تعاني الحكومة الألمانية من توفير وتأمين بدائل لإمدادات الطاقة الروسية، والذي أدى بدوره إلى تزايد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار. وبالتزامن مع ذلك تستغل الجماعات المتطرفة في ألمانيا الأزمات إلى زعزعة استقرار الديمقراطية الألمانية وتوسيع النقوذ داخل الولايات عبر تنظيم مظاهرات واحتجاجات حاشدة وتنفيذ هجمات على البنى التحتية. وفي ظل أزمة الطاقة تطمح برلين إلى إقرار حزمة من التدابير والإجراءات لتوفير بدائل ومعالجة النقص الحاد في إمدادات الطاقة و للحد من الارتفاع في الأسعار.
واقع التطرف في ألمانيا في ظل أزمة الطاقة
تنامى عدد المنتمين إلى اليمين المتطرف في عام 2021 إلى ( 33900) شخص أي بنسبة (1.8%) وتقدر هيئة حماية الدستور في 8 أكتوبر 2022 أن حوالي (40%) منهم لديهم استعداد لتنفيذ هجمات إرهابية. وارتفع عدد المنتيمن لليسار المتطرف إلى (34700) شخص أي بنسبة (1.2%) وحوالي (30%) منهم لديهم استعداد لتنفيذ هجمات إرهابية لتحقيق أهدافهم. ويبلغ عدد المصنفين كـ”خطيرين” ـالسلفية الجهاديةـ في ألمانيا في 11سبتمبر 2022 في مجال الإرهاب الإسلاموي (554) شخصاً، منهم (90) رهن الاحتجاز بالإضافة إلى ذلك هناك (527) شخصا ممن يوصفون بـ”ذوي صلة”، وهؤلاء هم الأشخاص الموجودون بالقرب من الأشخاص “الخطيرين”. محاربة التطرف في ألمانيا ـ جدلية التكامل والاندماج الأجتماعي . بقلم داليا عريان
معدلات التضخم وارتفاع الأسعار في ألمانيا
قفز التضخم في ألمانيا منذ أزمة أوكرانيا إلى أعلى مستوى مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، وارتفعت أسعار المستهلكين في سبتمبر2022 بنسبة (10.0 %) وترجع الزيادة في التضخم في ألمانيا إلى صعود تكاليف الطاقة بنسبة (43.9%) مقارنة بشهر سبتمبرعام 2021 بعد انتهاء عرض خفض تذاكر النقل وضريبة الوقود، رفع منتجو السلع الغذائية والمشروبات أسعارهم في ألمانيا منذ بداية عام 2021 بنسبة (16.6% ) في المتوسط.
ارتفعت في المقابل الأسعار في بيع المواد الغذائية بالتجزئة بنسبة متواضعة نسبياً تبلغ (6% )، وكانت (9) من كل (10) شركات في مجال تجارة التجزئة للسلع الغذائية تخطط لزيادات في الأسعار، ويرجع السبب الرئيس للأسعار المتزايدة لارتفاع قيمة التكاليف في شراء الطاقة والمواد الخام وغيرها من المنتجات الأولية والسلع التجارية.
كيف تستغل الجماعات المتطرفة أزمة الطاقة؟
حذرت السلطات الألمانية في 16 أكتوبر 2022 من تنامي تهديد الجماعات المتطرفة في ظل أزمة الطاقة وأكدت أن أزمة الطاقة تبعث الخوف والاضطراب الذي يعد هما وقود للمتطرفين والذي يؤدي بدوره إلى زيادة العبء وإلى زعزعة استقرار الديمقراطية في ألمانيا. وأضافت أنه يتعين على الأحزاب الديمقراطية إظهارموقف واضح والحد من الخلافات ومنح المواطنين الشجاعة”.
دعا حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف في 8 أكتوبر 2022 إلى مظاهرات حاشدة تحت شعار “أمن الطاقة وحماية من التضخم، بلدنا يأتي في المقام الأول” احتجاجاً على التضخّم وسياسة الطاقة التي تنتهجها الحكومة الألمانية واحتجاجاً على تزويد أوكرانيا أسلحة غربية، وشارك في تلك المظاهرات نحو (1400) شخص. اليمين المتطرف داخل وكالات الأمن و الدفاع الألمانية، حجم المخاطر والمعالجات
تقول وزيرة الداخلية الألمانية “نانسي فيزر” في 6 أغسطس 2022 “مثل هذه الدوائر تبحث حاليا عن مواضيع جديدة تساعدهم على التعبئة، وأكدت: “ما وحّد بالفعل المتطرفين اليمينيين وأوساط متطرفة أخرى مختلفة في احتجاجات كورونا هو القاسم المشترك: ازدراء الديمقراطية ومحاولة زعزعة الثقة في دولتنا”، في الوقت نفسه أكدت “فيزر” أن الشرطة الاتحادية وشرطة الولايات “مستعدة لمشهد الاحتجاج الجديد المحتمل”.
أعربت السلطات الألمانية عن قلقها حيال إمكانية محاولة المتطرفين ذو التوجه الإسلاموي واليميني واليساري استغلال الاحتجاجات لأغراض خاصة بهم كما حدث على سبيل المثال من أنصار حركة “مواطنو الرايخ” خلال جائحة كورونا في 14 أغسطس 2022. وأصبحت أزمة أوكرانيا موضوع نقاش ساخن بين المتطرفين اليمينيين في ألمانيا على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً في قنوات الدردشة، وهناك خطابات تدعو إلى عن تدفق “النازيين الجدد ” الألمان إلى أوكرانيا للقتال في 16 مارس 2022.
يرى “أندرياس زيك” الباحث الألماني في التطرف في 6 أغسطس 2022 أن “أسباب أي احتجاجات جديدة يمكن أن تكون سببها إجراءات كورونا وإجراءات توفير الطاقة الصارمة، وأضاف “علينا أن نفكر بشكل أكثر وقائية وأن نحدد الصراعات الاجتماعية الناشئة التي يمكن أن تتحول إلى تطرف، ونأخذها بجدية”.
جهود ألمانيا للحد من أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار
وافق البرلمان الألماني (بوندستاغ) في 21 أكتوبر 2022 على حزمة الإنقاذ الحكومية البالغة (200) مليار يورو والتي تهدف إلى حماية الشركات والأسر من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة ووافق البرلمان من أجل ذلك على تعليق جديد لمبدأ كبح الديون المنصوص عليه في الدستور ووفقاً لخطط الحكومة الألمانية ستكون أموال الصندوق متوفرة حتى عام 2024. واقترحت لجنة شكلتها الحكومة أن تسدد الحكومة الألمانية تكلفة خصومات في ديسمبر 2022 لجميع عملاء الغاز الألمان. واعتباراً من مارس 2023 يمكن تطبيق حد أقصى لسعر الغاز لحصة أساسية تبلغ (80%) من الاستهلاك العادي للعملاء العاديين وبالنسبة إلى كبار العملاء في قطاع الصناعة سيُطبق كبح لأسعار الغاز اعتباراً من يناير 2023.
سمحت حكومة المستشار الاشتراكي-الديمقراطي “أولاف شولتس ” لـ (27) محطّة فحم بمعاودة الإنتاج لفترة محدودة حتّى مارس 2024 للحد من أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار. وأوضح المستشار الألماني “أولاف شولتس” أنه إذا لم يتمكن وزراء الطاقة في أوروبا من الاتفاق على نسخة نهائية لتوفير إمدادت الطاقة، فستكون هناك حاجة إلى قمة جديدة لرؤساء الدول الأوروبية. وأكد المستشار الألماني إن “التعاون بين ألمانيا وفرنسا وكذلك بين المستشار والرئيس مكثف ومثمر”. وأضاف: “لقد تفاهمنا… إنها علامة جيدة على التضامن”، مؤكداً أنه تم وضع الأسس التي تمكن أوروبا من العمل واتخاذ القرار على نحو مشترك بشأن القضايا المتعلقة بارتفاع أسعار الطاقة”.
وافق مجلس الوزراء الألماني في 19 أكتوبر 2022 على تمديد عمل المفاعلات النووية الثلاثة، “إيزار-2 ونيكارفستهايم-2 وامسلاند” من أجل توليد الطاقة الكهربائية. وتوصلت الحكومة الألمانية في 21 سبتمبر 2022 إلى اتفاق لتأميم مجموعة “يونيبر” النفطية التي تواجه صعوبات مالية بسبب انقطاع إمدادات الغاز الروسي، في خطوة ضرورية لتجنّب إفلاس أكبر شركة ألمانية لاستيراد الغاز وما قد ينجم عن ذلك من اضطرابات كبرى في سوق الطاقة.
خصصت السلطات الألمانية في 29 سبتمبر 2022 نحو(200) مليار يورو لتحديد سقف لأسعار الطاقة وتخفيف العبء عن المستهلكين الناجم عن التضخم الذي يستمر بالارتفاع منذ أزمة أوكرانيا.دفعت أزمة أوكرانيا في يونيو 2022 ألمانيا على إيجاد إمدادات بديلة للطاقة من بلدان أخرى.
رجحت وزرة الاقتصاد الألمانية توقيع اتفاق لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من دولة الإمارات العربية المتحدة في 19 سبتمبر 2022، كذلك تسعى برلين إلى توقيع اتفاقيات أخرى مع منتجين آخرين في منطقة الشرق الأوسط بينها بلدان إفريقية، ودخلت الحكومة الألمانية في مفاوضات مع الجانب القطري لاستيراد الغاز الطبيعي المسال منذ بدء أزمة أوكرانيا.
أعلنت ألمانيا عن حزمة إجراءات اقتصادية بقيمة (65) مليار يورو للحد من ارتفاع تكاليف الطاقة في 5 سبتمبر 2022 وتشمل الحزمة مدفوعات لمرة واحدة لبعض الفئات من المواطنين وإعفاءات ضريبية لـ(9000) شركة كثيفة الاستهلاك للطاقة تصل إلى (1.7) مليار يورو، كذلك ضريبة استثنائية على أرباح شركات الطاقة تستخدم لتخفيف أسعار الطاقة. وزادت كمية الطاقة المخزنة في مستودعاتها من أقل من النصف إلى نسبة حوالي (84 %).
ردود فعل المواطن الألماني في ظل أزمة الطاقة
طالبت اتحادات اقتصادية واستهلاكية الحكومة الألمانية بتقديم المزيد من إجراءات الدعم السريعة والشاملة للمواطنين حيث أن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة من شأنه أن “يثقل بشكل كبير كاهل” الفئات الأقل دخلا بين السكان. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن (%60) من المستهلكين يحاولون تقييد مشترياتهم بالفعل لدى التسوق، فيما يستعد (76%) من الذين شملهم الاستطلاعات للتسوق بشكل أقل.
يشغل حوالي (67%) من الألمان الخوف من ارتفاع تكاليف المعيشة ليتصدر قائمة مصادر القلق عند الألمان ووجاء في المركز الثاني في قائمة العام 2022 الخوف من العجز عن دفع تكاليف السكن بـ(58%) وتلاها بفارق ضئيل (57%) الخوف من تردي الوضع الاقتصادي وبلغت نسبة المتخوفين من ارتفاع الضرائب أو تقليص الإعانات بسبب الأزمات (52%) في 14 أكتوبر 2022. “النازيون الجدد” خريطة الإنتشار في ألمانيا
التقييم
أصبحت الجماعات المتطرفة تتنامى أكثر فأكثر بالتوازي مع جهود الحكومة بالحد من أنشطتها وتزايد عديد الإسلام السياسي ،”السلفية الجهادية” واليمين المتطرف في ألمانيا في ظل الأزمات التي تعيشها ألمانيا خصوصا أزمة أرتفاع الأسعار وأزمة الطاقة تحديدا.
استغلت الجماعات المتطرفة تلك الأزمات واستياء المجنمع الألماني من ارتفاع مستوى المعيشة ومخاطر شح مواردها وتوقف إمدادات الغاز والنفط الروسيين لتوسيع نفوذها وتحقيق أجندتها السياسية عبر تنظّيم تظاهرات واحتجاجات حاشدة في عدة مدن ألمانية احتجاجاً سياسات الطاقة الجديدة التي تنتهجها السلطات الألمانية.
تأخذ السلطات الألمانية محاولات استغلال الجماعات المتطرفة لاحتجاجات التضخم وأزمة الطاقة لتنقيذ هجمات إرهابية على البنية التحتية للطاقة على محمل الجد بالرغم من عدم حدوث عمليات إرهابية بفضل جهود الاستخبارات والأجهزة الأمنية الألمانية.
دفعت أزمة الطاقة السلطات الألمانية لاتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لإيجاد مصادربديلة للطاقة ولإمدادات الغاز الروسي. فقد خصصت الحكومة الألمانية مليارات اليورهات لمواجهة أزمة الطاقة والأزمات الاقتصادية، فبجانب تقديم الإعانات والقروض تم شراء أجزاء من ملكية الشركات الكبيرة لضمان عدم انهيارها وسعت إلى توقيع اتفاقيات أخرى مع منتجين آخرين في منطقة الشرق الأوسط بينها بلدان إفريقية وعربية.
هنالك استياء داخل ألمانيا من تفاقم الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الطاقة حيث تقلل معدلات التضخم المرتفعة من القوة الشرائية للمستهلكين وتضعف القدرة المالية لهم. وبات من المحتمل على المدى القريب بسبب صعوبة توفير إمدادات الطاقة أن يصبح الوضع في غاية السوء وأن يسجل الاقتصاد الألماني الذي يعد أكبر اقتصاد في أوروبا انكماشا كبيرا.
الهوامش
دراسة عن الغلاء في ألمانيا: “الأسوأ لم يأت بعد”
https://bit.ly/3yYFyXA
أزمة الطاقة: ألمانيا تنفق 65 مليار يورو للحد من ارتفاع الأسعار
https://bbc.in/3CGRdvh
استطلاع: ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم يجبر الألمان على التقشف
https://bit.ly/3eBp1SH
مسؤول ألماني يحذر من “تزايد قوة المتطرفين” في ظل أزمة الطاقة
https://bit.ly/3T8O3Y8
شاهد | اليمين المتطرف يتظاهر في برلين ضد التضخّم وحكومة شولتز
https://bit.ly/3Tbn6mK
Ukraine war gives Germany’s fight against right-wing extremism new momentum
https://bit.ly/3gaxtZj
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: