أصبحت الشركات الأمنية الخاصة (Private Security Companies) أحد الفواعل الدولية غير الرسمية، حيث ازداد تأثيرها في العلاقات الدولية نتيجة الأدوار التي تؤديها في مناطق الصراعات، وذلك بسبب سهولة التعاقد معها، بعيداً عن القيود القانونية المحلية والتبعات الدولية لإرسال الجيوش النظامية لدولة ما. ولا يقصد بالشركات الأمنية في هذه الدراسة تلك الشركات الخدمية التي تتولى تأمين المنشآت المدنية داخل دولها، أو حتى خارجها، وإنما الشركات المعنية محل الدراسة هي تلك الشركات التي تؤدي أنشطة من مهام الجيوش النظامية خارج حدود دولها، بصرف النظر عن الدافع الرئيسي لمسؤولي تلك الشركات وطبيعة العلاقات مع الجهات الحكومية، سواء كان الدافع هو المال أو لجوء الحكومات إلى الاعتماد عليها في تنفيذ سياساتها الخارجية، الخارجة على القوانين المحلية والدولية.
منذ الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، وحتى معركة العاصمة الليبية طرابلس 2020، برز دور العديد من الشركات الأمنية الخاصة في دول المنطقة العربية، وكان من أبرزها شركتان، الأولى تتبع الولايات المتحدة الأمريكية وهي “بلاك ووتر” في العراق، التي اشتهرت بجرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، والثانية مجموعة أو شركة “فاغنر”، المحسوبة على روسيا، في سوريا وليبيا وغيرها، رغم إنكار روسيا لوجود علاقة لها مع المجموعة. وفي حين أن كثيراً من الدراسات والتغطيات الإعلامية قد تناولت شركة “بلاك ووتر” حتى أصبحت غنية عن التعريف، لا تزال المعلومات المتعلقة بمجموعة “فاغنر” محدودة، ومن وجهة نظر غربية.
ولذلك تنبع أهمية الدراسة من فاعلية دور الشركات الأمنية، وتوظيف بعض الدول لها في تنفيذ أجندتها وتحقيق مصالحها، بأقل التكاليف المادية والمعنوية.
وتهدف الدراسة إلى التعرف على مجموعة “فاغنر” الروسية، والتعريف بها، وقد تصاعدت أنشطتها في أكثر من ساحة دولية، منها سوريا وليبيا وأوكرانيا وجزيرة القرم، وفي كثير من الدول، خصوصاً في إفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ لتثير هذه الحالة كثيراً من الشكوك عن مزاعم روسيا بعدم وجود علاقة لها مع هذه المجموعة، حيث تحاول الدراسة مناقشة وتفسير التغطية السياسية، ونوعية التسليح والدعم اللوجستي الذي تحظى به مجموعة “فاغنر”، وعلاقتها بتوجهات الحكومة الروسية ومصالحها.
وتستهل الدراسة بتناول ظاهرة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، من حيث التعريف بها وبأدوارها في العلاقات الدولية، ووضعها القانوني، وكيف تعمل، ومن ثم تنتقل للتركيز بشكل خاص على مجموعة فاغنر الروسية، التي تعد الهدف الرئيس للدراسة، من حيث تأسيسها وجغرافية انتشارها، خصوصاً في المنطقة العربية، وعلاقتها بالحكومة الروسية، والأدوار التي تؤديها، والتعرف على مدى تلاقي تلك الأدوار مع أهداف السياسة الخارجية الروسية ومصالحها، إضافة إلى التطرق إلى تجربة إحدى الدول العربية في توظيفها للشركات الأمنية الخاصة.
رابط المصدر: