قام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان بزيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران للقاء نظيرهما الرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي. وتعددت الملفات التي شملتها أجندة هذا اللقاء الثلاثي الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير الماضي؛ ما بين تنسيق الدول الثلاث بشكل رئيس فيما يتعلق بمستقبل الملف السوري وتأكيدهم على “ضرورة عودة الوضع في سوريا إلى طبيعته”، إلى محاولة كل طرف والآخر عقد اتفاقيات خاصة ثنائية مشتركة في مجالات عدة أبرزها في القطاع الاقتصادي والتي سعت إلى مواصلة عملية تصدير الحبوب الغذائية من روسيا من جديد.
وترتبط إيران، بصفتها الدولة المضيفة، مع كلٍ من روسيا وتركيا بعلاقات اقتصادية وأمنية وعسكرية مشتركة ومتنوعة تعود إلى سنوات مضت كانت بالأساس إحدى الأسس التي مهدت لعقد هذه القمة الثلاثية. وعند الربط ما بين هذه الزيارة وطبيعة العلاقات الإيرانية الروسية على وجه الخصوص، سنجد أن التحولات الإقليمية والدولية التي تأتي في ظلها زيارة الرئيس الروسي قد فرضت نفسها على أجندة اللقاءات الثنائية والثلاثية خلال اجتماعات المسؤولين من البلدان الثلاثة في طهران. حيث أعقبت زيارةُ بوتين زيارةً أخرى سابقة من جانب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وُصفت بالتاريخية والتقى خلالها الأخير بزعماء وقادة من منطقة الشرق الأوسط.
ولما كانت زيارة بايدن قد تطرقت إلى الملف الإيراني وعدد آخر من القضايا البارزة ذات الصلة، فإنه وعند الأخذ في الحسبان طبيعة علاقات موسكو وإيران مع الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة، سنجد أن إيران وروسيا قد أولتا أهمية خاصة لزيارة الرئيس الأمريكي إلى الإقليم. وعلى أي حال، فإن الملف السوري قد احتل أولوية كبرى على طاولة محادثات الرؤساء المجتمعين في طهران، إبراهيم رئيسي وبوتين وأردوغان. وهو الملف ذاته الذي تتمحور حوله زيارة أردوغان على وجه الخصوص.
وعلى الرغم من أن الهدف الرئيس من القمة قد تمثل في ضمان الأمن والسلام والقضاء على الإرهاب داخل سوريا خلال الفترة المقبلة وفي إطار عملية “أستانا”، فإن أجندة كل طرفٍ من هؤلاء الرؤساء قد اشتملت في الواقع على أهداف مختلفة نسبيًا داخل سوريا سعوا إلى تحقيقها من خلال هذه الاجتماعات.
حيث تحاول روسيا الحفاظ على مكتسبات 6 سنوات من الحضور العسكري داخل سوريا في ظل انخراطها في أزمة مع أوكرانيا، وترمي إيران إلى تحقيق الهدف نفسه أيضًا ولكن مع محاولة تعزيز مستقبل دورها في ظل انشغال موسكو في حربها ضد أوكرانيا وهو ما قد يجري بالأساس بالتنسيق مع روسيا. وعلى الجانب الآخر، تحاول تركيا وبشكل رئيس ضمان إنشاء “منطقة آمنة” شمالي سوريا في إطار خطتها الرامية إلى إعادة مليون لاجئ سوري إلى أراضيهم، علاوة على رغبتها في القيام بعملية عسكرية شمالي سوريا لاستهداف الجماعات الكردية. وقد أبدت موسكو وطهران رفضًا لهذا الطلب التركي قائلتين إنه قد يضر بالأمن في سوريا والإقليم.
أما وفي سبيل التنسيق الروسي الإيراني الثنائي على وجه الخصوص بشأن مستقبل الأوضاع في سوريا، تبرز إذًا قضيةٌ رئيسة تواجه الطرفين في دمشق، ألا وهي كيفية تعامل الجانبين مع إسرائيل فيما يتعلق بالصراع داخل سوريا وعلى حدودها؛ إذ طرأت منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي متغيرات جديدة على معادلة الانتشار العسكري والنفوذ السياسي لهذه الأطراف الثلاثة -روسيا وإيران وإسرائيل- داخل سوريا تتمثل بشكل رئيس في بروز توترات تشوب العلاقات الروسية الإسرائيلية قد تنعكس آثارها على الأوضاع داخل سوريا خلال الأيام المقبلة.
لماذا نشبت خلافات مؤخرًا في العلاقات الروسية الإسرائيلية؟
مثّلت تطورات وأبعاد الحرب الروسية الأوكرانية السبب الرئيس خلال الأشهر القليلة الماضية في حدوث تدهور نسبي في العلاقات بين روسيا وإسرائيل؛ فترى روسيا الطرف الإسرائيلي داعمًا لأوكرانيا ضدها في تلك الحرب، وأنها تقف إلى جانب الدول الغربية في هذا الشأن. ووجّهت موسكو انتقادات لاذعة لإسرائيل بعدما صوتت لصالح قرار تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة في شهر أبريل 2022.
وقامت موسكو باستدعاء السفير الإسرائيلي، أليكس بن تسفي، أيضًا على خلفية هذه الأحداث. وبعد ذلك، أجرى الرئيس الروسي بوتين مكالمة هاتفية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن أكد خلالها على موقف بلاده الثابت بشأن دعم الشعب الفلسطيني ومواصلة روسيا تقديم المساعدة السياسية للفلسطينيين في المنظمات الدولية.
وفي الوقت نفسه، انتقدت وزارة الخارجية الروسية الموقف الإسرائيلي بشأن كييف قائلة إن إسرائيل “تحاول استغلال الموقف في أوكرانيا؛ لتحويل تركيز المجتمع الدولي عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”. وقد أثارت غضبَ الروس كثيرًا تلك الأنباءُ التي تحدثت حول تفاوض الأوكرانيين مع إسرائيل من أجل إرسال أسلحة إلى كييف لاستخدامها ضد موسكو في الحرب الدائرة بينهما، وذلك منذ أن زار وفدٌ رسمي أوكراني إسرائيل في شهر أبريل الماضي لعقد صفقات بيع أسلحة وخدمات أمنية أخرى.
وعلاوة على ذلك، قال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون في شهر مايو الماضي إن إسرائيل أرسلت رئيس المكتب السياسي العسكري في وزارة الدفاع إلى قاعدة عسكرية جوية في ألمانيا للمشاركة في اجتماع يبحث إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وهو ما أسهم مجددًا في إثارة التوترات بين الجانبين. لذا، تشهد العلاقات ما بين روسيا وإسرائيل اضطرابات ملموسة خلال الأيام الجارية يبدو أنها سوف تنعكس على مسار الوضع في سوريا، وقد تكون بالتالي في صالح إيران.
هل تَلقى توترات العلاقات الروسية الإسرائيلية صدى في اجتماعات طهران الثلاثية؟
عند الحديث عن الملف السوري، يمكننا القول إن إيران قد تصبح الرابح الأكبر من تلك الاجتماعات التي عقدها الرؤساء الثلاثة، “رئيسي وبوتين وأردوغان، في العاصمة طهران؛ فبصرف النظر عن هُوية الملفات الأخرى التي طُرحت على طاولة المباحثات بينهم بشكل ثنائي. وبالتركيز على الملف السوري، سنجد أن اجتماعات طهران قد تقود إلى تعزيز الدور الإيراني في سوريا خلال الفترة المقبلة، وأن المشكلات الأخيرة الحاصلة في العلاقات الروسية الإسرائيلية سوف تصب في صالح طهران داخل سوريا.
روسيا، الفاعل الأكثر تأثيرًا داخل سوريا: فعند الحديث عن طبيعة المعادلة العسكرية والسياسية في سوريا والأطراف الفاعلة في إطارهما، سنجد أن روسيا مثّلت اللاعب الرئيس داخل سوريا خلال السنوات الأخيرة. وبينما تعزز الدور الروسي في دمشق، كان نظيره الإيراني في تراجع نسبي سواء على المستوى العسكري أو السياسي. وعلى الجانب الآخر كانت القوات العسكرية الإسرائيلية تقوم بين حين وآخر بمهاجمة قوات موالية لإيران أو قوات أخرى تابعة للجيش السوري؛ أي أنها استحوذت على حضور آخر داخل المجال السوري مثّلت إيران فيه إحدى أعدائها.
الخلافات الروسية الإسرائيلية قد تعزز موقف إيران في سوريا: إما مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية من جانب وما ترتب عليها من انشغال موسكو بها وما يبدو من ميلها إلى تخفيض مستوى حضورها في سوريا، ومع ما نشب من خلافات بين روسيا وإسرائيل من جانب آخر، فإن اجتماعات طهران التي بدأت بين طهران وموسكو، بشكل خاص، في 19 يوليو الجاري سوف تؤسس بشكل غير مباشر وضمني لآلية تنسيقية روسية إيرانية قوي لمواجهة الدور الإسرائيلي في سوريا.
ويعني هذا أن إسرائيل من المرجح أن تواجه في المستقبل القريب داخل سوريا تحالفًا روسيًا إيرانيًا أكثر قوة مما مضى سوف يجعل لها الأمر أكثر صعوبة عند التخطيط لتنفيذ عمليات عسكرية داخل سوريا أو استهداف قواعد بعينها هناك، وذلك سواء ضد قوات موالية لإيران أو تابعة للحكومة السورية في دمشق.
ونستنتج من هذا أيضًا أن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية قد تزداد حدة في سوريا خلال الفترة القادمة؛ في ظل ما تقودنا إليه المؤشرات من احتمالية تنسيق وتعزيز التعاون والتنسيق الروسي الإيراني في سوريا خلال الأيام المقبلة. وهو سيناريو يفرضه الأمر الواقع الممثل في انشغال موسكو بحرب أوكرانيا وتزايد الخلافات الروسية الإسرائيلية.
وختامًا، راقبت إسرائيل في صمت فعاليات زيارة الرئيسين الروسي والتركي إلى إيران؛ حيث تدرك جيدًا أن هذه الاجتماعات سوف تؤثر بشكل ملموس على مستقبل المشهد السوري وبالتالي على سُبُل وطبيعة خلافاتها والمواجهة المستمرة بينها وبين طهران وحكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، في سوريا. وعليه ففي ضوء ما سبق، قد تصبح إسرائيل أحد أبرز الأطراف المعنية المتأثرة من وراء هذه الاجتماعات الثلاثية.
.
رابط المصدر: