في خطابه الأخير أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي جملة من المسائل التي تخص الساحة العراقية ومنها إجراء الانتخابات المبكرة في العراق، وحدد موعدها في السادس من حزيران عام 2021 بعد جدل طويل حول الانتخابات المبكرة كمطلب أساسي من متطلبات حركة احتجاجات تشرين من العام الماضي، الانتخابات المبكرة التي أعلن عن موعدها لا تزال محط جدل سياسي وقانوني داخل العملية السياسية وخارجها.
ففي أول موقف دعا رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى انتخابات “أبكر” من الموعد المحدد من قبل الكاظمي “من أجل العراق ووفاءً لتضحيات أبنائه” داعياً إلى جلسة طارئة علنية للرئاسات العراقية الثلاث وللقوى السياسية، وذكّر أن المسار الدستوري الوحيد في العراق لإجراء انتخابات مبكرة هو بتطبيق المادة (64) من الدستور، والملفت في موقف الحلبوسي، والذي جاء عبر تغريدة على توتير انه يحاول أن يعبر عن عدم رضاه من قرار رئيس الوزراء، وكأنما يريد أن يقول إن هذا القرار غير دستوري وأن المسألة مرتبطة برئيس الجمهورية محملا في الوقت ذاته الحكومات المتعاقبة ما أسماه الإخفاق في تطبيق البرنامج الحكومي.
ولعل الموقف المتخوف من إجراء الانتخابات التي أعلن عنها الكاظمي يحمل أحد الوجهين: أما إن الحلبوسي يعتقد أن إعلان إجراء الانتخابات هي ليس من صلاحية رئيس مجلس الوزراء، أو أنه متخوف من إجراء الانتخابات المبكرة حتى لو أبدى رغبته بأجراء انتخابات “أبكر”، وهذا التخوف يعبر عن مجمل مواقف القوى السياسية المتخوفة من إجراء انتخابات مبكرة، إذ أنها قد تطيح بالكثير من المكاسب الانتخابية بعد السخط الشعبي المتنامي منذ المظاهرات الأخيرة وإلى الآن.
أما عن مناقشة أصل دعوة الكاظمي في إجراء انتخابات مبكرة فهي بالتأكيد تعبر عن رغبة شعبية ووطنية، وقد تعالج بعض انسدادات العملية السياسية، ومن المعلوم أن المادة (64) نظمت عملية إجراء الانتخابات وتكون عبر الآتي المادة (64/أولاً): يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
المادة (64/ثانياً): يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية.
وبالتالي فإن دعوة الكاظمي هذه لابد أن يسبقها قبل (60) يوما على الأقل حل البرلمان ومن ثم دعوة رئيس الجمهورية إلى إجراء انتخابات، ويبدو أن الكاظمي أراد أن يحسم ملف إجراء الانتخابات المبكرة وأن يضع الحرج من الآن أمام مجلس النواب والقوى السياسية المشكلة له عبر إكمال متطلبات الانتخابات والتي من أهمها الآتي:
أولا: قانون الانتخابات
عمد مجلس النواب تحت الضغط الشعبي إلى تشريع قانون جديد للانتخابات في أواخر أيام عام 2019 تحت سخط وتأثير المظاهرات الشعبية، واستبدال نظام سانت ليغو وفق الطريقة العراقية بنظام الانتخاب على أساس فردي، حيث يقوم هذا النظام على أساس الدوائر المتعددة بدل الدائرة الواحدة التي كان يعتمدها نظام سانت ليغو.
من هنا فإن نظام الانتخاب على أساس فردي ودوائر متعددة يحتاج إلى إحصائيات تبين الدوائر المتعددة لكل محافظة وفق النسب السكانية وبالتالي يفترض بمجلس النواب طوال الفترة الماضية إنهاء المسائل المتعلقة بذلك وبمساندة من مجلس الوزراء، وأمام مجلس النواب تحدي كبير بتحديد ذلك في الفترة القادمة إذا ما كان جادا في إقامة الانتخابات المبكرة.
ثانياً: قانون الأحزاب
قانون الأحزاب السياسية هو أيضا مقر منذ عام 2015 لكن يحتاج إلى تعديلات كبيرة تحد من فوضى الحزبية وتغولها ومن ضمنها انتشار السلاح واستخفافها بالقوانين.
ثالثاً: قانون المحكمة الاتحادية
تعد المحكمة الاتحادية ضابط أساسي للحياة الدستورية ولها صلاحيات كبيرة في المصادقة على الانتخابات وغيرهما من المسائل وبعد إحالة عدد من أعضائها إلى التقاعد أخل النظام الداخلي داخل المحكمة الاتحادية من هنا تحتاج المحكمة الاتحادية إلى قانون أو إلى إضافة أعضاء جدد ليتسنى لها استكمال الأعمال المناطة بها دستورياً.
رابعاً: توفير المسائل اللوجستية المتعلقة بالانتخابات
من المتطلبات الداعمة لإقامة الانتخابات المقبلة توفير الأجواء المناسبة ومن المسائل اللوجستية كضامنة عمل أجهزة البايومترية التي شهدت إخفاقات كثيرة في الانتخابات البرلمانية، إلى جانب تهيئة المتطلبات البشرية محايدة بعد تعديل قانون المفوضية القاضي بتعيين قضاة وحل مجلس المفوضين السابق.
ومما تقدم، يتضح لنا عدد من الاستنتاج المترتبة على تداعيات الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة في حلول الشهر السادس من العام المقبل، ومن أهم هذه الاستنتاجات ما يلي:
– إن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة لابد أن يسبقها بـ(60) يوم حل البرلمان بدعوة رئيس الجمهورية.
– إن الانتخابات المبكرة إذا ما كانت صادقة، تجري بصورة مهنية ووفق قانون مغاير للقوانين التي رسخت من وجود الطبقة السياسية الحاكمة والمتنفذة.
– الفترة المقبلة تحتاج إلى ثورة تشريعات وطنية لضبط العملية السياسية وفي مقدمتها تعديل الدستور وهو وأن كان صعبا لكنه ليس مستحيلا للضرورات الوطنية الملحة، وكذلك تعديل قانون الأحزاب والمحكمة الاتحادية.
– في حال إقرار القوانين الضابطة للعملية السياسية، ومساهمة الشعب بكثافة في الانتخابات باختيار الأفضل والأصلح والأكفأ، وقد تمثل الانتخابات المقبلة نقطة تحول أولى في التغيير وتجاوز جزء من تحدي الطبقة السياسية الفاسدة.
– أي حركة تطالب بالإصلاح وغير متورطة بالمال العام وسوء استخدام السلطة لابد أن تنظم صفوفها وتتحد تحت أهداف واضحة وتنتقل من حالة الشعارات إلى الواقع، وهذا ما سبقت وأكدت عليه القوى الوطنية الشعبية، وما انتظمت هذه القوى بصورة منظمة فسوف نشهد تنافس انتخابي ما بين قوى الاحتجاجات الشعبية التي وقفت بقوة بوجه العملية السياسية منذ سنوات، والقوى السياسية التقليدية بما تمتلكه من أرث ونفوذ وحتى سلاح.
رابط المصدر: