استعدت لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست (9 مارس 2023) لتقديم مشروع قانون لإلغاء قرار “فك الارتباط” شمالي الضفة الغربية، والذي أخلت إسرائيل بموجبه عدّة مستوطنات في المنطقة. وفي 20 مارس 2023، سمح الكنيست بتمرير مشروع القانون والذي توافق الحكومة بموجبه على شراء المستوطنين أراضي ووحدات سكنية شمالي الضفة الغربية فقط، دون تطبيق ذلك على قطاع غزة. يُعد القرار نقطة تحول جديدة ضمن مجموعة المتغيرات السياسية والأمنية التي تصف الوضعين السياسي والأمني في الضفة الغربية؛ وذلك بسبب تداعياتها على الأمدين القريب والمتوسط، كذلك تأثير القرار على الصعيد الإقليمي فيما يتعلق بعلاقة إسرائيل بالدول العربية.
ماذا يعني مشروع القانون؟
نفّذ رئيس وزراء إسرائيل آنذاك “آرئيل شارون” خطة فك الارتباط في صيف 2005، وتضمنت إخلاء المستوطنات وسحب قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة إلى الحدود الدقيقة للخط الأخضر وتسليم السيطرة على القطاع بأكمله للسلطة الفلسطينية، إلى جانب إخلاء أربع مستوطنات منعزلة ومواقع للجيش الإسرائيلي في شمال الضفة، دون تسليم السيطرة عليها للسلطة. تندرج الأربع مستوطنات ضمن المجموعة (ب): مستوطنات شمالي الضفة الغربية”غنيم، كديم، سانور وحومش”.
في 9 مارس 2023، تقدم أعضاء من الكنيست محسوبين على التيار اليميني المتطرف وعلى رأسهم النائبة ليمور سون هار ميليخ (عن حزب عوتسماه يهوديت: القوة اليهودية)، بمشروع قانون يقترح إلغاء قانون فك الارتباط الذي سُنَّ في 2005. ويعني مشروع القانون إعادة بناء المستوطنات اليهودية في المناطق الأربع التي تم إخلاؤها من الوجود المدني والعسكري الإسرائيلي. وصيغ المشروع بشكل يستهدف شمال الضفة الغربية فقط دون المساس بالوضع الراهن في قطاع غزة.
وفي 16 مارس 2023، أي بعد أربعة أيام فقط وبشكل عاجل، تم المصادقة على المشروع بعد القراءة الأولى العاجلة، والدخول في مرحلة القراءة الثانية، في انتظار القراءة الأخيرة من أجل أن يصبح القانون نافذًا ويبدأ العمل به. وفي 20 مارس 2023، أي بعد أسبوع واحد من القراءة الأولى والثانية للمشروع، وفي خضم الاحتجاجات المتعلقة بالإصلاح القضائي في إسرائيل، تم تمرير مشروع القانون في قراءته الثالثة والأخيرة.
يسمح مشروع القانون بعودة المستوطنين إلى هذه المستوطنات الأربع التي تم تفكيكها، وينص التشريع على إلغاء العقاب الجنائي المفروض على المستوطنين الذين يدخلون أو يقيمون في هذه المستوطنات الأربع الواقعة على أراضٍ فلسطينية، خاصة شمالي الضفة الغربية.
دوافع تتحول إلى متغيرات جديدة
ارتسمت مجموعة من الدوافع التي حفزت حكومة إسرائيل لأخذ هذا الموقف، وهو إلغاء الخطة القديمة بفك الارتباط الإسرائيلي أحادي الجانب من شمالي الضفة الغربية، يمكن تقديرها فيما يلي:
أولًا: تعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي
تنامت ظاهرة انتشار التنظيمات الفلسطينية شبه العسكرية-المسلحة التي لا تنتسب بشكل مباشر لأي من الفصائل في منطقتي جنين ونابلس شمالي الضفة الغربية، تلك التنظيمات هي “وكر الصقور” و”عرين الأسود”. ونفذت هذه التنظيمات عددًا من هجمات المقاومة في صفوف القوات الإسرائيلية.
تدّعي القوات الإسرائيلية أن الوصول إلى تلك التنظيمات الفلسطينية ليس بالأمر اليسير؛ بسبب اقتحام البلدات الفلسطينية في الضفة، لذلك قدم الجيش الإسرائيلي توصية بإنشاء طرقًا التفافية تستطيع منها القوات الإسرائيلية الوصول إلى أماكن المسلحين الفلسطينيين لمفاجئتهم، وكذلك تسهيل وصول المستوطنين إلى مستوطناتهم بدون الاحتكاك بالفلسطينيين. ويعد القرار الجديد أداة تشريعية تسهل للحكومة إنشاء طرق جديدة ومواقع عسكرية للقوات الإسرائيلية للسيطرة على شمال الضفة بدءًا من جنين حتى نابلس.
ثانيًا: تقوية الائتلاف الحكومي
يعد القرار الجديد تجسيدًا لطموح قديم للتيار اليهودي الديني المتطرف؛ بهدف السيطرة على أراضي الضفة الغربية، لا سيما أن المستوطنات الشمالية القديمة كانت تحوي عددًا كبيرًا نسبًيا من المدارس الدينية التي تم إخلاؤها بناءً على قرار فك الارتباط في 2005.
يأتي القرار بمباركة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ بهدف ترسيخ قوة الائتلاف الذي يواجه تحدي التفكك بسبب الإصلاحات القضائية. وعلاوة على ذلك، يناور نتنياهو بالقرار الجديد في حالة فشل تمرير الإصلاحات القضائية، وبالتالي يكون القرار كهدية للأحزاب الدينية التي ترغب في بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية؛ للقضاء كليًا على حل الدولتين.
ثالثًا: مناورة سياسية إقليمية
يدرك نتنياهو أن زخم التطبيع قد يقل تماما بسبب الاضطرابات السياسية والمجتمعية في إسرائيل الناتجة عن الوضع الأمني في الضفة الغربية والذي يشعل مرة أخرى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وعليه، قد يهدف نتنياهو من وراء هذا القانون التلويح بإمكانية زيادة حدة الصراع داخل الضفة الغربية وفرض السيادة وبناء المستوطنات على أراضيها إذا لم يعد مسار تطبيع العلاقات إلى ما كان عليه قبل اندلاع الأحداث الأخيرة.
ويسعى نتنياهو كذلك من خلال تلك القوانين المساومة بالتطبيع في مقابل صرف النظر عن ضم أراضي الضفة للسيادة الإسرائيلية. على غرار تجميد قرار ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية وتأجيل بناء المستوطنات بعد توقيع الاتفاق الإبراهيمي مع الإمارات والبحرين.
التداعيات المحتملة على الأمدين القريب والمتوسط
يحظى مشروع القانون بدعم كامل من الحكومة الائتلافية الحالية برئاسة نتنياهو، ومن المحتمل أن يدخل ضمن دولاب العمل الحكومي الإسرائيلي في أسابيع قليلة، بشرط أن تغض الحكومة الإسرائيلية الطرف عن الاعتبارات التالي ذكرها التي ترسم نوعًا من التداعي السلبي على المستويات السياسية، والاقتصادية، والأمنية:
أولًا: وضع أمني متفجر في الضفة الغربية:
في حال تم إنشاء الطرق الالتفافية التي رغب في إنشائها الجيش الإسرائيلي لتسهيل عملية المداهمات شمالي الضفة الغربية، ستزيد المداهمات وسيتبعها بالضرورة تزايد ملحوظ للاحتكاك الأمني بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين.
وتزيد فرص اعتزام الحكومة الإسرائيلية إنشاء ما يسمى بـ “الحرس الوطني” ويعني تسليح متطوعين مدنيين وتدريبهم على تنظيم أنفسهم ضمن تشكيل شبه عسكري يساعد في زيادة الشعور بالأمن داخل أراضي الضفة الغربية. ينعكس ذلك في قرار مجلس الوزراء المُصغَّر للشؤون السياسية والأمنية توسيع نطاق مَنحِ تراخيص حَملِ السلاح والإسراع في إجراءات استلامها، وينبع بزيادة نسب المستوطنين الذين لا يشعرون بالأمان رغم تكثيف وجود القوات الإسرائيلية في الضفة.
ثانيًا: مرحلة سياسية جديدة محتدمة (الدستور)
بعد إدراك المعارضة الإسرائيلية لمساعي حكومة نتانياهو بسن 141 تشريعًا من خلال الكنيست (أبرزها قانون الارتباط بالضفة، وقانون الإصلاحات القضائية)، سيطر على الأروقة السياسية -خاصة المعارضة الإسرائيلية- مسعى سياسي جديد تمامًا وهو محاولة صياغة دستور جديد. وهو أمر قد ينذر بتشابك سياسي مختلف تمامًا عما شهدته إسرائيل منذ تأسيسها.
عبّر زعيم المعارضة “يائير لابيد” عن نيته تقديم مشروع قانون لتأسيس دستور جديد يهدف من خلاله إلى الوصول إلى توافق سياسي جامع بين كافة التيارات الإسرائيلية. يحمل مشروع صياغة دستور في إسرائيل الكثير من التعقيدات السياسية، والثقافية، والأمنية، والاجتماعية. بالإضافة إلى أن حكومة نتانياهو لن تقبل أن يقود مشروع صياغة دستور جديد في إسرائيل زعيم المعارضة المحسوب على التيار الوسط اليميني ذاته. لا سيما وأنه ليس من المستبعد أن يدخل المشروع في توظيفات سياسية غير جادة، تهدف فقط إلى الحشد السياسي وإسقاط الحكومات.
ثالثًا: علاقات إقليمية ودولية متوترة مع إسرائيل
ستتسبب فورة مشروعات القوانين التي تطلقها حكومة نتنياهو والتي لا تصب في صالح الامن الإقليمي أو الاستقرار السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين في إثارة حنق الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية وعلى رأسها: (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية مثل مصر والأردن).
لم تتورع الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن التعبير عن قلقها من التشريعات الإسرائيلية التي تزيد من التالي:
- تأجيج الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وإفشال محاولات التهدئة الأمنية.
- تعريض الجيش الإسرائيلي إلى رياح سياسية عاصفة، قد تؤثر بالسلب على تماسكه المؤسسي، وإيمان أفراده.
- تعريض المجتمع الإسرائيلي إلى اختبارات سياسية قاسية تهدد تماسكه، وقد تعرضه إلى حرب أهلية.
وكذلك عبّر الاتحاد الأوروبي عن رفضه سياسات إسرائيل في الضفة الغربية، وهو ما قد يهدد سياسة الاستثمار في السوق الإسرائيلية في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والبيانات والذكاء الاصطناعي. أما دول الجوار، فيربط إسرائيل والأردن مشروعات استراتيجية واعدة مثل “بوابة الأردن” الذي يسهم في دمج إقليمي لإسرائيل في قطاعات استراتيجية مؤثرة مثل الطاقة والمياه. وعليه، فإن استمرار سياسات نتنياهو قد يؤثر بالسلب على استكمال تلك المشروعات.
ختاما، يمكن القول إن قانون إلغاء فك الارتباط ينذر بخلق مجموعة جديدة من المتغيرات الأمنية-العسكرية من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ذاتهم. وينذر بتداعيات تطال حكومة نتنياهو خارج إسرائيل ذاتها، قد تبدأ من الأردن والولايات المتحدة.
.
رابط المصدر: