ابو حسن الكعبي
أثار ظهور صور السيد مقتدى الصدر في مراسم إحياء ليلة الحادي عشر من محرم الحرام في إيران وهو يتوسط السيد الخامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني جدلا واسعا في العراق لاسيما وأن الصدر معروف بعلاقاته الفاترة مع ايران.
وقد تراوحت وجهات النظر حيال هذا الظهور بين مؤيد وبين منتقد،ونحن من خلال متابعة مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها من المواقع وما قيل اتجاه الظهور رصدنا مجموعة من الآراء حول ذلك الظهور،نسجعله على النحو الآتي:
١- قيادات من التيار الصدري حاولت التخفيف من شأن الضجة التي احدثتها الزيارة والظهور في المجلس العزائي الحسيني بالقول كما صرح بذلك 《حاكم الزملي》عندما قال:-{حضر السيد مقتدى الصدر إلى مجلس عزاء حسيني في طهران وصادف هذا الحضور وجود خامنئي وسليماني وهذا ما يجعل الأمر طبيعيا جدا}.
وأضاف أن السيد مقتدى الصدر{يتمتع بعلاقة جيدة مع الجميع من دول الجوار كما أن الجميع يكن له الاحترام لمواقفه الوطنية المشرفة تجاه العراق والأزمات التي تمر بها المنطقة}.
وعلق النائب عن (تحالف سائرون) [رياض المسعودي] حول ظهور السيد مقتدى الصدر بالقول إن{علاقة العراق بمحيطه المجاور منذ سقوط نظام صدام حسين وحتى هذا اليوم مبنية على حسن الجوار واحترام السيادة ولم تصل إلى مرحلة القطيعة}.
عادا ان زيارات السيد مقتدى الصدر الخارجية {ترتكز على ثلاثة مبادئ وهي:احترام حسن الجوار،والحفاظ على السيادة،ورغبته في توطيد العلاقات بين الشعوب،وهو ينطلق من مبدأ لغة الأقوياء ولغة المؤمنين بالمشروع العراقي وتحقيق مصلحة الشعب}.
٢- زيارة السيد مقتدى الصدر وإظهار صور مجلس العزاء لها مدخلية في مجريات الأحداث التي تمر بها المنطقة،فايران تعمل لترتيب ملفات المنطقة وأحكام السيطرة عليها ومنع اي إمكانية لحدوث خرق في المواقف ولاسيما في الساحة العراقية،حيث ان هذه الساحة تعاني من مواقف تصعيدية وارتجالية ولا تقف تداعياتها على الساحة الداخلية العراقية بين القوى السياسية بل إنها تطال بشكل مباشر بقية الملفات الأخرى لمحور المقاومة والممانعة في المنطقة.
لذا فإن حضور المجلس العزائي والزيارة إلى إيران تصب في مسار ضبط المواقف حتى لا تشكل أي إرباك لمشروع المقاومة والممانعة في المنطقة.
٣- جاء مشاركة السيد مقتدى الصدر في مجلس العزاء وجلوسه إلى القرب من السيد الخامنئي وقادة الحرس الثوري الإيراني مع غياب الرئيس الإيراني عن هذه الجلسة لأجل إعطاء رسائل واضحة مفادها ان التعامل مع الساحة العراقية والملفات الإقليمية لا يقع ضمن دائرة العمل الدبلوماسي في الفترة الراهن بل إنه يخضع لإشراف المؤسسة العسكرية لضرورات المرحلة وتداعيتها.لاسيما مع وجود هواجس من تحركات إسرائيلية لقلب الطاولة وافشال كل الجهود والمساعي لحلحلت الأزمة بين إيران وأمريكا.
٤- الكل يعلم أن هناك قوى سياسية أعلنت معارضتها وسعيها إلى استجواب عادل عبد المهدي ووزراء حكومته وعمل البعض على إقالتها نتيجة ضعف الأداء وتفشي الفساد وبطء إنجاز المشروعات الخدمية.
ومن بين تلك القوى السياسية تحالف سائرون،والذي اتخذ مواقف تصعيدية اتجاه حكومة عادل عبد المهدي ولاسيما في الآونة الأخيرة.
وهذه المواقف كما هو معلوم تلقي بظلالها على الوضع الداخلي العراقي والإقليمي،ومن هنا ذهبت القيادة الإيرانية لكي تخفف من مواقف الصدر المنتقدة لمشروعات الحشد الشعبي،وكذلك الحد من تصويباته اتجاه حكومة عادل عبد المهدي لأجل تمرير المرحلة والتي تصب كلها في مصلحة الأمة الشيعية في المنطقة برمتها وليس لإيران وحدها فقط كما يحاول البعض تصوير ذلك هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إيران ترفض بشكل مباشر ان تتم عملية تغيير الحكومة بيد طرف سياسي واحد مما يعني جعل الحكومة العراقية تسقط بيد طرف واحد ويكون القادم أسوء وعليه لابد من تقوية القاعدة السياسية التي يستند عليها رئيس مجلس الوزراء الحالي وعدم السماح لاي طرف سياسي لوحده من التفرد بالحكومة العراقية.
٥- يبدو ان السيد مقتدى الصدر متفهم لطبيعة ظروف المرحلة الراهنة ولاسيما فيما يتعلق بالرؤية الايرانية بقضية إسقاط حكومة عادل عبد المهدي واستبدالها بأخرى حيث ترى تلك الرؤية ان عملية الإسقاط تعني إعادة الجدل من جديد على الساحة السياسية العراقيةفي تشكيل الحكومة إلى مربع الصفر والذي يستغرق زمننا كبير لأجل الخروج من نفقه المظلم وكل هذا الزمن هو محسوب من عمر الحكومة لاسيما اذا كان التغيير من طرف واحد يستعين بقوى سياسية تسير خارج الخيمة الوطنية وتكون نافذة للتدخل الخارجي في المعادلة الداخلية العراقية.
٦- الكل يعلم أن التيار الصدري تعرض في الآونة الأخيرة إلى عملية تفكك داخلي نتيجة الخلافات ولاسيما احداث النجف الاشرف وغيرها من المحافظات،فالكثير من القيادات القريبة من قيادة التيار اختلفت معها واستطاعت قيادة التيار الخروج منتصرة على تلك القيادات التي فقدت قوتها السياسية وقدرتها الميدانية لان بيانات السيد مقتدى الصدر افقدتهم الشعبية والشرعية وسط أفراد التيار،ومع ذلك تخشى قيادة التيار الصدري من سعي الإيرانيين لتقوية هؤلاء من خلال إيجاد تشكيلات وفصائل لهم على غرار مع ما حدث سابقا في التيار الصدري،لذا جاءت زيارة السيد مقتدى الصدر وحضوره لمجلس العزاء لأجل الاطمئنان بعدم وجود نية للقيادة الإيرانية بإيجاد هكذا أمر.
٧- البعض اعتبر ان السيد مقتدى الصدر ينطلق مستندا على علاقته الخارجية الجيدة ولاسيما الإقليمية ووزنه الشعبي والبرلماني لكي يلعب دور الوسيط بين إيران والسعودية من خلال تقليص أكبر قدر ممكن من العلاقات المتشنجة بين الطرفين،فاظهار الصورة ونشرها في وسائل الإعلام هو لأجل هذا الغرض بالذات وهي علامة قبول للعب هذا الدور.
٨- إظهار الصورة التي جمعت السيد مقتدى الصدر مع سليماني وسلامي والسيد الخامنئي فيها رسائل عدة ومنها ان من اعتبر انه تمكن من اختراق الحديقة الخلفية لإيران فهو واهم ،فإن الإيرانيين استطعوا من خلال ظروف المرحلة الراهنة ولاسيما الخارجية والإقليمية من احتواء قيادة التيار الصدري ولو تكتيكيا في هذه المرحلة بالذات.
٩- ظهور السيد مقتدى الصدر لاجل بعث رسالة مفادها السعي بالمضيء باتجاه سياسة التوازن لاسيما وانه سبق وأن تم اتهام قيادة التيار بقربها من المحيط العربي و الخليجي فالزيارة هي لأجل إيجاد التوازن بين المحاور.
١٠- ان الزيارة تمت بتدخل قيادةحزب الله اللبناني لتجديد العلاقة بين السيد مقتدى الصدر وايران نتيجةالظروف الراهنة والتي تمر بها المنطقة لاسيما حرب اليمن ومقتل جمال خاشقجي واحداث البحرين وغيرها،والتي تفق هذه الأحداث عائقا أمام عدم إمكانية تسخين العلاقات بين التيار الصدري والمحيط الإقليمي ولاسيما الخليجي مما مهدت هذه الظروف الطريق إلى عودة العلاقة بين الطرفين على نحو تبادل المنفعة المتبادلة بين الطرفين.
_________________
*(مجلة العصر الدولية)*: متخصصة بنشر تحليلات السياسة الدولية على الويتساب والتلجرام، تهدف الى تنمية *(الوعي والمقاومة والوحدة)*، تصدر من مركز العصر الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، يشرف عليها أستاذ العلاقات الدولية *(د. السيد محمد الغريفي)*.
رابط المصدر: