تشكلت حكومة فرنسية وهي حكومة لا تملك أغلبية في البرلمان، فعدد النواب الذين يؤيدونها حوالي ٢١٠ من ٥٧٧، ومن المعروف أن تحالف الجبهة الشعبية الجديدة يرفض تمامًا منحها أي فرصة، وبالتالي استمرارها رهن موقف حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) منها، وإن قرر التصويت على سحب الثقة منها ستسقط غالبًا.
وصعوبة الموقف لا تتلخص في هذا الواقع، فالحكومة لا تعرف أستعيش أسبوعًا أم عقدًا، ولا تملك تفويضًا يسمح بقيام -ولو بنسبة قليلة- إصلاحات داخلية، وعليها التفاوض مع عدد كبير من الفرقاء قبل تمرير أي قانون.
قد يكون من الضروري ذكر بعض الحقائق أو العوامل التي تسهم –مع غيرها- في تعقيد الموقف.
ملامح المشهد العام وسلوك اليسار
- تحالف الجبهة الشعبية اليساري (فرنسا العصية/ الاشتراكيون/الخضر/الشيوعيون/ حزب محاربة الرأسمالية) حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
- حزب مارين لوبن “التجمع الوطني” حصل على أكبر عدد من الأصوات.
- أي انتخبت أغلبية واضحة من الفرنسيين قوتين سياسيتين لكل منهما برنامج اقتصادي غير واقعي، وهذا تعبير مؤدب، برنامج قائم على توسيع الإنفاق العام دون أي تفكير جاد في زيادة الموارد.
- وهذا جوهر المشكلة، أي سياسة رشيدة سيقال عنها وستبدو وكأنها خيانة لإرادة الناخبين وعدم الاعتداد برأيهم، وأي سياسة تتفق مع تصويت الناخبين ستتسبب في أزمة مالية واقتصادية كبرى.
- وفاقم من المشكلة رفض فرنسا العصية التقدم بأي تنازل أو إبداء أي استعداد للتفاوض حول برنامجها الاقتصادي، أي كانت تطالب باقي القوى السياسية بما يشبه الإذعان، وتأييد إجراءات مجنونة، ونجحت في فرض تصورها على باقي فصائل اليسار، لأن أغلب أعضاء هذه الفصائل نجحوا بأصوات ناخبي فرنسا العصية.
- قد يفسر هذا الموقف بتطرف سياسي عقائدي، ولكن أغلب المراقبين –وأذهب مذهبهم– يرون أن اليسار لا يريد أن يحكم وأنه أخفى هذا بتصلب رفضه الآخرون. فرنسا العصية تريد إسقاط رئيس الجمهورية وعقد انتخابات رئاسية مبكرة، مراهنة على أن الوسط لن يستطيع الوصول إلى الجولة الثانية.
- عامل معقد آخر، أن كل القوى السياسية نجحت بفضل أصوات ناخبين يفضلون أحزابًا غيرها، ولكنهم أعطوا صوتهم للمرشح القادر على إلحاق الهزيمة بمرشح يكرهونه (مرشح التجمع الوطني في أغلب الأحوال، وأحيانًا مرشح أخضر أو لفرنسا العصية).
- وعلى العموم هذا الموقف للجبهة الشعبية دفع أحزاب الوسط (المحسوبة على الرئيس ولكن الموقف بات أكثر تعقيدًا) إلى البحث عن تحالف مع اليمين الجمهوري وقبول فكرة أن تحديد عمر الحكومة في يد التجمع الوطني. فهو إن قرر التصويت مع اليسار لإسقاط الحكومة ستسقط الحكومة، ولن تتوقف المشكلات عند هذا الحد.
الحكومة ومؤيدوها
- تحالف الوسط المحسوب على الرئيس مكون من ثلاثة أحزاب رئيسية؛ حزب “النهضة”، وحزب “آفاق”، وحزب “الحركة الديمقراطية”، واليمين الجمهوري حزب رابع.
- وبين الثالث والرابع ضغائن قديمة وقوية تعود إلى انتخابات ٢٠١٢. في الأسبوع الماضي تسربت أخبار تفيد أن حزب الحركة الديمقراطية يفكر في عدم الاشتراك في الحكومة لاعتراضه على وجود بعض شخصيات اليمين الجمهوري فيها، ويبدو أن هذا كان ابتزازًا لزيادة نصيب الحزب من الوزارات، ولكن “الفاصل” ذكر الجميع بوجود هذه الضغائن.
- وحزب النهضة يجمع بين وسط يمين ووسط يسار، ويسار الوسط لا يحب موقف اليمين الجمهوري من الهجرة، والجناح اليساري يهدد بعدم تأييد الحكومة إن تبنت توجهات بعض الوزراء اليمينيين.
- في كل حزب من الأربعة سياسي أو أكثر يُعتبَر “مرشحًا رئاسيًا محتملًا” يفكر حتمًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة وفي احتمال حدوثها قبل موعدها؛ السادة جبريال عتال (رئيس وزراء سابق) وإدوار فيليب (رئيس وزارة سابق) وفرانسوا بيرو (مرشح رئاسي سابق) ولوران فوكييه (وزير سابق) إلى جانب جيرالد دارمانان وزير داخلية سابق وربما برونو لومير (وزير مالية سابق)، وإن جرت الانتخابات قبل موعدها قد يفكر رئيس الحكومة الحالي في خوضها. ولا يمكن استبعاد احتمال تفكير آخرين في الترشح، القصد.. رؤساء الأحزاب الأربعة لهم طموحات تؤثر وستؤثر في حساباتهم. لا يمكن استبعاد احتمال ترك أحدهم وحزبه سفينة الحكومة الحالية.
- اتفق الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء بارنييه على استبعاد “المرشحين المحتملين للرئاسة” من التشكيل الوزاري، خشية مناوراتهم وميلهم المحتمل إلى تسجيل مواقف تعجب الجمهور أو على الأقل ناخبو حزبهم، وفي الواقع أتصور أن هذا الاستبعاد خدمة غير مقصودة لهؤلاء لأن الوزارة ستضطر –إن عاشت- إلى اتخاذ إجراءات غير شعبية، وتجب الإضافة أن أحد هؤلاء المرشحين – لوران فوكييه- كان يريد تولي منصب وزير الداخلية، ليجسد سياسات “الحزم” التي يطالب بها، وربما للاطلاع على الوثائق السرية وعلى معلومات الاستخبارات الداخلية عن القوى السياسية الأخرى، وتم رفض طلبه من قبل الرئيس، وعرضت عليه وزارة الاقتصاد والمالية، أي منصب سيجبره على اتخاذ تدابير يرفضها الرأي العام، ورفض طبعًا الوقوع في الفخ.
- وأتصور –مع مصادري- أن انخراط كل من فوكييه وعتال في المساومات وما يشبه الابتزاز أثر سلبي على شعبيتهم في الرأي العام لا سيما أن الاثنين قاما بتسريبات للإعلام، أقصد أن غيرهما تحرك بصمت في الكواليس ولم يعرف الرأي العام أنهم أتوا بالممارسات نفسها. وفي المقابل ارتفعت شعبية رئيس الوزراء لأنه يبدو وكأنه الوجيد الذي قبل تحمل المسئولية ويفكر في الصالح العام.
- الرئيس ماكرون لم يعد قادرًا على ضمان ولاء رجاله، المشكلة سابقة لقرار حل البرلمان وتعود في الأساس إلى كونه لن يرشح نفسه لولاية ثالثة –الدستور يمنع هذا، ولكن قرار الحل ضاعف من المشكلة وفاقمها لأنه كان مفاجئًا وأحاديًا لم يستشر فيه الرئيس أيًا من أقطاب الأحزاب وتسبب في أزمة كبرى في البلاد وفي فقدان عدد كبير من المقاعد في البرلمان وفي الحكومة، لا نقول أن لا أحد سيتحالف مع الرئيس تكتيكيًا أو استراتيجيًا أو يطلب تأييده ولكن رابط الولاء ضعف للغاية.
- أطر صراع بين منطقين المفاوضات على تشكيل الحكومة وتوزيع المقاعد وصعب منها، اعتبارات القوة العددية تقول إن لأحزاب الوسط نصيب الأسد؛ فعدد نوابهم أكثر من ثلاثة أضعاف أعداد نواب اليمين الجمهوري، وفي المقابل كان يمكن لليمين الجمهوري أن يقول إن الرأي العام طلب تغييرًا وأن احتفاظ الوزارة بطابعها “الماكروني” –أي أن أغلب أعضائها من رجال الرئيس– يشكل تحديًا له ولرفضه سياسات الرئيس، ويدل تشكيل الحكومة أن أنصار المنطق الأول –منطق القوة العددية– انتصروا.
- ليس واضحًا تمامًا كيف ستتم صياغة السياسات العامة للحكومة وبيانها الذي يقدم أمام مجلس الأمة في بداية أكتوبر. سنعود إلى مشكلة الميزانية في فقرة مقبلة، قيل في بعض الدوائر أن رئيس الوزارة سيتشاور مع قادة الأحزاب الأربعة، ولكن التفاصيل غير معروفة –هل سيقوم رئيس الوزارة بتحرير إعلان ويقوم بعرضه على القادة أم تسبق المشاورات مرحلة التحرير؟ قد يبدو السؤال هامشيًا ولكنه يطرح بطريقة غير مباشرة سؤال تطور موازين القوة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
- ومن الواضح أن نفوذ الرئيس تراجعت، ولكنه من المؤكد أنه سيكثر من محاولات التدخل إما للوساطة أم للوقيعة أم للتقدم بمبادرات قد تكون موفقة. ولكنه يبقى أن أغلب الفرقاء يخشون مبادرة أو خطوة غير مدروسة بعناية، ورغبة الرئيس في “البقاء في صدارة المشهد”.
- موازين القوة بين الرئيس ورئيس الوزارة حاليًا في صالح الثاني إلى حد ما، لأن الرئيس لا يملك بديلًا طالما رفض اليسار التعامل معه، أي أن التهديد بالاستقالة – “خيار شمشوم”- فعال، ويبدو أن بارنييه لجأ إليه في مرحلة من مراحل التفاوض حول تشكيل الحكومة، وحرص بارنييه على تركيز عدد كبير من السلطات في يديه، على سبيل المثال وزير الميزانية لم يعد جزءًا من منظومة وزارة الاقتصاد والمالية بل هو وزير منتدب لدى رئيس الوزارة.
- يلاحظ أن أغلب الوزراء مصنفون على أنهم “ساسة” –برلمانيين لهم مهارات ومعارف برلمانية، أي أنهم ليسوا أبناء المجتمع المدني ولا من التكنوقراط، وعدد غير الباريسيين في الحكومة عالٍ نسبيًا ويفترض فيهم فهم أعمق لاتجاهات الرأي العام.
- يلاحظ أيضًا أن هناك دافعًا لعدم الانضمام إلى الوزارة أدى إلى رفض عدد من الكفاءات الانضمام إليها، لا أحد يعرف عمرها وهي غالبًا ستضطر إلى اتخاذ تدابير غير شعبية.
التجمع الوطني
- الحزب حصل على أعلى عدد أصوات وفي مجلس الأمة تم استبعاده من عضوية كل اللجان.
- هل يعني هذا أن الحزب له مصلحة أو رغبة في إفشال الحكومة أو دفع الرئيس إلى الاستقالة؟، تلعب عدة اعتبارات متناقضة دورًا مهمًا في حساباته. من ناحية الحزب له مصلحة مؤكدة في فشل الحكومة، سواء مالت سياساتها إلى اليمين أو اليسار، ولكن السيناريو الأسوأ بالنسبة له هو نجاح حكومة تبنت سياسات يمينية في مجال الأمن والهجرة، لأن مثل هذا النجاح قد يعيد حزب اليمين الجمهوري إلى صدارة المشهد، بيد أن هذا السيناريو لن يحدث غالبًا، ومن ناحية أخرى يشدد الحزب على حرصه على لعب دور بناءً على احترامه للمؤسسات وعلى تحليه بروح المسئولية –على عكس فرنسا العصية تحديدًا التي تريد تغيير بنية النظام وجوهره وشكله وتبذل أقصى جهد لزيادة الاحتقان.
- من ناحية أخرى يقدم استبعاد نواب الحزب من كل اللجان وسلوك عدد كبير من النواب الآخرين ضدهم خدمة كبيرة للحزب، لأنهما يدعمان خطاب المظلومية، ويقويان شكواه من عدم احترام ناخبيه، ويسمحان له بعدم الاشتراك في الحكم؛ أي في تحمل المسئولية. لا يمكن نسب الفشل له. الفارق بينه وبين اليسار أن اليسار أبعد نفسه رغم محاولاته ادعاء غير هذا.
- مشكلة الحزب أن الجولة الثانية للانتخابات التشريعية أبرزت رفض أغلبية مطلقة من الفرنسيين لتوليه الحكم، وأن هذه الانتخابات كشفت عدة نقاط ضعف، أركان مهمة من برنامجه مرفوضة، لا سيما تلك المتعلقة بالتمييز ضد مزدوجي الجنسية، وسلوك عدد من مرشحيه أعطى بعض المصداقية لمن يقول إن الحزب لم يطلق ماضيه الفاشي أو المتطرف وأنه يمارس “التقية”، وباختصار لا يبدو الحزب جاهزًا لخوض انتخابات جديدة حاليًا، عليه أن يجد حلًا لهذه المشكلات أو دفع الفرنسيين إلى غض النظر عنها، وهذا يستغرق وقتًا.
- ما لم يغير اليسار استراتيجيته الرافضة إعطاء الوسط فرصة، سيبقي مصير الحكومة في يد التجمع الوطني، يقرر متى تعيش ومتى تموت. والغالب أنه سيسحب الثقة منها في وقت ما.. متى؟ هذا هو السؤال.
- المشهد والمرحلة يتطلبان إجراءات تقشفية منافية لبرامج الحزب، هل يعارضها أم يترك الفرصة للحكومة “لتحرق نفسها” فيها؟.. غالبًا سيحاول الحزب الجمع بين الخيارين؛ أي يعارض الإجراءات دون إسقاط الحكومة، ويمارس ابتزازًا يسمح له بجني مكاسب، ولكن احتقان الشارع قد يدفعه إلى حرق السفينة.
الأولويات: الميزانية ومعاركها
يمكن القول بصفة عامة إن فرنسا تواجه عدة تحديات كبرى، وأن على حكومتها التعامل على وجه السرعة مع عدة ملفات ليس أقلها ملف نيو كاليدونيا ولا ملف الهجرة ولا ملف السياسات الزراعية والصناعية، وأن الحكومة تعاني من عدد الفرقاء الذين يشككون في شرعيتها ومن عدم وجود أغلبية تساندها في مجلس الأمة ومن موقف شبه معادٍ لها من نسبة كبيرة من الإعلام. والتعامل مع بعض هذه الملفات ضرورة موضوعية والتعامل مع البعض الآخر ضرورة سياسية –ضمان عدم سقوط الحكومة؛ أي تقديم ما ينال رضا اليمين المتطرف دون دفع يسار الوسط إلى ترك السفينة.
ولكن المشكلة العاجلة هي الميزانية، وبدرجة أقل صياغة بيان الحكومة، وضع فرنسا المالي حرج جدًا وعليها -على سبيل المثال- سداد ٦٤ مليار يورو فوائد ديون، وأن العجز المزمن فيها قد يعرضها لإجراءات عقابية للاتحاد الأوروبي، وأن هذا العجز أكبر مما توقعته الحكومة السابقة.
تقول صحيفة لو فيجارو: “وفي العام الماضي، ارتفع العجز بالفعل إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم غير مسبوق خارج فترات الأزمات. وكانت الحكومة قد التزمت بتخفيضها إلى 5.1% هذا العام. ولكن وفقًا لأحدث حسابات وزارة الاقتصاد والمالية، فإن العجز قد يصعد إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي “إذا لم يتم القيام بأي شيء”. والأسوأ من ذلك أنه قد يرتفع إلى 6.2% في عام 2025 -بدلًا من 4.1% المخطط لها في مسار الميزانية- إذا لم تتمكن الحكومة من توفير 60 مليار يورو”.
الوقت تأخر جدًا، بسبب اضطراب المشهد الذي تسبب فيه قرار الرئيس بحل المجلس، ولذلك قد تضطر الحكومة إلى الاعتماد على الدراسات والقرارات التي تمت من قبل الحكومة الماضية؛ مما يسمح لخصوم الحكومة أنها تقر سياسات وخيارات الرئيس والتيار الذي خسر الانتخابات.
وأعلنت وزارة الاقتصاد والمالية –قبل إعلان تشكيل الحكومة- أنها طلبت وقتًا إضافيًا من المفوضية الأوروبية لإرسال خطتها لخفض العجز العام، والتي كان من المقرر إرسالها في البداية بحلول 20 سبتمبر. “طلبت فرنسا مثل هذا التمديد” من أجل “ضمان الاتساق بين الخطة ومشروع قانون المالية 2025″، ومن المحتمل أيضًا تأجيل مشروع قانون المالية، الذي كان من المفترض تقديمه إلى البرلمان في الأول من أكتوبر، لمدة أسبوعين تقريبًا.
ووفقًا لتسريبات، فإن “الميزانيات المخصصة للدفاع والأمن هي الوحيدة التي ستزيد بشكل أسرع من التضخم” في العام المقبل. على العكس من ذلك، “السياسات الأكثر تأثرًا بضغط الإنفاق ًهونت المساعدة الإنمائية الرسمية (-18%، دون أخذ التضخم في الاعتبار)، والرياضة (-11%)، والزراعة (-6%)، وأقاليم “ما وراء البحار” (- 4%)، والبيئة (- 1%)”. ) والصحة (- 0.8%).
ولكنه من الواضح أن المعارك بين الإدارات والوزارات وجماعات المصالح ستكون في غاية الشراسة.
قال عدد من الخبراء أن الغالب أن فرنسا ستتقدم بوعود للمفوضية الأوروبية وستقوم ببعض الإصلاحات ولكنها لن تلتزم بخريطة الطريق التي ستقوم بتقديمها، ويضيفون أن هذا حدث كثيرا في الماضي، ولكن هذا “التفاؤل” (بمعني أنه يمكن تأجيل الإصلاحات الجذرية) قد يكون في غير محله.
الخلاصة
لطالما سخر المعلقون الفرنسيون من الحكومة الألمانية لأنها تحالف بين ثلاثة أحزاب بينها اختلافات كثيرة، ولكن الحكومة الفرنسية الحالية تضم ممثلين لأربعة أحزاب بينها تاريخ لم يتوقف من الضغائن و”المقالب” والمعارك، واستمرارها يتوقف على موافقة ضمنية لحزب خامس.
وتواجه هذه الحكومة التي تعاني من اختلافات شديدة بين أعضائها ومن ميل الرئيس إلى المفاجئات والمبادرات الصادمة وإلى التدخل في كل أمور الحكم ومن حسابات أنصارها الذي يفكرون في الانتخابات الرئاسية المقبلة والذين قد يرون ضرورة “تسجيل مواقف” – ظرفًا غير مسبوق، احتقان كبير في الشارع وأزمة مالية حادة وتحديات كبيرة بعضها حال وعدم وجود أغلبية تؤيدها بدون شروط “في السراء والضراء”.
ومما يفاقم من المشكلة أن الحياة السياسية الفرنسية فقدت ثقافة الحلول الوسطى وبناء التحالفات القوية، ولا يوجد ما يشير إلى استردادها بسرعة، وهي ثقافة ضرورية نظرًا لعدم وجود أغلبية. وقد يكون السياسي الوحيد الذي يجيد فنون التفاوض والمزج بين ثبات المبادئ وتقديم التنازلات هو رئيس الوزارة الحالي، ولكن مشكلته أن مبادئه –الديغولية والكاثوليكية والمحافظة- لم تعد تتمتع بشعبية، رغم احترام قطاعات كبيرة لشخصه.