د. حيدر حسين آل طعمة
تمثل “مبادرة الحزام والطريق” إحياءاً لفكرة “طريق الحرير” القديم، الذي كان يربط الصين بالعالم الخارجي قبل ألفي عام. ويعد الرحالة والجغرافي الألماني ريشتهوفن أول من استخدم تسمية “طريق الحرير”، عام 1877، لوصف الطرق التي كان يمر من خلالها الحرير الصيني المنتج من قبل إمبراطورية الهان خلال الفترة من عام 206 قبل الميلاد إلى عام 220 ميلادية، وصولاً إلى وسط آسيا.
وعلى الرغم من أن استخدامه هذا المصطلح كان مقتصراً على هذا الطريق خلال تلك الحقبة التاريخية تحديداً، من دون الإشارة إلى الممرات التجارية التي ربطت بين المنطقتين خلال فترات تاريخية لاحقة، فإن المفهوم صار يُستخدم بعد ذلك للإشارة إلى كل الطرق التي كانت تربط بين الصين ووسط آسيا وحوض البحر المتوسط.
وتعدُّ مبادرة الحزام والطريق، المعروفة أيضاً باسم “حزام طريق الحرير الاقتصادي وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”، استراتيجيةً إنمائيةً اقترحتها الصين بهدف الربط والدولي عبر إنشاء شبكة تجارية تتمحور حول الصين وتتألف من جزأين رئيسيين، هما حزام طريق الحرير الاقتصادي البري وطريق الحرير البحري للمحيطات.
وتهدف المبادرة إلى انشاء سلسلة من مشاريع البنية التحتية التي تمتد في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، التي تربط في نهاية المطاف الدائرة الاقتصادية النشيطة لشرق آسيا، والدائرة الاقتصادية الأوروبية المتقدمة. وقد اعلنت الصين عام 2013 رسميا عن مبادرة “حزام واحد طريق واحد” بهدف الربط بين الصين وأوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط، وإقامة مشروعات عملاقة كالسكك الحديدية، والطرق، والموانئ البحرية في البنية التحتية والإنتاجية. ويشمل الحزام ستة ممرات اقتصادية تمتد من الصين إلى جميع أنحاء أوراسيا، يتلاقى بعضها حيث تمثل البلدان التي تمتد من غرب المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق على طول طريق الحزام “منطقة للتعاون الاقتصادي”.
أهداف مبادرة الحزام والطريق
تسعى الصين إلى تنفيذ مبادرة الحزام والطريق بغية تحقيق عدد من الأهداف، يمكن إجمالها فيما يلي: (1)
1- الاستفادة من نمو التجارة العالمية:
من المتوقع للتجارة العالمية المزيد من النمو خلال السنوات المقبلة، مدفوعة بعدة عوامل من بينها الزيادة لمتوقعة في حجم الطبقة الوسطى في العديد من مناطق العالم، لاسيما في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتسعى الصين إلى الاستفادة من هذا النمو المتوقع للتجارة العالمية من أجل تصريف منتجاتها.
2- تعزيز مكانة “اليوان” الصيني عالمياً
تسعى الصين إلى مواصلة عملية تدويل عملتها المحلية “اليوان”، وصولاً إلى جعلها العملة الرئيسية للتبادل التجاري العالمي، خاصة بعدما تمكن اليوان عام 2016 من الانضمام إلى “سلة حقوق السحب الخاصة” التابعة لصندوق النقد الدولي، إلى جانب العملات الأربع المدرجة، وهي الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني، ويمثل استخدام اليوان في تسوية التعاملات التجارية الصينية مع الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق خطوة كبيرة تسعى إليها الصين من أجل تداول عملتها.
3- تطوير الاقتصاد الصيني
سعت الحكومة الصينية إلى تبني العديد من المبادرات لتطوير المناطق الغربية من البلاد، والتي تعاني ضعفاً اقتصادياً، وأطلقت في عام 2000 حملة في هذا الإطار، تحت شعار “الاتجاه غرباً” لتحفيز النمو الاقتصادي، وقامت باستثمار مليارات الدولار لاستكشاف النفط والغاز الطبيعي بتلك المناطق.
وسوف تسهم مبادرة “الحزام والطريق”، وبالتحديد الحزام البري في تطوير إقليمي شينغيانغ وقانسو اقتصادياً، وغيرهما من الأقاليم الغربية، ومن ثم تمثل المبادرة في جانب منها محاولة لإحداث توازن في التنمية الاقتصادية بين مختلف مناطق الدولة. ومن جهة ثانية، تهدف “مبادرة الحزام والطريق” إلى مساعدة الصين على إنفاذ خطتها الاقتصادية التي تحمل شعار “صنع في الصين 2025، والتي تهدف إلى تحويل الصين إلى اقتصاد متقدم ذي قيمة مضافة عالية، مع نقل الشركات ذات التصنيع منخفض التكلفة إلى الدول الأخرى في منطقة جنوب شرق آسيا.
4- تعزيز مكانة شركات تكنولوجيا الاتصالات الصينية
تسعى الحكومة الصينية إلى تشجيع شركاتها العاملة في مجال تكنولوجيا الاتصالات إلى الاستفادة من المبادرة، من أجل لعب دور حيوي في إنشاء البنية التحتية لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عدد كبير من دول المبادرة، بما يساهم في تعزيز نشاط الشركات الصينية، خاصة شركة هواوي، فضلاً عن زيادة حصتها السوقية من التجارة الإلكترونية العالمية.
5- تعزيز الوجود الصيني في منطقة أوراسيا:
هناك اراء ترى أن الصين تسعى من خلال “مبادرة الحزام والطريق” إلى تعزيز وجودها في منطقة أوراسيا، وهي المنطقة التي تتمتع بأهمية جيواستراتيجية كبيرة.
6- توسيع الدور الخارجي للصين:
شمل المبادرة دولاً ومناطق تعاني صراعات واضطرابات داخلية، وهو الأمر الذي يتطلب حماية المشروعات الضخمة التي يتم إنشاؤها ضمن المبادرة، وهو ما يتطلب توفير قوات عسكرية لحمايتها، ونظراً إلى أن العديد من الدول التي تشملها المبادرة تعاني ضعفاً في القدرات الأمنية، كما هي الحال في بعض الدول الأفريقية، فقد بدأت العديد من الشركات الأمنية الصينية الخاصة بالعمل هناك، كقيامها بتأمين السفن التجارية وناقلات النفط التي تمر بالقرب من السواحل الصومالية لحمايتها من القرصنة، ويأتي في هذا السياق كذلك قيام شركة “مجموعة ديوي الأمنية المحدودة” الصينية بحماية الشركات الصينية العاملة في بناء الطرق في كينيا.
7- تأمين استقرار إمدادات الطاقة:
تسعى الصين إلى تجنب أزمة حادة تترتب عليها إعاقة وصول إمدادات الطاقة إليها، ما يهدد استقرار الاقتصاد الصيني. وتتعاظم هذه المخاوف، نظراً لأن (80%) من احتياجات بكين من الطاقة تمر عبر مضيق “ملقا”، وذلك على الرغم من تزايد وارداتها من الطاقة من روسيا وكازاخستان. وتحاول الصين التخفيف مخاطر “معضلة ملقا” ولذلك تهدف الصين من خلال مشروع “الحزام والطريق” إلى تطوير عدد من الممرات التجارية البديلة للمضيق، مثل خط أنابيب النفط بين الصين وميانمار وكذلك “الممر الاقتصادي الباكستاني–الصيني”، والذي يهدف إلى ربط ميناء “جوادر” جنوب باكستان بمنطقة “شينغيانغ” شمال غرب الصين، عبر مجموعة من الطرق والسكك الحديدية وأنابيب النفط. ومع اكتمال المشروع، يتوقع أن يستخدم الممر لاستيراد احتياجات الصين من الطاقة من منطقة الخليج العربي.
تحديات تنفيذ مبادرة الحزام والطريق
يواجه تنفيذ مشروع طريق الحرير الجديد عددًا من التحديات المؤسسية والأمنية، مع اختلاف وتنوع الأنظمة والمصالح السياسية والاقتصادية للدول المشارِكة. يتمثل التحدي الأول في وجود حوكمة ضعيفة، وبيروقراطية عميقة، وعدم استقرار سياسي محتمل، حيث تمتلك الدول المُشارِكة في مشروع طريق الحرير الجديد نظمً سياسية واقتصادية متنوعة ومختلفة مع وجود مخاطر قانونية ومالية للاستقرار السياسي أو الاستقرار الاجتماعي.
وتتمتع الدول المشاركة في تنفيذ مشروع طريق الحرير الجديد بمستويات مختلفة من التنمية وتباين كبير في حوكمة المؤسسات قد تؤدي إلى إعاقة تطوير البنية التحتية وتنمية التجارة والاستثمار بين الدول الداخلة في الطريق.
أما التحدي الثاني فيتجسد في الهيمنة الصينية على تنفيذ المشروعات المختلفة مع عدم الأخذ في الاعتبار الظروف المحلية للدول المختلفة. وعلى الرغم من اعتبار الدول المشاركة في طريق الحرير الجديد أن المشاركة الكبيرة للصين في تنفيذ المشروعات، من خلال التمويل والإدارة، ستُساهم في تسريع معدلات الإنجاز، لكنّها قد لا تحقق تأثيرا إيجابيا جيّدا في الاقتصادات المحلية لهذه الدول.
اما التحدي الثالث فيكمن في المشكلات التي تواجه تنفيذ مشروعات البنية الأساسية، حيث تتمثل القضية الرئيسة لتوسيع نطاق تمويل مشروعات البنية التحتية والمشروعات الصناعية في تمويل الديون، وخاصة التمويل بالعملات الأجنبية، ومن ثمّ قد لا تتدفق الاستثمارات الخاصة إلى الدول التي تواجه أزمات في تسديد ديونها السيادية.
أما التحدي الرابع فيتمثل في التداعيات المحتملة دوليا نتيجة التوترات الجيوسياسية حيث توجد هناك مخاطر محتملة من التداعيات السياسية المتوقعة للتوترات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، والمشروعات التي تكون سببًا للمنافسة الجيوسياسية بين الدول الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، واختلال التوازنات السياسية في العالم(1).
…………………………….
مصادر تم الاعتماد عليها:
1- علي صلاح وشادي عبدالوهاب، مشروع الحزام والطريق: كيف تربط الصين اقتصادها بالعالم الخارجي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 26، 2018،ص3.
2- محمد مطاوع، طريق الحرير الجديد في الاستراتيجية الصينية الأهداف الكبرى، والوزن الاستراتيجي، والتحديات، مجلة سياسات عربية، عدد 46، 2020، ص3.
.
رابط المصدر: