د. جاسم يونس الحريري
عندما كنت أقرأ ما كشفته صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية في السابع عشر من فبراير 2020 أن صاحب موقع أنترنيت إسرائيلي يدعى اليكس ليفشين أستغل قرار الداخلية الاسرائيلية، وحصل على الترخيصات اللازمة، وقام بزيارة الى السعودية، لافتة في الوقت عينه الى أن ليفشين هو الاسرائيلي الاول الذي يقوم بزيارة رسمية، وعلنية للسعودية بعد الاعلان من وزير الداخلية الاسرائيلي عن السماح لمواطني (اسرائيل) بزيارة السعودية، وعدم اعتبارها بلدا عدوا، وهنا برز أمامي تساؤل مهم، ماهي مخاطر السياحة بين (اسرائيل) ودول الخليج؟ ولأجل الاجابة عن ذلك يمكن تأشير بعض منها وكما يأتي:
1. يستغل جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) كل القنوات العامة، ومن ضمنها “باب السياحة” لزج ضباط أستخباراته سواء هم في الخدمة حاليا، أو المتقاعدين منهم والذين يعملون تحت واجهات وهمية مختلفة “محلل سياسي، صحفي في قناة اسرائيلية، رئيس شركة، مرشد سياحي، رئيس كروبات سياحية …الخ”، لجمع المعلومات عن الدول المستهدفة، ودراسة أمكانية التفتيش عن عملاء، ووكلاء لهم لتشخيصهم، وادامة العلاقة معهم بصورة أولية، لدراسة أمكانية لتجنيدهم مستقبلا، والقيام بواجبات، ومهام استخبارية لاحقا في حالة توتر العلاقات مع الدول المستهدفة، وحتى يتم ذلك في وقت السلم .
2. في تقرير أعده “نادي المراسلين الشباب في سوريا” كشف عن “أشهر الجاسوسات الاسرائيليات المومسات“، وتطرق الى استغلال الدولة العبرية، والموساد للنساء لتحقيق أهدافهم، ليس فقط في التجسس، ولكن توسع الامر ليصل الى مكاسب في السياحة، والاقتصاد، وعقد صفقات تجارية، وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية في بحث لها تحت عنوان “التجارة التجسسية المزدهرة” الى وجود فتيات، يعملن تحت بصر الاجهزة الامنية في (اسرائيل)، أعمارهم ما بين 16الى 20عاما في مجال توريط الشخصيات التي يدفعون تجاهها لممارسة الجنس معها لسحب المعلومات منها.
3.أستغلال (اسرائيل) لبوابة “السياحة الطبية” لزيادة أواصر التطبيع، وقبول وجود (اسرائيل) كواقع حال في دول الخليج، وهناك توجد عدة مؤشرات على سعي (اسرائيل) لاختراق دول الخليج من خلال “البوابة السياحية الطبية”، أذ نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الاسرائيلية على موقعها الالكتروني في الثلاثين من يونيو2017، أن وزير السياحة الاسرائيلي “يريف ليفين” يعكف آنذاك على وضع خطة، هدفها تشجيع السياحة الطبية بين (اسرائيل) ودول الخليج، مستفيدة من الازمة بين دول مجلس التعاون الخليجي وقطر، ومن دعوات التطبيع الصادرة من جهات سعودية، مختلفة. وقالت الصحيفة “أن الازمة في الخليج، والحصار على قطر عوامل ساهمت في تسخين العلاقات بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية”، ولفتت الصحيفة الاسرائيلية الى أن وزير السياحة الاسرائيلي أقر أنذاك خلال زيارة له الى بولندا “أنه أجرى أتصالات مع جهات رفيعة المستوى في البيت الابيض لطلب التوسط بين وزارته (وزارة السياحة) وبين عدد من دول الخليج”.
وقال ليفين” لم نصل بعد الى مرحلة تدفق السياح من دول الخليج الينا، لكن الدمج بين المعرفة المتوفرة لدينا في أنقاذ الحياة عن طريق العلاجات الطبية، وبين قدرتهم على الدفع من شأنه أن يكون بكل تأكيد مرحلة أولى في الطريق الى تسخين العلاقات”، وكانت تقارير اسرائيلية، وغربية سابقة قد تحدثت في السنوات”2012-2017” عن وصول أثرياء من بعض دول الخليج، ومن أبناء الاسر الحاكمة في عدد من البلدان، لتلقي العلاج في مستشفيات اسرائيلية، في ظل تكتم شديد. وذكرت هذه التقارير أن سيدة من العائلة الحاكمة في الامارات العربية المتحدة كانت قد تلقت علاجا في مستشفى (رمبام) في حيفا قبل عدة سنوات.
4.توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع السياحة بين اسرائيل ودول الخليج: يقول الباحث السعودي في الدراسات العبرية بالمعهد الدولي للدراسات الايرانية “عبد العزيز المزيني” أن أهتمام (اسرائيل) بأختراق دول الخليج من البوابة السياحية جعل “الدراسات الاسرائيلية تركز على ضرورة تغيير الطريقة التي تعمل بها اسرائيل مع العالم العربي، وعكسها، بحيث تبدأ من الاسفل الى الاعلى، أي التواصل مباشرة مع الشعوب العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت هذه الفرصة”.
وسخرت (اسرائيل) وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حساب تويتر “اسرائيل في الخليج” التابع للخارجية الاسرائيلية في تعليقه المتكلف على العديد من المناسبات في دولة مثل السعودية بدت معه (اسرائيل) كما يقول ”ها أنا ذا أنظروني” وفقا للباحث السعودي سالف الذكر الذي لفت الى أن “التفاعل الاسرائيلي مع الشأن الخليجي الشعبي مباشرة كان مدروسا، وجاء بناء على دراسات مستفيضة خلصت الى أهمية توظيف امكانات شبكات التواصل الاجتماعي في كسر اسرائيل عزلتها مع جيرانها”، كما نقلها الصحفي ”مصطفى الانصاري” في مقالة له في أحدى المواقع الالكترونية الاخبارية.
5.أستغلال اسرائيل الخطوات الخليجية في مجال السياحة: بعد تراجع الاقتصاد السعودي، وهروب المستثمرين، بفعل عدم الاستقرار الامني، وزيادة الدين العام الذي بلغ 610،6مليارات ريال مايعادل 162،8مليار دولار حتى نهاية الربع الاول من عام2019 أتجهت السعودية الى أستقبال سياح من غالبية الدول الاوروبية، وشرق آسيا دون النظر الى ديانتهم في محاولة منها لوقف هذا التدهور دون أن تضع أي شرط ما يعني ضمنا السماح للاسرائيليين بزيارة المملكة، وسبق السعوديين الاسرائيليين في التشجيع على أجراء رحلات سياحية، لاسيما من خلال جهات أعلامية أخذت على عاتقها ترويج التقارب مع (اسرائيل)على مرأى، ومسمع من سلطات المملكة التي بدا صمتها مؤيدا للتقارب.
وفي أغسطس2019 قالت الصحفية، والكاتبة السعودية “سكينة المشيخص” في لقاء خاص مع قناة “مكان” الاسرائيلية” لاتوجد لدينا مشكلة سياسية مع اسرائيل .اسرائيل لم تطلق علينا حتى رصاصة”، وعن زيارة (اسرائيل )مستقبلا تقول المشيخص “الزملاء الذين زاروا اسرائيل أستفادوا بأن رأوا اسرائيل من الداخل، وأنا مستعدة أن أزور اسرائيل في المستقبل بالتأكيد”، وتابعت من وجهة نظري “السلام مع اسرائيل ليس خسارة، أنما مكسب للجميع.أعتقد أن هذه الفرصة ستكون قريبة جدا” .
التصريحات التطبيعية التي أدلت بها الكاتبة السعودية جاءت بعد أيام من فضيحة كان بطلها مواطنها المدون “محمد سعود” الذي تعرض لاهانة كبيرة من قبل الفلسطينيين، حين حاول دخول المسجد الاقصى، وتعرض “سعود”، وهو طالب من كلية القانون بالعاصمة السعودية للرشق بمقذوفات، وطرد من باحة الاقصى، وزار سعود برفقة صحفي عربي-اسرائيلي بعد تلقيه دعوة من وزارة الخارجية الاسرائيلية، والتقى خلالها البرلمان الاسرائيلي، أضافة الى الاجتماع بشخصيات رسمية هناك.
تلك الخطوات السعودية التشجيعية قد تكون أحد الاسباب الداعية لرد المبادرة بزيارات اسرائيلية، سياحية للمملكة. فقد بدأت نتائج التطبيع الذي تقوده السعودية تظهر بين أوساط المجتمع الاسرائيلي، أذ رفع أحد الاسرائيليين علم المملكة في القدس المحتلة، مع مطالب بالسماح له بزيارتها، وأحتفت وزارة الخارجية الاسرائيلية بطلب مواطنها، أذ نشرت مقطع فديو له على حسابها في موقع” تويتر” في دلالة على تبنيها فكرة تبادل الزيارات بين السعوديين والاسرائيليين، وقال الاسرائيلي في الفيديو المتداول” كلي أمل أن يتحقق السلام مع السعودية، وأتمكن من زيارتها، فيما يتمكن السعوديون من زيارة اسرائيل” وما يشجع الاسرائيليين على زيارة السعودية هو تمتعها بمواقع تأريخية، عديدة تعود لفترات ماقبل ظهور الاسلام، بينها مواقع لليهود بعض أثارها قائمة حتى اليوم.
ويعتبرها الاسرائيليون أماكن أسلافهم، وهو ما سيشهد رحلات سياحية للاسرائيليين لزيارتها في حالة لم تضع الرياض شروطا تمنع دخول وفود سياحية اسرائيلية للبلاد عندما تفتح المملكة أبوابها للسياح من جميع دول العالم حسب ما نقله موقع الخليج أونلاين.
رابط المصدر: