مصطفى ملا هذال
مع بدء توافد أعضاء مجلس النواب الى مبنى البرلمان لمنح الثقة لحكومة السيد مصطفى الكاظمي الذي جاء بعد اعتذار عدنان الزرفي عن التشكيل، بدأ القلق مصحوبا بالشكوك يتسرب الى نفوس الملايين من العراقيين حول إمكانية تمرير الحكومة من عدمه.
اللحظات التي سبقت التصويت كانت عصيبة على الكاظمي وكابينته الوزارية، كما انها لم تكن سهلة على ابناء الشعب التواقون لانبثاق حكومة تلبي جزء يسير من طموحاتهم وتحقق بعض أمنياتهم، فضلا عن الشروع بسن القوانين المعطلة والتي تمس حياة الأفراد بصورة عامة، ومن اهم هذه القوانين هو قانون الموازنة العامة التي ينظر اليها البعض وكأنها رغيف خبز، بينما يتضور الكثير جوعا.
تردد اسم الكاظمي كثيرا داخل دهاليز السياسة من قبل الأطراف التي تبحث عن مخرج لازمة المظاهرات التي نشبت في عهد عادل عبد المهدي الذي لم ينجح في السيطرة عليها عبر تقديم حلول مثمرة لما يمر به البلد من أزمات متكررة وتفاقم المشاكل وتعقيدها.
وكان يعول على الكاظمي بان يكون عامل أساس من عوامل استقرار البلد من وجهة نظر بعض الكتل السياسية، لكنه كثيرا ما جوبه بالفرض ن قبل كتل المحور، عازية ذلك الى تمتعه بعلاقات طيبة مع الجانب الأمريكي وهو ما لا يروق لهم، وكذلك اتهامه بالتواطئ مع جهات دولية اخرى من اجل تدبير مقتل سليماني وابو مهدي المهندس.
كثيرا ما سعت الكتل السياسية الى عرقلة الإتيان بحكومة بدلا عن حكومة تصريف الأعمال التي جاءت وفق مقاساتهم، ويعتقدون بعدم القدرة على جلب اخرى يتمكنون من التحكم بها مثل ما يفعلون بالوقت الحالي.
لذا فقد اصابت الجمهور المنتفض اشبه بخيبة الأمل، هذه الخيبة سرعان ما تلاشت بعد ترشيح الكاظمي الذي حظى بمقبولية وإجماع من قبل الكتل السياسية التي اختلفت عليه في الأيام القليلة الماضية، وهذا الأمر بحد ذاته يدعو الى القلق والريبة، فمن كان بالأمس محط جدل وخلاف اصبح اليوم نقطة اتفاق وأئتلاف، ما الذي حصل وكيف تغيرت المعادلة؟.
بعد ان اطلعنا على اغلب السير الذاتية للوزراء وجدناهم جاءوا من رحم الوزارات التي كُلفو بإدارتها وهذا بطبيعة الحال يعيد الأمل في النفوس، ويجعل من إمكانية تعديل الحمل المائل اقرب الى التحقيق، كون الوزراء اعرف بالوزارة من غيرهم، وعادة اهل مكة ادرى بشعابها، فمن يأتي من خارج الوزارة يحتاج لمدة طويلة لكي يمارس عمله بشكل جيد ومنتظم.
اما في هذه الحالة فان الكاظمي قطع أشواطاً كبيرة هذا في حال وجود رغبة ممزوجة بنية صادقة على تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وانصاف الأفراد الذين عانو ما عانو من اجل عيش حياة حرة كريمة بعيدة عن المنغصات، فهل يا ترى يتمكن الوزراء الجُدد من تحقيق ذلك ام سيبقون قابعين بالملذات؟.
جملة من التحديات بانتظار رئيس الحكومة الذي لم يمضي على منح حكومته الثقة سوى ساعات، اذ عليه ان يرضي الأطراف التي تنادي مرارا وتكرارا بضرورة إخراج القوات الأجنبية، وهذا المطلب تحديدا تقف وراءه جهة دولية تعتبر من الأنداد للولايات المتحدة، والمنافس الوحيد في المنطقة، اذ تعمد الجارة بين الحين والآخر الى تحريك أذرعها في الداخل العراقي لفتح هذا الملف وتأكيد رغبتها في تحقيقها.
ومن الممكن القول ان هذه الأذرع ستعمل جاهدة على وضع العراقيل في مسيرة الحكومة الجديدة، ذلك في حال لمست بشكل مباشر او غير مباشر عدم جدية الكاظمي في تنفيذ مطلبها، وبذلك نكون قد رجعنا الى المربع الأول واصل المشكلة مع أحد الأطراف والمؤثرة بالمشهد السياسي الداخلي.
الى جانب ذلك هنالك تحديات خارجية تتمثل بتحقيق التوازن بين الخصيمين، الولايات المتحدة وإيران، اذ ان ما ادى الى فشل عادل عبد المهدي هو عدم قدرته على مسك العصى من المنتصف، وبعد ذلك سمح للفصائل الموالية ان تأخذ قسطا ليس قليلا من الحرية في الحركة، وتجسد ذلك جليا في تعرض القواعد الأمريكية في العراق الى ضربات متكررة بين الفينة والأخرى.
بالمقابل لم يُقدم عبد المهدي على اي اجراء يبرد الدم الأمريكي، ويكسب ود الولايات المتحدة، ومن ثم تقلل الضغط على الحكومة العراقية ومنحها المجال الكافي لوضع الحل المناسب لهذه القضية، لكن شيء مثل هذا لم يكن وهو ما زاد الطين بلة ورسخ لفكرة انحياز العراق لجانب إيران أكثر من امريكا.
لغاية الآن الموقف الأمريكي يتسم بالإيجابية تجاه الحكومة الجديدة، فأولى تلك المواقف هو تمديد المهلة للعراق لاستيراد الغاز من إيران، في سعي لتوفير الأجواء المناسبة لنجاح حكومة الكاظمي التي تريدها الولايات المتحدة ان لا تخرج عن مشورتها، وبذلك تكون بعثت برسائل عدة من أهمها هو عدم الذهاب صوب الجارة.
الأيام القادمة تحمل بين ثناياها الكثير من المفاجآت، وربما تتضح العديد من الملابسات، ونحصل على إجابة لجملة من التساؤلات، فقد يتمكن الكاظمي من احداث طفرة نوعية في العمل الحكومي والوزاري، لا سيما وأنه حصل على الضوء الأخضر من قبل الجميع، وقد يستثمر ذلك لبناء قاعدة جماهيرية واسعة تكون سندا له في الانتخابات المبكرة التي دعت اليها المرجعية الدينية.
او قد يبقى غير قادر على تجاوز الموانع السياسية التي وضعت في طريقة منذ التشكيل، وبالنتيجة يصبح مجرد رقم يضاف الى الرقم الكلي لعدد رؤساء الحكومات التي حكمت العراق، منذ عشرات السنين.
رابط المصدر: