عبد الامير رويح
منذ بداية أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي اصاب الملايين في مختلف دول العالم، سعت بعض الحكومات العربية إلى استغلال هذا الوباء من اجل تطبيق بعض القوانين والاجراءات الخاصة، التي تهدف الى تضييق الخناق أكثر على الحريات والحقوق العامة والفردية، فقد اكدت بعض التقارير ان الأنظمة العربية وكما فعلت في فترة عدم الاستقرار الامني وانتشار نشاط الجماعات الارهابية المسلحة في بعض الدول، سعت اليوم وتحت شعارات صحية جديدة للاستفادة من أزمة فيروس كورونا، لقمع المعارضين السياسيين وسجن الصحافيين وفرض مراقبة صارمة على وسائل الإعلام والصحافة، خاصة الإلكترونية منها فضلا عن تقييد الحريات العامة، كما رفضت معظمها وكما نقلت بعض المصادر إطلاق سراح معتقلي الرأي بالرغم من المخاطر الصحية التي يواجهونها داخل السجون المكتظة.
ويرى بعض المراقبين ان بعض الحكومات استغلت حالة الخوف والهلع من فيروس كورونا والخشية من انتشاره لتمرير ما تريد من سياسات، والعمل على فرض قيود صارمة لتعزيز قبضتها الأمنية وتفعيل قوانين الطوارئ الذي يمنح قوات الامن سلطات واسعة، والتأكيد على منع التجمعات ووقف الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية وغيرها من الاجراءات الاخرى بهدف حماية شعوبها كما هو معلن، فيما لاتزال تلك الانظمة تمارس سياسة القمع التجويع والفساد الذي اضر كثيرا بالعديد من القطاعات المهمة ومنها القطاع الصحي.
وفي مواجهة تفشي الوباء وكما نقلت بعض المصادر في وقت سابق، وقع الملك عبد الله الثاني على “قانون الدفاع” الذي يفعل فقط في حالات الطوارئ ويمنح سلطات استثنائية للحكومة وقوات الامن التي اعتقلت مئات الاشخاص لعدم امتثالهم لأوامر حظر التجول. وحضت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان الأردن على الالتزام بعدم الانتقاص من الحقوق الأساسية للمواطنين. وفي المغرب ، ظهرت دوريات مدرعة أيضًا في الرباط لضمان امتثال المواطنين “لحالة الطوارئ الصحية”.
وفي مصر، استهدفت الحكومة في وقت سابق وسائل إعلامية شككت بالحصيلة الرسمية المتدنية لعدد المصابين بفيروس كورونا المستجد. وأفادت صحيفة “غارديان” البريطانية أن مراسلتها في مصر أُرغمت على مغادرة البلاد بعد مقال اعتبرت السلطات أنه يحمل “سوء نية”. ودقت عائلات سجناء الرأي في مصر ناقوس الخطر، محذرة من كارثة قد تنجم عن تفشي فيروس كورونا المستجد في سجون مصر المكتظة والرديئة.
قوة مفرطة
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن اللبنانية استخدمت ”القوة المفرطة“، والتي شملت استخدام الذخيرة الحية، مع المتظاهرين المناهضين للحكومة بعد انفجار مرفأ بيروت. وأدى انفجار مواد شديدة الانفجار تم تخزينها بشكل غير آمن لسنوات إلى مقتل ما لا يقل عن 180 شخصا وإصابة حوالي ستة آلاف وإلحاق أضرار بأجزاء كبيرة من المدينة، مما أشعل الغضب من الطبقة السياسية التي يُلقى باللوم عليها بالفعل في الانهيار الاقتصادي.
وفي مظاهرات غاضبة اقتحم بعض المتظاهرين وزارات حكومية ورشقوا قوات الأمن بالحجارة. وسمع صحفيون من رويترز أصوات إطلاق نار. وقال الصليب الأحمر إن نحو 170 شخصا أصيبوا بجروح بينهم أفراد من الشرطة أصيبوا بالحجارة. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها الولايات المتحدة ”أطلقت القوات الأمنية الذخيرة الحية، والكريات المعدنية (الخردق)، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، على أشخاص منهم موظفون طبيون، كما أطلقت كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع، بما في ذلك على محطات الإسعافات الأولية… عمدت القوات الأمنية أيضا إلى رمي الحجارة على المتظاهرين وضربهم“.
وقال مايكل بيج نائب مدير قسم الشرق الأوسط في المنظمة في بيان ”يظهر هذا الاستعمال غير القانوني والمفرط للقوة ضدّ متظاهرين سلميين بأغلبهم تجاهل السلطات القاسي لشعبها“. ودعت المنظمة النيابة العامة إلى فتح تحقيق مستقل وحثت المانحين الدوليين لقوات الأمن اللبنانية على ”التحقيق فيما إذا كان دعمها يصل إلى وحدات تمارس انتهاكات، وفي هذه الحال، إيقافه فورا“. وكانت هذه الاحتجاجات آب هي الأكبر منذ أكتوبر تشرين الأول عندما خرج الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بإنهاء الفساد وسوء الإدارة التي يلقون باللوم عليها في الأزمة المالية العميقة التي تسببت في انهيار العملة، وتجميد البنوك للمدخرات وارتفاع معدلات البطالة. بحسب رويترز.
من جانب اخر أعلنت 14 منظمة حقوقية دولية ومحلية، بينها “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” في وقت سابق، تشكيل تحالف للدفاع عن حرية التعبير في لبنان إثر “حملة قمع” و”اعتداءات” شنتها السلطات “على الأشخاص الذين يفضحون الفساد وينتقدون، على وجه حق، الإخفاقات الملحوظة”. ويضم “تحالف الدفاع عن حرية التعبير في لبنان” أيضا “المفكرة القانونية” ومؤسسة سمير قصير، ويهدف إلى “الوقوف بوجه محاولات السلطات اللبنانية لقمع حرية التعبير والرأي”.
وقالت تلك المنظمات في مؤتمر صحافي: “تقاعس سياسيو لبنان عن تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وأهدرت ممارساتهم الفاسدة مليارات الدولارات من الأموال العامة، وبدلا من العمل بمسؤولية تجاه مطالب المتظاهرين والتوجه إلى المساءلة والمحاسبة، تشن السلطات حملة قمع على الناس الذين يفضحون الفساد وينتقدون على وجه حق الإخفاقات الملحوظة للسلطة”.
ووثقت المنظمات، وفق قولها، “ارتفاعا مقلقا في عدد الاعتداءات على حرية التعبير والرأي” منذ تظاهرات خرجت في العام 2015 احتجاجا على أزمة نفايات في البلاد ثم “تصاعدت” مع انطلاق المظاهرات الشعبية غير المسبوقة ضد الطبقة السياسية في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وتحدثت عن إجراءات اتخذتها السلطات لملاحقة منتقدي رئيس الجمهورية، إذ إن النائب العام التمييزي كلف قسم المباحث الجنائية المركزية التحقيق لتحديد هوية أشخاص نشروا تدوينات وصورا تطال مقام رئاسة الجمهورية. وطلب من النيابة العامة التمييزية ملاحقتهم “بجرم القدح والذم والتحقير”.
وأوضحت باحثة لبنان في “هيومن رايتس ووتش”، آية مجذوب، أنه تم استدعاء 60 شخصا على الأقل منذ أكتوبر/تشرين الأول على خلفية “تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي”. و”يخلق هذا الأمر جوا من التخويف في لبنان حيث يشعر الناس بأنهم غير قادرين على التعبير عما يخطر في بالهم”.
اعترافات تحت التعذيب
على صعيد متصل أيدت محكمة التمييز، أعلى محكمة في البحرين، عقوبة الإعدام بحق اثنين من النشطاء متهمين بقتل شرطي في تفجير عبوة ناسفة عام 2014، وذلك بعد محاكمة قالت منظمات حقوقية إنها قامت على اعترافات انتزعت بالتعذيب. وخسر بذلك محمد رمضان وحسين موسى آخر فرصة للطعن على حكم الإعدام الذي أصدرته عليهما للمرة الأولى محكمة جنائية في ديسمبر كانون الأول 2014.
وكانت قوات الأمن ألقت القبض على موسى، الموظف بأحد الفنادق، ورمضان، الذي كان يعمل حارس أمن بمطار البحرين الدولي، في مطلع 2014 بعد مقتل شرطي في تفجير بقرية الدير إلى الشمال الشرقي من العاصمة المنامة. وصدرت أيضا أحكام بالسجن على عشرة أشخاص آخرين حوكموا معهما. وفي بيان تفصيلات الواقعة ذكر المحامي العام المستشار هارون الزياني رئيس المكتب الفني للنائب العام أن المحكوم عليهم ”كانوا قد عقدوا العزم على قتل رجال الشرطة، وأعدوا لهذا الغرض عبوة متفجرة… مما أدى إلى وفاة الشرطي عبدالواحد سيد محمد وإصابة عدد من أفراد الشرطة“.
وقالت منظمة العفو الدولية ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية وهو جماعة حقوقية مقرها بريطانيا إن الرجلين تعرضا للتعذيب لانتزاع اعترافات كاذبة وواجها الاعتداء الجنسي والضرب والحرمان من النوم وغير ذلك من الانتهاكات الأخرى. وقالت زينب إبراهيم، زوجة رمضان، على تويتر بعد الحكم ”يمزقني إحساس الرعب الذي أثارته معرفة أن زوجي يمكن أن يُعدم رميا بالرصاص في أي لحظة دون سابق إنذار“.
وقالت المنظمتان الحقوقيتان إن السلطات منعت الرجلين من لقاء محاميهما إلى أن أصدرت عليهما محكمة جنائية حكما بالإعدام للمرة الأولى في ديسمبر كانون الأول 2014. وقالت حكومة البحرين إن القضية استوفت جميع شروط المحاكمة العادلة وإن الحكم الابتدائي أعقبته محاكمة ثانية نظرت في ادعاءات إساءة معاملة المتهمين. وقال الزياني في بيان إن محامي عن كل من المتهمين كان حاضرا في جميع مراحل المحاكمة. وأضاف أن سجل التقارير الطبية أظهر أن الاعترافات تمت دون أي شكل من أشكال الإكراه البدني أو اللفظي. بحسب رويترز.
وتتخذ البحرين إجراءات صارمة تستهدف المعارضة منذ 2011 عندما قمعت، بدعم من السعودية، احتجاجات هيمن عليها الشيعة. وحاكمت البحرين، التي تستضيف مقر البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، مئات الأشخاص في محاكمات جماعية وجردتهم من الجنسية. ومعظم الشخصيات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان إما يقبعون في السجون أو فروا إلى الخارج. وقال سيد أحمد الوداعي مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية في بيان ”حكم اليوم إنما هو وصمة عار أخرى في النضال من أجل حقوق الإنسان في البحرين… هذا الظلم الرهيب ما كان ليحدث دون موافقة ضمنية من حلفاء البحرين الغربيين“.
من جانب اخر وفي سياق الحرب على اليمن، يواجه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد المتهم بـ”التواطؤ في أعمال تعذيب”، تحقيقا في فرنسا منذ نهاية 2019، يقوده قاض في باريس. وقد فتح تحقيق أولي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 بحقه إثر تقديم دعوتين قضائيتين، إحداهما عن طريق الادعاء بالحق المدني، أثناء زيارته الرسمية إلى باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وفقا لعدة مصادر مطلعة على الملف. وتسمح الشكاوى عن طريق الادعاء بالحق المدني بفتح تحقيق بشكل شبه آلي وتعيين قاضي تحقيق لتولي الأبحاث.
ويشار إلى أنه يمكن للقضاء الفرنسي متابعة أكثر الجرائم خطورة استنادا إلى مبدأ “الوكالة القضائية الدولية”، وذلك خلال وجود المعنيين بها في الأراضي الفرنسية. غير أن الحصانة الدبلوماسية لرجل الإمارات القوي لا تزال تطرح إشكالا، وينبغي أن يبت بها قاضي التحقيق. وخلال زيارته إلى فرنسا في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، بحث محمد بين زايد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوضع في الشرق الأوسط، خاصة الوضع في اليمن. ويذكر أن الإمارات كانت انخرطت في تحالف إلى جانب السعودية ضد الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء منذ 2014.
وأودعت دعوى أخرى أمام قطب الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لدى النيابة العامة الباريسية من قبل ثلاثة قطريين، وهي تدور حول “التواطؤ في أعمال تعذيب وإخفاء قسري”. وأكدوا أنهم “اعتقلوا وعذبوا على أيدي عناصر من أمن دولة الإمارات (…) بين شباط/فبراير 2013 وأيار/مايو 2015”. غير أن هذه الدعوى صنفت دون متابعة لاعتبار النيابة العامة أنه لا يقع ضمن اختصاصها إجراء تحقيقات.
حرية الاعلام
الى جانب ذلك قالت جماعة حقوقية في الجزائر إن محكمة قضت بسجن صحفي وناشط لمدة ثلاث سنوات بتهمة المساس بالوحدة الوطنية. وأضافت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين أن المحكمة التي انعقدت في الجزائر العاصمة أصدرت أيضا حكما بالسجن لمدة أربعة أشهر على ناشطين اثنين للاتهامات نفسها. والأحكام الصادرة بحق الصحفي خالد درارني والناشطين سمير بن العربي وسليمان حميطوش مرتبطة بالاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة العام الماضي.
وبدأت الاحتجاجات في فبراير شباط 2019 لرفض اعتزام بوتفليقة السعي للفوز بفترة رئاسية خامسة والمطالبة بإزاحة النخبة الحاكمة. وحظرت السلطات المظاهرات هذا العام للحد من انتشار فيروس كورونا. ودرارني رهن الاعتقال منذ أواخر مارس آذار في حين أُخلي سبيل بن العربي وحميطوش في يوليو تموز بعد احتجازهما لأكثر من شهرين.
كما قالت جماعة حقوقية إن القضاء الجزائري أصدر أحكاما بالسجن ضد ثلاثة نشطاء لإدانتهم باتهامات من بينها الإضرار بالوحدة الوطنية لانتقادهم الرئيس والقضاء. وقالت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين التي تتولى الدفاع عن الثلاثة إن محكمة في بلدة البيض الجنوبية قضت بسجن العربي طاهر ومحمد يوسف بوضياف 18 شهرا فيما قضت محكمة في الجزائر العاصمة بسجن صهيب دباغي لمدة عام. وقالت اللجنة إن الثلاثة سجنوا بشكل رئيسي بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي انتقدوا فيها الرئيس والنظام القضائي.
الى جانب ذلك أودع شاب جزائري مناصر للحراك الاحتجاجي في الحبس في ولاية سطيف شرق البلاد، وذلك عقب نشره صورا ساخرة تنتقد السلطات واعتبرت مسيئة للإسلام، وفق ما أفاد محاميه. ويلاحق وليد كشيدة (25 عاما) لنشره صورا ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرتها المحكمة مسيئة. وأودع قاضي التحقيق في محكمة سطيف الشاب في الحبس المؤقت بتهم “إهانة هيئة نظامية” و”إهانة رئيس الجمهورية” و”الإساءة إلى المعلوم من الدين”. ويواجه كشيدة عقوبة تصل إلى خمسة أعوام في السجن وغرامة مرتفعة.
من جهته، اعتبر محاميه مؤمن شادي أن “هذه تهم كثيرة بالنسبة لمنشورات بسيطة على فيسبوك”، وأضاف أنها وجهت له لأن قاضي التحقيق “أراد تبرير أمر الإيداع” بحقّ موكله. وتأسف المحامي على إيقاف الأشخاص الذين لم يرتكبوا “جرائم خطيرة” قبل صدور أحكام، خاصة في خضمّ أزمة وباء كوفيد-19 التي تمثل تهديدا إضافيا للموقوفين.
رابط المصدر: