يبدو السؤال غريباً ، فليس من المنطقي أن يفكر أحد بالوقوف مع الظالم ، وما دعانا الى التفكير بذلك هو الواقع المليء بالمتصدين للحكم من الظالمين ، فلو توفّر حاكم عادل غير ظالم وبيسر لما احتجنا الى معرفة الظرف المناسب للوقوف مع الظالمين ، ولكن عندما يُعرَض أمامنا حاكمان – كلاهما ظالمان – ولكن ظلم أحدهما أهون من الآخر فمن المنطقي تفضيل من هو أقل ظلماً على الآخر، وليس الوقوف بوجهيهما – باعتبارهما ظالمين – دائماً صحيحاً ، فقد يكون الوضع لا يتحمل البقاء بلا حاكم ، أو أن مستوى ظلمهما أهون من بقاء الوضع بلا حاكم .
فعلى سبيل المثال لو تصدى شخص معروف بنزاهته وكفائته للحكم ولكن عنده تصرفات شخصية سيئة لا تؤثر على عدالة حكمه كمعاملة عائلته معاملة خشنة او تلفظه بألفاظ بذيئة ، أو على المستوى الديني مثلاً يستمع الى الغناء او يغتاب او ما شابه ، فهذا الشخص بمستوى من المستويات يعتبر ظالم بسبب تصرفاته الشخصية السيئة ولكنه بالتأكيد أفضل من شخص لا تتوفر فيه النزاهة والكفاءة حتى وإن كان لا يمتلك تصرفات شخصية سيئة ، ولو توفّر شخص كفوء ونزيه بلا تصرفات شخصية سيئة لكان أفضل الجميع بالتأكيد .
وإذا أردنا توسيع هذه النظرة لكون العالم صار أشبه بالقرية الواحدة ، فلم يعد الحاكم يؤثر فقط على سكان بلاده بل إن بعض الحكّام يؤثرون في بلاد أخرى ويؤثرون على المحكومين في تلك البلاد ، وقد يؤثر على العالم كله كما في حالة الرئاسة الأميركية ، فالرئيس الأميركي هو في الحقيقة يحكم العالم شئنا أم أبينا ، وسياسته تؤثر على العالم كله ، وربما هناك قناعة شبه تامة عند كل سكان العالم أن السياسة الأميركية ظالمة لأنها تنظر الى مصالحها فقط ، ولكن اختلاف وجهات النظر حيال هذه السياسة هو أن البعض يتعامل معها كواقع حال فيندمج ضمن محورها ويذوب في سياستها ، ولو توفّر البديل لما بقوا معها ، والبعض الآخر يرى ضرورة الوقوف بوجهها وإن كلّف ذلك الكثير .
فعندما ننظر الى العالم من هذه الزاوية الفوقية فسنقسّم حكام البلاد وفق اندماجهم مع السياسة الأميركية الظالمة الى :
1- حاكم ظالم لشعبه مؤيد للسياسة الأميركية الظالمة .
2- حاكم عادل مع شعبه مؤيد للسياسة الأميركية الظالمة .
3- حاكم ظالم لشعبه رافض للسياسة الأميركية الظالمة .
4- حاكم عادل مع شعبه رافض للسياسة الأميركية الظالمة .
نظرياً فإن الصنف الرابع بالتأكيد هو الأفضل ، خاصة إذا قلنا أن عدالته نسبية أي نسبة لعدالة الآخرين ، والصنف الأول هو الأسوأ ، ولكن يبقى الأمر أيهما أفضل الصنف الثاني أم الثالث ؟
فمن يرى عدالة الحاكم مع شعبه أهم من كل شيء حتى وإن كان الحاكم مؤيداً للسياسة الأميركية الظالمة فإنه يعتبر الصنف الثاني هو الأفضل ، ومن يرى ظلم الحاكم لشعبه وإن كانت مرفوضة ولكنها مقابل دعم السياسة الأميركية الظالمة تُعدُّ جزئية يمكن التغاضي عنها يعتبر الصنف الثالث أفضل ، وفي الحالتين يكون الوقوف مع ظالم ، الظالم الأول كونه ظلم شعبه ، والثاني كونه أيّد السياسة الظالمة لشعوب العالم باعتباره أصبح جزء من ظلم باقي الشعوب ، فهناك من يرى ظلم شعب واحد ( حتى لو كان مائة مليون نسمة ) أهون من ظلم مليارات من البشر ، والشعوب كالأفراد لا تريد أن تكون مظلومة ، وهذا حقها ، ولكن على أن لا يكون ذلك على حساب ظلم باقي الشعوب ، فالشعب المظلوم الذي يرى شعوب العالم تتكالب على ظلمه من خلال تأييد نظام عالمي ظالم كيف له أن يقبل بظلم باقي الشعوب وقد مرّ بهذه التجربة المريرة ؟! ما يحصل أن الشعوب تريد الرخاء بأي صورة كانت وبأي وسيلة ولو على حساب ظلم باقي الشعوب، مع إن الغاية لا تبرر الوسيلة .
بهاء النجار / 2020
https://t.me/Bahaa_AlNajjar