أعلنت وزارة الخارجية الصينية يوم الاثنين الموافق 27 مايو 2024 عن “زيارات دولة” سيجريها الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، ونظراؤه الإماراتي الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، والتونسي “قيس سعيد”، وملك البحرين “حمد بن عيسى آل خليفة”، إلى الصين، بدءًا من يوم الثامن والعشرين من مايو حتى الأول من يونيو المقبل. وبحسب بيان الخارجية الصينية، سيحضر القادة العرب إلى جانب الرئيس الصيني “شي جين بينج” افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر لـ”منتدى التعاون العربي الصيني” الذي ستستضيفه العاصمة بكين يوم 30 مايو، كما ستُعقد مباحثات قمة بين الرئيس الصيني مع رؤساء الدول الأربع لتبادل وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وتعكس مشاركة قادة مصر والإمارات والبحرين وتونس بفعاليات افتتاح المؤتمر الوزاري العاشر وجود رغبة مشتركة في دفع العلاقات العربية الصينية إلى مرحلة جديدة من التعاون والتضامن، لا سيما في ظل ما يحيط بالمنطقة العربية من تهديدات متفاقمة ناتجة عن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
منتدى التعاون العربي الصيني في عامه العشرين
يعود تأسيس “منتدى التعاون العربي – الصيني” إلى يوم 30 يناير عام 2004، حينما أصدرت الصين وجامعة الدول العربية “بيانًا مشتركًا بشأن تأسيس منتدى التعاون بين الصين والدول العربية”. وفي يوم 14 سبتمبر من العام نفسه، انعقدت الدورة الأولى للاجتماع الوزاري للمنتدى في مقر جامعة الدول العربية. وقد اتفقت الرؤية الصينية مع نظيرتها العربية حيال أهمية إنشاء شراكة جديدة بين الصين والدول العربية في ظل الظروف التاريخية الجديدة، وذلك وفقًا لمجموعة من المبادئ التوجيهية، والتي تتمثل في: تعزيز العلاقات السياسية على أساس الاحترام المتبادل، وتعزيز التبادلات الاقتصادية الوثيقة بهدف التنمية المشتركة، وتوسيع التبادلات الثقافية القائمة على التعلم المتبادل، وتعزيز التعاون المشترك حول الشئون الدولية سعيًا إلى صون السلام العالمي ودعم التنمية المشتركة.
وفي سبيل تنفيذ هذه المبادئ، يتضمن المنتدى ثلاث آليات تنظيمية رئيسية. يعد الاجتماع الوزاري هو الآلية الأولى الرئيسية، حيث يُعقد ضمن هذه الآلية اجتماع دوري على مستوى وزراء الخارجية والأمين العام لجامعة الدول العربية مرة كل سنتين في الصين أو في مقر جامعة الدول العربية أو في إحدى الدول العربية بالتناوب، ويجري بحث سبل تعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتبادل الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكذلك القضايا المهمة المطروحة في اجتماعات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة. وتختص الآلية الثانية الممثلة في اجتماع كبار المسئولين بالتحضير للاجتماعات الدورية لوزراء الخارجية، وتنفيذ التوصيات والقرارات الصادرة عن الاجتماعات.
فيما تهتم الآلية الثالثة بإنشاء مجموعة من الآليات الفرعية والمرتبطة بشكل رئيسي بمدى تطور العمل بين الجانبين العربي والصيني ضمن إطار المنتدى. ووصولًا إلى عام 2024، تم إنشاء 17 آلية فرعية في إطار المنتدى، تتضمن مجالات متعددة، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والصحة والإعلام والتواصل الشعبي والفكري. كما أصدر المنتدى خلال هذه الفترة 85 وثيقة ختامية، وأصبح أداة فعالة في دفع وتعزيز علاقات الشراكة العربية الصينية.
ونتيجة لذلك، انعكس تطور العمل ضمن المنتدى العربي الصيني على مسار العلاقات بين الجانبين. فخلال عشرين عامًا، تطورت العلاقات الصينية العربية من مستوى “علاقات الشراكة” التي تم إقرارها عام 2004، إلى “علاقات التعاون الاستراتيجي”، والتي تم التوافق عليها خلال الدورة الرابعة للاجتماع الوزاري للمنتدى عام 2010، وصولًا إلى مستوى “علاقات الشراكة الاستراتيجية” والتي أقرها الجانبان خلال الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري للمنتدى عام 2018.
وعلى مستوى العلاقات الثنائية، ارتقت علاقات الصين مع كل من مصر والجزائر والسعودية والإمارات إلى مستوى علاقات “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، فيما جمعتها علاقة “شراكة استراتيجية” مع عشر دول عربية هي: قطر، والعراق، والأردن، والسودان، والمغرب، وعمان، وجيبوتي، والكويت، وفلسطين، وسوريا، إضافة إلى جامعة الدول العربية. كما انضمت 13 دولة عربية إلى “مجموعة الأصدقاء لمبادرة التنمية العالمية”.
واتصالًا بهذا، يُمثل التعاون العربي الصيني في بناء “الحزام والطريق” قوة دافعة في مسار تعزيز العلاقات. يتشكل نمط التعاون ضمن المبادرة وفقًا لصيغة “1+2+3″، والتي تتخذ التعاون في مجال الطاقة كقاعدة أساسية (1)، وفي مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين (2)، والمجالات الثلاثة العالية التقنية للطاقة النووية والأقمار الاصطناعية الفضائية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق (3)، بما يحقق في النهاية فوزًا مشتركًا للجانبين ويمهد الطريق أمام بناء رابطة المصير المشترك بين الصين والدول العربية معًا. وفي سياق المبادرة، تم تنفيذ أكثر من 200 مشروع ضخم، في مجالات مختلفة، بما في ذلك الطاقة، والبنية التحتية، وشبكات الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والتكنولوجيا النووية السلمية، والطاقة المتجددة، والتجارة الإلكترونية، الأمر الذي بدوره حقق استفادة لنحو ملياري نسمة من الجانبين.
وبحسب تقرير الاستثمار في مبادرة “الحزام والطريق” في الصين لعام 2021، استهدفت معظم استثمارات المبادرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي عام 2022، بلغت نسبة مشاركة مبادرة “الحزام والطريق” الصينية في الشرق الأوسط حوالي 23%، ارتفاعًا من 16.5% في عام 2021. وعلى صعيد العلاقات التجارية، ارتفع حجم التجارة السنوية بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى 398.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023، بزيادة تقدر بأكثر من عشرة أضعاف.
ومهد التعاون ضمن المنتدى أيضًا الطريق أمام مناقشات عربية صينية بشأن العديد من الصراعات الإقليمية في فلسطين، والعراق، وليبيا، والسودان، والصومال، وسوريا، واليمن. وقد لوحظ مؤخرًا انخراط صيني في جهود السلام والمفاوضات بالمنطقة، والتي تُوجت بنجاح وساطتها في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، في مارس 2023.
كما يبرز التعاون العربي الصيني في إطار التكتلات التي تقودها الصين على المستوى الدولي. فبحلول سبتمبر عام 2023، ارتفع عدد شركاء الحوار في “منظمة شنغهاي للتعاون” من الدول العربية إلى 6 دول هي: مصر، وقطر، والسعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين. وفي أغسطس 2023، قررت مجموعة “دول البريكس” دعوة كل من مصر، والإمارات، والسعودية، للانضمام إلى المجموعة.
قضايا محل نقاش
من المُتوقع أن يسيطر مجالات التعاون الاقتصادي وتطورات الحرب في غزة على مناقشات القادة، سواءً الثنائية، أو تلك المُنعقدة ضمن فعاليات الدورة العاشرة لاجتماع المنتدى الوزاري. وبحسب نائب وزير الخارجية الصيني “دنغ لي”، سيرتكز الاهتمام خلال الاجتماعات على تنفيذ توافق القادة، وتوسيع التعاون بين الصين والدول العربية في مختلف المجالات، مع تسريع بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي، وذلك عبر مناقشة ثم اعتماد ثلاث وثائق رئيسية: “إعلان بكين”، و”البيان المشترك بشأن القضية الفلسطينية”، و”البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني بين عامي 2024 و2026”.
وفيما يتعلق بتطورات الحرب في غزة، فقد تبنت بكين موقفًا مماثلًا إلى حد كبير لمواقف الدول العربية، وهو ما أوضحه “دنغ لي” بأن هناك ثلاثة أهداف قصيرة وطويلة المدى تصر عليها الصين دائمًا بخصوص الحرب في غزة، وهي: على المدى القصير، تطالب الصين بوقف فوري لإطلاق النار وتنفيذ قرار وقف إطلاق النار الذي أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب تخفيف الأزمة الإنسانية، بما في ذلك ضمان المساعدات الإنسانية، ومعارضة التهجير القسري للشعب الفلسطيني، والعقاب الجماعي لسكان غزة، علاوة على العمل على منع امتداد تأثير هذا الصراع والحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة بأكملها.
أما على المدى الطويل، فترى الصين أن حل قضية الشرق الأوسط لن يتحقق إلا باستقلال فلسطين ودولتها. ومن ثم يصبح التنفيذ الحقيقي لـ”حل الدولتين” ومعالجة مخاوف كافة الأطراف عبر الوسائل السياسية لتحقيق هدف الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية هو الحل الأساسي لقضية الشرق الأوسط وتحقيق السلام والأمن في المنطقة.
وتأسيسًا على ما تقدم، قد تتطرق مناقشات القادة في بكين إلى دعوة الجانب العربي للأخيرة، وربما التنسيق معها، للمشاركة في “المؤتمر الدولي للسلام” الذي تم الإعلان عنه خلال القمة العربية التي عُقدت مؤخرًا بالعاصمة البحرينية، المنامة. إذ تتفق الدعوة العربية مع موقف بكين حيال ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام بشأن القضية الفلسطينية، ووضع جدول زمني ملموس، وصياغة “خريطة طريق” لتنفيذ “حل الدولتين”.
وفي إطار إبراز جهودها كدولة راعية للسلام، قد تتطرق المناقشات أيضًا إلى توافق القادة بشأن أهمية استمرار الاجتماعات بين ممثلي حركتي “فتح” و”حماس”، والتي استضافتها بكين في أبريل 2024، ويتمثل الهدف منها في الدفع نحو المصالحة الفلسطينية الداخلية.
من المحتمل أيضًا أن يؤكد الجانب الصيني على أهمية تعزيز التعاون العربي الصيني بهدف التغلب على الصعوبات الناجمة عن حالة عدم الاستقرار العالمي الراهن، والتي نتجت عن ممارسات الهيمنة الأمريكية، الأمر الذي يتطلب العمل معًا للمضي نحو مستقبل من التعددية القطبية يحقق الربح للجميع.
وأخيرًا، قد تتضمن المناقشات تأييدًا عربيًا لجهود الصين الهادفة إلى الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها، فضلًا عن تأكيد استمرار الالتزام العربي بمبدأ “الصين الواحدة”، ودعم الموقف الصيني الرافض للتدخل الخارجي في شئونها الداخلية.
اعتبارات الدور الصيني
يعكس الاهتمام الصيني باستمرار زخم التعاون مع الجانب العربي إدراكها أهمية المنطقة العربية داخل خريطة التفاعلات العالمية. هذه الأهمية التي تشكلت في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، حين التزمت الدول العربية تبني نهج الحياد وعدم الاستجابة لمطالبات الجانب الغربي بقيادة الولايات المتحدة بالاصطفاف ضد روسيا، وبالتبعية ضد الصين، رغم التزام الأخيرة بمبدأ الحياد (المتقارب إلى حد كبير مع روسيا).
وفي ظل تنامي المنافسة الأمريكية الصينية، تتضاعف أهمية المنطقة العربية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية في مجالات التجارة، والطاقة، والبنية التحتية، والاستثمار، والتكنولوجيا، أو على مستوى متعدد الأطراف، بما يُمكن الصين من حشد الرؤى والجهود الهادفة إلى تحقيق رؤيتها لنظام عالمي متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الهيمنة الغربية المُقيدة لحضور الصين العالمي.
ومع ذلك، لا تزال الخطى الصينية تتسم بالحذر إلى حد كبير. فمنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، تجددت الدعوات الأمريكية والدولية المطالبة بتدخل الصين كوسيط لإنهاء الصراع، نظرًا لما تملكه من صلات وثيقة مع كافة الأطراف. في المقابل، التزمت بكين بتكرار الدعوة إلى وقف إطلاق النار، والمضي في محادثات للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وحتى حينما أسفرت الحرب على غزة عن تداعيات إقليمية مرتبطة بتصعيد حوثي في البحر الأحمر ومواجهة إسرائيلية إيرانية مباشرة، شددت بكين على ضرورة إنهاء الحرب، مع دعوة جميع الأطراف إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس لمنع المزيد من التصعيد.
فعلى الرغم مما أنتجه التصعيد في البحر الأحمر من إضرار بحركة التجارة الصينية العالمية، حيث زيادة تكاليف الشحن، وأقساط التأمين، وأوقات إضافية للرحلات المتوجهة من الصين إلى أوروبا، نتيجة الاضطرار لتغيير مسار السفن نحو رأس الرجاء الصالح، آثرت الصين الالتزام بنهج عدم التدخل المباشر والاكتفاء بموقفها الخطابي المعتاد.
ويمكن تفسير نهج الصين الحذر إزاء الحرب في غزة تبعًا لمجموعة من الاعتبارات، يتعلق أولها باستمرار قدرتها على تحمل تكلفة الضرر الناجم عن التصعيد، في مقابل عدم رغبتها تحمل أي تكلفة أمنية كتلك التي تتحملها الولايات المتحدة بالمنطقة. بعبارة أخرى، تفضل بكين أن تستمر واشنطن في تحمل مهمة الضامن الأمني للمنطقة، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على مصالح الصين بالمنطقة، ولا سيما التجارية والاستثمارية والأمنية، دون تحمل أي تكاليف إضافية.
فيما يرتبط الاعتبار الثاني برؤيتها الخاصة بتحقيق الانتقال إلى نظام عالمي مناهض للولايات المتحدة، وتُعد الحرب الإسرائيلية على غزة هي أحدث المحفزات نحو تحقيق الانتقال المنشود. وتتفق الصين دول الجنوب العالمي بشأن ما أسفر عنه الدعم الأمريكي لإسرائيل من إطالة أمد الحرب. وبناءً عليه، ترفض الصين كافة الدعوات المطالبة بالضغط على إيران لوقف التصعيد، وإنما ترى أن الحل يكمن في قيام الولايات المتحدة بممارسة نفوذها على إسرائيل لوقف هذه الحرب. واتصالًا بذلك، يسمح الانخراط الأمريكي المتزايد بمنطقة الشرق الأوسط بفرصة أمام بكين لتعزيز وتأمين تموضعها داخل مجالها الحيوي بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويتصل ثالث تلك الاعتبارات برغبة الصين في استمرار نجاح مبادرتها الأهم بمنطقة الشرق الأوسط، المتمثلة في اتفاق تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، حيث تدرك بكين أن ممارسة أي ضغوط سواء على إيران أو على الحوثيين، لن يحقق أي نتائج إيجابية، وإنما قد يُعرض العديد من المصالح الصينية بالمنطقة للخطر.
وبناءً عليه، من غير المتوقع أن يشهد الدور الصيني داخل المنطقة العربية تحولات جوهرية، وذلك طالما ظلت المصالح والخطط الصينية، ولا سيما الاقتصادية التنموية، الحالية والمستقبلية، متطلبة لهذا الدور. ويبقى رؤية ما ستخلص إليه اجتماعات المصالحة الفلسطينية التي تستضيفها بكين من نتائج، ومدى انعكاس ذلك على الدور الصيني إزاء القضية الفلسطينية لقياس مدى التغير أو الثبات بالسياسة الصينية إزاء المنطقة العربية.
المصدر : https://ecss.com.eg/46055/