- يُعتقَد أن تعنّت نتنياهو إزاء محوري فيلادلفيا ونتساريم لا يهدف فقط إلى إفشال مباحثات وقف إطلاق النار لإطالة أمد الحرب، ولكن له دوافع أيديولوجية واستراتيجية تتعلق بتصور اليوم التالي، وتتمثل في السيطرة على مناطق في قطاع غزة على المدى البعيد، ونقل نموذج الضفة الغربية الأمني إلى القطاع.
- يُرجح ألا تتنازل إسرائيل عن وجود عسكري جزئي في محور فيلادلفيا، مع وضع منظومة مراقبة على الحدود تكون شريكة في إدارتها، وتمسُّكها بخيار التدخل العسكري في المحور إذا استدعت الحاجة الأمنية إلى ذلك.
- يُستبعَد أن تنسحب إسرائيل من محور نتساريم على مرحلة واحدة بل على مراحل عديدة، حتى تضمن نجاح الآلية التي تطلبها بخصوص منع عودة المسلحين الفلسطينيين إلى الشمال. أما بالنسبة لمعبر رفح فلا تمانع إسرائيل في الانسحاب منه، بشرط تسليمه إلى إدارة فلسطينية غير مرتبطة بالسلطة و”حماس” أو إلى جهة دولية.
- لا يُتوقع أن تصل المباحثات الحالية في القاهرة إلى نتائج إيجابية، سيّما بعد أن “ارتاحت” إسرائيل من رد “حزب الله” في 25 أغسطس على مقتل فؤاد شكر. ويُرجح أن يبقى نتنياهو يُماطل بخصوص المحورين وصفقة وقف إطلاق النار حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
يتمسك رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بشرط إبقاء سيطرة إسرائيلية (كاملة أو محدودة) على محور فيلادلفيا/صلاح الدين، وإيجاد آلية على محور نتساريم في وسط قطاع غزة تراقب عودة النازحين إلى الشمال، وذلك ضمن شروطه للموافقة على مقترح لوقف إطلاق النار. وفي المقابل، ترفض حركة حماس الموافقة على مقترح لوقف إطلاق النار دون انسحاب القوات الإسرائيلية من المحورين، وذلك ضمن انسحابها الشامل من قطاع غزة. وتحمل المباحثات الجارية حول المحورين دلالات تتعدى موضوع الصفقة، وتؤثّر في تصور “اليوم التالي” في قطاع غزة.
ترمي هذه الورقة إلى تحليل وفهم المصالح الإسرائيلية من السيطرة على محور فيلادلفيا، والبدائل المقترحة لها، وإمكانيات التوصل إلى تسوية بشأن المطالب الإسرائيلية بهذا الشأن.
المباحثات حول محور فيلادلفيا والمصالح الإسرائيلية
تمحورت مباحثات القاهرة بين الوفد الإسرائيلي والطرف المصري في 22 أغسطس 2024 حول إمكانية التوصل إلى حل للشروط الإسرائيلية حول السيطرة على محور فيلادلفيا (الشريط الحدودي مع مصر، والذي يمتد إلى طول 14 كيلومتراً من معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع إلى ساحل المتوسط شمالاً)، وإجراءات إدارة معبر رفح. وظهر الخلاف المصري-الإسرائيلي حول الإصرار الإسرائيلي على بقاء قوات إسرائيلية على معبر فيلادلفيا، في حين تطالب مصر بانسحاب إسرائيلي كامل من المحور، وتَعمَّق هذا الخلاف بعد أن تبنَّت الولايات المتحدة الطلب الإسرائيلي بهذا الشأن في أعقاب مباحثات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونتنياهو في 18 أغسطس، ولكنها أدخلت على المقترح حضوراً أقل للقوات الإسرائيلية ولمدة زمنية غير محددة.
ويبدو أن هناك خلافاً قد ظهر بين المؤسسة الأمنية والعسكرية ونتنياهو حول الوجود الإسرائيلي في المحور فيلادلفيا، إذ أشارت المؤسسة العسكرية إلى أنها قادرة على تحقيق مصالح إسرائيل الأمنية دون الحاجة إلى الوجود في المحور واحتلال معبر رفح، حيث صرَّح رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي أن الجيش قادر على الدفاع عن أمن إسرائيل من طرف الحدود المصرية-الإسرائيلية دون الحاجة إلى البقاء في محور فيلادلفيا، في إشارة إلى أن إسرائيل تستطيع التخلي عن هذا الشرط في المباحثات الحالية.
وتُمكن الإشارة هنا إلى مجموعة من المصالح الإسرائيلية في السيطرة على محور فيلادلفيا كما أفاد بها المؤيدون لهذه السيطرة:
أولاً، منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة؛ فقد سوّغت إسرائيل احتلالها لمحور فيلادلفيا بأنها تريد منع تهريب السلاح من مصر إلى قطاع غزة، ونشر الجيش الإسرائيلي أنباء عثوره على مجموعة من الأنفاق في المحور التي زعم أنها كانت تُستعمل لعمليات تهريب السلاح. وبالرغم من الإنكار والاستهجان المصري لهذه التصريحات، فإن أغلب التقديرات الإسرائيلية تؤكد أن الحدود المصرية-الفلسطينية كانت معبراً للسلاح المهرب إلى حركة حماس، وتَعتبر السيطرة عليه جزءاً من تضييق الخناق على الحركة بكل ما يتعلق بإمكانيه تزويدها بالسلاح في خلال الحرب أو منع خروج قادتها عبر المحور.
ثانياً، السيطرة على حدود استراتيجية ذات طابع سيادي للقطاع؛ وفي هذا الصدد يشير العقيد احتياط عميت ياغور، النائب السابق لرئيس الشعبة الفلسطينية في قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، إلى أن أهمية محور فيلادلفيا لا تتعلق بمسألة تهريب السلاح، التي يمكن التعامل معها بأدوات تكنولوجية وبحلول بديلة مختلفة، بل تكمن أهميته بأنه يشكل حدوداً دولياً مع دولة سيادية غير إسرائيل، وهو مورد استراتيجي مهم يحدد في النهاية مستقبل قطاع غزة وتطوره، ويقيّد مَن يحكمه.
ثالثاً، تحقيق رمزية النصر في الحرب من طريق احتلال المحور والبقاء فيه؛ فقد ظهرت هذه الرمزية في خلال احتلال معبر رفح في 7 مايو، حين رفع الجنود الإسرائيليين العلم الإسرائيلي على المعبر. كما أن البقاء في المحور والسيطرة عليه، بوصفه رمزاً للسيادة الفلسطينية، يعد واحداً من علامات الانتصار في الحرب، وبالذات أن نتنياهو كان مثابراً على مطلبه باحتلال المحور منذ الشهر الثالث للحرب، وقد حقق هذا الهدف، مُعتبراً أنه جزء من مفهوم “النصر الساحق” في هذه الحرب.
رابعاً، إضعاف حركة حماس؛ إذ تعتقد إسرائيل أن السيطرة على المحور يُضعف “حماس” خلال الحرب وبعدها، فقد مثّل المحور لحماس متنفساً للخارج رغم القيود المفروضة من مصر تحت الأرض (الأنفاق) وفوق الأرض (معبر رفح)، وفقدان المحور هو واحد من مظاهر الانتصار على حماس وإضعافها لاحقاً بصفتها قوة عسكرية وسلطوية. وتدرك حماس هذه المسألة لذلك فهي مُصرة على انسحاب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا ومعبر رفح، لأن مستقبل الحركة في قطاع غزة مرهونٌ في جزء كبير منه بانسحاب إسرائيل من المحور، فحتى على المستوى الفلسطيني فإن بقاء إسرائيل في المحور يعني فشلاً سياسياً مدوياً لعملية طوفان الأقصى لجهة أنها أدت إلى إعادة احتلال إسرائيل للمحور بعد أن انسحبت منه عام 2005.
خامساً، التأثير في تصور اليوم التالي للحرب؛ فالسيطرة الإسرائيلية على المحور سوف يمنح إسرائيل ورقة ضغط في بلورة التصور السياسي لغزة وفق مصالحها ورؤيتها. وينسجم هذا الأمر مع تصور اليوم التالي الذي وضعه نتنياهو، والذي ينطلق من نزع سلاح قطاع غزة، وعدم عودة حماس والسلطة الفلسطينية إلى إدارة القطاع، والمؤكد أن الأخيرة لن تقبل العودة إلى القطاع مع وجود السيطرة الإسرائيلية على المحور.
وظهر توجهان في إسرائيل حول تحليل موقف نتنياهو من معبر فيلادلفيا المعارض لموقف المؤسسة العسكرية؛ يعتقد أولهما أن تمسُّك نتنياهو بهذا الشرط له دوافع أيديولوجية واستراتيجية تتمثل في تقطيع القطاع إلى منطقتين: الشمال والجنوب من طريق تكريس محور نتساريم (الذي يبلغ طوله 6.5 كيلومتر، وسُمي على اسم مستوطنة كانت تقع على الطريق الساحلي لقطاع غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005)، ومحاصرة قطاع غزة عبر السيطرة على فيلادلفيا، بحيث يغرق الجنوب في مشاكله دون إمكانية تسليحه عبر الحدود المصرية، ويغدو الشمال تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ويكون فارغاً تقريباً من السكان الفلسطينيين على نحو يمهد للاستيطان فيها، فهي منطقة ساحلية وسهلة ويمكن أن تشكل منطقة سكانية واقتصادية مهمة لإسرائيل.
وفي هذا الصدد، تنشط مؤخراً حركة يمينية تطلق على نفسها اسم “العدالة للغلاف”، وتتكون من سكان الغلاف اليمينيين الذين يطالبون بالسيطرة الإسرائيلية على شمال القطاع، وتحويله إلى منطقة تجارية وسياحية وزراعية، فضلاً عن بناء منطقة عازلة بين القطاع وإسرائيل. وتتواصل هذه الحركة مع المؤتمر الذي نظّمه اليمين الاستيطاني في فبراير الماضي، والذي طالب بتهجير السكان الفلسطينيين من غزة، وعودة الاستيطان إلى القطاع، وشارك فيه وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي، كما أنها تتقاطع مع تصريحات مثابرة لوزراء في الحكومة، والذين يطالبون بالاستيطان في قطاع غزة وحتى تهجير الفلسطينيين منه.
ويعتقد أصحاب التوجه الثاني أن هدف نتنياهو هو إفشال مباحثات وقف إطلاق النار لإطالة أمد الحرب حتى موعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل. فبحسب تقديرات الجيش فإن إسرائيل قادرة على معالجة التحديات الأمنية في حال انسحابها من محور فيلادلفيا، إذ إن الوجود في المحور ليس حيويّاً لأمن إسرائيل، وبخاصة أن مصر تشترك مع إسرائيل في المصلحة بعدم دخول السلاح إلى قطاع غزة عبر أراضيها، إلا أن السبب الأساسي لإصرار نتنياهو على هذا الشرط هو فقط من أجل إفشال الصفقة.
اقرأ المزيد من تحليلات «مهند مصطفى»: |
الخيارات المطروحة للتسوية في محور فيلادلفيا
في خلال المباحثات بين الأطراف الثلاثة (مصر وإسرائيل والولايات المتحدة) طُرحت خيارات وبدائل عديدة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة على محور فيلادلفيا، يمكن إجمالها على النحو الآتي:
أولاً، تشييد جدار تحت الأرض على غرار الجدار المقام على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. طُرح هذا البديل قبل احتلال المحور، ولكنه يتطلب وقتاً طويلاً لتنفيذه، ويحتاج إلى حالة من الهدوء الأمني لبناء العائق تحت الأرض. ويُذكَر أن إسرائيل احتاجت إلى ثلاث سنوات لبناء هذا العائق بينها وبين غزة بتكلفة 3.5 مليار شيكل (مليار دولار)، مما يثير أيضاً مسألة مصدر تمويل هذا الجدار/العائق، لا سيّما أن إسرائيل تعاني من أزمة اقتصادية ستُصعِّب عليها تمويل بنائه في هذه المرحلة.
ثانياً، نصب تكنولوجيات متطورة للرصد والرقابة، ويقصد بهذا البديل تركيب كاميرات مراقبة ومجسات حساسة ترصد عمليات حفر الأنفاق أو التسلل عبر الحدود. وطُرحت هذه الفكرة مراراً بين الطرفين المصري والإسرائيلي، وطرحت في خلال مباحثات القاهرة الأخيرة بين الوفد الإسرائيلي ونظيره المصري. وتؤيد إسرائيل هذه الفكرة ولا تعارضها مصر مبدئياً، وتتمثل المسألة العالقة في هذا البديل في مسائل فنية تتعلق بالجهة التي تتحكم بهذه التكنولوجيات وكيفية مشاركة المعلومات الصادرة عنها، ومدة الإنذار التي تسمح لإسرائيل بالتدخل في حال اكتشفت عملية تسلل أو حفر نفق.
ثالثاً، بناء أبراج مراقبة؛ فقد طرحت هذه الفكرة في خلال مباحثات القاهرة، حيث اقترح الوفد الإسرائيلي بناء ثمانية أبراج مراقبة على طول محور فيلادلفيا (بما يشبه الوضع على محور “نتساريم”)، وفي المقابل اقترحت الولايات المتحدة بناء برجيّن فقط، ورفضت مصر المقترحَين الأمريكي والإسرائيلي، إذ إن بناء أبراج مراقبة على الحدود تعطي إسرائيل نوعاً من الوجود العسكري في محور فيلادلفيا.
رابعاً، نشر قوة دولية؛ ويدور الحديث في إطار هذا البديل على نشر قوات دولية تكون مسؤولة عن تأمين محور فيلادلفيا، وجاء هذا الاقتراح في خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن للقاهرة في 20 أغسطس، بحيث تُستَبدَل القوات الإسرائيلية في محوري نتساريم وفيلادلفيا بقوات دولية بمشاركة مصرية، وتُمنَح إسرائيل الحق في مراقبة القوة الدولية. ويبدو أن مصر رفضت هذا المقترح أيضاً، مُعتبرةً أن الحل هو بالعودة إلى الواقع الذي ساد قبل دخول القوات الإسرائيلية إلى المحور، في حين أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية أصدر بياناً جاء فيه أنه لم يتم التداول حول مسألة إدخال قوات دولية إلى المحورين.
وتشير المصادر إلى أن مصر قدمت مقترحاً لحماس حول محور فيلادلفيا بعد المباحثات التي أجرتها مع إسرائيل بمشاركة الولايات المتحدة، وتقترح الورقة المصرية انسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من المحور، مع بقاء قوات إسرائيلية فيه مؤقتاً، في حين تتعهد إسرائيل بالانسحاب الكامل من معبر رفح من اليوم الأول لتنفيذ الاتفاق. ويبدو أن حماس رفضت هذا المقترح، لأنها تدرك أن أي “مؤقت” يتحول إلى دائم بالنسبة لإسرائيل. كما أوردت مصادر عبرية أن نتنياهو وافق -بضغط من الرئيس بايدن- على انسحاب جزئي من محور فيلادلفيا، في خلال المرحلة الأولى من صفقة إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في القطاع.
أما بالنسبة لمعبر رفح، فتُطالب مصر و”حماس” بانسحاب إسرائيلي منه، وأوقفت مصر دخول المساعدات إلى قطاع غزة عبر المعبر مع وجود الجانب الإسرائيلي في الطرف الآخر منه. ومع ذلك يبدو أن إسرائيل منفتحة أكثر للتنازل عن السيطرة عن المعبر، ولكنها في الوقت نفسه لا تزال متمسكة بموقفها الرافض لأي إدارة فلسطينية من حماس أو السلطة الفلسطينية على المعبر.
وطُرحت بدائل عديدة للسيطرة الإسرائيلية على معبر رفح، أهمها نقل المعبر إلى نقطة التقاطع الحدودية الثلاثية (قرب معبر كرم أبو سالم) بين مصر وإسرائيل وغزة، بحيث تكون إدارة المعبر مشتركة بين الأطراف الثلاث، أو أن تُدير مصر المعبر من الجهتين، وهما مقترحان رفضتهما مصر رفضاً قاطعاً. كما طُرح تشكيل إدارة مدنية فلسطينية للمعبر لا تكون مرتبطة بالسلطة الفلسطينية و”حماس”، أو تسليم المعبر إلى شركة مهنية أجنبية مختصة بإدارة المعابر، ويدور الحديث في المباحثات الأخيرة عن قوة دولية تُدير المعبر بالتزامن مع وجود هذه القوة على محور فيلادلفيا.
محور “نتساريم”
جاءت السيطرة على محور “نتساريم” كجزء من العمليات العسكرية لفصل الشمال عن الجنوب في القطاع، ومنع عودة النازحين إلى الشمال، إذ تسمح القوات الإسرائيلية بخروج الناس من الشمال إلى الجنوب وليس العكس، وقطع خط الإمداد العسكري لحماس بين المنطقتين. استغل نتنياهو بدايةً هذا الواقع، ووضع شرط السيطرة الإسرائيلية على المحور باعتباره أحد الخطوط الحمر لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع “حماس”، وسوّغ هذا الموقف بأنه يريد منع عودة المسلحين إلى الشمال.
وسّع الجيش الإسرائيلي محور نتساريم ما بين 2 و4 كيلومترات، ومن أجل توسيعه وتأمينه هدم الجيش مئات البيوت والمباني الفلسطينية. وبنى الجيش الإسرائيلي على المحور ثمانية مواقع عسكرية؛ أربعة في الشمال وأربعة في جنوب المحور. ويُؤمّن المحور آلاف جنود الاحتياط الذين ينفذون عمليات دهم وتمشيط بالقرب من المحور، وينظمون جولات مراقبة على طوله. وفي هذا الصدد، يُشكل المحور عبئاً على جنود الاحتياط الذين لا يستطيعون الاستمرار في الخدمة مع ما يحمل ذلك من أعباء اقتصادية واجتماعية، والبقاء طويلاً في قطاع غزة. فجميع الجنود في المحور سوف يُنهون في السابع من أكتوبر 2024 ما بين 200-300 يوماً خدمة في الاحتياط، وبقاؤهم في المحور دون حل سيشكل عامل ضغط على الجيش.
يوجد في محور “نتساريم” ألوية الفرقة 99 العسكرية، ويشير الضباط الذين يخدمون في المحور إلى أن السيطرة على المحور وتوسيعه هو واحد من “الإنجازات العسكرية الاستراتيجية البرية للجيش في الحرب”. ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي مستعد للتنازل عن السيطرة عن محور “نتساريم”، وأكد أنه يستطيع منع عودة المسلحين إلى الشمال دون الحاجة إلى البقاء في المحور، وأشار نتنياهو إلى أنه تنازل عن شرط البقاء في المحو في 27 مايو، ولكنه طالب بوجود آلية تمنع عودة المسلحين إلى الشمال، وهو أمر يعارضه الجيش أيضاً، مشيراً إلى أنه يستطيع العمل ضد المسلحين في الشمال دون وجود آلية محددة لذلك على الأرض.
أفق المباحثات ومستقبل المحورين
التمسك الإسرائيلي بشروط السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا سيعني فشل المباحثات الحالية حول وقف إطلاق النار. وإذا افترضنا أن الذي يدفع نتنياهو إلى التمسك بشروطه هو جزء من تكتيكات تفاوضية لتحصيل أكبر عدد من المصالح في المباحثات، فإن إسرائيل على ما يبدو لن تتراجع عن موقفها ببقاء شكل من أشكال السيطرة الإسرائيلية المباشرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، ووجود آلية لمنع عودة المسلحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع، وهو ما يعني أن مصير المباحثات الحالية هو الفشل؛ إذ لن تقبل حركة حماس التوقيع على مقترح يسمح بوجود إسرائيلي في محور فيلادلفيا ومعبر رفح، كما لن تقبل مصر بوجود عسكري إسرائيلي على حدودها بخلاف الاتفاق الأمني الموقع بين الطرفين عام 2005.
وإذا افترضنا أن نتنياهو يتمسك بالسيطرة على محورَي نتساريم وفيلادلفيا كجزء من رؤيته لليوم التالي للحرب، فهذا يعني أن إسرائيل تنوي احتلال القطاع والبقاء فيه طويلاً، والتأثير بشكل مباشر على بلورة اليوم التالي للحرب بما ينسجم مع تصور نتنياهو الذي ينطلق من رفضه لأي حكم فلسطيني مرتبط بالسلطة أو “حماس”، وهو أيضاً سيعني فشل المباحثات الحالية واستمرار الحرب في القطاع.
تشير التطورات في مباحثات القاهرة إلى أن إسرائيل لن تتنازل عن وجود عسكري معين في محور فيلادلفيا، مع وضع منظومة مراقبة على الحدود تكون شريكة في إدارتها، وتمسُّكها بخيار التدخل العسكري في المحور إذا استدعت الحاجة الأمنية إلى ذلك. وهذا الخيار الإسرائيلي لن يكون مقبولاً لدى حركة حماس على الأقل التي أعلنت معارضتها للمقترح الجديد المتعلق بمحور فيلادلفيا. وفي الوقت نفسه يبدو أن بناء محور نتساريم مستمر، وأن انسحاب الجيش الإسرائيلي منه لن يكون على مرحلة واحدة بل على مراحل عديدة، هذا في حال وافقت إسرائيل على الانسحاب الكامل من المحور.
استنتاجات
تشير المباحثات حول محوري فيلادلفيا ونتساريم إلى أنها لا تتعلق بصفقة تبادل الأسرى ووقف القتال فحسب، بل تتعلق بمصالح استراتيجية بعيدة المدى، إذ إن تحديد مستقبل المحورَين يُحدد عملياً شكل اليوم التالي في القطاع.
ويدور الخلاف في إسرائيل حول مستقبل المحورين، بين التوجه الذي لا يريد البقاء في غزة بعد انتهاء الحرب، والتوجه الذي يهدف إلى البقاء بغزة في شكل من الأشكال، وربما السيطرة على مناطق في القطاع على المدى البعيد، ونقل نموذج الضفة الغربية إلى قطاع غزة، والذي يتمثل في السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الحدود، وتقسيم القطاع إلى مناطق مختلفة، وربما عودة الاستيطان إلى الشمال أو منطقة غوش قطيف.
وبناءً على كل ذلك، لا يُتوقع أن تصل المباحثات الحالية في القاهرة إلى نتائج إيجابية، سيّما بعد أن “ارتاحت” إسرائيل من رد حزب الله في 25 أغسطس على مقتل فؤاد شكر، والذي منحها إمكانية استمرار عملياتها العسكرية في غزة، وتدشين عملية أمنية وعسكرية جديدة في الضفة الغربية، دون ضغط كبير من الجبهة الشمالية. ويُرجح أن يبقى نتنياهو يُماطل بخصوص المحورين وصفقة وقف إطلاق النار حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل.
المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/mihwaran-filadilfia-wanitsarim-fi-altasawur-al-israyili