. وحتى تنفيذ العملية الأخيرة في شمال الضفة الغربية، دمر الجيش -بحسب مصادره– 50 مختبراً لإنتاج السلاح والعبوات الناسفة، وحيَّد أكثر من 1000 قنبلة خفيفة، وأكثر من 150 عبوة كانت مطمورة تحت الأرض.
عنف المستوطنين
تَطور عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية في خلال العام الماضي بشكل غير مسبوق، حيث تحول إلى عنف تقوده مليشيات منظمة ومسلحة، وما أدى هذا العنف إلى تدمير وتخريب وحرق الممتلكات الفلسطينية والأراضي الزراعية فحسب، بل أسفر عن قتل نحو تسعة فلسطينيين منذ بداية الحرب على غزة. وتفاقم عنف المستوطنين المنظم لدرجة أن رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، بعث برسالة إلى نتنياهو محذراً من تداعيات “الإرهاب اليهودي” في الضفة الغربية على الأمن الإسرائيلي، وعلى مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وأشار في رسالته إلى أن العمليات الإرهابية للمستوطنين تعطل عمل الجيش في الضفة الغربية، وتوسع دائرة الفلسطينيين الذين ينضمون إلى الأعمال المسلحة ضد إسرائيل بدافع الانتقام، مُبدياً تخوفه من دخول شرائح اجتماعية فلسطينية لدائرة العنف بسبب استمرار الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية.
استطاع المستوطنون تنظيم أنفسهم بالمئات تحت غطاء الدعم السياسي الذي يتلقونه من وزراء في الحكومة، وهو ما أشار إليه صراحةً رئيس الشاباك في رسالته إلى نتنياهو، كما سُلِّحَ عدد كبير منهم إما بفضل خطة التسليح التي أطلقها وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، أو بسبب خدمتهم العسكرية في الجيش. وفي الوقت نفسه، استعملهم الجيش لتنفيذ مهمات أمنية بسبب سحب الكثير من الجنود إلى جبهة غزة، ويعمل المستوطنون على تنفيذ عمليات انتقامية ضد تجمعات فلسطينية كاملة، كما حدث في قرية “جيت”، وإطلاق النار على الفلسطينيين، وحرق بيوتهم وممتلكاتهم. وفي هذا الصدد، تغيب آليات المحاسبة لهم، فلم يُدَن أي مستوطن بقتل الفلسطينيين التسعة برصاص المستوطنين، وجرى اعتقال أعداد قليلة منهم بعد كل عملية هجوم ينفذونها بمشاركة المئات، لكن سرعان ما تُطلق السلطات الإسرائيلية سراحهم. ويمكن القول إن عنف المستوطنين بات عاملاً دافعاً لتصعيد العمليات المسلحة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما يشير إليه أغلب قادة الأجهزة الأمنية، ومع ذلك فإنهم لا يقومون بشيء عملي لوقف هذه الظاهرة.
سيناريوهات تطور المواجهة في الضفة الغربية
يُمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل المواجهة في الضفة الغربية.
السيناريو الأول، اندلاع انتفاضة واسعة في الضفة الغربية على غرار انتفاضة 2000: ينطلق هذا السيناريو من أن العوامل التي ستدفع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية إلى إشعال انتفاضة عارمة في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية قائمة كلها، إذ إن عنف المستوطنين يزداد ويصبح أكثر فتكاً بالفلسطينيين دون محاسبة إسرائيلية ودولية لهم. إلى جانب أن الاستيطان يتوسع ويهدد مستقبل الفلسطينيين من طريق مصادرة الأراضي، وتهجير تجمعات فلسطينية كاملة في الضفة، ومنع المزارعين الفلسطينيين من زراعة أراضيهم أو حتى دخولها.
إلى جانب ذلك، يُدرك الفلسطينيون أن السلطة الفلسطينية لم تعد قادرة على حمايتهم، حتى في المناطق الخاضعة لسيطرتها الأمنية وفق اتفاق أوسلو (أي ما تسمى “مناطق أ”)، إلى جانب ذلك، ينعدم الأفق السياسي لأي حل يضمن الحقوق السياسية والاستقلال للشعب الفلسطيني، وبخاصة مع وجود حكومة يمينية متطرفة تسعى للسيطرة على الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان، وغياب هذا الأفق كان واحداً من العوامل التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
كما يدفع نحو انتفاضة واسعة الحالة الاقتصادية التي باتت خانقة، فقد انهار الاقتصاد الفلسطيني في المدن الثلاث المركزية في شمال الضفة، وتمنع إسرائيل دخول العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، وتفرض الحواجز على الطرقات ومداخل البلدات الفلسطينية، ما يزيد من سوء الأحوال المعيشية والاقتصادية للفلسطينيين. كما أن القتل والاعتقال المستمريّن للفلسطينيين من جهة، وعدم محاسبة المستوطنين من جهة ثانية، يثير مشاعر الغضب والانتقام لدى الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وفوق ذلك، أدت العمليات العسكرية إلى تدمير الحياة المدنيّة في أغلب مدن الضفة الغربية، ويزداد الخناق على الناس وحصارهم، مما يُسهل عملية تحشيد الناس للقيام بانتفاضة عارمة في كامل الضفة، وبخاصة أن حركتيّ حماس والجهاد الإسلامي تدفعان نحو هذا السيناريو، لاسيّما بعد الانتهاكات المستمرة للحرم القدسي الشريف من طرف اليمين، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، الذي صرّح بأنه حان الأوان لبناء كنيس يهودي في الحرم القدسي.
لكن هذا السيناريو يواجه معيقات أساسية، أهمها حالة الاستنزاف التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، والتي تمنعه من خوض مواجهة شاملة مع إسرائيل بعد عشرة أشهر من الحرب في غزة، والتي قدمت مثالاً لمصير الضفة الغربية في حال اندلاع مواجهات شاملة، وبخاصة أن إسرائيل لن تتوانى عن نقل نموذج التدمير الواسع لمدن قطاع غزة إلى الضفة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، دور أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية في منع اندلاع مثل هذه الانتفاضة، وللتذكير فإن انتفاضة عام 2000 كانت مدعومة من السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، فضلاً عن أن انتفاضة عام 1987 كانت مسنودة من منظمة التحرير الفلسطينية. ويُضاف إلى ما سبق من معوقات أن إسرائيل تغيرت بعد السابع من أكتوبر، وسيكون ردها أشد مما كان عليه عام 2000.
السيناريو الثاني، استمرار الوضع الحالي، أي حصر المقاومة في كتائب عسكرية شبه منظمة: ينطلق هذا السيناريو من أن المقاومة المسلحة داخل المخيمات ستبقى السمة السائدة في نمط المواجهة بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في الضفة الغربية. ويعتمد هذا السيناريو على قدرة الكتائب العسكرية في المخيمات تحديداً على بناء نفسها من جديد على الرغم من المحاولات الإسرائيلية المستمرة للقضاء عليها منذ ظهورها في العام 2021.
تُشكل المخيمات الفلسطينية الرافد والحاضنة الأساسية للكتائب المسلحة في الضفة الغربية، وستبقى هذه الكتائب موجودة بدعم من الفصائل الفلسطينية المختلفة، وبخاصة الجهاد الإسلامي وحركة حماس. كما يعتمد هذا الخيار على غياب شبه مطلق لوجود السلطة الفلسطينية وأجهزتها داخل المخيمات الفلسطينية، وبخاصة في شمال الضفة الغربية، مما يساعد الفصائل الفلسطينية في تشكيل تنظيمات وخلايا مسلحة، وشن عمليات ضد الجيش والمستوطنين، وهو أمر صعب الحدوث داخل المدن والقرى الفلسطينية بسبب وجود أجهزة السلطة الفلسطينية، والصعوبة اللوجستية في بناء تنظيمات مسلحة فيها.
يواجه هذا السيناريو تحدياً أساسياً يتعلق باستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف الكتائب العسكرية المسلحة، وبخاصة في المخيمات، حيث تنفّذ إسرائيل منذ عام 2021 عمليات عسكرية وأمنية متواصلة ضد البنى التحتية لهذه التنظيمات، وتحاول منع توسيع عملها من البداية. وتُعد العملية العسكرية الأخيرة في شمال الضفة دليلاً على عزيمة الجيش الإسرائيلي للقضاء على هذه التنظيمات وقيادتها.
السيناريو الثالث، نهاية التصعيد في الضفة الغربية: يعتمد هذا السيناريو على أن إسرائيل استطاعت في خلال الأشهر العشرة الأخيرة تفكيك البنية التحتية للكتائب المسلحة في المخيمات والمدن الفلسطينية، عبر اغتيال جلّ قادتها في شمال الضفة الغربية، واعتقال آلاف الفلسطينيين الذين يُمكن أن يشكلوا خطراً من وجهة نظر إسرائيل ورافداً لتنظيم عمليات ضد الجيش الإسرائيلي، مما سيؤدي على المدى القصير إلى بداية تراجع المواجهات في الضفة الغربية. ويعول هذا السيناريو على تعب المجتمع الفلسطيني منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وعدم قدرته على تحمل المزيد من المواجهة مع الجيش الإسرائيلي الذي يتبع أساليب قمعية غير مسبوقة منذ الانتفاضة الثانية، لمواجهة أي محاولة لتنظيم عمل عسكري أو شعبي ضد إسرائيل أو المستوطنين.
كما يعتمد هذا السيناريو على عاملين مركزيين يدفعان نحو عودة الهدوء: الأول، خشية الفلسطينيين من أن ما حدث من تدمير ونزوح وقتل في قطاع غزة، قد ينتقل إلى الضفة الغربية في حال اندلعت انتفاضة واسعة فيها. والعامل الثاني، أن ما حصل في قطاع غزة لم يؤدِّ إلى تحرك إقليمي ودولي جدي لوقف عمليات الإبادة في القطاع، والتخوف أن الانتفاضة الواسعة لن تجلب مصالح سياسية فلسطينية في ظل غياب الضغط على إسرائيل وفرض حلول سياسية عليها، كما حدث مثلاً مع الانتفاضة الأولى 1987.
يواجه هذا السيناريو معيقات عديدة، أهمها استمرار عنف المستوطنين وإرهابهم ضد الفلسطينيين دون رداع حقيقي لهم، وتحوُّل هذا العنف إلى تهديد وجودي للفلسطينيين، فضلاً عن استمرار الاستيطان، وتضييق الحيز على الفلسطينيين جغرافياً واقتصادياً، وغياب أي أفق لحل سياسي، وضعف السلطة الفلسطينية، واستمرار الانتهاكات للحرم القدسي وتصاعدها. وعليه، فإن استعادة حالة الهدوء في ظل هذه الأوضاع ستكون صعبة، فالضغط قائم ومستمر على المجتمع الفلسطيني دون أفق للخروج من المأزق الذي يعيشه، مما يجعله يشعر بأنه ليس عنده الكثير ليخسره.
استنتاجات
تتجه الضفة الغربية إلى مزيد من التصعيد، في ظل محاولات التنظيمات الفلسطينية نقل ساحة المواجهة إلى داخل إسرائيل، والعودة إلى العمليات التفجيرية التي سادت في الانتفاضة الثانية. وتشير الأحداث الأخيرة إلى ظهور تنظيمات مسلحة في مناطق جديدة في الضفة الغربية، وبخاصة في الخليل. ومع ذلك، فإن تحول هذه المواجهة العسكرية بين الكتائب الفلسطينية المسلحة مع إسرائيل إلى انتفاضة عارمة تعم جميع مناطق الضفة الغربية يبدو أمراً مُستبعَداً في ظل الظروف الحالية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، وغياب ضغط كاف على إسرائيل إقليمياً ودولياً يُتيح لاندلاع انتفاضة أن يحقق أهدافاً سياسية في هذا الوقت، حيث يُدرك الفلسطينيون أن انتفاضة عارمة لن تمنع إسرائيل من نقل سيناريو الدمار في غزة إلى الضفة الغربية، سيما في غياب أي تحرك دولي لمنع ذلك، وظهر ذلك في العملية العسكرية الأخيرة في شمال الضفة الغربية.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/ma-qabl-alainfijar-ahdaf-altaseid-aliisraiyli-fi-aldifa-algharbia-wasinariuhatih