مجلس نواب الشعب.. مسار قيس سعيد نحو البناء القاعدي

رامي شفيق

 

بعدما انتظم مجلس نواب الشعب التونسي في جلسته الأولى، فقد طوى بذلك مرحلة الفراغ التي بدأت مع قرار الرئيس “قيس سعيد” بحل البرلمان فيما عُرف بمسار الخامس والعشرين من يوليو في عام 2021.

ولا ريب في كَوْن الثالث عشر من مارس الجاري يومًا لافتًا وحاسمًا في تاريخ “الجمهورية الثانية”، حيث شرع مجلس نواب الشعب في أعماله والتحرك صوب وظيفته: التشريعية، والرقابية، وأن يعمل على رفع منسوب الثقة في إطاره المؤسس بعدما ضجر المواطنون من ملامح الصراع خلال الدورة الأخيرة نتيجة الاستقطاب السياسي بين الكتل الحزبية.

وثمة مهام يقتضي أن يضطلع بها المجلس بحسب الأمر الذي صاغ الدعوة لهذه الجلسة، يتمثل في: تكوين لجنة النظام الداخلي باعتبارها ستعمل على توضيح العمل داخل البرلمان، أو العلاقة مع مختلف الأطراف سواء من: رئاسة الجمهورية، والحكومة، والمجتمع المدني، وكل من يريد المساهمة في العمل البرلماني. وكذلك ينبغي أن يضع المجلس كافة التصورات اللازمة نحو مواجهة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والعمل نحو تخفيف آثر تلك الضغوط بما ينبغي من تشريعات وقوانين تضبط آليات السوق.

بدت الجلسة الأولى للبرلمان مطابقة لجملة طالما رددها الرئيس غير مرة قائلًا: “لا عودة إلى الوراء”، وتماهي تسمية منصب رئيس مجلس النواب نحو عميد المحامين الأسبق “إبراهيم بودربالة” مع قناعات “سعيد” الذي تمثل في خلافه العميق مع منظومة النشاط السياسي الذي ينطلق من خلال منظومة حزبية، والتي قدرها سعيد من خلال متابعاته إبان حملته الانتخابية لمنصب رئيس الجمهورية باعتبارها بؤرة فساد ينبغي القطع معها نهائيا. كَوْن ذلك أيضا تطابق مع جملة دالة جاءت على لسان رئيس مجلس نواب الشعب المنتخب “إبراهيم بودربالة” أثناء الجلسة حين قال:

“انطلاقًا من هذه اللحظة، نحن كتلة واحدة، نعمل اليد في اليد، وذلك لرفع التحدّي، وهو أن يكون هذا المجلس محل رضا الشعب التونسي، كما أُؤكد أن هذا اليوم هو انطلاق فعلي لبناء تونس الغد خاصة بعد التدابير التي وقع اتخاذها منذ الخامس والعشرين من شهر يوليو من العام 2021م، والتي أنقذت البلاد من الويلات التي كنّا نعيشها”.

وأضاف “كل المراحل تمت بهدوء وكانت واضحة وشفافة واحترمت فيها كل الآجال، كذلك كانت الانتخابات ذات مصداقية وشفافية، إذ قدمت الهيئة العليا للانتخابات لأول مرة أرقام ذات مصداقية حول من شارك في الانتخابات، وأملنا أن نرجع الثقة في عملنا، وفي كل ما نقوم به احتراما للمسؤولية التي أناطها الدستور بعهدتنا”.

ذهب قيس سعيد في منظومته السياسية نحو تصور صاغه في جملة صريحة قائلا “إن الأحزاب السياسية تجاوزها الزمن، وإن الديمقراطية التمثيلية لم تعد تستجيب إلى تطلعات الشعوب، وأن الانتخاب على الأفراد، وحق سحب الوكالة منهم أمر معمول به في عدد من الديمقراطيات”.

تأسيسا على ذلك أعد الرئيس التونسي، مسار خارطة طريقه لصياغة مقاربة الديمقراطية في تونس من مرتكز يقوم على الأحزاب السياسية واللامركزية في إدارة شؤون البلاد، سواء عبر مجلس نواب الشعب، أو المجالس البلدية إلى ما يمكن أن نعرفه بـ “ديمقراطية مباشرة” تعكس علاقة مباشرة بين الشعب باعتباره صاحب السلطة الفعلية والنواب، مما يمكن الأول من قطع تلك الرابطة وقتما يرى ذلك في حق أي نائب يخالف وعوده الانتخابية، والتي من خلالها حظي بالثقة وامتلك حق التعبير عن صاحب السلطة.

مع نهاية ديسمبر 2021، رسم “سعيد” خارطة سياسية تبتغي إرساء مؤسسات حكم تقطع مع المنظومة السياسية والمؤسساتية التي حكمت تونس طيلة سنوات العقد الفائت، حيث جاءت أولى لبنات المنظومة الجديدة في وضع دستور جديد للبلاد يطرح تصورًا جديدًا لآليات الحكم، والتداول على السلطة، كانت نواتها الصلبة في إحداث وظيفة تشريعية تنقسم إلى غرفتين، الأولى: هي مجلس نواب الشعب، والثانية: تتمثل في مجلس الجهات والأقاليم.

نحو ذلك صدر في العدد الأخير “للجريدة الرسمية” بتاريخ التاسع من مارس الجاري مرسومًا يتعلق بحل المجالس البلدية، ونص الفصل الأول على: حل جميع المجالس البلدية إلى حين انتخاب مجالس جديدة.

وسبق أن أعلن الرئيس التونسي “قيس سعيد” لدى ترؤسه مجلس الوزراء مساء الأربعاء الثامن من مارس: إن المجلس نظر في “نص يتعلق بحل المجالس البلدية، وتعويضها بنيابات خصوصية”، وأضاف وفق مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية عبر صفحتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي في ساعة مبكرة من فجر الخميس: إن المجلس نظر أيضًا في “مرسومين يتعلقان بتنقيح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية، وبانتخاب المجلس الوطني للجهات”.

ولا يمكن قراءة قرار حل المجالس البلدية بعيدًا عن خارطة “سعيد” السياسية، ومسار مجلس نواب الشعب الذي عقدت جلسته الأولى، وانتخب رئيسه ونائبيه سوى من خلال مسار كامل يمضي فيه الرئيس نحو تغيير الخريطة السياسية للبلاد بما يسمح له بتطبيق رؤيته في إدارة شؤونها، خاصة مع صياغة القوانين الانتخابية التي ستضع الرئيس نحو أولوية مجلس الأقاليم والجهات وفق ما جاء في نص الدستور، وترحيل الانتخابات البلدية التي كان مزمع عقدها خلال شهر مايو القادم، والتعويض عن ذلك بنيابات خصوصية ويقصد بها:  مجلس غير منتخب تتم تسميته بقرار رسمي يقتضي القيام بوظائف المجلس البلدي ورئيسه.

إلى ذلك قد يبدو من المرجح أن أمر الغرفة الثانية الذي جاء في دستور تونس، سيرتبط أمر انتخابه بالمجالس البلدية في هيئتها الجديدة، وأن ذلك كله سيترقب القرار الخاص بالقانون الانتخابي القديم، وهل سيتم تعديله بمرسوم رئاسي لإجراء الانتخابات أم سيتكفل به مجلس النواب الجديد.

يبدو أنه من الصعوبة بمكان النظر إلى قرار حل المجالس البلدية باعتباره متأخرًا عن مسار الرئيس، إذ هدف بشكل رئيس لحصد عدة نتائج من وراء توقيت قراره، الأول: يستند إلى أن التركيبة القائمة للمجالس البلدية كانت ناتجة في الأساس عبر توازنات العشرية الأخيرة، وتحديدًا من عام 2014، وبالتالي تعبر عن أحزاب وقوى سياسية، بعضها لم يعد موجودًا في الساحة السياسية، والآخر قياداته في السجون بتهم فساد، وبالتالي فقدت هذه المجالس البلدية شرعيتها بأثر التحولات السياسية.

وثانيا: أن يأتي القرار وموعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد بعد ذلك بأيام، بحيث تبدو ملامح الوضع التشريعي مملوءة بغرفة مهمة ودالة، وكذا على اعتبار أن العهدة النيابية الخاصة بالمجالس البلدية ستنتهي في الأصل مع حلول شهر مايو المقبل، وبالتالي يبدو قرار حلها أمر غير لافت في هذا التوقيت.

هكذا يمضي الرئيس “قيس سعيد” نحو استكمال مشروعه المتمثل في البناء القاعدي، وهو مشروع دعا إليه غير مرة. ويتمركز هذا البناء حول إعادة البناء من الأطراف نحو المركز، حتى تكون القوانين والتشريعات كلها على اختلاف أصنافها ودرجاتها، معبرة عن إرادة الشعب في مختلف المناطق وصولا إلى المركز حيث المدن الكبرى والعاصمة السياسية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76131/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M