بقلم : التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي
يعرف الانقلاب العسكري بأنه محاولة فرض واقع جديد في الدولة باستخدام القوة الصلبة، نتيجة لاخطاء جسيمة ومتراكمة كان السبب الرئيس والأساس فيها هو النظام السابق واركانه، وكانت محصلتها الكارثية هي الانهيار الكامل في كافة مرافق الدولة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا ومجتمعيا.
ويعرف أيضا بأنه عملية عسكرية سريعة ودقيقة لإزاحة قائد الدولة من منصبه، واستبداله بغيره، سواء كان قائد الانقلاب نفسه، أو من يختاره هذا ويعينه لقيادة الدولة، أو أنه مسار مدروس وخطير يتم من خلاله تحييد قوى الجيش ووسائل الإكراه السياسي الأخرى، كما يتم فرض حالة من السلبية على القوى السياسية .[1]
وفي تعريف آخر أنه الاستيلاء على السلطة في مركزها الرئيسي، بما يمكن من بسط النفوذ على كافة أرجاء الدولة.[2]
في عشرينات هذه الالفية، شهدت القارة السمراء عدة انقلابات واضطرابات عسكرية، فقد كان انقلاب مالي، في 24 مايو/أيار 2021، وانقلاب بوركينا فاسو، في 24 يناير/كانون الثاني 2022، وتمرد عسكري في السودان 14ابريل/نيسان 2023 ثم انقلاب النيجر في 26 يوليو/تموز 2023 الذي قامت به مجموعة من عناصر الحرس الرئاسي.
تقع النيجر في غرب إفريقيا، يحدها من الشمال الجزائر وليبيا ومن الجنوب نيجيريا وبنين ويحدها من الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشرق تشاد، ويبلغ تعداد سكانها 24 مليون نسمة الأغلبية منهم مسلمون.
طلب الرئيس “بازوم” فور وقوع الانقلاب وفي أول تصريح له المساعدة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي: ” أدعو الحكومة الأمريكية والمجتمع الدولي بأسره إلى مساعدتنا في استعادة النظام الدستوري”.. واضاف: “ان هذا الانقلاب ليس له أيّ مبرر”.[3]
ويعتبر ” محمد بازوم” أول رئيس عربي على النيجر من أصول عربية ليبية تعد من الأقليات في البلاد، ولد في الأول من يناير/كانون الثاني 1960، وشغل العديد من المناصب العليا في حكومة الرئيس السابق “محمدو إيسوفو”، فكان وزيراً للخارجية والداخلية والشؤون الدولية. وتولى رئاسة النيجر عام 2021 من خلال الانتخابات، ليكون أول رئيس يصل للسلطة من دون انقلاب عسكري. [4]
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قال بعد وقوع الانقلاب، موضحا الموقف الصيني: تدعو الصين الأطراف المعنية في النيجر إلى العمل من أجل المصالح الأساسية للبلاد وشعبها، وحل خلافاتهم سلمياً من خلال الحوار، واستعادة النظام الطبيعي في أقرب وقت ممكن، وحماية السلام والاستقرار والتنمية في البلاد.
أما مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض فقد ادان اعاقة الحكومة الديمقراطية: ندين بشدةٍ أي محاولة لاعتقال أو لإعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في النيجر والتي يديرها الرئيس” بازوم”.
ودعت “ماريا زاخاروفا” المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية جميع الاطراف الى الامتناع عن استخدام القوة: نعول على الإفراج السريع عن الرئيس بازوم من قبل الجيش.. وندعو جميع أطراف النزاع إلى الامتناع عن استخدام القوة، وإلى حل جميع الخلافات من خلال الحوار السلمي والبناء.
وزير الخارجية الأمريكي” بلينكن” قال: تحدثتُ مع الرئيس بازوم في وقت سابق هذا الصباح، وقلت له بوضوحٍ إن الولايات المتحدة تدعمه بقوة بصفته رئيساً للنيجر منتخباً بشكل ديمقراطي.
وحتى تكون الصورة واضحة لفهم حقيقة ما جرى في النيحر واعلان العقيد “أمادو عبد الرحمن” الاطاحةب- الرئيس” محمد بازوم” فانه ينبغي معرفة حيثيات الصراع داخل الحزب الحاكم بالنيجر ،فقد ظل الرئيس السابق، “محمدو إيسوفو” ممسكا بتفاصيل الحزب ومهيمنا عليه حتى بعد مغادرته السلطة لاحقا وانتخاب اللواء “محمد بازوم” الذي تربطه علاقة تاريخية طويلة به، إذ تشارك الاثنان في تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي عام 1990، ثم صار” بازوم” نائباً ل-“إيسوفو” في رئاسة الحزب عام 2004. وبعد تولي “إيسوفو” رئاسة البلاد عام 2011، تولى “بازوم” رئاسة الحزب.\
يرى المراقبون للوضع بالنيجر أن هناك صراعًا صامتًا ما فتئ يتفاعل بين الرئيس السابق، “إيسوفو” وسلفه ووزير خارجيته ورفيقه في السياسة الرئيس المطاح به” بازوم”. ويظهر ذلك في أنه ما إن بدأ الرئيس “بازوم” في تعيين قيادات سياسية وعسكرية موالية له في مناصب سامية سواء في أجهزة الدولة أو في المؤسسة العسكرية، ومُقصيًا بذلك حلفاء وأنصار سلفه الرئيس “إسوفو”، حتى بدأ الخروج على” بازوم” يتبلور والتفكير في الإطاحة به يتحدد. وقد فُهم من تعيينات “بازوم” أنها محاولة لتقليم أظافر سلفه “إيسوفو”، والإطاحة بالرؤوس التي يعتمد عليها في أجهزة الدولة وفي المؤسسة العسكرية، والتي كانت الضامن لحضوره الفاعل وهو خارج الجهاز التنفيذي.[5]
تُرجع معظم التقارير المحلية في النيجر السبب وراء هذا الانقلاب العسكري إلى خلافات سياسية داخل الحكومة، حيث قرر الرئيس الحالي” محمد بازوم” إجراء تغييرات في الجيش النيجري، واستبدال رئيس أركان الجيش ورئيس الدرك الوطني في أبريل 2023. وقرر “بازوم” أيضًا إبعاد الجنرال “تشياني” من قيادة الحرس الرئاسي تدريجيًا، مما أدى إلى انقسام داخل الحرس ودفع ببعض أعضائه إلى الانقلاب ضده وفي يوم الجمعة الموافق 28 يوليو 2023 عيّن “عبد الرحمن تشياني” نفسه رئيسًا للحكومة الانتقالية تحت مسمى “المجلس الوطني لحماية الوطن”، وذلك بعد يومين من إطاحة وحدته بـ”بازوم” الرئيس المنتخب ديمقراطيًا. وأشار المجلس العسكري إلى أن السبب وراء خطوتهم هو تدهور الوضع الأمني [6]
ولان “بازوم” ينتمي الى قبيلة أولاد سليمان العربية التي يقطن فرع منها النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ووسط ليبيا، وتنحدر أصولها من قبائل بني سليم العربية العدنانية القيسية وسط الجزيرة العربية، وهي قليلة العدد مقارنة بقبيلة الهوسا التي تشكل60% من السكان في النيجر، ولان افراد الهوسا يعتقدون ان لهم الفضل واليد العليا في استلام” بازوم “للسلطة لأن ناخبوهم كانوا سببا رئيسا في تقلده اعلى المناصب القيادية في الدولة، في الوقت الذي كان فيه يقلد افرادا وعناصر عربية مناصب عليا في التعيينات الاخيرة، فقد اضفى ذلك كله على المشهد طابعا عنصريا وقبليا بين المجموعات العربية والافريقية.
وفي محاولة لوأد الانقلاب وتحييده دخلت على الخط دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وقامت بفرض عقوبات على نيامي تشمل عقوبات تجارية ومالية ، بل انها هددت بالتدخل العسكري واستخدام القوة اذا فشل الحرس الجمهوري في إعادة” بازوم” إلى السلطة وأصدرت (ايكواس) بيانا وصفت فيه الأحداث في النيجر بأنها محاولة انقلاب، وإنها تدين بأشد العبارات محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة. [7]\
واضاف مفوض الشؤون السياسية والأمن في المنظمة الإقليمية انه تم تحديد كل عناصر التدخل العسكري المحتمل، بما في ذلك الموارد اللازمة، وكذلك كيف سننشر القوة ومتى؟[8]
مع هذا فقد هدد المجلس العسكري الانقلابي من جانبه بمهاجمة مجموعة الإيكواس في حال قيامها بالتدخل العسكري في النيجر، وقال: إن أي عدوان ضد دولة النيجر سيشهد ردا فوريا ودون إنذار من جانب قوّات الدفاع والأمن النيجريّة على أيّ عضو من المنظمة باستثناء الدول الصديقة.
ولان المجلس العسكري الغي عدة اتفاقيات عسكرية مبرمة مع فرنسا في مجال الأمن والدفاع، وتحديدًا الاتفاقيات الخاصة بتموضع الكتيبة الفرنسية وبوضع الجنود الموجودين في إطار المعركة ضد بعض الجماعات الإسلامية المسلحة فقد رفضت فرنسا، إعلان قادة الانقلاب في النيجر إلغاء اتفاقيات للتعاون العسكري مع باريس، قائلة إن “سلطات النيجر الشرعية” وحدها هي التي تملك سلطة الفسخ وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها: تذكر فرنسا بأن الإطار القانوني لتعاونها مع النيجر في مجال الدفاع يستند إلى اتفاقات أبرمت مع السلطات النيجرية الشرعية. وأضافت: أن فرنسا تعترف شأنها في ذلك شأن كامل الأسرة الدولية، فقط بهذه السلطات.[9]
من جانبها رفضت أيضا الولايات المتحدة اعلان الانقلاب العسكري وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” ان الانقلاب يهدد بتعطيل استراتيجية الولايات المتحدة بأكملها لمحاربة “الإسلاميين المتشددين” الذين يوسعون مجال تأثيرهم في غرب أفريقيا، ومن المحتمل أن يمنح روسيا فرصة استراتيجية، في الوقت الذي تحاول فيه توسيع نفوذها بالمنطقة.[10]في اشارة الى الوجود الأمريكي في النيجر (حوالي 1000 جندي أمريكي وقاعدتين عسكريتين لأغراض مكافحة الإرهاب والعمليات المشتركة مع القوات العسكرية النيجرية) .
بعد هذا يسوغ القول ان الدولة اصبحت امام عدة تيارات ومعضلات ظاهرة، منها هو حجم الوجود العسكري الاجنبي المتزايد والمتوضع على اراضيها، والذي يستهدف اصلا التنظيمات الاسلامية المتشددة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وتنظيم بوكو حرام.
ثانيا: صد ومواجهة الطامعين في خام اليورانيوم (يوجد في النيجر اكبر إحتياطيات اليورانيوم في العالم، ووفقا لبيانات البنك الدولي فان اليورانيوم يعد ثاني اكبر صادرات النيجر من الناحية النقدية، وتعتبر النيجر مصدرا رئيسيا لليورانيوم في دول الاتحاد الاوروبي)
ثالثا: محاولة انقاذ الدولة من الوضع المتردي سياسيا وأمنيا.
إن انظمة الاستبداد التي تمسك بكل شئ؛ سواء في افريقيا أو اي قارة اخرى، مهما علت وتكبرت فانها فيما اتصور تسير الى نهايتها وزوالها في متوالية متتابعة. في كتابه (نظام التفاهة)يقول “آلان دونو”: إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن زمن الحق والقيم ، ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً.[11]
المصادر:
[1]_زين الدين حماد، كيف تصنع انقلابا عسكريا ناجحا،(المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية،(2016،ص 3
[2]_المصدر السابق، ص3
[3]_انظر: قادة الانقلاب في النيجر يهددون بمهاجمة “إيكواس”.. وبازوم يطالب أمريكا والمجتمع الدولي بالتدخل، موقع الجزيرة مباشر،4اغسطس/آب 2023،(تاريخ الدخول: 7 اغسطس/آب (2023:
https://www.aljazeeramubasher.net/news/politics/2023/8/4/%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AC%D8%B1-%D9%8A%D9%87%D8%AF%D8%AF%D9%88%D9%86
[4]_ انظر: أول رئيس عربي ومنتخب في النيجر.. كل ما تريد معرفته عن محمد بازوم الذي وقع الانقلاب ضده، عربي بوست، 27 يوليو /تموز 2023،(تاربخ الدخول: 8 اغسطس/آب 2023):
[5]_سيدي احمد ولد الأمير ، الانقلاب العسكري في النيجر: الأسباب والتوجهات، مركز الجزيرة للدراسات،28 يوليو/تموز 2023،(تاريخ الدخول:8 اغسطس/آب ( 2023:
https://studies.aljazeera.net/ar/article/5702
[6]_ محمد طاهر زين، انقلاب النيجر: أسبابه وأبعاده وتداعياته، الافارقة للدراسات والاستشارات، ،28 يوليو/تموز 2023،(تاريخ الدخول:8 اغسطس/آب ( 2023:
[7]_انظر: انقلاب النيجر.. كل ما تريد معرفته عما يحدث في آخر معاقل فرنسا، ومن المستفيد؟، عربي بوست، 27 يوليو /تموز 2023،(تاربخ الدخول: 8 اغسطس/آب 2023):
[8]_انظر: النيجر.. مئات يتظاهرون أمام المسجد الكبير في نيامي رفضا للتدخل العسكري في البلاد، موقع الجزيرة مباشر،4اغسطس/آب 2023،(تاريخ الدخول: 7 اغسطس/آب (2023:
https://www.aljazeeramubasher.net/news/politics/2023/8/4/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AC%D8%B1-%D9%85%D8%A6%D8%A7%D8%AA-%D9%8A%D8%AA%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF
[9]_انظر: فرنسا: “سلطات النيجر الشرعية” وحدها المخولة إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع باريس، موقع الجزيرة مباشر،4اغسطس/آب 2023،(تاريخ الدخول: 7 اغسطس/آب (2023:
https://www.aljazeeramubasher.net/news/politics/2023/8/4/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%8a%d8%ac%d8%b1
[10]_WSJ: انقلاب النيجر يقلب الخطط الأمريكية بغرب أفريقيا ويمنح روسيا فرصة، موقع عربي 21،29 يوليو /تموز 2023،(تاريخ الدخول: 7 اغسطس/آب (2023:
https://www.google.com/amp/s/arabi21.com/storyamp/1527978/WSJ-%25D8%25A7%25D9%2586%25D9%2582%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25A8-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2586%25D9%258A%25D8%25AC%25D8%25B1-%25D9%258A%25D9%2582%25D9%2584%25D8%25A8-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AE%25D8%25B7%25D8%25B7-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2585%25D8%25B1%25D9%258A%25D9%2583%25D9%258A%25D8%25A9-%25D8%25A8%25D8%25BA%25D8%25B1%25D8%25A8-%25D8%25A3%25D9%2581%25D8%25B1%25D9%258A%25D9%2582%25D9%258A%25D8%25A7-%25D9%2588%25D9%258A%25D9%2585%25D9%2586%25D8%25AD-%25D8%25B1%25D9%2588%25D8%25B3%25D9%258A%25D8%25A7-%25D9%2581%25D8%25B1%25D8%25B5%25D8%25A9
.
رابط المصدر: