عبد الستار حتيتة
أعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي قبل يومين عن مبادرة لحل الأزمة الليبية، بعد ساعات من حرق متظاهرين مقر مجلس النواب، ويشتبه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في ضلوع المنفي وأقاربه في طبرق في حرق المقر، لينفتح الباب الليبي بذلك أمام احتمالات عدة. فما هي فرص نجاح مبادرة المنفي؟ وما هي الأرضية التي يقف عليها مجلسه الرئاسي؟ وما المسارات المحتملة؟ ولم تشهد ليبيا مبادرة المنفي فقط، فقد ظهرت مبادرات أخرى متنوعة، لعل اللافت منها المبادرة المنسوبة لسيف الإسلام القذافي.
إن الكثير من المبادرات أصبحت تنقسم بين طريقين: الطريق الأولى إلغاء كل الأجسام السياسية، على أن يستمر المجلس الرئاسي بقيادة المنفي في إدارة الدولة، وتهيئتها للانتخابات. والطريق الثانية إلغاء كل الأجسام السياسية بما فيها المجلس الرئاسي نفسه، وتسليم قيادة الدولة للمجلس الأعلى للقضاء.
لا ننسى أن كل هذه المبادرات جاءت بعد دعوة حراك “بالتريس” لمظاهرات يوم الأول من يوليو الجاري. ويبدو الحراك نفسه، وهو برئاسة المهندس الشاب عمر علي الطربان، دون رؤية واضحة. بجانب أن الحراك ظهر أنه قادر على تحشيد الشباب لرفض الواقع المرير الذي يعيشه الليبيون، لكنه يفتقر إلى حل بمعالم مطمئنة.
خلفيات
لوحظ، بعد مظاهرات الأول من يوليو، أن معظم الأجسام السياسية التي خرج الحراك لرفضها أخذت في تأييد الحراك باعتبار أن مطالبه هي مطالبها، بما في ذلك المجلس الرئاسي! الذي قال في مبادرته لحل أزمة الانسداد السياسي في ليبيا إنه كلف عبد الله اللافي، النائب بالمجلس الرئاسي، بإجراء مشاورات عاجلة مع الأطراف السياسية، لتحقيق التوافق على تفاصيل خطته.
ويتكون المجلس الرئاسي من ثلاث شخصيات برئاسة المنفي، والاثنان الآخران هما: اللافي، وموسى الكوني. وينتمي عبد الله اللافي إلى مدينة الزاوية، في غرب طرابلس، وهي مدينة مليئة بالميليشيات والجماعات المتطرفة. وهو على علاقة طيبة مع كل من تركيا والجزائر. ويعرف عن اللافي ميله إلى ترضية المجموعات المسلحة والمتطرفة وداعميها الإقليميين والدوليين.
أما الكوني فهو من قبيلة الطوارق، من إقليم فزان، ومعروف عنه، بناء على خلفياته القديمة حين كان عضوًا في المجلس الرئاسي في حكومة فايز السراج، أنه لا يميل إلى المؤامرات السياسية، ويركز عادة على ضرورة تحقيق المصالحة والاستقرار وجلب الخدمات للموطنين، بجهد “ليبي- ليبي”.
ويختلف المنفي عن طبيعة اللافي والكوني؛ فهو يميل إلى العمل في صمت، ومن الصعب توقع الطريق التي يمكن أن يسير فيها، إلا أن خلفيته القبلية تجعل المزاج الشعبي العام يأمل فيه خيرًا لإنقاذ الدولة الليبية، فهو من قبيلة المجاهد الليبي عمر المختار، ومن منطقة الشرق الليبي. بيد أن كل هذا لا يمنع تزايد الشكوك بشأن نواياه وعلاقاته مع لوبي اللافي محليًا وإقليميا.
خلط الحابل بالنابل
حراك “بالتريس” تسبب في خلط الحابل بالنابل، وأخرج العديد من الخطط التي كانت مخفية، ووضعها على الطاولة. فهذا سيف الإسلام القذافي يخرج بمبادرة تدعو إلى انسحاب كل المرشحين للرئاسة. وذاك عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، يزعم أنه مع تسليم السلطة، كما يريد الحراك، لكن بعد إجراء انتخابات برلمانية تأتي بحكومة جديدة. وهذا عقيلة صالح، يشعر أن هناك من يتربص بالبرلمان ووجوده واستمراره.
الملاحظ كذلك، وهو أمر جدير بالتفكر، هو ما يمكن وصفه بالترويج من جانب بعض من المحسوبين على حراك “بالتريس” لمقترح يدعو إلى قيام المجلس الرئاسي بأخذ زمام المبادرة وتولي إدارة ليبيا إلى حين إجراء الانتخابات، بدلًا من أي حكومات، وبدلًا من مجلس النواب ومجلس الدولة. ويأتي هذا بعد أن كانت أطراف أخرى في حراك “بالتريس” تدعو في البداية إلى تسليم قيادة الدولة للمجلس الأعلى للقضاء للقيام بالمهمة وهي إجراء الانتخابات.
نعود على لوبي اللافي، والخطير فيه، سواء أكان الأمر مقصودًا أو عفويًا، أنه يتماس إلى حد كبير مع الأرضية التي يقف عليها الدبيبة، ومع الأرضية التي يقف عليها تيار المتطرفين في ليبيا، بمن فيه تيار جماعة الإخوان، وتيار الجماعة الليبية المقاتلة. لهذا فإن بعض الليبيين ينظر إلى مبادرات المجلس الرئاسي بقدر من الحذر.
من هنا يذهب البعض إلى القول بوجود مشتركات بين المجلس الرئاسي واللوبي الرافض لاستمرار مجلس النواب؛ فحكومة الدبيبة تريد القضاء على مجلس النواب حتى يمكنها العمل في طرابلس دون منغصات. والمجلس الرئاسي يطمع في الخلاص من مجلس النواب لكي يحل محله في إدارة مستقبل ليبيا. ومثل هذه التوجهات المعادية لمجلس النواب موجودة لدى قوى إقليمية ترى في المجلس عقبة لا بد من التخلص منها.
بعد التفاف كثير من الليبيين حول حراك “بالتريس”، ومطالبه بإخراج كل الأجسام السياسية الراهنة من المشهد، وطرد القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وتكليف المجلس الأعلى للقضاء بإدارة البلاد؛ بدا واضحًا أن البعض يسعى إلى ركوب موجة الحراك، وإطلاق المبادرات، ومنها مبادرة المجلس الرئاسي، والتي تبدو بنودها مرضية.
لقد قال المجلس الرئاسي، يوم 5 يوليو الجاري، إنه يريد إنهاء المراحل الانتقالية، عبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في إطار زمني محدد، ما يدفع في اتجاه توافق وطني حول مشروع التغيير، الذي يعزز الثقة بين الأطراف السياسية كافةً.
وقدم المجلس الرئاسي أبرز العناصر الحاكمة لخطة الحل، ومنها الحفاظ على وحدة البلاد، وإنهاء شبح الحرب، وإنهاء الانقسام، وتعزيز حالة السلام القائم، وتجنب الفوضى، والحد من التدخل الأجنبي، والدفع في اتجاه حل وطني يقدم على ما سواه. ومع ذلك يظل من أخطر ما جرى بعد انطلاق مظاهرات “بالتريس” في الأول من يوليو، قيام رئيس مجلس النواب باتهام رئيس المجلس الرئاسي بأن أحد أقاربه هو من قام بحرق مقر مجلس النواب، واتهامه لأنصار النظام السابق بالأمر نفسه. وأيًا كانت الحقيقة، فإن مجلس النواب يشعر بأنه أصبح في مرمى النيران من جانب منافسيه، وهم كثر، ومن بينهم حكومة الدبيبة ولوبي (اللافي – المنفي)، وأنصار النظام السابق أيضًا.
النفط والغاز
إن أهم ما يوجد في ليبيا، بالنسبة لكثير من دول العالم، هو النفط والغاز. وازدادت أهمية هذه الثروة بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وازدادت كذلك مع المفاوضات الإيرانية مع الغرب. فالولايات المتحدة الأمريكية، ومعها بريطانيا وبعض الدول الأوربية ترى أنه يمكن تعويض النقص العالمي من النفط الغاز بعد العقوبات على روسيا وإيران، من المخزون الليبي الوفير.
وتريد الولايات المتحدة الإسراع في تحقيق التهدئة والاستقرار في ليبيا؛ حتى يمكنها التصرف في ملفي روسيا وإيران بقدر معقول من الأريحية. وهي تسعى في الوقت نفسه إلى أن يكون ذلك بدون الحاجة إلى وجود مجلس النواب ومخرجاته، وبدون الحاجة إلى مجلس الدولة وأتباعه، ودون الحاجة إلى أنصار النظام السابق والموالين لهم.
يبدو أن خيار تسليم قيادة الدولة إلى المجلس الأعلى للقضاء يمكن أن يتسبب في صعود شخصيات ليبية لزمام السلطة على غير رضا الولايات المتحدة. لكل هذا يذهب بعض الليبيين إلى أن الخيار الأفضل لقطاعات محلية وإقليمية ودولية هو المنفي ومبادرته. ومع هذا تؤدي كثرة المبادرات أحيانًا إلى ظهور بعض الضوء في نهاية النفق؛ إذ أصبح هناك حراك سياسي يهدف إلى إنقاذ الدولة، دون التفريط في ثرواتها، ودون الحاجة إلى إقصاء كل الخصوم. ومن البدائل المطروحة، الإعلان عن مبادئ وطنية يشارك فيها مجلسا النواب والدولة وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية والمصرف المركزي؛ من أجل اتخاذ خطوات عملية لتوحيد مؤسسات البلاد، وعلى رأسها الجيش، والخزينة العامة، مع إعادة تصدير النفط.
.
رابط المصدر: