عبد الامير رويح
تعاني اليوم المملكة العربية السعودية من ازمات ومشكلات داخلية وخارجية، تفاقمت وبحسب بعض المراقبين، بشكل كبير منذ تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في منتصف 2017، حيث سعى هذا الامير الشاب ومن خلال بعض القرارات والقوانين المهمة من اجل تعزيز سيطرته على مقاليد السلطة في المملكة والعمل على اقصاء الخصوم، الامر الذي اثار توتراً كبيراً بين افراد عائلة آل سعود الحاكمة، وتقليص دور الأمراء والحكام والعمل على تهميش المؤسسة الدينية في البلاد، يضاف الى ذلك اصدار العديد من القرارات والاوامر الملكية ضد الخصوم والمعارضين، حيث عمد في عام 2017، الى اعتقال العشرات من رموز العائلة المالكة والوزراء ورجال الاعمال، واحتجزتهم، في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض، ووجهت اتهامات بالفساد والكسب غير المشروع لعدد كبير منهم، وتوصلت إلى تسويات مالية مع بعضهم.
كما انه اقدم ايضا على تصفية بعض الخصوم ومنهم الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، الذي قتل في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر 2018، وهو ما اثار غضب واستياء العديد من الحكومات والشخصيات في مختلف دول العالم ومنها الدول الحليفة للملكة، كما انها شجعت بعض الشخصيات السعودية المعارضة، على فضح بعض القضايا والملفات التي ترتبط بجرائم النام السعودي وخصوصاً بما يتعلق بملف حقوق الانسان في المملكة.
وفشلت السعودية في وقت سابق بمحاولتها لشغل مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، فيما تم انتخاب الصين وروسيا لمدة ثلاث سنوات. ورحبت منظمات حقوقية بالنكسة التي لحقت بالرياض ومحاولاتها تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي. وكتب نائب المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية برونو ستاغنو على تويتر “وجه مجلس حقوق الإنسان اليوم تأنيبا كبيرًا إلى السعودية في ظل قيادة محمد بن سلمان”، في إشارة إلى ولي عهد المملكة.
وأضاف “هو البلد الوحيد الذي لم ينتخب، وتجنبه غالبية أعضاء الأمم المتحدة. المملكة تجني ما تستحقه بسبب انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ترتكبها في الخارج”. والسعودية هي الدولة الوحيدة التي ترشحت لشغل مقعد ولم يتم انتخابها. وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية للعالم العربي الآن” سارة ليا ويتسن “ما لم تتبنى السعودية إصلاحات واسعة كبيرة للإفراج عن المعتقلين السياسيين وإنهاء حربها الرهيبة في اليمن والسماح لمواطنيها بالمشاركة السياسية الحقيقية، فإنها ستظل منبوذة من العالم”. وقد رحبت المنظمة التي تمثلها التي أسسها الصحافي السعودي جمال خاشقجي بالنتيجة.
ملف حقوق الانسان
وفي هذا الشأن ناشدت عائلات سجناء رأي سعوديين زعماء العالم التطرق إلى مسألة حقوق الإنسان في المملكة خلال استضافتها لقمة مجموعة العشرين، معتبرة أن الضغط على الدولة الخليجية من بوابة صورتها الخارجية مفتاح الافراج عن أقربائهم. وعشية انطلاق الاجتماعات الافتراضية لأغنى دول العالم، نظمت مجموعة من النشطاء “قمة مضادة” من اجل محاولة إلقاء الضوء على سجل حقوق الإنسان في المملكة المحافظة التي تعيش حملة انفتاح اجتماعي ضخمة.
ودعت “بان أميركا” وهي مجموعة أدبية تدافع عن حرية التعبير إلى المنتدى عبر الإنترنت، مذكّرة بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول قبل أكثر من عامين. وقالت أريج السدحان شقيقة عبد الرحمن السدحان المعتقل في المملكة منذ آذار/مارس 2018 “كل أقربائنا في خطر. إنهم يواجهون الأخطار نفسها التي عايشها جمال خاشقجي بشكل يومي”. وتابعت متوجهة إلى الزعماء المشاركين في قمة العشرين “ستساعد أصواتكم في الحفاظ على حياتهم”.
واُحتجز عبد الرحمن السدحان في مكتب في الرياض تابع لهيئة الهلال الأحمر حيث كان يعمل بعدما أبدى آراء حول مسائل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية على حساب مجهول على تويتر، بحسب شقيقته. وتقول السدحان المقيمة في كاليفورنيا إنها واجهت تهديدات مصدرها غامض منذ أن تحدثت عن شقيقها، بما في ذلك تحذيرات بأنها ستُرمى “في شبكة الصرف الصحي”.
ومن أبرز السعوديين المحتجزين في المملكة لجين الهذلول البالغة من العمر 31 عاما، وهي شخصية رئيسية لعبت دورا كبيرا في حملة السماح للنساء السعوديات بقيادة السيارات. وقد اعتقلت في أيار/مايو 2018 قبل أسابيع من رفع المملكة حظرها على قيادة النساء، على خلفية تهم تتعلق بالتخابر مع جهات خارجية حسبما ذكرت وسائل إعلام قريبة من السلطات. وقالت شقيقتها لينا إن السجينة مضربة عن الطعام منذ 26 تشرين الأول/اكتوبر عندما زارها والداها ووجداها “ضعيفة للغاية ويائسة”. وأضافت لينا التي تعيش في أوروبا منذ عدة سنوات “لا ينبغي أن نستخف بقوة أصواتنا”، مضيفة “حتى كلمة واحدة للسؤال عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي، قول أسمائهم والتأكد من عدم نسيانهم، هي في الحقيقة أمر يمكن أن يؤدي لانقاذهم”.
وأقام الرئيس الأميركي الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة دونالد ترامب علاقة قوية مع القيادة السعودية وقادة الدولة الخليجية الآخرين، وتجنب التطرق إلى مسائل تتعلق بحقوق الانسان في هذه الدول. وتتناقض علاقات ترامب الوثيقة مع دول الخليج مع العلاقة الفاترة التي ربطت هذه الدول الغنية بالنفط بسلفه باراك أوباما الذي أثار بإبرامه الاتفاق مع الجارة إيران حول ملفها النووي مخاوف السعودية وجيرانها.
وروى الصحافي الشهير بوب وودورد في كتابه “غضب”، أنّ ترامب قال له في مقابلة رداً على سؤال عن علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، “لقد أنقذته”. وخلال منتدى القمة المضادة، قال السيناتور الديموقراطي كريس مورفي إنّه يتوقّع من الرئيس المنتخب جو بايدن التطرّق مجددا إلى مسألة حقوق الإنسان في السعودية وإلى ما اعتبره دعما من قبل المملكة لاسلام يشكّل “ركيزة للحركات المتطرفة العالمية”.
وكانت المملكة أكدت على لسان ولي العهد أن مرحلة الاسلام المتشدد فيها قد انتهت وسط حملة انفتاح اجتماعي كبيرة شملت إعادة فتح دور السينما والسماح بإقامة الحفلات الموسيقية والتخفيف من القيود المفروضة على المرأة. بحسب فرانس برس.
وقال مورفي “حان الوقت بالنسبة لنا لندرك أن السعودية هي حليف غير مثالي للغاية وأن أولوياتنا في هذه العلاقة كانت خاطئة منذ فترة طويلة”. وحث عشرات المشرعين الديموقراطيين إدارة ترامب على مقاطعة مجموعة العشرين، معتبرين أنها جزء من جهود السعودية لتحسين صورتها من دون الاقدام على اصلاحات حقيقية في مجال حقوق الانسان..
حزب سياسي معارض
على صعيد متصل أعلن عدد من المعارضين السعوديين، معظمهم خارج المملكة، تأسيس حزب للدفع في سبيل الإصلاح السياسي في السعودية وذلك في تحد لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد والذي اتخذ خطوات لقمع أي صوت معارض. ويحكم السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم وحليفة الولايات المتحدة، نظام ملكي مطلق بلا برلمان منتخب أو أحزاب سياسية. وقوبلت محاولات سابقة للانتظام في كيانات سياسية بالمملكة عامي 2007 و2011 بالقمع وألقت السلطات بالقبض على الأعضاء.
ودعا بيان تأسيس حزب التجمع الوطني إلى ”مجلس نيابي منتخب بالكامل … ويتم فصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وفق ضوابط دستورية“. كما تحدث الحزب في البيان عن ”انسداد الأفق السياسي“ داعيا إلى التغيير السلمي لمواجهة ”انتهاج السلطة المستمر لممارسات العنف والقمع“. وفوض العاهل السعودي الملك سلمان، الذي خضع لجراحة في يوليو تموز، معظم مسؤولياته إلى ابنه وولي عهده البالغ من العمر 34 عاما. وتولى الأمير محمد ولاية العهد عام 2017 وعزز سلطته.
واهتزت صورة الأمير محمد في الغرب بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في اسطنبول عام 2018. وأصدرت محكمة سعودية أحكاما بالسجن على ثمانية أشخاص لفترات تتراوح بين 7 و20 عاما في قضية مقتل خاشقجي. وينفي مسؤولون سعوديون أن ولي العهد كان له أي دور في الأمر لكن الأمير محمد أدلى بتصريحات في سبتمبر أيلول عام 2019 تشير إلى تحمله قدر من المسؤولية عندما قال إن الجريمة وقعت ”في ظل إدارتي“. وقالت مضاوي الرشيد وهي أكاديمية وعضو في حزب التجمع الوطني ”التوقيت مهم جدا… مناخ القمع يتزايد“. وذكرت أن الحزب سيعمل مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان دون أن يدعو إلى احتجاجات في المملكة. بحسب رويترز.
ويقول خبراء سعوديون إنه على الرغم من أن الأمير محمد أثار مشاعر الاستياء في أوساط بعض أفراد الأسرة الحاكمة فإنه يحظى بدعم آخرين وبدعم أجهزة الأمن. ومن بين أعضاء الحزب الجديد يحيى عسيري رئيس منظمة القسط الحقوقية التي تتخذ من لندن مقرا لها وعبد الله العودة ابن الداعية الإسلامي المسجون سلمان العودة والأكاديمي البارز سعيد بن ناصر الغامدي والناشط الشيعي أحمد المشيخص. وقال عبد الله العودة إن حزب التجمع الوطني يهدف إلى تأسيس حركة وطنية بالعمل مع ”الجميع داخل الأسرة الحاكمة وخارجها“.
ولطالما واجهت المملكة الثرية انتقادات دولية بشأن سجلّها الحقوقي، لكنها تزايدت منذ تعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وريثا للعرش في حزيران/يونيو 2017. واعتُقل عشرات المثقفين والناشطين الحقوقيين والكتاب ورجال الدين والأمراء منذ 2017 في إطار حملات متفرقة على خلفية تهم تتعلق بالفساد والتعامل مع جهات خارجية، ومن بينهم ناشطات في مجال حقوق المرأة.
اعتقالات وتهديدات
الى جانب ذلك اعتقلت السعودية صهر مسؤول كبير سابق في المخابرات يعيش في الخارج وكان قد أقام دعوى قضائية في الآونة الأخيرة أمام محكمة أمريكية يتهم فيها ولي عهد السعودية بمحاولة قتله، وذلك حسبما قالت عائلة المسؤول السابق. وقالت العائلة ومصادر مطلعة على الأمر في وقت سابق هذا العام إن السلطات السعودية اعتقلت بالفعل ابني سعد الجابري البالغين وشقيقه في مارس آذار لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من كندا التي يعيش فيها.
وكان الجابري مساعدا للأمير محمد بن نايف الذي كان وليا للعهد قبل أن يحل محله في عام 2017 الأمير محمد بن سلمان. وذكرت المصادر أن الجابري كان مطلعا على معلومات حساسة يخشى الأمير محمد أن تلحق الضرر به. وقالت عائلة الجابري في بيان على تويتر نشره نجله خالد إنه جرى استدعاء سالم المزيني، صهر الجابري، لمكتب أمن الدولة حيث تم احتجازه. وجاء في البيان أن اعتقاله واختفاءه هما أحدث أعمال الانتقام والترهيب من قبل ولي عهد السعودية ضد الجابري لتقديمه دعوى قضائية أمام محكمة اتحادية أمريكية بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب.
وكان الجابري الذي يعيش في كندا منذ أواخر عام 2017 قد زعم في دعوى أقامها في وقت سابق أمام محكمة اتحادية أمريكية في مقاطعة كولومبيا أن ولي العهد الأمير محمد أرسل فريقا لقتله في عام 2018 لكن السلطات الكندية أحبطت هذا المخطط. وقال بيان الأسرة إنه في عام 2017 تم تسليم سالم من الإمارات إلى السعودية ثم أطلق سراحه في يناير كانون الثاني 2018 بعد التوصل إلى ”تسوية“ ومنعه من السفر. بحسب رويترز.
وأضاف البيان أنه من ذلك الحين جرى استخدامه من قبل أمن الدولة بالسعودية كوسيلة للتواصل والتأثير على أسرة الجابري. واحتُجز بن نايف نفسه في السادس من مارس آذار مع اثنين آخرين من كبار أفراد الأسرة الحاكمة في خطوة وصفتها مصادر بأنها الأحدث في سلسلة من الإجراءات الاستثنائية من جانب ولي العهد لتهميش منافسيه والتخلص مما قد يبدو تهديدا لخلافته للملك سلمان. وقال مصدر مقرب من بن نايف إن عائلته ليس لديها أي تفاصيل عن صحته وظروف احتجازه منذ عدة أشهر. ولم يرد المكتب الإعلامي الحكومي على طلب للتعليق على وضع بن نايف.
رابط المصدر: